مرت 11 سنة على اعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب. كان جديد الاحتفالات المغربية بعيد العرش هذه السنة الموقف الحاسم الذي اتخذه الملك محمد السادس من العراقيل التي تضعها الجزائر في طريق التوصل الى حل لقضية الصحراء. كانت رسالة العاهل المغربي في غاية الوضوح والصراحة. فحوى الرسالة التي وردت في صلب خطاب محمد السادس ان الحكمة والاعتدال ليسا دليل ضعف بمقدار ما انهما وسيلة لتطوير العمل المشترك على الصعيد المغاربي بما يخدم شعوب المنطقة، من دون استثناء بعيدا عن سياسة افتعال المشاكل وخلق العراقيل. من هذا المنطلق، قال العاهل المغربي «ان المغرب سيظل مدافعا عن سيادته ووحدته ولن يفرط في شبر من ترابه الوطني»، داعيا الجزائر الى «التخلي عن مناوراتها اليائسة في نسف المبادرة المغربية» المتعلقة باعطاء حكم ذاتي موسع للصحراء. ومع تأكيده ان «الجزائر تسير في معاكسة منطق التاريخ»، اعاد الى الاذهان «حرص المغرب على مواصلة التشاور والتنسيق لتعميق علاقاتنا مع الدول المغاربية الشقيقة». مرة اخرى، لا وجود لحل منطقي وواقعي لقضية الصحراء غير الحكم الذاتي الموسع الذي طرحه المغرب، خصوصا ان الصحراء هي تاريخيا جزء لا يتجزأ من التراب المغربي. القضية ليست قضية مغربية - صحراوية بمقدار ما أنها نزاع من اختراع جزائري يندرج في سياق حرب استنزاف تستهدف المغرب عن طريق الاستثمار في عملية لا هدف لها سوى منع المملكة من تحقيق طموحاتها على صعيد التنمية الداخلية. على من يحتاج الى دليل دامغ على ذلك، أن يطرح على نفسه سؤالا في غاية البساطة:لماذا الاصرار الجزائري على أغلاق الحدود مع المغرب منذ العام 1994؟ أوليس أغلاق الحدود البرية امتدادا للحرب المقنعة التي تشنها الجزائر عبر جبهة «بوليساريو» على المغرب. صحيح ان الاغلاق جاء بمبادرة مغربية، ولاسباب مرتبطة بالارهاب نتيجة حادث معيّن، ولكن ما الذي يحول دون اعادة فتحها بعدما ابدى المغرب كل استعداد لذلك منذ سنوات عدة. هل يخاف النظام في الجزائر من تدفق مواطنين جزائريين على المغرب ليكونوا شهودا على الفارق الكبير بين بلد لا يمتلك موارد كبيرة يعيش شعبه مرتاحا ساعيا في الوقت ذاته الى تحسين اوضاعه، في حين ان الثروة الجزائرية تبدد فيما المواطن العادي في حال من البؤس المتزايد تجعل طموحه محصورا في الهجرة الى فرنسا «العدو التاريخي» للجزائر باي ثمن وبأي طريقة؟ ما لم تفهمه الجزائر، أو على الأصح النظام فيها، أن طريقة تعاطيها مع قضية الصحراء تنتمي الى تفكير قديم أكل الدهر عليه وشرب وثبت عقمه. فالابتزاز لا يمكن أن يشكل سياسة ولا يؤمن دورا اقليميا. من الأفضل للنظام الجزائري الذي لم يستفد من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك الحرب الأهلية الطويلة التي بدأت في العام 1988 ولا تزال مستمرة الى الآن، التفكير في أن عليه الاهتمام بكيفية مواجهة الارهاب والتطرف والاستثمار في التنمية بدل التركيز على البحث عن دور ما على الصعيد الاقليمي عبر ما يسمى جبهة «بوليساريو» التي لا هدف لها سوى تحقير الصحراويين والمتاجرة بهم عبر تحويلهم الى مجرد لاجئين بدل ان يعيشوا في وطنهم المغربي بكل كرامة. من الدارالبيضاء، الى طنجة وتطوان، مرورا بالرباط وصولا الى فاس ومراكش والعيون وأقصى الجنوب، تتقدم القافلة المغربية بثبات. انها قافلة التطور في مملكة الاعتراف بالآخر بعيدا عن اي نوع من العقد. تحت مظلة الاعتراف بالآخر والاستفادة من كل