الحكاية الشعبية الأمازيغية هي أحدوثة يسردها راوية في جماعة من المتلقين، وهو يحفظها مشافهة عن راوية آخر، ولكنه يؤديها بلغته، غير متقيد بألفاظ الحكاية، وإن كان يتقيد بشخصياتها وحوادثها، ومجمل بنائها العام. وغالباً ما ترويها العجائز لأحفادهن، في ليالي الشتاء الطويلة، قبل الذهاب للنوم، وقد يرويها غير العجائز، في مواقف تقتضيها، للعظة والاعتبار وضرب المثل، ولكن الحكاية لا تسرد على الأغلب إلا ليلاً، في جو يتم التهيؤ له. وتلقى الحكاية الأمازيغية بلغة خاصة متميزة، ليست لغة الحديث العادي، مما يمنحها قدرة على الإيحاء والتأثير، وغالباً ما يكون الإلقاء مصحوباً بتلوين صوتي، يناسب المواقف والشخصيات، وبإشارات من اليدين والعينين والرأس، فيها قدر من التمثيل والتقليد. ويتم التلقي بإصغاء حاد، قد يتخلله الضحك، أو الفزع، كما يقتضي الموقف، ولكن في تقدير واحترام، وتصديق واندهاش، ومن غير مقاطعة. ولكل حكاية اسم، هو عنوانها، ويستمد من عنصر بارز فيها، من الشخصيات أو الحوادث، وهو اسم ثابت، قليلاً ما يتغير، وبعض العناوين تطلق على عدة حكايات، مثل حكاية "أولعيد د ملعيد"، "أوشن د بومحند" (الذئب والهدهد)، "أنكمار د ييزم" (الصياد والأسد) "إمخارن" (اللصوص)، "عارب هلال"... وتبدأ الحكاية الأمازيغية ببداية ثابتة محفوظة، مثل:"إكاتن يان أورياز يان واس...." (ذات يوم كان رجل...) . وكثيراً ما يتم في الحكاية القطع، بالوقوف في موضع من الحكاية، والعودة إلى الوراء لسرد حديث عن شخصية، أو حادثة، يدعي الراوي أنه نسي سردها، بقوله: "توغ أور اون نيغ..."، وإن كان يعمد إلى مثل ذلك، على الأغلب. والحكاية الأمازيغية تقدم قصة قصيرة ذات بداية ونهاية، متكاملة، وتمتاز بالتماسك وقوة الحبك والبناء، وهي تعتمد على حوادث كبيرة فاصلة، وغالباً ما تكون غريبة ونادرة، وهي حوادث كثيرة وكبيرة، وليس فيها شيء من الوقوف على الحوادث الصغيرة والتفصيلات، أو شيء من الاهتمام بالمواقف النفسية والانفعالات. وعلى الأغلب لا يحدد الزمان، ولا المكان، فالزمان هو "قديم الزمان، وسالف العصر والأوان". والمكان هو "بلد من بلاد الله الواسعة"، وقد يحددان تحديداً عاماً، "تامازيرت" مثلاً، وقد يشبهان بالزمن الحاضر، وبالقرية أوالمدينة التي تلقى فيها الحكاية، على سبيل التقريب والتوضيح، أو ضرب المثل. والشخصيات في الحكاية الأمازيغية واضحة مجددة، وهي على الأغلب شخصيات نمطية، تتحدد بموقعها في الأسرة، أو بمكانتها في المجتمع، كالأب والابن والزوج والكنّة والحماة، أو كالملك والوزير والتاجر والخادم والفقير. وهي تقدم تلك الشخصيات، وغيرها، في توازن وانسجام غريبين، هو توازن الحياة وانسجامها، على الرغم مما يبدو فيها، في الظاهر، من تعدد وتناقض واختلاف. ويلاحظ أن الحكاية الأمازيغية شأنها في ذلك شأن الحكاية العالمية تقدم غالباً الشخصيات القلقة المضطربة، ولكنها تنتهي إلى الخلاص مما هي فيه، والتحول إلى الأفضل. وتقدم الحكايات الشعبية الأمازيغية شخصيات غير بشرية كثيرة، ذات دور فريد ومتميز، وغالباً ما تكون وفية للإنسان، مخلصة له، تساعده على الخلاص، حين لا يجد المساعدة عند البشر. كما تقدم الحكايات الشعبية شخصيات أخرى غريبة، كالغول والعفريت والمارد والجني، وأكثرها يخدم الإنسان ويساعده. وتظل الحكاية الشعبية الأمازيغية محتفظة بإمكانات كبيرة، تساعد على التعبير عن الوجدان