تتميز مدينة الناظور بمؤهلات طبيعية وسياحية غنية ومتنوعة، تشمل المجال الغابوي والجبال والوديان والمناطق الخضراء والشواطئ المترامية الأطراف والمآثر التاريخية والموروث الثقافي والتراثي. تعتبر بحيرة مارشيكا أيقونة هذا الغنى الطبيعي، فهي ثاني أكبر البحيرات الواقعة جنوب البحر الأبيض المتوسط، وتتمتع بموقع جغرافي جذاب. ظلت بحيرة مارشيكا لعقود طويلة مطرحا للنفايات ومصبا للمياه العادمة والواد الحار، فعانت من تلوث، انعكست آثاره على مدينة الناظور بأكملها. في سنة 2008، تم إحداث شركة "مارشيكا ميد"، التي عُلقت عليها آمال كبيرة وعريضة لتخليص هذه البحيرة، والمدينة ككل، من مشاكلها وآفاتها وأوضاعها المزرية في جميع القطاعات. روجت هذه الشركة آنذاك لمشروع مارشيكا، على أنه سيكون مشروعا إستراتيجيا وتنمويا متكاملا، وليس مشروعا سياحيا فقط، وبأنه يتوخى تحقيق تنمية مجالية وعمرانية وبشرية واقتصادية لمدينة الناظور، بل وللمنطقة والجهة بأكملها. فتهيئة بحيرة مارشيكا، سيكون محركا أساسيا للتنمية الشاملة، من خلال خلق وجهة سياحية كبرى، تجعل الإقليم فضاء رحبا للحركة السياحية والاقتصادية. بعد ثماني سنوات من نشاط شركة "مارشيكا ميد"، وفي الوقت الذي كان يفترض فيه الحديث عن حصيلة منجزاتها، سنكون مجبرين كرها للحديث عن ضحايا مارشيكا: 1 – البيئة : أولت "مارشيكا ميد" أهمية قصوى للجانب البيئي، وركزت في وثائقها وتصاميمها ومشاريعها على المحافظة على البيئة كأولى أولوياتها، بحيث ستعمل على تطوير نموذج للتنمية المستدامة يتم إنجازه في احترام تام للإنسان ولبيئته، خصوصا وأن موقع مارشيكا يمتد على مساحة تناهز 20 ألف هكتار. فمن بين الأهداف، إنشاء سبع مدن سياحية على امتداد ضفاف البحيرة، بهدف جعلها أبرز وجهة سياحية إيكولوجية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب مشروع تشجير 30 ألف شجرة، وإقامة أكبر محمية للطيور في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكذا إنشاء محطة حديثة لمعالجة المياه العادمة للناظور الكبير. إن هذه المشاريع لا زالت حبرا على ورق، بل أكثر من ذلك لا زالت البحيرة، كما كانت في العهود الغابرة، مستقرا للنفايات ومياه الصرف الصحي، فلم تتم معالجة مشكل تلوث البحيرة بشكل جدري وحقيقي، بل تم الاكتفاء بحملات لتنقية وتطهير مياه البحيرة، لا تتم إلا بشكل موسمي، وفي مناسبات معينة، معلومة لا تخفى على أحد. ومن جانب آخر أصبحت تنتشر بالبحيرة قوارب الصيد التقليدي، التي استفحلت بطريقة عشوائية، وأصبحت تتخذ من كورنيش المدينة ميناءا لها، هذا الكورنيش الذي لا زال كما كان دائما، عبارة عن مياه آسنة مليئة بالقنينات والنفايات والفضلات، التي تنبعث منها روائح كريهة، تلوث هواء المدينة كلها. 2 – الكورنيش : رسخت وكالة "مارشيكا ميد"، من خلال تصاميمها ومشاريعها ومعارضها، في مخيلة ساكنة الناظور، صورة لكورنيش عصري جذاب، يضاهي أجمل الكورنيشات، في أكبر المدن السياحية العالمية، بل إنه سيكون الأفضل في حوض البحر الأبيض المتوسط. في أفق رؤية 2017، تم الحديث عن إنجاز كورنيش