ما الذي يدفع شبابا بالمئات إلى انتظار"فانتوم" وهمي قد يأتي وقد لا يأتي؟ ما الذي يجعلهم ينتظرون الليل كله من أجل أن يظهر زورق مبهم ليحملهم إلى الضفة الأخرى للمتوسط؟ كيف نفهم أنهم يحملون شعارات حاقدة ضد الدولة ومؤسساتها وبشكل جماعي؟ ثم هل تعتقد الدولة وأجهزتها ومؤسساتها أن حياة هؤلاء رخيصة للحد الذي يهبون فيهم أجسادهم للحيتان في أغوار البحار؟ في البدايات الأولى للعهد الجديد ساور أمل شاسع فئات كثيرة بالتغيير وتحسين الظروف الاجتماعية للمغاربة بعدما جربت فيهم الحكومات السابقة مختلف أنواع الإنهاك والتقشف وضرب القدرة الشرائية والأمل يتحول إلى انتظار. عاش الشباب حالة الانتظار وواجهوا الياس بمسكنات الأمل وبينما كانت تقول الدولة إنها توفر بيئة للاستثمارات وتتغنى بقدرة المغرب على جذبها كان شباب يفقدون الأمل في التغيير وفي حياة كريمة. قبل سنوات كانت ثمة حالة من الانتظارية القاتلة عند الطبقة المتوسطة والعمال والفقراء من مآل الربيع أمام تدهور الحالة الاقتصادية وغلاء المعيشة وتراجع عائدات السياحة وارتفاع أسعار الطاقة وسرعان ما تحولت هذه الانتظارية إلى غضب عبر عن نفسه بمقاطعة جزء كبير من المغاربة لمنتوجات شركات معروفة. بالمقارنة مع دول كثيرة فإن المغرب يحتل مرتبة متقدمة في حجم الاستثمارات لكن المقارنة نفسها تكشف عن مؤشر دال خطير: هناك دول تستقطب نصف استثمارات المغرب لكن تخلق فرص الشغل أكثر بالضعف. ثمة خلل إذن ولاشك أن مجلس بركة كان واضحا جدا حينما تحدث عن شساعة الفروق الطبقية وتفشي الإحباط.. تقول أرقام المؤسسات المالية إن المغرب حسن من مناخ الاستثمار ونجح في جلب قطاعات جديدة مثل صناعة السيارات وغيار الطائرات والطاقات المتجددة، لكنه بالمقارنة مع دول أخرى لا تتوفر على نفس المقومات التي يتوفر عليها المغرب، لا تظهر آثاره المباشرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمغاربة ولذلك كان من الطبيعي أن يعلن الملك محمد السادس عن فشل النموذج التنموي للبلد برمته.. الاستثمارات لا يمكن أن تخلق الثروة وتوفر فرص الشغل مادامت بنية الفساد مستحكمة ومادامت طبقة بعينها تحتكر كل شيء ومادامت السياسات العمومية توفر الغطاء للأغنياء وتدك الفقراء. الدولة مسؤولة عن هدر كرامة المغاربة بتلك الطريقة المؤلمة قرب ضفاف المتوسط ويجدر بها قبل فوات الآوان أنأن تتوفر الدولة على الشجاعة الكافية لتعترف أنها فشلت في محاربة الفساد والرشوة في المؤسسات العمومية وتعترف أيضا أن جزء من ثروات البلاد تتقاسمها لوبيات تسرق وتنهب، وتتهرب، وتتشابك مصالحها مع السياسة وتستثمر فيها بكيفية"بشعة". تقتضي الشجاعة إرادة سياسية، دون التعلل بالمسوغات القديمة كأن نقول إننا سنطرد المستثمرين وسنزرع الشك في الشركات الاقتصادية الكبرى، فالديمقراطية في الأخير لم تكن يوما ضد الاستثمارات والإصلاحات السياسية في أبجديات المنظمات الدولية رديفة للإصلاح الاقتصادي. والحقيقة أن الاستثمارات تهرب حينما تجد بيئة فاسدة، والشركات الكبرى تخاف عندما تواجه موظفين صغار وكبار لا يؤمنون سوى بمنطق الرشى وحينما تواجه لوبي الإدارة الغارق في البيروقراطية.. بصيغة أكثر دقة، الاستثمار يموت حين لا يرى جدوى في إجراء الانتخابات وحين تذبل الديمقراطية وحين تكون العملية السياسية مجرد تمرين تقني لتغيير الوجوه- إن تغيرت-. ماذا تريد الدولة أكثر من أن شبابها ينامون في البحار ويعرضون نفسهم للموت كي تغير جلدها؟ لا نريد مزيدا من التشخيص ومزيدا من الكلام الذي لن يجدي في شيء لأن الداء معروف والدواء كذلك. لا حاجة لنا إلى تقارير بركة وجطو والحليمي كي ندرك أن "الحالة عيانة" لأن صورة شباب الفانتوم أبلغ من كل تقرير اللهم إذا كان المسؤولون يعيشون في جزيرة مفصولة عن الواقع. وهذا احتمال وارد على كل حال.