طيلةَ أسبوعٍ كاملٍ وأنا حاضرٌ في المعرض الجهوي للكتاب، الذي نظمته – مشكورةً – المديرية الجهوية لجهة الشرق قطاع الثقافة، التابعة لوزارة الثقافة. وخلال هذا الأسبوع بعْتُ كُتُباً، واشتريت كُتُباً، ومُنحت لي كتبٌ، وتابعْتُ توقيعاتِ كتبٍ، إضافةً إلى ما رأيتُ من كتب معروضةٍ، وأول ملاحظةٍ عن هذه الكتب أنَّ أغلبَها كتب أدبية، نقدية، والمشترون يقبلون عليها أكثر مما يقبلون على سواها، والشبابُ بخاصَّةٍ يقتنون الروايات، والأطفال يشترون القصص... هذا عن الكتب.. أمَّا عن الندوات التي أقيمت، فهي ندوات عن بعض كتبٍ صدرت حديثةً لبعض الأساتذة والمبدعين، وقد تناولَها أساتذةٌ أصدقاءٌ بالتقديم والوصف وشيء من القراءة، وقليل من النقد والتحليل، وأكثر ما طغى على هذه القراءات الوصفُ؛ وَصْفُ الكتاب.. ووَصْفُ صاحبِ الكتاب! وقد نتجاوزُ عن هذا الأمر، ونقول إنَّ طبيعةَ اللقاءات، وظرفيْ الزمان والمكان، فرضوا هذا النوع من القراءات... لكن، ما لا نتجاوزُ عنه هو تشابهُ القراءات، وتكرار نفس الطريقة والمنهج في عرض الكتب وأصحاب الكتب، وأكثر منْ هذا التعامل مع الحاضرين، - وأكثرهم أساتذة لهم نصيب من الثقافة الممتازة – وكأنهم تلاميذ في فصلٍ دراسيٍّ، يحتاجون إلى تعريف المصطلحات، وأسماء الأعلام، وحياة فلان وفلان، ويا ليت كانت مصطلحاتٍ جديدةً، وأعلاماً مغمورين! لكن، هي مصطلحات معروفة، وهم أعلام مشهورون؛ فعلى سبيل المثال، راح أحدُ (المُحاضرين) يسردُ على مسامع (الحاضرين) سيرة الكاتب المغربي (المشهور جداً) "محمد شكري"، ويحكي لهم عن مشواره في الحياة والسجن والأدب، وكأن الحاضرين لا يعرفون "شكري"، ويفيدُهم أن يُعَرٍّفَه لهم أحدُهم! و(مُحاضرٌ)، راحَ يشرحُ كلمةً للحاضرين، ويقسِّمُها، ويجْمعُها، ويطرحُها، ويعرضُ فيها آراء فلاسفة الشرق والغرب وعلماء التربية ورجال السياسة والخطابة، وكأن هذه الكلمة هي مفتاح العلوم، والبوابة التي يدخل منها المتكلمون! وهو وحده من يملك هذا المفتاح، ويعرف تلك البوابة! و(مُحاضرٌ) ثانٍ، ظل أكثر من ثلاث ساعات، وهو يتحدث عن (الأمازيغية)، وعن حاضرها ومستقبلها، ويضعُها حيث لا موضع لها بين لغات الأمم المتقدمة والمسيطرة، وكأنَّ اللغةَ يجبُ أن تفرض وجودها بمبناها ومعناها، وليس بأبنائها وبما يقدمون وينتجون، وجعلَ يلومُ الذين يعلمون أبناءهم اللغات الحيَّةَ ولا يعلمون أبناءهم اللغةَ (الأمازيغية)، غافلاً أنَّ أي لغةٍ تفرضُ نفسَها بقوة العلوم والاقتصاد والهيمنة السياسية والسيطرة الحربية، وليس بالحروف واللسانيات. وأن في عصرنا هذا لا فرق في الانحطاط والتخلف بين (الأمازيغية) وبين (العربية) نفسها، التي راحَ يحملُ عليها، ويعتبرها مُعْتدِيَةً أثيمةً! ودَعْكُم من الذين بقوْا أسرى ماضٍ تليدٍ، ما زالوا يتشبثون بذكرياته القديمة، ويحنَّون إليه كما تَحِنُّ العجائز إلى شبابهن وجمالهن، ولم يكن كلامُهم إلا (نوستالجيا أمكنة) لم يحافظوا عليها كما يجبُ. و(مُحاضرٌ) آخر، أتى بالعجب العُجابِ وهو يتكلم عن الأديان، ويذكر المذاهب المسيحية والفرق الإسلامية، وهي كلها معروفةٌ لا تخفى حتى عن بائعي النعناع، لكن هو قال ما لم يقلْه أحدٌ من أهل الملل والنِّحَل؛ فقد قال إنَّ بعض المسلمين يخرجون من دين الإسلام، ويدخلون في دين المسيحية، أو في دين الشيعة!.. فمتى كان (الشيعة) ديناً؟!.. نحن نعلمُ أنه مذهبٌ من مذاهب الإسلاميين، وليس ديناً سماويّاً. ودعكم من بعض الأساتذة الأصدقاء وهم يقدمون أصدقاءهم الأساتذة، فلا تسمع إلاَّ تمجيداً وتعظيماً.. و(الرائع).. و(الغني عن التعريف).. و(الذي لا يشق له غبارٌ).. و(الذي له مؤلفات ودراسات عديدة)... أين هي؟.. ومن اطلع عليها؟.. الله وهؤلاء الأصدقاء أعلم. إنَّ أغلب المُحاضرات التي أُلْقيت يغلبُ عليها التقليدُ، ويطغى عليها الكسلُ، لا جديد فيها ولا إبداع، ويخامرُني شعورٌ أنَّ هؤلاء وهم يلقون أحاديثَهم يُراهنون على جَهْل الحاضرين، لكن أقول لهؤلاء: لا تراهنوا على ذلك، واحترموا الجمهور الذي يأتي لسماعكم، أو على الأقل احترموا المعرفة والثقافة.