كشفت لأول مرة أن مذكرات والدها بحوزة قطري يسمى محمد البدوي قالت عائشة الخطابي، نجلة محمد بن عبد الكريم الخطابي، في هذا الحوار مع «المساء»، إن والدها كان سيرحب بفوز العدالة والتنمية،في الانتخابات لأنه كان سيعتبر ذلك الانتصار فوزا لفكر دافع عنه كثيرا، مضيفة أن الملك محمد السادس تصالح مع منطقة الريف بعد عقود من التهميش. كما كشفت، لأول مرة، أن مذكرات والدها بحوزة قطري يسمى محمد البدوي، معتبرة أن العائق الرئيسي أمام عدم نشرها حتى الآن عائلي بالأساس. وبخصوص إرجاع رفات والدها إلى أرض الوطن، قالت ابنة الخطابي إن الأمر يرتبط بقرار وطني من أعلى مستوى. - أثرتِ ضجة كبيرة حين قلت، في كرسي الاعتراف مع جريدة «المساء»، إنك لا ترين مانعا في دفن والدك في الرباط بدل الريف؛ هل مازلت تتمسكين بهذا التصريح في ظل الغضب الكبير الذي عبرت عنه فعاليات كثيرة في الريف وخارج الريف؟ أولا، ينبغي تأكيد أن قضية إرجاع رفات محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى المغرب لا تتعلق بحفنة من التراب أو بأشياء مادية من هذا القبيل، بل القضية أكبر بكثير، فوالدي رمز عالمي للكفاح ضد المستعمر ويستحق مكانا يليق به ضمن الشخصيات التي صنعت التاريخ بالنظر إلى نضالاته ومواقفه الثابتة بخصوص المستعمر، ولذلك فقد صار لزاما أن يرقد في أرضه، بعد أن ظل مدة طويلة في مصر لأسباب بات يعرفها الجميع. نحن نريد مؤسسة حقيقية بأجدير، مسقط رأس والدي، تقوم بدور جمع كل الوثائق والكتب والأرشيف المشتت الذي كتب حول حرب الريف ودور والدي في مسيرة التحرير التي قادها في ميادين الحرب، ثم مناضلا سياسيا لما كان بالقاهرة. أقول مرة ثانية إن محمد بن عبد الكريم الخطابي لم يكن رجلا ريفيا فحسب، بل هو رجل عالمي. إن ملف إرجاع الرفات إلى المغرب هو في يد جلالة الملك محمد السادس، وهو من يقرر ذلك، لأن الأمر يرتبط بقرار وطني من أعلى مستوى؛ فوالدي يجب أن يعود إلى المغرب بطريقة رسمية نظرا إلى كونه شخصية وطنية كبيرة. أما بخصوص سؤالك حول تصريحاتي السابقة، فأنا أؤكد أن دفن والدي في الرباط هو فرضية من جملة فرضيات مطروحة. لقد التقيت ببعض الفعاليات وقالت لي إن دفن عبد الكريم الخطابي في الحسيمة بإمكانه أن يمنح إشعاعا كبيرا للمنطقة، خاصة على المستوى السياحي. وأعتقد أن إسباغ صفة الريفي على محمد بن عبد الكريم الخطابي يقزم الرجل، فمبادئه كانت دائما تنطلق من تحرير كل الشعوب المضطهدة، ولم يكن لديه نزوع عنصري، إذ لم أرَ طوال المدة التي قضيتها مع والدي أنه فضل الريفيين على الآخرين، كان مؤمنا بأن العمل والإيمان هو الفيصل في معرفة الناس. - على ضوء ما تفضلت به، هل يمكن القول إنه حان الوقت لإرجاع رفات محمد بن عبد الكريم الخطابي من القاهرة إلى المغرب؟ نعم، لقد حان الوقت لإرجاع رفات والدي من القاهرة إلى المغرب، لكن بصفة رسمية؛ والملك محمد السادس أخبر أخي سعيد الخطابي، حين زار مصر، بأن مسألة إرجاع الرفات تخصه هو شخصيا، والقرار ينبغي أن يكون على مستوى عال. قد يعتبر البعض أن تصريحاتي حول دفنه بالرباط فيها نوع من الأنانية، لكن إذا ما تأتت هذه الفرضية فستكون هناك آفاق واسعة لإقامة الندوات العلمية والأنشطة الثقافية في المركز. وسأكذب عليك إن قلت لك إني سأزور الحسيمة بشكل دوري لزيارة قبر والدي إذا تم نقله إلى هناك، بل لن يتمكن الكثيرون من فعل ذلك. لقد أردت من خلال تصريحاتي السابقة أن أنبه إلى أمر أراه أساسيا وهو أن الرباط ستمنح إشعاعا أكبر لوالدي. - لكن، كيف تردّين على منتقديك بخصوص انحيازك إلى مواقف الدولة بشأن نقل رفات الأمير إلى الرباط؟ يجب أن نتعلم كيف نقبل مختلف وجهات النظر، وكذلك التحلي بروح الاختلاف. هذه وجهة نظري، وأنا أحترم كل الآراء الأخرى، سواء اتفقت معي أو لم تتفق. أنا أقول إنه إذا كان قريبا مني ومن كل المغاربة فذاك أفضل، أما إذا كان بعيدا فلن أتمكن أنا شخصيا من زيارته، إذ قلما أزور الريف بالرغم من أن هناك قبورا لأفراد عائلتي في مقبرة أجدير. أعود لتأكيد أنه صار الوقت مناسبا جدا لإرجاع رفات والدي. وإذا ما تمت استشارتنا حاليا، فإن عائلة الخطابي ستقبل بذلك فورا. وأتمنى من كل القائمين على الدولة التفكير جديا في نقله، فالمغاربة انتظروا هذا الحدث على مدى عقود طويلة، وعودته ستؤكد أن المغرب تغير بالفعل. - لكن والدك تحدث عن شروط بعينها لعودته إلى المغرب، من أبرزها ترسيخ الديمقراطية؛ فهل أصبحت هذه الشروط متوفرة في المغرب للحديث عن نقل رفاته؟ في الحقيقة، يمكن القول إن الشروط التي تحدث عنها والدي صعبة جدا، وتمثل قمة في تطور المغرب، فبخصوص الاستعمار لم يعد موجودا، والمغرب دخل مسيرة التغيير منذ عدة سنوات، لنسق مثالا الآن عن الحسيمة، فالمدينة تغيرت كثيرا خلال السنوات الأخيرة، وبعدما كانت معزولة وتنتفي فيها كل شروط الاستثمار أصبحت تتوفر على شروط إقلاع اقتصادي حقيقي، وفي كل مرة يزورها الملك تنتعش آمال هذا الإقلاع. لكن الثابت هو أن الكل صار يطالب بعودة محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى بلده، محتفى به كشخصية كبيرة طبعت المغرب خلال القرن الماضي. - هل نفهم من كلامك أن الدولة تصالحت مع الريف وأن المشاريع المنجزة هناك أنست الريفيين عقودا من التهميش الاقتصادي والسياسي الذي طالهم؟ أقول بصيغة أخرى إن الملك محمد السادس، حفظه الله، قد تصالح مع الريفيين بعد عقود من التهميش والعزلة، وما أزال أتذكر كيف أن الملك حلّ بالحسيمة في أول زيارة له لمدينة مغربية، وكانت تلك إشارة واضحة إلى أن الملك يريد إنهاء حالة التوتر بين الريفيين والدولة، ولذلك لا نستغرب أنه فضل الحسيمة على الكثير من المناطق لأنه كان يدرك أن المنطقة طواها النسيان لأكثر من خمسة عقود. وفي تلك المرحلة ذهبت بمعية أخي سعيد لاستقباله هناك، ولا يخفى على أحد أن الملك يزور كثيرا المنطقة، وفي كل زيارة يدشن فيها مشاريع في مصلحة الريف والريفيين. وأرى أن الورش الكبير الآن هو بناء طريق سيار بين فاسوالحسيمة، فمثل هذا الطريق ستكون له آثار اقتصادية إيجابية جدا على المنطقة برمتها. وأرى أنه من الضروري قراءة هذه الزيارات بشكل صحيح لأنها تعبر، بما لا يدع مجالا للشك، عن كوننا إزاء مصالحة حقيقية، وعلى الريفيين عدم تفويت هذه الفرصة. - لكن، كيف تفسرين أن أبطالا قوميين، من أمثال الأمير عبد القادر الجزائري وغاندي، دفنوا في مناطقهم الأصلية دون أن يثير ذلك أي إشكال؟ أنا لم أقل سوى ما أفكر فيه وما أؤمن به، ومبرراتي واضحة، لكن -وكما أسلفت- هذه فقط فرضية يمكنها ألا تتحقق، وإذا استقر الرأي على أن يدفن والدي في مسقط رأسه، فذلك لا يطرح بالنسبة إلي أي مشكل، لكن الذي لا أفهمه حقيقة هو النزعة العنصرية التي تظهر عند البعض حين يحصرونه في زاوية ضيقة هي الريف. أعتقد أنه حان الوقت لنتخلص من هذه العنصرية في النظر إلى محمد بن عبد الكريم الخطابي. صحيح أن والدي دافع عن الريف ضد المستعمر، لكنه كان دائما موقنا بأن دفاعه عن قضيته إنما هو نابع من انشغاله بقضايا المستضعفين في كل العالم. - تحدثت عن مصالحة عقدها الملك مع الريف على مختلف المستويات، غير أن مدينة الحسيمة ما تزال تشهد احتقانا اجتماعيا في ظل انتقادات كثيرة موجهة إلى الدولة بتهميش المنطقة؛ كيف تنظرين إلى ذلك؟ أرى أن منطقة الريف دخلت، في عهد محمد السادس، منعطفا جديدا قطع مع المرحلة الماضية. صحيح أن نسيان ما حدث بالريف هو أمر صعب جدا، لكن لا مناص من أن نطوي الصفحة، لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، فقد أصبح الريفيون يتقلدون مناصب حساسة في الدولة كما لم يكن في العهد السابق، وكذلك لم يبق الريفيون مصدر خوف عند بعض الجهات. طبعا، ما تزال هناك جهات بعينها تكن العداء للمنطقة عن قصد أو عن غير قصد. - ننتقل إلى موضوع المذكرات، هناك الكثير من علامات الاستفهام تطرح حول تأخر نشرها ليتعرف عليها المغاربة، هل يتعلق الأمر بخلاف عائلي أم بأشياء أخرى؟ المشكل الجوهري الذي حال دون نشر هذه المذكرات يكمن بالأساس في العائلة، إذ هناك أفراد من عائلتنا ما يزالون على طريق الخطأ في ما يرتبط بهذا الموضوع، حيث عملوا على تشتيت هذه المذكرات، وهي موجودة في مصر، لكن أنا متيقنة بأن هناك نسخا أخرى في أوربا، خاصة عند عائلة الحاج سلام أمزيان. وأفصح، لأول مرة، عن كون المذكرات هي بحوزة قطري، يسمى محمد البدوي يسكن بالدوحة، كان يعمل بجوار أخي سعيد. لكني أخشى أن تصاب المذكرات الموجودة في مصر بالتلف لأننا بدأنا فعلا في طبع نسخ منها، فقد أخبرني أحد أفراد عائلتي بأن نصف هذه المذكرات فقط يتضمن أكثر من ألفي صفحة. - ولماذا لا تنسقون جهودكم لنشرها؟ نحن نبذل ما في وسعنا لننشرها في أقرب الآجال، ليتعرف المغاربة على جزء كبير ومغيب من تاريخهم من خلال تأملات وملاحظات والدي محمد بن عبد الكريم الخطابي، والأمر يبدو تقنيا بالدرجة الأولى، وهناك أشخاص بعينهم اتصلوا بي من خارج المغرب ليبدوا لي رغبتهم في إمدادي بمذكرات الأمير إذا وافقت عائلتنا على ذلك، لكنهم لم يريدوا الإفصاح عن أسمائهم الحقيقية. أما الحديث عن كون الدولة لا تريد أن تخرج هذه المذكرات فهو حديث غير صحيح بتاتا، ذلك أن التغيير الذي حصل في المغرب ينبئ بأن الدولة صارت قادرة على أن تستوعب أخطاء تاريخية ارتكبت في مسيرة المغرب وجب استدراكها، بيد أن الحديث عن كون الدولة ترى في مذكرات محمد بن عبد الكريم خطرا عليها أصبح متجاوزا ولم تبق الأمور كما كانت عليه من قبل. - هل سبق لك أن قرأت شيئا عن مذكرات والدك، وهل تتضمن فعلا حقائق مثيرة عن تاريخ مغرب ما قبل وبعد الاستقلال؟ بطبيعة الحال، فإن المذكرات تحتوي على أشياء خطيرة عن تاريخ المغرب، وقد حان الوقت ليتعرف المغاربة عن كثب عن أمور حدثت في بلادهم، إذ يتوجب أن يعرف الجميع مكامن الصحة والخطأ في التاريخ المغربي المعاصر لأن الشعب الذي لا يتصالح مع تاريخه لا يمكن أن يمضي إلى الأمام، فوالدي كان يقول كل شيء ويكتب كل شيء يحدث في المغرب، حيث لم يكن يتواني في توجيه سهام نقده حول تزوير الانتخابات في المغرب، مما جرّ عليه عداوة بعض الساسة المغاربة، هذا بالإضافة إلى أن والدي تحدث باستفاضة كبيرة عن الحيثيات التي أحاطت بمعاهدة «إيفيون» التي اعتبرها مسيئة إلى المغرب ولا تخدم مصالحه، وكان موقفه من ذلك ثابتا. - هل يمكن أن نتحدث عن أفق زمني لنشر هذه المذكرات؟ لا يمكن أن نلتزم بشيء، وكل الذي يمكنني أن أخبرك به هو أنه حالما ننهي خلافاتنا وتكون الأمور التقنية مناسبة سننشرها دون أدنى مشكل. - فاز حزب العدالة والتنمية مؤخرا بالانتخابات التشريعية؛ بحكم معرفتك الجيدة بثقافة والدك، هل كان سيرحب بفوز الإسلاميين في المغرب؟ بطبيعة الحال، كان سيرحب بفوز الإسلاميين وكان سيفرح لذلك، لأنه كان معتنقا للفكر الإسلامي، والأكيد أنه كان سيعتبر فوز حزب العدالة والتنمية انتصارا لفكر دافع عنه كثيرا. علامات استفهام حول علاقة الدولة بعائلة الخطابي - طرحت الكثير من علامات الاستفهام حول تعامل الدولة مع عائلة الخطابي، كيف يمكنك وصف هذا التعامل؟ أعتقد أن التخوفات التي كانت سائدة لدى بعض رجالات الدولة من عائلة الخطابي تبددت في الآونة الأخيرة مع التغيير الذي حصل في المغرب. صحيح أن عائلتنا بعد موت والدنا تعرضت لبعض المضايقات، لكن فيما بعد تم تجاوز هذه المشكلات، بل إن جلالة الملك يسأل شخصيا عن عائلة الخطابي ويهتم بها بشكل ملفت للنظر، مما يعني أنه صار لزاما على البعض تغيير نظرتهم تجاه بن عبد الكريم والابتعاد قليلا عن التوجس، لأن الرجل لم يكن يقول سوى الحقيقة، وإذا كان البعض يخشى من هذه الحقيقة فليعلنها صراحة. - هل تقصدين أنه ما يزال هناك تخوف لدى بعض الساسة من أفكار وطروحات والدك؟ نعم، هناك بعض الساسة الذين يتخوفون من فكر بن عبد الكريم؛ لكن كلما تطور التاريخ، أدرك هؤلاء أنهم كانوا على خطأ، ليس لأنهم عادَوْا والدي بل لأنهم ربما لم يطلّعوا على فكره الحقيقي، وأنا هنا لست في معرض الدفاع عن والدي أو حتى التأكيد على صحة أفكاره، بل أريد أن أثبت شيئا واحدا وهو أن المغرب قد تغير كثيرا، وبالتالي لا بد من التصالح مع التاريخ عبر تثمين فكر والدي ورد الاعتبار إليه، مع العلم بأنه تعرض للإقصاء في مرحلة تاريخية معينة. - وهل إقصاء تاريخ محمد بن عبد الكريم الخطابي في مرحلة معينة أملته أسباب ما؟ الكل يعلم بأن المغرب شهد مخاضات كثيرة بعد الاستقلال، والكل يعلم مواقف والدي الثابتة من المعاهدات التي وقعها المغرب، الشيء الذي أدى إلى بروز بعض التوتر بين والدي والدولة، غير أن الأيام أثبتت أن والدي كان يحلل الواقع وفق رؤية واضحة وبما ينسجم مع مواقفه ومبادئه. وفي الوقت الراهن، لا أعتقد أن مثل هذه التوترات ستبقى مع وجود رغبة حقيقية في عقد مصالحة مع الماضي في العهد الجديد. حاورها: محمد أحداد