للحديث عن الحكايات الشعبية في أوساط بلدة كبدانة يستطيع الباحث أن يصنفها الى صنفين منها ما هو دخيل بحكم ألانتشار السريع و الواسع لكثرة تداولها بين المجتمعات وكذا تلاحق الثقافات زيادة على التأثيرات القوية التي تتركها هذه ألأخيرة في نفسية ألإنسان بشكل عام، وذلك لما تحمله من قيم إنسانية نبيلة، ويمكن إعتبارهذا الصنف بلا هوية لأنه تراث إنساني حضاري تساهم فيه جميع المجتمعات في إنتاجه وبناء حضارته ألإنسانية، أما الصنف الثاني فنجده في جذوره كله محلي لأنه يمثل ألأشكال المختلفة لبيئة هذه المنطقة، التي حافظت فيها ساكنتها على معارفها المتوارثة وفنونها ألأدبية والمادية المتضحة من خلال العادات و التقاليد و المعتقدات، إلا أن محافظتها هاته كانت أشد حرصا و ظمانة قبل النزوح من ديارها نحو المدن و الحواضر للإستقرار، ويجد الباحث أن المجتمع الكبداني القروي ما زال يشارك في حمل و حفظ الحكايات و نقلها عبر الزمن للأجيال، وأغلب هذه الحكايات تدور حول مواضيع مختلفة يرويها الكبار كالأم والجدة أوالشيوخ، وهي موجهة بالخصوص إلى ألأطفال الصغار و الشباب، تسعى أساسا إلى نقل مجموعة من القيم ألإنسانية خاصة قيم ألإخلاص و الوفاء أما مادتها فيمكن تقسيمها بدورها إلى قسمين، حيث نجد أن كل الحكايات التي تتضمن علامات العنف و صفات الخشونة و الرجولة فيرويها الرجال دون سواهم وهي غالبا ما تكون من التاريخ الواقعي الذي يحكيه شيوخ الدوار لشبابها فتراهم يذكرون أشخاصا بعينهم ويحدثون عن أبطال قاوموا من أجل حماية الجماعة أو ضحوا من أجل ألإستقلال أوعن الحرب و السلم و التحالف ونفي ألأشرار واللصوص من القبيلة.. وتروى هاته الحكايات في دكاكين البادية أو في مناسبات ألأفراح والصلح و السمر أما الحكايات التي تتضمن مضامين عاطفية و أخلاقية فهي غالبا ما تكون حكرا على ألأمهات والجدات بحكم نيتهن في تربية أولادهن تربية حسنة بعيدة عن العنف، وهن بهذا السلوك يفضلن البقاء بعيدات عن كل ما يحيل على القوة لتفادي تخشين لطافتهن لذا تجدهن يقتصرن فقط على سرد الحكايات الذات البعد ألأخلاقي تنتهي ماداتها دائما الى دروس و عبر ولتعريف الحكاية الشعبية في بلدة كبدانة فهي عبارة عن أحدوثة شفهية تحكيها العجائز وألأمهات للصبيان ألائي بدورهن نقلناها عن أسلافهن ولهذا تجدهن مقيدات بحوادثها وشخصياتها و مجمل بنائها العام، اذ يعرضن القصة بلغة خاصة متميزة مما يمنحهن قدرة على ألإيحاء و التأثير و يكون ألإلقاء مصحوبا بتلوين صوتي يناسب المواقف و الشخصيات و بإشارات من اليدين و العينين و الرأس فيها قدر من التمثيل، ويتم التلقي بإصغاء حاد قد يتخلله الضحك أو الهلع لكن في تصديق و إندهاش وبدون مقاطعة، كما أن لكل حكاية إسم ثابت وهو عنوان الحكاية ك إنسي أد وشن – القنفد و الذئب- أو أغيلاس أد ييس – النمر و الحصان... إلخ وكلها تصنف في خانة ما يعرف بتحاجيت تقوضات – أي- القصة القصيرة خاصة القصص ذات التوظيف الحيواني أما الحكايات المطولة والتي يمكن أن نطلق عليها كذلك إسم "ألأساطير" فهي قصص ذات بداية و نهاية متكاملة ومتماسكة ومحكمة البناء تعتمد على حوادث كبيرة فاصلة، وهي غريبة ونادرة ولا تحدد فيها ألأزمنة و ألأمكنة بل الزمان فيها هو توغا زيك – أي- كان قديما – أما المكان فيشار إلى بلدان على ألأرض بشكل عام دون تحديد، كما أن أسماء البلدان و الشعوب المذكورة في الحكاية ك تامورت ن تدجال – أرض ألأقزام- أو تامورت الغمان – أرض الجمال- فنعتقد