يا أهل الحكايات والاشعار هناك .. علّمونا...بعض ما عندكم فنحن نسينا.. كثيراً ما كانت تستوقفني أثناء القراءة والاطلاع على كنوز لغتنا الامازيغية الريفية الجميلة أشعار "إيزران"،جميلة ساحرة، تنقل صدق الكلمة و العاطفة والشعور، وجمال التعبير والتصوير.. وكان دائما ينتابني سؤال : لماذا لا يضم هذه الاشعار من عيون تراثنا الشفاهي كتاب واحد يسهل علينا وعلى اطفالنا من الاجيال القادمة من بعدنا ، الإطلاع عليه والرجوع إليه واالسفر بين صفحاته ...بل ولماذا لا تتم ترجمتها الى لغات أخرى.. ظلت هذه الاسئلة واخرى كثيرة مثلها ، تطرح بصورة متكررة ، باصرار ، بل حتى بنوع من الاحساس بالحاجة الماسة والملحة . في السنوات الأخيرة لمع في سماء الابداع الامازيغي الريفي مجموعة من المبدعين المهتمين باللغة والهوية الامازيغية والذين تميّزوا عمّا سواهم باختياراتهم الدقيقة واهتماماتهم المسؤولة... من هنا ولكي تعمّ الفائدة الجميع وبعد أن جمع آخرون من امثال الشاعرة مايسة رشيدة المراقي هذه الحكايات والأشعار، وجد هؤلاء المهتمون من الجدير الاشتغال عليها وترجمتها الى لغات أخرى .. كما الحال في كتاب "إيزران إيزران" وهو نتاج جهد مشترك بين ذات الشاعرة و الدكتور خالد موريغ . والذي هو ضمن الإصدارات المنتظر تواجدها في القريب العاجل في الاسواق كما في بعض المعارض الاخرى في غير هولندا . - ايزران....مؤسسة ممتدة في التاريخ و المكان. "ايزران" أقدم أشكال التعبير الفني الذي عرفه الإنسان الامازيغي الريفي ..مقاطع شعرية غنائية ، كانت تبدعها وتؤديها النساء في مداشرنا . صاحبت الإنسان الريفي في مختلف جوانب حياته ، تحكي معاني واضحة عن تجاربه الحياتية والكفاحية منها على الخصوص . فلم تكن فقط عامل ترفيه وتنفيس عن النفس إزاء صعوبات الحياة وقسوتها ، بل كانت باعث أمل ومحفز للعمل ومؤنس في الوحشة والوحدة ومساعدة في التغلب على هموم وصعوبات الحياة . لذلك كان "الايزري" ملازماً للانسان الامازيغي الريفي في كل عمل يؤديه .. معبرا عن تجاربه الكفاحية ضد المستعمر.. صاحب العامل في عمله و رافق الفلاح في حقله و المزارع في مزرعه ..كما كان للرعاة أغانيهم ومواويلهم الخاصة كذلك ...و أما عن الأفراح فايزران كان عنوانها الرئيسي. سمعنا نساء مداشرنا الريفية تؤدين إيزران عند طحن الحبوب و جلب الحطب و الماء و عند هدهدة الأطفال وتنويمهم ... كما في حفلات الزفاف مع تدرج وتنوع إيقاعاتها في مراحل الحفل المتعددة ، من الحناء الى الزفة ومن إقامة صفوف خاصة للغناء المصحوب بحركات راقصة ..رقصات تقليدية اصيلة للنساء أو الرجال أو المشتركة بينهما والتي وللاسف الشديد اختفى معظمها في الوقت الحاضر. فعلا..هي مؤسسة عريقة وممتدة في التاريخ وفي المكان على حد تعريف الأنثروبولوجي الأمريكي "د.م.هارث" :"هي مقاطع غنائية وإيقاعية ممثلة لإحدى القيم الثقافية الأكثر قدما وصمودا في وجه الزمن، إنها ليست مجرد مظهر ثقافي، بل هي مؤسسة عريقة وممتدة في التاريخ وفي المكان". فعلا هي لسيت جزء من ثقافتنا فحسب، بل من هويتنا. هو ذا عالم إيزران .. العالم الذي انتابني حوله السؤال إياه : لماذا لا يضم هذه الاشعار كتاب واحد يسهل علينا السفر بين صفحاته .؟ وهو ذات العالم ..عالم 'إيزران' الذي حاولت الشاعرة الريفية مايسة رشيدة المراقي دخوله ومنذ زمن . بعد ان جمعت ما استطاعت من قوّة وخطت خطوتها الاولى عام 2009 ... خطوة وسّعتها الشاعرة في اعتمادها على مجموعة من النساء المسنات الحافظات للاشعار وللشعر الأمازيغي. وإن كان الامر وقتذاك صعبا ، إلا أن الشاعرة جمعت ما استطاعت الوصول إليه لتصدر بالتالي ديوانا جاء في شكل مختارات شعرية بعنوان "إيزران إيزران/ أشعار وأشعار" ... هي سبعا وتسعين (97 ) صفحة من الحجم المتوسط جمعتهم دفتا ذات الكتاب.. كُتب بالخط اللاتيني، و صُدر عن مطبعة الجسور بوجدة سنة 2009. تناول أغراض ومضامين مختلفة من هذه الاشعار ، متمحورة حول مواضيع مختلفة تم تصنيفها إلى مجموعات شعرية ، تخللت أشعار الحب والعشق ؛ أشعار العرس والزفاف؛ أشعار الهجاء والنميمة ؛ و أشعار الإسلام... كتاب "ايزران"، كان محاولة جريئة وشجاعة من صاحبتها الشاعرة مايسة رشيدة المراقي .