مؤسس منصة MarocDroit عضو جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة أولا: ماهية خطة عمل الرباط 2012: خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية، هي خطة تجمع الاستنتاجات والتوصيات الصادرة عن عدة ورشات عمل للخبراء عقدَتْها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في عدة دول، وهدفت المفوضية خلال ذلك إلى إجراء تقييم شامل لتطبيق التشريعات والسوابق القضائية والسياسات العامة فيما يتعلق بخطاب الكراهية، فاعتمد الخبراء بناء على ذلك خطة عمل الرباط في الاجتماع الختامي الذي تم عقده في الرباط في 4 و5 أكتوبر 2012؛ وتهدف هذه الخطة إلى تحسين فهم الأنماط التشريعية والممارسات القضائية والسياسات فيما يتعلق بمفهوم التحريض على الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية مع ضمان الاحترام الكامل لحرية التعبير على النحو المنصوص عليه في المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ كما تهدف إلى التوصل إلى تقييم شامل لحالة تنفيذ هذا الحظر للتحريض بما يتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ ومضمون توصياتها شامل لعدة قطاعات تشمل التشريعات والقضاء، والسياسات العامة، ورجال الدين، ووسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية. ثانيا: القضاة وخطة الرباط: إن التحريض على الكراهية ليس من السهل ضبط حدوثه، فهو من أكثر الأمور ذي المعايير الصعبة للقول بوقوعه، لأنه يتطلب اعترافاً صريحاً أو يمكن استنباطه من خلال أسلوب التعبير، أو أهدافه ودوافعه، وهل هو مجرد نقد أو نقاش موضوعى أم هو تحريض على التمييز والدعوة إلى الكراهية، وأي ضبابية في الأمر يتصادم مع إحدى حقوق الإنسان الأساسية وهو حرية التعبير، وهذا ما يجعل الأمر ليس باليسير على القضاة الذين تعرض عليهم ملفات تروم إلى متابعة أحد بتهمة التحريض عبر خطاب الكراهية. إن الحد الفاصل بين حماية حرية التعبير، ومناهضة خطاب الكراهية حد دقيق جدا، وتزداد دقة الأمر لكون التشريع المغربي لم يعرف مفهوم الكراهية المعنية بالتجريم إذ جاء في القانون الجنائي كمفهوم مطاطي ومتقلب – ينص الفصل 431-5 على يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بالتحريض على التمييز أو على الكراهية بين الأشخاص تكون العقوبة بالحبس من سنة إلى سنتين وبغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا ارتكب التحريض على التمييز أو على الكراهية بين الأشخاص بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن والتجمعات العمومية أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة كل وسيلة تحقق شرط العلنية بما فيها الوسائل الإلكترونية والورقية والسمعية البصرية – فهذا الغموض وعدم الدقة في نص القانون يجعلنا نتجه صوب العمل القضائي للوقوف على مدى تمكنه من التوفيق بين حماية حرية التعبير وحماية المواطنين والمواطنات من خطاب الكراهية. أستحظر لذلك حكما حديثا صادرا بتاريخ 20 مارس 2024 عن المحكمة الابتدائية ببني ملال إذ أمام عدم إسعاف النص القانوني لتكوين قناعتها تمكنت من إستنشاق هواء خطة عمل الرباط لتكوين القناعة القضائية للبت في قضية عرضت أمامها تتعلق بالتحريض على التمييز والكراهية بواسطة تصريحات علنية، فأقرت أنه تفاديا لتقييد حرية التعبير يجب تحقق العناصر والمعايير المقترحة من طرف خطة عمل الرباط وهي: السياق الاجتماعي والسياسي: وهو أمر بالغ الأهمية