الطاقة الاستيعابية للبناية تعجز عن استقبال جميع مرضى جهتي الرباط وطنجة "لا يمكننا استقبال والدتك، لأن عنوانها ببطاقة التعريف الوطنية، كائن بمدينة خنيفرة"، نزل هذا الجواب من إحدى موظفات الاستقبال بالمعهد الوطني للأنكولوجيا، سيدي محمد بن عبد الله بالعاصمة الرباط، كالصاعقة، على حفيظ، الذي قضى أزيد من 10 سنوات، موظفا بالمدينة يقيم بها هو وأسرته الصغيرة، ويستقبل أحيانا كثيرة والدته، التي تحولت إلى شبه مقيمة مع ابنها بعدما ترملت وأصابها الوهن وتكالبت عليها الأمراض. فرغم أن الملف الطبي لوالدة حفيظ مكتمل، ولا ينقصه التشريح الطبي الذي بدونه لا يمكن للمؤسسة التابعة إلى المستشفى الجامعي ابن سينا، استقبال أي وافد جديد، بغية توجيهه إلى المصلحة التي تلائم طبيعة مرضه، ولا تخرج عن ثلاثة "مصلحة العلاج الكيماوي، ومصلحة العلاج بالأشعة أو قسم الجراحة، حتى إن كانت كل التحاليل والفحوصات تؤكد إصابة حامل الملف بورم سرطاني، إلا أن جواب الموظفة كان قطعيا ونهائيا، لا رجعة فيه، "عليها التوجه إلى فاس، هناك بإمكانها تتبع علاجها". ذلك أن هذه البناية التي تضم خمسة أجنحة مخصصة للعلاج بالأشعة والأشعة الباطنية، والعلاج الكيماوي فضلا عن الجراحة، لا يمكنها استقبال إلا مرضى كل من جهتي الرباطسلاالقنيطرة وطنجة تطوانالحسيمة. مرضى الجهتين أنفسهم، وفي مرات عديدة لا يجدون مكانا لهم، في المستشفى الذي يستفيد من دعم جمعية الأميرة للاسلمى لمحاربة السرطان، إذا ما تصادف موعد علاجهم مع امتلاء أجنحة المستشفى عن كاملها، التي لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية 200 سريرا، علما أن المعهد يستقبل حاليا 33 ألف مريض، يتناوبون على العلاج وفق مواعد، تصر إدارة المستشفى أنها تظل معقولة، ولا تتجاوز الشهر في أقصى الحالات نظرا لحساسية المرض وسرعة تطوره. في مدخل البناية، اصطفت عشرات النسوة وبعض الرجال، في مشهد يوحي لزائر المؤسسة الصحية أنه داخل مصلحة نسائية بامتياز، أو كما لو كان مرض السرطان مؤنثا، يصطاد ضحاياه من النساء بالدرجة الأولى، فالرجال قلة أمام طوابير النساء، التي ملأت قاعة الانتظار، فيما مرافقيهن منهمكون في تدقيق وثيقة بالملف الطبي، أو السؤال عن تاريخ الموعد أو بحثا عن استشارة ما. "أنا قادمة من الناظور، لبارح كولو داز غير فالطريق"، بنبرة حزينة تحكي امرأة خمسينية تفاصيل رحلتها مع علاج من "المرض الخايب"، تقطع في كل مرة حديثها لتستغفر الله أو تحمده على ما حل بها "الحمد لله، هذا قضاء وقدر والمكتاب كيتصرف"، تحاول جاهدة مقاومة آثار عياء واضح "كون غير يفتحو لينا شي مركز فالناظور، نتهناو غير من الطريق وتمارتها والتقلاب على فين نسكنو ويسكنو ولادنا للي كايجيو معانا، تقهرنا بمصاريف الكرا والطرنسبور". تحاول جارتها في المقعد مواساتها وتعرض عليها المبيت عندها، في ما يشبه التضامن المرضي "ماتهزيش الهم حنا كاملين ولاد تسعود، إيلا قبلتي علينا مرحبا بيك نتي وللي يجي معاك، حنا كانسكنو غير في تمارة، والله يقدرنا على فعل الخير". الدفع مقابل الدواء غير بعيد عن مقعد المرأتين، وأمام أحد شبابيك الإدارة، كان أحد رواد المؤسسة الصحية يحاول جاهدا إقناع موظفة الاستقبال بقبول شقيقه من أجل الاستشفاء، مؤكدا أنه بصدد تسريع إجراءات التكفل مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأن له وعدا بالرد إيجابا على طلب التكفل، وأن لا طاقة لشقيقه بتحمل تكاليف العلاج سلفا وانتظار تعويض الصندوق. ذلك أنه وحده الحاملون لبطاقة المساعدة الطبية "راميد" من يستفيدون من مجانية العلاج بمجرد تسليم البطاقة، فيما باقي رواد المعهد، من واجبهم إما الدفع سلفا أو تقديم وثيقة تفيد بتكفل وكالة التأمين التابعين لها بالمصاريف. الامتيازات التي يحظى بها حاملو بطاقة "راميد"، قد لا تدوم، فهذه الفئة تجد نفسها مضطرة أيضا إلى الدفع مقابل الحصول على الدواء في حال انتهاء المخزون، حالات وإن كانت نادرة إلا أن مصادر من داخل المعهد أكدت حدوثها بين الفينة والأخرى.