في طفولتنا كنا نقف حائرين أما سؤال من الذي أسبق البيضة أم الدجاجة؟.. ومهما تكُنْ إجابتُنا فلا تكون الجوابَ الفصْلَ، ذلك لأن هذا السؤال له علاقة بأصل النَّوْع، وكان أغلبُنا يتفتَّقُ ذِهْنُه عن إجابةٍ لها قياسٌ بوجود الإنسان ذاتِه، وهي أنَّ الديكَ أسبق بما أن آدم أسبق من حواء في الخلْقِ. واليومَ، صار البيضُ قضيَّةً عند أبناء الناظور، وصاروا ينشرون حوله (فيديوهات)، من ألمانيا تارةً، ومن هولندا تارة أخرى، ودخل في هذه القضية فاعلون سياسيون، وجعلوا همَّهم أن يبحثوا عن البيض في محلات أوروبا، لأن رئيس المجلس البلدي في لحظة إنسانية عفْوِيَّةٍ طلب من أحد أصحاب مطاعم الوجبات الخفيفة أن يَعُدَّ له البيض البلدي. ليس الرئيسُ وحده من يأكل البيضَ، ويفضِّلُ البيض البلدي على سواه، فكلنا نفعلُ مثْلَه، وكلنا يستسلمُ للحظات مرحٍ وبساطةٍ مع أصدقائه، ونتصرف بتلقائية وعفوية، ولا نطلب البيض فقط، بل قد نطلب أشياء أخرى أهْوَنَ من البيض، وقد نأتي بحركات صبيانية أو بهلوانية. لكن، بما أنه رئيسٌ للمجلس البلدي في الناظور، فإنَّه لا يجوز له ما يجوز لغيْرِه. والمفروض أن يكون رئيساً في جميع أحواله، وسياسياً في كل حالاته، وأن لا يطلب بيضاً ولا زيتاً ولا خبزاً..! ولوْ كان رئيساً آخر أوروبياً مثلاً أو أميركياً لضربنا له التحيةَ وألف سلام، واتخذناه مثلاً في البساطة والتواضع وقمة الإنسانية. الغريبُ أن هذا الفاعلَ السياسي، الذي أرادَ أن يسْخر من الرئيس، لأنه طلب بيضاً ليس خيْراً من الرئيس نفسِهِ؛ فالرئيس طلب البيضَ بصدْقٍ وعفويَّةٍ، بينما الفاعلُ السياسي شغلَ نفسَه بالبيض، وراح يبحثُ عنه في جوْلاته، ولم يهنأ له بالٌ إلا بعد أن عثرَ عليه. فالرئيسُ طلبَ البيض للفطور ليملأ به بطنَه وهو شيءٌ طبيعيٌّ.. بينما الفاعل السياسي طلبه للسخرية ليملأ به وقتَ الفراغ وهو شيءٌ تافهٌ.