ما هو حضاري في هذا العالم، يتصدى المغرب للفقر والتخلف والارهاب ويتابع انفتاحه في اتجاه اوروبا الواقعة على الضفة الأخرى من المتوسط وفي اتجاه أفريقيا التي تشكل عمقا للمغرب. في 11 سنة، تغيّر المغرب كثيرا على الرغم من حرب الاستنزاف التي تشنها عليه الجزائر. لم تمنعه هذه الحرب من أن يكون أكثر انسانية وأكثر ديموقراطية وأكثر ازدهارا... وأكثر تمسكا بثقافة الحياة والفرح واكثر قوة وصلابة على الرغم من انه لا يمتلك نفطا وغازا. لم تمنعه الحرب التي تشنها عليه الجزائر عن طريق مجرد اداة اسمها «بوليساريو» من متابعة الحرب الخاصة به. انها الحرب على الفقر والبحث عن حلول عملية يستفيد منها المواطن بدل السعي الى افتعال المشاكل للآخرين بحثا عن وهم الدور الاقليمي. هذا الوهم ليس موجودا سوى في عقول مريضة لا تريد الاستفادة من تجارب الماضي القريب. هذه العقول المريضة تظن ان العناد يمكن ان يشكل سياسة ولا تعترف بأنّ العودة عن الخطأ فضيلة. هذه العقول لا تريد مواجهة الواقع المتمثل بأنّ السياسة المتبعة منذ السبعينات اخذت الجزائر في اواخر الثمانينات من القرن الماضي الى حروب داخلية وان هذه الحروب ما زالت نارها تحت الرماد ويمكن ان تتكرر في المستقبل القريب في غياب القدرة لدى السياسيين الجزائريين الموجودين في اعلى هرم السلطة على التعلم من تجارب الماضي القريب... المغرب ليس ضعيفا. ولانه ليس ضعيفا طرح الحكم الذاتي الموسع للصحراء وهو خيار يحفظ ماء الوجه للجميع. ويسمح للجميع في المنطقة بالانصراف الى الاستثمار في تطوير الانسان المغاربي وخوض معركة مواجهة الارهاب والتطرف الديني بكل اشكاله. هذه المعركة مشتركة بين الجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا وتونس وكل الدول الافريقية المحاذية للصحراء الافريقية. انها معركة الجميع. ومن يحول دون التوصل الى تسوية في الصحراء المغربية انما يوظف جهوده في خدمة الارهاب والارهابيين والتطرف والمتطرفين لا اكثر... القافلة المغربية تتابع مسيرتها. وما قد يكون اهم من ذلك كله، ان المحاولات الجزائرية لعرقلة التنمية في المغرب لم تحل دون طرح محمد السادس في خطاب العرش قبل ايام المشاكل الحقيقية التي تعاني منها بلاده مع تركيز خاص على النظام التعليمي واهمية تطويره. اضافة الى مشكلة البرامج التربوية تحدث العاهل المغربي عن قضايا الاقتصاد والبيئة وكل ما له علاقة بربط المغرب بالمستقبل وروح الانفتاح على كل ما هو حضاري ومرتبط بالثقافة الانسانية التي لا تميز بين البشر. في هذا المجال، كان ملفتا ان محمد السادس قلد في الذكرى ال11 لصعوده الى العرش اوسمة لثلاث راهبات (اسبانيتان وبرتغالية) تعملن بين الحسيمة والرباط وذلك تقديرا لجهودهن في مجال الخدمات الطبية ذات الطابع الانساني. اظهر عاهل المغرب عبر هذه البادرة كم هو متقدم في تفكيره الذي يركز على الانسان اولا بعيدا عن اي نوع من التزمت. اكثر من ذلك، كشفت السلطات المغربية انها تميّز بين العمل الانساني والنشاط التبشيري الخبيث الذي يمارسه بعض الاجانب الذين يمتلكون اجندة لا علاقة لها بالعمل الانساني. لم يحد المغرب عن خطه المنفتح الذي يبعث على النظر الى مستقبل المملكة من زاوية يغلب عليها التفاؤل اكثر من اي شيء آخر بغض النظر عن العراقيل التي تضعها انظمة فاشلة تظن ان الهروب الى الخارج سيحل لها ازمتها الداخلية المستعصية... او سيغطي، في احسن الاحوال، على هذه الازمة! خيرالله خيرالله الرأي الكويتية