حيث لا يخفى على أحد ، على ان تناول امرأة شاعرة ريفية لموضوع ايزران وبمواضيع متمحورة -مثلا- حول تيمة الحب و "العشق"، كانت تعتبر من الطابوهات ،كما الايزري نفسه كان ولا زال يحتل موقع هامشي حتى ضمن دائرة اهتمام الباحثين والمهتمين بتجليات الادب الامازيغي في الريف. ولكن الدافع الذي وجه اشتغالها على هذه الاشعار كان اقوى من أي "طابو" وهو وإخراج هذه الاشعار /إيزران الى خارج دائرة الطابو الذي تقوقعت فيه لزمن..(كما صرحت بذلك في مناسبات عدة). كما لتكوين معانٍ تزيد من ثقافتنا ! ولنُكوِّن نحن بالتالي معنىً جديداً في دواخلنا. قرأت هذا الكتاب منذ سنوات وعلى الرغم من الاشعار الواردة فيه جميلة ومميزة حقاً الا اني وقتها عاتبت على بعض مبدعينا في الريف كون الكتاب لم يرد فيه حديث ولو موجز عن قصص هذه الاشعار . ولا سبب اختيار الشاعرة لها .. آنذاك ، اتذكر اني سمعت ما مفاده ان ، المعيار بالاختيار هو ذوق من جمعها وليس هنالك معيار آخر. - من هي مايسة رشيدة المراقي. شاعرة سطع نجمها في سماء الشعر الامازيغي الريفي من خلال مشاركات عدة في منتديات ولقاءات عديدة و التي فتحت لها باب الاطلالة على جمهورها ، كما الشأن عند عدة شعراء امازيغ آخرين بارعين لم يسلط عليهم الضوء في الساحة الشعرية. كسبت شاعرتنا مايسة قلوب الناس وأبهرت بكتاباتها جمهور الشعر ومتذوقيه بكل شطر وكل قصيدة سطرها قلبها قبل أن تسطرها أناملها فأجمع كل من سمعها بشاعريها و بكل ما تحمله قصائدها من آهات ودموع وشجون وحنين .. ولدت مايسة رشيدة المراقي بمدينة إبن الطيب شمال إقليم الدريوش نواحي مدينة الناظور شمال المغرب ..امرأة مبدعة وشاعرة عصامية ، حاملة لهموم المرأة والهوية ، مصرة على رسم مسارها الشعري الخاص بها والمتميز. تأثرت كالكثير من مبدعي الريف الملتزمين بالكلمة المسؤولة و الصادقة برواد الشعر في الريف ، فاظمة الورياشي ، أحمد الزياني، سعيد الموساوي وآخرون من الذين بصموا تجربتها الكتابية الشعرية كما برواد الأغنية الريفية الملتزمة من امثال الوليد ميمون، علال شيلح، خالد إيزري، والمجوعات الغنائية الريفية ، اين اومازيغ ، إيريزام، تواتون... دخلت غمار التجربة الإبداعية أواسط الثمانينات من القرن الماضي ..نشر لها عدة قصائد شعرية وأعمال أخرى على شكل حكايات وقصص قصيرة منشورة في صحف مغربية امازيغية عدة . لها عدة دواوين شعرية ، نذكر منها "أوشايي ثورجيت إينو"/ أعطني حلمي (1999-2000) و"أسْحِينْحِين إيزوران/ صهيل الجذور (2004) كما شاركت في عدة مهرجانات وأمسيات شعرية داخل المغرب وخارجه . - إيزران ..إيزران الكتاب الجديد القديم. لانه من المهم أن يكون لهذه الاشعار قراء كثر وجمهور واسع وبمختلف اللغات ، وكون الكتابة في حد ذاتها هي نوع من الحوار، عرفت الساحة الثقافية الامازيغية بهولندا مؤخرا حدثا أدبيا في ذات الشأن تجلى في عمل جاد جمع بين المسؤولية في العمل والكلمة السحرية... حظي بإعجاب العديد من القراء و المتتبعين للشأن الادبي الامازيغي بهولندا. طرفا الحدث هما الدكتور خالد موريغ و الشاعرة مايسة رشيدة المراقي . اختيار مميز ومفاجأة تحمل من الاشياء الجميلة الكثير ، لما يحتويه هذا العمل من إبداع ومسؤولية لإيصال رسائل بصيغة سلسلة ومفهومة وقريبة من القارئ الامازيغي و بتيمات عميقة كدنا ان ننساها...