مخاطر الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء باتت تشغل المنتظم الدولي أكثر من أي وقت سابق . وتلعب العوامل الجغرافية والسياسية والعرقية عناصر إغراء وجذب قوية للتنظيمات الإرهابية. فشساعة المساحة الصحراوية (أزيد من 9 ملايين كلم مربع ) وتضاريسها الوعرة تجعل من المستحيل على دول المنطقة مراقبة الحدود وبسط السيادة الأمنية والعسكرية عليها ؛ الأمر الذي تستغله التنظيمات الإرهابية وشبكات الاتجار في السلاح والمخدرات والبشر في بسط نفوذها على المنطقة . وتلعب عوامل كثيرة لصالح التنظيمات الإرهابية سواء في توسيع أنشطتها الإجرامية أو استقطاب المتطرفين من مختلف الدول . ويأتي في مقدمة هذه العوامل بالإضافة إلى العنصر الجغرافي : عجز دول المنطقة على توفير الموارد البشرية ذات التدريب العسكري العالي وكذا اللوجيستيك والآليات والمعدات العسكرية. فالتكلفة المالية لتغطية المجهود العسكري لرصد ومراقبة الأنشطة المهددة للأمن الإقليمي جد مرتفعة لا تتحملها خزينة دول المنطقة. وجاء الهجوم الإرهابي الذي خلّف مقتل 71 جنديا نيجيريا يوم 10 ديسمبر الذي تبناه داعش ليبين ، من جهة هشاشة المنظومة الأمنية والعسكرية لهذه الدول، ومن أخرى، التطور الخطير الذي أصبحت عليه التنظيمات الإرهابية على مستوى التدريب والتسلح يمكنها من استهداف الدول المعنية (مالي فقدت أكثر من 140 جنديا، بوركينافاسو فقدت 24 جنديا خلال شهر غشت الماضي وفي آخر هجوم يوم 24 ديسمبر تبناه داعش قتل فيه 18 جنديا و 35 مدنيا). إزاء هذه الأوضاع، جاء تقرير أميركي نشره مركز مكافحة الإرهاب في جامعة جورج واشنطن يوم 6 نوفمبر 2019 يدق ناقوس الخطر ويحذر من أن (دول الساحل الأفريقي مهددة بالسقوط أمام الإرهابيين)، فيما مسؤول في إدارة الدفاع الأمريكية صرح بأن "الوضع بات خارج السيطرة). النزاعات العرقية التي تنخر نسيج المجتمعات المحلية، إذ يستخدم الإرهابيون تكتيكات جديدة لتوسيع سيطرتهم ونفوذهم في المنطقة ومنها التركيز على الانقسامات الموجودة داخل المجتمعات العرقية والدينية المتنافسة مثل الصراع بين الفولاني ودوسحاق الطارقية على الحدود بين مالي والنيجر حول الموارد الطبيعية والأنشطة الإجرامية مثل سرقة الماشية. إذ نجح تنظيم الإرهابي في تأجيج الاضطرابات والحروب القبلية ليقدم نفسها مدافعا عن قبيلة ضد أخرى كما هو الحال بالنسبة لقبيلة الفولان التي أفرزت تنظيم ماسينا الموالي لداعش مرونة المسلحين المتطرفين الذين يطورون خططهم لاختراق النسيج المجتمعي للقبائل ولاستغلال مكامن الضعف الأمنية والعسكرية لدول المنطقة ، وهو الأمر الذي مكّنهم من توسيع نفوذهم في منطقة الساحل التي تضمّ خمس دول (موريتانيا، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد) . استغلال حالة الفقر التي تعيشها القارة الإفريقية في استقطاب الشباب الإفريقي الحالم بالغنى والرفاهية. فتنظيم داعش يغري الشباب الإفريقي الفقير بمبالغ مالية كبيرة لكي ينضموا إلى صفوفه . النزعات الانفصالية التي تنخر إفريقيا والتي تستنزف الإمكانات المادية والبشرية للدول وتوفر للتنظيمات فراغات أمنية تستغلها في التسلل وتنفيذ مخططاتها الإرهابية اختراق المنظمات الانفصالية واستقطاب عناصرها لتجنيدهم في صفوفها . وتمثل البوليساريو النموذج الواضح لهذا الاختراق منذ أن انضم أبو الوليد الصحراوي لتنظيم القاعدة وتنفيذه للعديد من العمليات الإرهابية ، سواء داخل مخيمات تندوف باختطاف 3 رعايا أوربيين ومطالبته بفدية 30 مليون يورو مقابل الإفراج عنهم، أو اعتداء تمنراست جنوبالجزائر الذي نفذه بتفخيخ سيارة في الثالث من مارس 2012، أو إعدام القنصل الجزائر الذي تم اختطافه في مدينة غاو المالية . ونظرا لخطورته على الأمن الإقليمي والمصالح الغربية ، وعدت وزارة الخارجية الأميركية، بمكافأة تبلغ قيمتها خمسة ملايين دولار لمن يقدم معلومات تسمح بمعرفة مكان عدنان أبو وليد الصحراوي الذي انضم لداعش وعينه البغدادي واليا في الصحراء الكبرى . إذن لم تعد علاقة البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية خفية عن المنتظم الدولي ، بحيث كشف الخبراء الدوليون الذين شاركوا في اجتماعات اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة عن الروابط بين الانفصاليين والإرهابيين . وقد حذر المغرب باستمرار من علاقة البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية وتهديدهما لأمن الدول . وتظل خلية أمغالا الإرهابية التي سمح البوليساريو لعناصرها بإدخال السلاح إلى المغرب والتخطيط لإنشاء قاعدة خلفية لتنظيم القاعدة مثالا قويا لهذه العلاقة . وتزداد الخطورة مع انسداد الآفاق أمام عناصر البوليساريو ،الأمر الذي ستستغله التنظيمات الإرهابية لاستقطابهم وتجنيدهم في صفوفها لما اكتسبوه من خبرات وتداريب عسكرية . إذن أمام خطورة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء وتهديدها للأمن الإقليمي والدولي، بات مفروضا على المنتظم الدولي : تقديم المساعدات المالية والعسكرية لدول الساحل، والإشراف على تدريب القوات الأمنية والعسكرية وتأهيلها لمواجهة التنظيمات الإرهابية . الضغط لحل النزاعات السياسية والقبلية وتقوية مؤسسات الدول لمواجهة مشاكل البطالة والفقر التي تستغلها التنظيمات الإرهابية في استقطاب وتجنيد الشباب. فالنزاعات السياسية والعرقية والتهديدات الإرهابية تعوق التنمية. دعم التنمية والديمقراطية في الدول الإفريقية. اتخاذ موقف واضح وحازم من الدول التي توفر الدعم والغطاء السياسي لهذه التنظيمات الإرهابية.