عند تقدير ما إذا كانت تعبيرات معينة يمكن أن تحرّض على التمييز أو العداوة أو العنف ضد المجموعة المستهدفة، أو يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على النيّة و / أو العلاقة السببية على حد سواء. وينبغي في تحليل السياق، وضع فعل الخطاب في السياق الاجتماعي والسياسي السائد عند صدور الكلام ونشره. حالة المتحدث: ينبغي دراسة وضع المتحدث أو حالته في المجتمع، وعلى وجه الخصوص مركزه الفردي أو مركز منظمته في بيئة الجمهور الذي يوجّه إليه الخطاب. النية لتحريض الجمهور ضد مجموعة مستهدفة: تفترض المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وجود النية. فالإهمال والتهوّر ليسا كافييْن لتشكيل موقف تنطبق عليه المادة 20 التي تتطلب "الدعوة" و "التحريض" لا مجرد الانتشار أو التداول. وفي هذا الصدد، يفترض تفعيل العلاقة ثلاثية الزوايا بين غرض الخطاب وموضوعه بالإضافة إلى جمهور السامعين عند معالجة الحالة. المحتوى وشكل الخطاب: يشكل محتوى الكلام إحدى النقاط الأساسية التي تركز عليها مداولات المحكمة، وهو عنصر هام في التحريض. وقد يتضمن تحليل المحتوى مدى كون الخطاب استفزازياً ومباشراً، بالإضافة إلى التركيز على الشكل والأسلوب وطبيعة الحجج المستخدمة في الكلام موضوع البحث أو في الموازنة ما بين تلك الحجج، إلخ. مدى نشر الخطاب: ويتضمن ذلك عناصر مثل تأثير الخطاب، وطبيعته العامة، وكبر جمهوره وحجمه. ومن العناصر الأخرى: ما إذا كان الخطاب علنياً، وماهية وسائل النشر، والنظر في ما إذا كان الخطاب قد نشر بواسطة منشور وحيد أم عن طريق وسائل الاعلام السائدة أو الإنترنت، وما درجة تواتر الاتصالات وحجمها ومداها، وما إذا كان لدى الجمهور أي وسيلة للتصدي للتحريض، وما إذا كان البيان أو العمل الفني قد عمّم في بيئة محصورة أم مفتوحة على نطاق واسع العامة الناس؛ أرجحية الضرر، بما في ذلك الوشوك المحدق أو إحتماليته: التحريض هو بالتحديد جريمة غير تامة وليس من الضروري ارتكاب الفعل الذي دعا إليه خطاب التحريض حتى يعتبر ذلك الخطاب جريمة، لكن يجب مع ذلك، تحديد درجة ما من مخاطر الضرر الناجم عنه، وهذا يعني أن على المحاكم أن تقرر أنه كان ثمة احتمال معقول بأن ينجح الخطاب في التحريض على عمل فعلي ضد المجموعة المستهدفة، مع إقرار بأن تلك الصلة السببية ينبغي أن تكون بالأحرى مباشرة. لقد قامت المحكمة بعد استحظار وقائع الملف وبسط هذه المعايير المعتمدة دوليا أمامها لإصدار حكمها الذي قضى بانتفاء جنحة التحريض على الكراهية، وهو التوجه والاجتهاد الذي لا يمكن الاختلاف على تثمينه والقول بوجاهته وامتلاءه بنفس حقوقي عال، لأن الأصل هو حرية التعبير وفرض القيود عليه هو الاستثناء الذي يجب أن توضع معاييره بدقة لا يعتريها اللبس. في انتظار صدور القرار الاستئنافي إذ لازال الملف رائجا على مستوى محكمة الاستئناف ببني ملال فإنه لا يمكن إلا الدفاع عن جميع التوجهات القضائية المجتهدة والمبدئية التي تكرس لتفعيل مبادئحقوق الانسان كما هو منصوص عليها في الدستور وفي المواثيق الدولية. ورب قائل أن هذا توجه يقصي حق ضحية عبارات الكراهية، فنقول ليس إقصاء بقدر ما هي دعوة لاحترام المعايير الدولية بمناسبة حماية القضاء أي صنف من أصناف حقوق الإنسان. في حدود ما استطعت الاطلاع عليه فإن الأحكام الصادرة بشأن جريمة الكراهية نادرة، وذلك لكون اللجوء إلى القضاء بشأنها لم يرتفع منسوبه بعد والسوابق القضائية بهذا الشأن ليست