الجماعي، تحمل هموم "تاقبيلت" (القبيلة)، وتزودهم بخبرات وتجارب وثقافات، تمس وجدان الفرد، وتنتمي إلى ذاته، وترتبط بها، لتمنحه الإحساس بالانتماء إلى الجماعة، والانسجام معها. ويرى بعض الباحثين أن من أهم خصائص الحكاية الشعبية الأمازيغية: العراقة أي أنها ليست من ابتكار لحظة معروفة أو موقف معروف، ثم الانتقال بحرية من شخص لآخر عن طريق الراوية الشفوية، وأخيرا المرونة التي تجعلها قابلة للتطور في الشكل والمضمون تبعاً لمزاج الراوي أو مواقفه أو ظروف بيئته الاجتماعية. ونلاحظ عدة ملامح لفن الحكاية الأمازيغية ، كالعبارات المحددة في بداياتها ونهاياتها وما بينهما، وما يبدو على أسلوبها من بساطة ومبالغة واستطراد ومن حركة، ثم ما فيها من عبارات فنية تلفت النظر. في بداية الحكاية الأمازيغية تردد العبارة التقليدية المعروفة «نان إمزوورا» "ناناك آيت ناناك" (قال السابقون) والتي ذكر الباحثون أنها قد توحي بالعراقة في القدم. فالراوي إما أن يبدأ بذكر الله في تحية المستمعين تحية المساء غالباً، قائلاً: باسم الله الرحمان الرحيم، اكن إيعاون ربي» أو «الله عاون » (الله يعينكم) أو قائلاً: «زالات خف النبي» (صلوا على النبي). ومع ذلك فإنك تستشف من هذه الأشكال الافتتاحية للحكاية مبلغ تعمق الأثر الديني في نفوس الناس رواة ومستمعين. ومن الحكايات ما تدخل إلى موضوعها مباشرة، دونما بداية تقليدية. وينهي بعض الرواة حكاياتهم بالقول: «أياد أيكان لمقيصت إنو" (هذه حكايتي)،"صلا ع النبي"(والصلاة على النبي)، أو "أياد أيكا ربي" (هذا ما في جعبتي). وتتفق جل الحكايات الأمازيغية في أن نهاياتها تكون مفرحة ومعروفة في الوقت نفسه، فالبطل يواجه صعوبات أسطورية ومشقات فظيعة يتغلب عليها دائماً ويحقق أهدافه كافة ومنها في أغلب الأحيان زواجه بالمرأة الحسناء وامتلاكه الكنوز والأموال الطائلة (أنظر الحكاية الريفية "عارب هلال" مثلا). وليس مما يقلل من قيمة الحكاية أن تكون ذات نهاية معروفة سلفاً لأن العقدة الفنية غالباً ما تقوم على الطريقة العبقرية التي يتبعها البطل في التغلب على الإشكالات والمصاعب التي تواجهه. عند الحديث عن الحكاية الشعبية الأمازيغية، يستطيع الباحث أن يلاحظ أن هذه الحكاية هي إما من الريف أو من الأطلس المتوسط أو من جهة سوس وهي كلها في جذورها مغربية لأنها تمثل الأشكال المختلفة للبيئة في المغرب ، تمثل القرى والمدن، وذلك لأن كل شخص في المجتمع لا يستطيع أن يخرج عن معارفه المتوارثة، أو تقاليده العريقة، أو فنونه الأدبية والمادية، وأكثر ما يبدو ذلك، ولو جحده البعض، في لحظات التوتر العصبي والنفسي، وفي مناسبات الأفراح والأحزان. فالسكان الأمازيغ محافظون على المظاهر الفولكلورية المختلفة والتي تتضح في المساكن والأزياء والعادات وتتضح كذلك في الأغنية والحكاية والمعتقدات، ولكن محافظتهم هذه كانت أشد ما تكون قبل أن ينزحوا من ديارهم ذات الطابع الريفي المستقر إلى المدن والحواضر. ويجد الباحث أن مجتمع البادية يشارك في حمل الحكاية الشعبية الأمازيغية ونقلها عبر الزمن إلى الأجيال، ذلك أن أغلب الحكايات في مجتمع البادية تدور حول مواضيع مثل الفروسية والحب والشرف والوطنية،إلخ. أما مادتها فغالباً من التاريخ الواقعي الذي يرويه شيوخ القبيلة لشبابها، إذ تراهم يذكرون أشخاصاً بعينهم ويحدثون عنهم، ويلاحظ أيضاً أن حكاياتهم تفيض أحاديث البادية حتى تصل إلى