ومن أجل توعيتنا بماهية الثقافة والموروث الثقافي وأهميته ، وباهمية التراث الثقافي الشعبي كهوية و جزء من ذاكرتنا الجماعية التي تشكل تاريخنا و شخصيتنا . هو كتاب "إيزران إيزران " المترجم الى اللغة الهولندية ، أول ثمرة لهذا التعاون المشترك والصادر حديثًا بهولندا ،وهو ضمن الإصدارات المنتظر تواجدها في القريب العاجل في الاسواق كما في بعض المعارض الاخرى في غير هولندا. يقع الكتاب الذي صمم غلافه الفنان مْحمد ابطوي في 104 صفحة من القطع المتوسط. ذات الكتاب هو نفسه ذاك الذي أصدرته الشاعرة مايسة رشيدة المراقي عام 2009.. ليس الموضوع جديداً إذن ، ولكن الكتاب الذي يحمل هذا العنوان هو الجديد . الجديد انه يحمل ترجمة كاملة لكل الاشعار / إيزران باللغة الهولندية وتم تداوله على نطاق واسع بين امازيغ هولندا . هو عمل جيد من خالد موريغ الذي فكر في ترجمة كتاب ايزران كما هي شجاعة منه في ذات الوقت السعى إلى قولِ جديد وإضافة شيء لموضوع سبق وأن تناوله ..آخرون . يأتي هذا الديوان الجديد القديم مفصّلًا في تمهيد يستعرض اسس قراءة وكتابة الامازيغية ، ومتتبّعًا بتعريفات مختصرة ل: 'الإيزري' لتبدأ باقي الفصول ذاتها التي تناولتها مايسة في ديوانها مع اقتصار على استعراض بعض الجوانب فقط من الأشعار مختصرة في أشعار الحب و "العشق" وأشعار العرس والزفاف وأشعار الهجاء والنميمة. وخالد هنا يكتب في موضوع تخصص فيه وله..وقد عالج الكثير من موضوعات اللغة الامازيغية ولهجاتها في ملتقيات أخرى كثيرة، وكان دائما جاداً في تحليلاته ومعالجاته. لكن لا شك في ان تناول موضوع الأشعار /إيزران الامازيغية الريفية وترجمتها الى اللغة الهولندية و في كتاب ، يبقى مسألة أخرى ، مسألة فيها شعور أكبر بالمسؤولية وفيها أيضاً شيء من المغامرة. لكنه ، وبهذا العمل يواصل خالد موريغ تجاربه في الترجمة الامازيغية ، فبعد أعمال سابقة والتي حققت اهتمامات لا باس بها في الأوساط الامازيغية الريفية لاتجاهها نحو بناء نصوص كاملة عبر ترجمة النصوص الامازيغية الريفية الى الهولندية، نذكر منها على سبيل المثال ترجمة بعض الاشعار لشاعر الريف الكبير احمد الزياني و ديوان "أنقار/ الشروق" لعلي امازيغ ... يعاود الآن بناء نصوص لا تختلف كثيرا عن التجارب السابقة وبمشاركة مبدعين آخرين وهذه المرة بصيغة المؤنث مع الشاعرة مايسة رشيدة المراقي . هو كتاب جدير بالاطلاع والقراءة ، للقارىء العادي او الدارس المتخصص لما يشكله من اهمية دقيقة وعميقة لفهم تجليات التراث الشعبي الامازيغي والريفي منه على الخصوص.. وعلى اعتبار كذلك كون "إيزران" لسيت جزء من ثقافتنا فحسب، بل من هويتنا كذلك. يذكر أن خالد موريغ باحث في جامعة ليدن الهولندية ... مهتم بدراسة الأنثروبولوجيا الثقافية واللغويات ..حاصل على الدكتوراه في اللغويات من نفس الجامعة تخصُّص لغة أمازيغية. وكتب أطروحته حول لغة "غمارة" ، التي يقول عنها انها لغة رائعة جدا .. يتحدث بها الناس في بعض القرى في شمال غرب المغرب في حوالي عشرين قرية نواحي إقليمشفشاون. هي لغة مختلفة عن اللغة المتداولة في الريف والمناطق المجاورة ... تأثرت سلبيا الى حد كبير بفعل اللغة العربية المحيطة بها ..الأمر الذي أدى إلى تغيير لغوي ملحوظ في نطقها وتداولها ...." وإلى جانب عمله واشتغالاته الاخرى ، يحافظ خالد على تصنيفه الأساسي والأول لنفسه كباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية واللغويات منها طبعا اللغة الامازيغية ، ويستعد حاليا لإصدار عمل جديد ، حول "اللغة " التي يتحدث و يتخاطب بها الشباب المغربي في هولندا خاصة في جوانبها الصوتية..وما تحويه من بعض الكلمات "الدخيلة" على اللغة الهولندية منها مثلا كلمات يتم تداولها على نطاق واسع داخل اوساط الشباب في هولندا ليس المغاربة فقط بل وحتى الهولنديين ( إيوا ، عياق، اتْناوي، ايبعاش/البوليس ، وَايَّاو... الخ ). ليكون عنوانًا جديدا في مسيرة محسوبة الخطى ومتّزنة الإيقاع، بعد اعماله السابقة وبعد ..الدكتوراه.