متوافرة بيسر، وأعتقد أن الأمر يعود لمحدودية النص التشريعي أو ربما لغياب أرشيف قضائي متاح، إضافة إلى غياب ثقافة التقاضي بين العامة. وقريبا من قضايا نشر جريمة الكراهية، أود الإشارة أن عددا كبيرا من القضاة المغاربة لا يترددون في صناعة مقرراتهم بأنفاس حقوقية قوية، وأسوق على سبيل المثال: أمر المحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 21 يونيو 2024 بمناسبة الفصل في قضية منع تلميذة محجبة من ولوج مؤسسة تعليمية تابعة للبعثة الفرنسية والذي جاء فيه: - حيث إن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في المنتظم الدولي، تلتزم في ديباجة دستورها بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني و النهوض بهما، و الإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق و عدم قابليتها للتجزئة، وجعل الاتفاقيات الدولية، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية. وفي هذا الإطار فقد نصت مجموعة من الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الانسان التي يعد المغرب طرفا ملتزما بما جاء فيها، على تعهد الدول الأطراف بضمان جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذه المواثيق بريئة من أي تمييز بسبب العرق، أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو غير ذلك من الأسباب، و من بين هذه الاتفاقيات ما جاء في في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ... وما نصت عليه .. اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة .. والتي كان المغرب من بين البلدان الأولى التي بادرت إلى الإنخراط والمصادقة عليها... أمر قسم قضاء الأسرة بسلا بتاريخ 17 غشت 2023 والذي جاء فيه: بموجب الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل المصادقة عليها من طرف المغرب، فإنّ للطفل الحقّ في التمتّع بأعلى مستوى صحّي يمكن بلوغه وبحقه في العلاج والصحة حسب ما نص عليه الدستور، والمشرع المغربي من خلال مقتضيات مدونة الأسرة، أولى عناية خاصة وفائقة لحياة المحضون وسلامته الجسدية والنفسية، مع مراعاة أن جميع الإجراءات التي قد تتخذها المحكمة والتي تتعلق بالمحضون يولى الاعتبار الأول فيها للمصلحة الفضلى للطفل. وفي قرار حديث لمحكمة الاستئناف بالرباط صادر بتاريخ 4 يونيو 2024 أنه في انسجام مع ما ورد في تصدير الدستور من تأكيد تشبث المملكة المغربية بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا وكذا العمل على ملائمة التشريع الداخلي مع متطلبات المصادقة على الاتفاقيات الدولية بما فيها الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، مما حاصله أن التشريع المغربي ملتزم بالاعتراف بالحقوق والحريات الأساسية المتعارف عليها ضمن الاتفاقيات الدولية وعلى مستوى محكمة النقض نستدل على ما قلنا بقرارها الصادر بتاريخ 7 فبراير 2023 الذي جاء فيه أنه مادامت أحكام اتفاقية لاهاي باعتبارها اتفاقية دولية تسمو وفق نص الدستور على أحكام القانون الوطني بما في ذلك ظهير كفالة الأطفال المهملين فإن محكمة الموضوع حينما استندت على ما تنص عليه المادة 33 من الاتفاقية فإنها جعلت لما قضت به أساسا وعللت قرارها تعليلا سليما. وإذ نكرر تثمين مثل هذه التوجهات فإننا نراها ليست بديلا عن ضرورة إدراج نصوص قانونية واضحة بمفاهيم دقيقة في التشريع الجنائي بشكل يضمن حرية التعبير ويضمن أيضا عدم تعرض أي شخص لخطابات الكراهية.