قام السيد محمد الوفا وزير التربية الوطنية بتراجع جزئي عن قراره الأخير بإلغاء مشروع ثانوية التميز، في تصريحه للقناة الثانية يوم الاثنين 27 فبراير المنصرم، وفي أجوبته عن أسئلة المشاهدين في برنامج "قضايا وآراء" بالقناة الأولى يوم الثلاثاء 28/ 02، حيث قال إن القرار لا يشمل ثانويات التميز القائمة. وقد جاء هذا التراجع الجزئي إثر الاحتجاجات القوية التي عرفتها ثانويات التميز وطنيا خاصة في الناظور ومكناس والتي واكبها عدد من المبادرات والخطوات النضالية للأمهات والآباء، منها توجيه رسائل إلى الرأي العام الوطني. والتواصل عبر المواقع الاجتماعية كإنشاء مدونة خاصة بهذه القضية وصفحة على الفايسبوك للدفاع عن هذا المشروع الهام، واعتزام رفع دعوى قضائية ضد السيد وزير التربية الوطنية بسبب قراره المتسرع والصادم الذي خلف أضرارا نفسية بليغة استياءً عميقا في صفوف التلاميذ والآباء، خاصة وقد نعت السيد محمد الوفا في تصريح سابق له ثانوية التميز بأنها ثانوية التمييز، وأنها على شاكلة مدارس أبناء الأعيان، ما شكل صدمة كبرى للتلاميذ الذين انتزعوا من أحضان آبائهم في مناطق مختلفة وبعيدة عن سكن الأسرة في غالب الأحيان، لكي يعيشوا حلما جميلا اختيروا له بفضل تفوقهم اللافت، وإذا بهم يفاجئون بصدمة إلغاء الحلم. وأثار هذا موجة غضب في صفوف الأهات والآباء الذين ليسوا من الأعيان في شيء، وإنما هم من الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة. وكانت وزارة التربية الوطنية قد انتقت هؤلاء التلاميذ على أساس معدلاتهم وتفوقهم في اجتياز روائز واختبارات التميز التي أشرف على إجرائها مؤطرون من الوزارة. إن مشروع التميز لا يزال في بدايته. انطلق بكثير من الارتجال ولا زال يعرف تعثرا كبيرا على أرض الواقع من حيث تأهيل المؤسسات وتمكين المتميزين من جميع حقوقهم. ويعبر الآباء عن تشبثهم باستمرار المشروع ويعملون على تشكيل تنسيقية وطنية من أجل الدفاع عن ثانوية التميز وتمكين أبنائهم من جميع حقوقهم التي نص عليها ميثاق ثانوية التميز، في التغذية والإيواء والتجهيزات الحديثة ووسائط التكوين والترفيه والأنشطة التربوية... واستكمال دراستهم في أحسن الظروف. وإن من شأن إنجاح هذه التجربة خلق نخبة علمية ومثقفة متفردة تظهر بوادرها من الآن في المستوى الباهر لتلاميذ ثانوية التميز. وهو ما سيساهم بشكل قوي في ولوج مجتمع العلم والمعرفة في عالم يضع في صدارة أولوياته كسب الرهان العلمي والمعرفي من أجل التنمية المستدامة والتقدم والرقي وتحقيق الرخاء والازدهار. وقال السيد الوزير إنه بصدد التحضير لتقييم شامل للمنظومة التربوية ببلادنا ومن ضمنها مشروع التميز بشكل عام بهدف تحقيق الاستقرار لها والخروج من دوامة الإصلاحات المتوالية منذ الاستقلال دون التمكن من تجاوز مراوحة المكان، مع الحفاظ على الحقوق المكتسبة لثانويات التميز الحالية ولتلاميذها، وعلى أساس وقف إحداث ثانويات تميز جديدة. وقال إنه رجل قانون ويعرف أن من حق تلاميذ ثانويات التميز القائمة حاليا أن يتمتعوا بكل حقوقهم المكتسبة. ويعتبر مشروع ثانوية التميز أو الثانويات المرجعية أحد عناصر الدعامة 11 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وإلغاء مثل هذا المشروع يقتضي تعديل وتتميم الميثاق الوطني أو استبداله بآخر، وهذا الأمر ليس من اختصاص أحد لأن الميثاق حصيلة حوار وطني وتعاقد بين كل مكونات الأمة، ما يستوجب إجراء تقييم عميق ورصين وإجراء حوار وطني تشارك فيه كل الأطراف. ولم يخف السيد الوزير موقفه المعادي لمشروع التميز حتى وهو يؤكد على الحقوق المكتسبة لتلاميذ ثانويات التميز القائمة. ويتحدث في برنامج "قضايا وآراء" عن الجودة وتكافؤ الفرص وكأن إعداد نخب المغرب العلمية من التلاميذ المتميزين ليس في قلب الجودة ولا هو من تكافؤ الفرص. واعتمد حجاج السيد الوزير في البرنامج التلفزي للقناة الأولى على منطق تقليدي يعود بنا إلى عقلية الثمانينيات زمن التقشف والتقويم الهيكلي عكسته لغته البوليميكية التي تستدمج الضحك بالانفعال والخطابة مع مقاطعة المتدخلين أحيانا كثيرة. ولوحظ في تدخلات السيد الوزير استعماله لكلمتي المعلم والأستاذ في نفس الوقت، وهو استعمال لفظي مزدوج يرمي إلى التفريق بين أستاذ التعليم الابتدائي وأستاذ التعليم الثانوي، يفصح عن ذهنية قديمة كانت تشكل في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أحد عناصر السياسة التعليمية الهادفة إلى التشتيت وزرع التفرقة بين أساتذة سلكي الابتدائي والثانوي علما بأن أساتذة التعليم الابتدائي كانوا وما يزالون يشكلون القاعدة العريضة للأساتذة في التعليم المدرسي. والزج بنخبة الأساتذة في صراعات هامشية من أجل كسر المد النضالي والإشعاع التربوي والثقافي الذي عرفوا به، وإضعاف دورهم الطليعي في قيادة الحركات الاجتماعية والجماهيرية وباعتبارهم يشكلون نخبة المجتمع المتنورة الحاملة لقضايا التغيير. كما ينطوي هذا التفريق على استصغار عمل الأستاذ بالتعليم الابتدائي واحتقار الموارد البشرية الناشئة ونعني بها الأطفال الذين هم عماد المستقبل. ومن شأن العناية بهم وتمكينم من تربية جيدة وتعليم فعال أن يفتح آفاقا واعدة لمستقبل بلادنا. المصدر : http://facebook.com/dlexcellence