جديد لكل من مدينة الناظور، وبني انصار، وقرية أركمان. وعكس ما توقعه الكل، تفاجأ الناظوريون بكورنيش عادي جدا، أصبح مثار التهكم والسخرية، ومدعاة لنسج النكات والحكايات، حتى أن الكثير شبهه بموقف للسيارات، أو ممر للطائرات أو للدراجات الهوائية، في حين ذهب البعض الأخر إلى القول بأن الأمر يتعلق ببستان لأشجار الزيتون. ومرد ذلك، هذا المظهر الغريب للكورنيش، والذي يخالف ذلك الموجود في المخطط، وفي تصاميم التهيئة التي نشرتها الوكالة، إن على مستوى الشكل، أو على مستوى المواد المستعملة والتجهيزات (الإسفلت العادي المستعمل لشق الطرق- أحجار- إسمنت- كراسي خشبية- إنارة رديئة- سياج حديدي رديء- أشجار الزيتون...). إن كورنيش الناظور، لا يضاهي في جماليته كورنيش طنجة أو تطوان أو أكادير أو الدارالبيضاء ...، ولذلك فهو يستحيل أن يكون أجمل كورنيش في حوض البحر الأبيض المتوسط. 3 – تبذير المال العام : تعتبر شركة "مارشيكا ميد" من بين المؤسسات العشرين الهامة بالمملكة، حيث تخصص لها اعتمادات مالية ضخمة، وتستفيد من تجربة أطر وخبراء يكلفون خزينة الدولة مبالغ باهضة. ويُفترض من مؤسسة بهذا الحجم، أن تمتلك رؤية واضحة ودقيقة ومدروسة لتدخلاتها في جميع القطاعات، وفي مختلف المناطق. غير أنه، وبعد ثماني سنوات، يلاحظ تخبط واضح، وانعدام رؤية يشوب عملها. فلازالت الأشغال تسير ببطء شديد، وبعبثية أحيانا، بدليل أن الكثير من الإنجازات والتجهيزات، يتم تغييرها في مدة قصيرة، بل أحيانا من يوم لآخر. وكأن وكالة مارشيكا لازالت في مرحلة تجريب مشاريعها وتصاميمها وتجهيزاتها، ولم تنتقل بعد إلى المرحلة الحقيقية والنهائية للأشغال، وفي هذا تبذير خطير للمال العام. فعلى سبيل المثال فقط، تم استبدال أضواء إنارة الكورنيش والطريق المحادية له لمرات متعددة، بل أكثر من ذلك في يوم واحد. كما أن نوعية الكراسي المستعملة، هي ذات جودة رديئة جدا، ولا تصلح أساسا للكورنيشات، فلكونها كراسي خشبية، فهي سريعة التلف والتكسير، حتى بفعل عوامل الطبيعة. يضاف إلى ذلك نوعية السياج الحديدي، والمواد المستعملة التي لا تعدو أن تكون إسفلتا عاديا، وأحجارا وإسمنتا. إن كورنيش الناظور، الذي خضع في ظرف ثماني سنوات فقط لأزيد من ثلاث تدخلات وتغييرات جذرية، أصبح بامتياز مقبرة المال العام. 4 – غياب رؤية شاملة لتنمية الناظور : بالنظر إلى كون مشروع مارشيكا، هو أساسا مشروع إستراتيجي وتنموي يهدف إلى تنمية المدينة والمنطقة عموما، وإكسابها جاذبية سياحية واقتصادية، فإنه إلى حدود الساعة، لم يتم الشروع في أية مشاريع مهيكلة حقيقية تهم التأهيل الحضري للمدينة. فباستثناء أشغال تهيئة الكورنيش، والتي تعرف تخبطا شديدا، ولم تتجاوز لحد الآن مقطعا قصيرا يمتد من مبنى النادي البحري (الكلوب) ليصل إلى قبالة المحطة الطرقية، ليس هناك ما يستدعي الذكر. بل الأدهى أن هذا المقطع القصير، لازال منطقة للتجريب والأشغال والهدم والترميم، وهكذا دواليك. لقد نص تصميم التهيئة الخاص، والذي تمت المصادقة عليه على أن %20 من تدخل الوكالة يشمل المجال الحضري، عبر إعادة