للأسف الكل يطبّل لمشروع الخط الجوي الاقتصادي الجديد Low Cost الرابط بين الناظوروالدارالبيضاء، رغم أن مثل هذه (المشاريع) لا تحمل أي إضافة نوعية للإقليم حيث أنها لن توفّر مناصب شغل ولن يكون لها مقر إداري بالناظور ولن تؤدي ضرائبها بالإقليم كي تستفيد المدينة من نسبة من العائدات الضريبية للشركة ولن تكون لها حسابات بنكية محلية تزيد من خلالها حجم الودائع البنكية... بل لن تساهم إلّا في استنزاف ما تبقى من السيولة في جيوب ساكنة الناظور، ولا أعني بذلك ثمن التذكرة، بل من خلال فتح صدع جديد في البنية الاقتصادية الهشّة للناظور. وأراهن أننا سنرى قريباً خطوطاً جوية مماثلة قد تربط الناظور بطنجة وبعض المدن المغربية الكبرى، وهذا لكوْنها تعتبر من الوجهات الأساسية لهجرة الرساميل والمستثمرين الناظوريين خاصة من المنعشين العقاريين الذين سئموا تعنّت وفساد (بعض) الإدارات العمومية وتدني الخدمات وانعدام الدعم والمواكبة وتأزّم الوضع الاقتصادي وموت الرواج التجاري على المستوى المحلي، فما كان أمام أغلب المستثمرين حل آخر غير تحويل أموالهم واستثماراتهم إلى وجهات أخرى أكثر حيويةً ومردودية، خصوصاً الدارالبيضاء وطنجة. ومثل هذه التخفيضات ستفتح الباب على مصراعيه أمام ما تبقى من المستثمرين الناظوريين للهروب من مدينة مصير أي مقاولة فيها هو الموت بسبب الوضعية الاقتصادية المتأزمة خاصة بعد أحداث حراك الريف وما واكبها من هجرة جماعية لشباب المنطقة إلى أوروبا عبر تركيا حاملين معهم ملايين الدراهم أملاً في غد أفضل لهم ولذويهم. بابٌ سيُفتح كذلك لهجرة الكفاءات الحالمة والباحثة عن عمل بشروط إنسانية بعد أن فقدوا الأمل في الناظور حيث أن الربط الجوي بين الناظور والعاصمة الاقتصادية سيوفر عليهم عناء السفر ويمنحهم سهولة أكبر في بلوغ مراكز الشركات لاجتياز مباريات العمل وكذلك يسهل عليهم رحلة العودة لزيارة الرحم بالناظور بعد الاستقرار في مدينة الأحلام Casablanca. وهكذا ينضاف نزيف هجرة الرساميل والكفاءات الناظورية إلى نزيف ملايين الدراهم التي ذهبت دون عودة عبر تركيا ونزيفِِ يومي أعمق يكمن في خروج أزيد من 50 مليون درهم يومياً إلى الجارة مليلية عبر التهريب (المعيشي)، جروح ونزيف سيؤدي بما لا شكة فيه إلى Anemia مالية حادة ثم إلى سكتة قلبية اقتصادية. للإشارة فقط، فأنا لا أبخّس بهذا عرض الشركة ولست من مؤيدي نظرية المؤامرة، لكني أكره المسايرة ولست من محبي التصفيق في المآتم والأكل في الجنازات، وقد حز في نفسي مشاهدة مجموعة من أعيان المدينة وشخصيات سياسية وجمعوية ومنتخبين وأعضاء من المجالس المحلية ومجلس الجهة ومؤسسات عمومية ومنابر صحفية صُرفت عليهم ميزانية لا بأس بها من أجل التنقل وإعداد وتزيين منصة التدشين والاحتفال بمجرد تخفيض في قيمة تذكرة سفر للعشر مقاعد الاولى فقط، وكأنه إنجاز تاريخي. فحين كان الأجدر إعطاء الحدث قيمته الحقيقية كونه عرضاً تجاريا محدوداً خالِِ من أي إنجاز سياسي أو اقتصادي، بل وأن تكون للنخبة المشاركة في هذه المهزلة رؤية أبعد وجرأة في تقييم حاجيات الإقليم وترتيب الأولويات من خلال طرح برامج دعم مشجعة للكفاءات الشابة واحتضان الشركات الناشئة StartUp والمقاولات الصغيرة جداً TPE واستقطاب أو إنجاز مشاريع حقيقية تضخ سيولة جديدة في شرايين الاقتصاد المحلي وتضخ جرعة من الأمل في الكفاءات والمستثمرين الناظوريين وتعيد الحياة للمدينة.