أنها كانت مجرد عناوين لقصص من إبداع مخيلة ألإنسان ومع مرور الزمن بدا وكأنها كانت من الواقع المعاش للأمم السابقة خاصة لدى القاصرين وأحيانا حتى عند كبار السن، ولكون المتلقي يكون دائما هو الطفل ما يعني مرحلة التصديق و ألإيمان ثم ألإستيعاب وعدم التمييز بين ما هو أسطوري خرافي بالواقعي خاصة إذا كان الرواة تقات كألأم أو الجدة. ومن بين أقدم وأشهر الحكايات المطولة ألتي كانت تروى في بلدة كبدانة نجد مثلا أيوجيل – أليتيم و ثايا – ألأمة و إسمغ – العبيد وأجليد – الملك و نونجا – إسم لبطلة في إحدى القصص و ثامزا – الغولة وتاسليت ن ونزار – عروس المطر... إلخ وكل هذه الحكايات أو ألأساطير الذات السرد الطويل لها بداية و نهاية، إذ تبتدأ القصة دائما بأحداث ووقائع عادية لتتوسط بإظطرابات وقلق لتنتهي أخيرا إلى الخلاص وإلى ألأفضل وأحيانا توظف مخلوقات غير بشرية للتخلص من قوى الشر كالجن أو العملاق أو العفريت .. وعند سرد الحكاية يبدأ الرواة دائما بعبارة " حاجيتكم.. توغا زيك" و تحكى ليلا في جو حماسي زائد يتم التهيأ له غالبا بعد تناول وجبة العشاء. وبعد دراستنا لخصائص الحكايات الشعبية في أوساط بلدة كبدانة يمكن القول على أنها فعلا من بقايا المعتقدات الشعبية كما أنها بقايا بصمات إنسان هذه المنطقة وتأملاته الحسية فلقد صاغها في أكمل صورة فنية لها لغرض تعليمي محض تختفي من ورائها مجموعة من المضامين، منها السياسية والإجتماعية والإنسانية و ألأخلاقية والعاطفية، التي لا تخرج من ألإطار العام لبيئة هذه المنطقة ففي السياسة مثلا يجسد الخيال الشعبي إحساس ألإنتماء الى الامة الملتحمة وذلك بالإلتفاف حول القيادة والزعامة وتشكيل التحالفات ضد كل غازي يحمل معه ألألام و المعاناة، ونسوق هنا مثلا بحكاية ثامزا(الغولة) التي تتحدث عن قصة إمراة شريرة كانت تحاول دائما الهجوم على الدواوير ليلا لسرقة ألأطفال ما أجج غضب ألأهالي فإتحد الجميع من أجل وضع حد لشرور هذه الغولة المفترسة فسخروا بذلك جميع إمكاناتهم المادية و المعنوية لينتصروا أخيرا على ظلمها وعدوانها ثم طردها من القبيلة أما في ما يخص المضامين ألإجتماعية وألإنسانية والعاطفية فلقد عالجت فيها الحكايات الشعبية قضايا العدل والحرية و المساواة ونسوق مثلا بحكاية ثايا (ألأمة) التي تتحدث عن قصة فتاة صغيرة كانت مجرد عبدة مملوكة تخدم أسياد القصر فأصبحت في رعيل شبابها أميرة تقود شعبا بأكمله بعد أن تزوج بها إبن أجليد – الملك- وكسرت بزواجها هذا قيود التمييز الطبقي وأصبح الجميع ينعم بالحرية و المساواة في الوطن ألأم الواحد.. دون أن ننسى كذلك المضامين ألأخلاقية التي تنتصر فيها دائما قوى الخير على قوى الشر وذلك من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ونسوق مثلا بحكاية (نونجا) تلك ألأميرة المحاربة التي تنازلت عن أملاكها لكي تتصدى لكل ألأخطار من أجل حماية شعبها من ألأطماع الخارجية... وختاما وبعد تحليل مضامين الحكايات الشعبية في أوساط بلدة كبدانة إضافة إلى ضرب أمثلة مختصرة ببعض القصص لاحظنا أن أحداث هذه ألأخيرة تدور دائما على صورة صراع بين القوى الخيرة والشريرة إلا أن نهاية هذه الصورة تأتي دائما سعيدة وذلك بإنتصار القوى الصالحة والعادلة. أما توظيف الراوي لجرأة أبطال الحكاية في مواحهة المخاطر والصعاب هذا ما يعني سلوكا تربويا إيجابيا من لدنه لتحفيز المتلقي المستمع والذي يكون غالبا هو الطفل للجنوح والميل إلى حلف الخير