تأهيل %15 من المناطق الحضرية المختلفة كحي تيرقاع، مدينة الناظور، قرية أركمان، بني انصار، إلخ... وفي الوقت الذي تؤكد فيه الوكالة أنها ستقوم بتهيئة عدد من الأحياء بالمدينة، زيادة على وضع اللبنة الأولى لمنطقة سياحية تنافس كبريات المدن السياحية الأوروبية، فإن السياسة التسويقية للوكالة فشلت حتى في الترويج للشقق التي بنيت فوق واحدة من أجمل المناطق بالبحيرة، فوق هضبة تحيط بها مياه البحر من كل الجوانب، ولم تستطع جلب رؤوس أموال أجنبية، أو إعطاء إشعاع دولي للمشروع، أو تنشيط المنطقة. كما أن الوكالة لم تجد لحد الآن حلولا لمشاكل السكن العشوائي والأحياء الناقصة التجهيز الممتدة على طول الطريق المحادي للكورنيش، والتي تشوه جمالية هذه المنطقة. إجمالا يمكن القول أنه ليس هناك انعكاس تنموي للمشروع على المدينة لحدود اللحظة. 5 – الركود الإقتصادي : تجمع الكثير من فعاليات المجتمع المدني، على أنه على النقيض من كل التطلعات التنموية التي ارتبطت بمشروع مارشيكا، فإن الواقع يثبت أن الحصيلة بعد ثماني سنوات جد هزيلة. فالوكالة لازالت تراوح مكانها، ولم تقدم أي جديد للمنطقة، عدا قيامها بإيقاف عمليات بيع وشراء العقارات بمدينة الناظور، وهو ما أصاب الحركة الإقتصادية بالإقليم بركود لم يسبق له مثيل. كما أن تأخر أشغال تهيئة ميناء الناظور غرب المتوسط ستكون له هو الآخر انعكاسات سلبية. يضاف إلى ذلك بطء الأشغال، وتخبطها، والتي تعرقل السير العادي للحركة السياحية والإقتصادية بالمدينة. 6 – المجتمع المدني : يتهم المجتمع المدني وكالة مارشيكا، ومشروع "مارشيكا ميد" الذي يعمل على خلق تنمية مستدامة بالمنطقة، والهادف إلى تحويل مدينة الناظور لقطب سياحي مميز، بأنها ركزت أساسا على الجانب المادي للمشروع، دون إيلاء الإعتبار والإهتمام الكافي بالمحور التواصلي الذي يهم وضع الساكنة في قلب الرؤية المستقبلية لمشاريعها وخططها. فهناك تقصير في الإنفتاح على المجتمع المدني والجمعيات، والحوار مع الساكنة والمتخصصين وغيرهم. ومن أهم المؤاخذات، غياب رؤية ثقافية على مستوى مشاريع الوكالة، لسد الفراغ المهول الذي تعانيه المدينة في هذا الجانب، خصوصا على مستوى المرافق الثقافية، والإهتمام بالمواقع والبنايات التاريخية. إن أي تقييم لحصيلة مارشيكا، يجعلنا لا نستبشر خيرا بالمستقبل بالنظر لمجموعة من العوامل والمعطيات. فمشاريع هذه الوكالة لن يُكتب لها النجاح، ما لم تكن هناك خطة شاملة متكاملة مندمجة لحل جميع الإشكالات والإختلالات الهيكلية التي تعيشها مدينة الناظور، من أجل تأهيل مجالها الحضري، وتزويدها بالمرافق الأساسية، وتجاوز اختلالاتها العمرانية، لتكون بحق عامل جذب سياحي واقتصادي. فموقع مارشيكا ليس معزولا عن مدينة الناظور، ولا ينبغي أن يكون كذلك، بل هو القاطرة التي تجر وراءها آمال مدينة وساكنة بأكملها. على مستوى آخر، حان الوقت لتجديد وتحديث وعصرنة، هياكل ومشاريع وخطط وطريقة عمل الوكالة، من أجل إعطائها نفسا جديدا، هي في أمس الحاجة إليه، في مرحلة مهمة يعيشها المغرب، مع دخول الجهوية المتقدمة طور التنفيذ.