تجمعات الناس في المداشر وفي المدن، فحكاية اللصوص، وحكاية البنت اليتيمة، وحكاية الذئب، وحكاية "تلغنجة أنزار" (طلب المطر) كلها تفوح برائحة البادية. كما تطلعنا الحكاية الشعبية على قيم الشعب في البادية والمدينة، وهي التي تحدثنا عن تقاليد الأمازيغ في استقبال الضيف وفي شرب الشاي، وفي الغزو والنهب ورد السلب، وفي العلاقات العاطفية بين ابنة "أمغار" (الشيخ) وابن أمغار قبيلة أخرى فيكون بينهما الحرب أو الحلف، وهي التي تعرض علينا البيئة الزراعية في القرية وما يقوم به الفلاحون في أراضيهم من زراعة وحصاد ينفقون عليه أحاديثهم، وأسمارهم وأعمارهم، وعن الحفلات والأعياد وفك الخصومات ، وعن تقاليد الأعراس ومقاييس الزواج وطقوس الأفراح والوفيات، وهي التي تدخلنا إلى متاجر التجار في المدن وتعرض علينا ألوان التجارة، تحدثنا الحكاية عن كل هذه البيئات الشعبية. ومن الناحية السياسية فإن الحكاية حافلة بدفاع القبيلة عن حماها بالنفس والنفيس، وحافلة بقص بطولات وطنية مثل المقاومة من أجل الاستقلال والمشاركة في المسيرة الخضراء من أجل استرجاع الصحراء المغربية، بولغ فيها فألبسها الخيال ثوباً زاهياً يزيد عن الحقيقة، وقد تعدد الوطن في الحكاية وكثيراً ما قيل «هات تامازيرت نغ أياد» (هذا وطننا) أو قيل «تامازيرت إنو الصحراء آيت إكان أوريد إستتوغ» (الصحراء بلدي لن أنساها)، وكذلك فإن بطل الحكاية مهما طال اغترابه يعود إلى وطنه، ولا يقبل أن تعقد له حفلات الأفراح قبل أن يعود، وهي حافلة أيضاً بصور اعتزاز المغاربة بتماسكهم والتفافهم حول زعمائهم وقد يلاحظ الباحث أن عناصر حديثة قد دخلت الحكاية الأمازيغية ذات علاقة بالتجمع من أجل مقاومة الأعداء والدخلاء وغيرهم. وقد جاءت مضامين الحكاية الشعبية الأمازيغية متعدّدة الموضوعات والمعاني فكانت مرآة الحياة وصدى الآلام والمعاناة والأحلام وعبَّرت عن الحكمة والفضيلة. وتختلف المضامين من فترة إلى أخرى حسب الواقع الاجتماعي السائد، لكنها لا تخرج من الإطار العام عن المضامين التالية: 1 مضامين اجتماعية وإنسانية: عالجت فيها الحكايات الشعبية قضايا الفقر والجوع والظلم والقهر والعدل والمساواة والحرية. 2 مضامين سياسية: يجسّد فيها الخيال الشعبي مشاعر الانتماء وطموحاته المشروعة في تحقيق الدولة المغربية القوية، التي تحتل مكانتها المرموقة بين الأمم. فينتقل الراوي بسهولة ويسر بين البوادي والمدن ويتجاوز الحدود والحواجز ببساطة وكأنه يتنقل في دولة واحدة. 3 مضامين عاطفية وأخلاقية: أحداث الحكاية تجري دائماً على صورة صراع بين القوى الخيّرة الصالحة والقوى الشريرة، بينما تأتي خاتمة القصة معبرة عن تطلعات الإنسان في انتصار الخير وتحقيق العدل، وامتلاك الثروة أو السلطان، أو الزواج من الحبيبة وتخليف الصبيان والبنات. 4 إقدام وشجاعة شخصيات وأبطال الحكايات وجرأتهم في اقتحام المخاطر ومواجهة الصعاب والقوى الشريرة والسحرة والعفاريت لإنقاذ الأمير أو الوطن والتضحية في سبيل الجماعة. إن الوضع الاجتماعي والثقافي الغني والمتنوع للمغرب يجعل اللغة والتراث الشفهي والهوية الثقافية في ارتباط مع بعضها البعض. ويعد التنوع اللغوي والثقافي في حد ذاته واقعا إيجابيا يسهم في إثراء الثقافة الوطنية، الأمر الذي يتطلب توظيفه في البرامج التربوية و المسرح والسينما وفي وسائل الإعلام. كما ينبغي دراسة وحماية وتدوين تراثنا الشفهي عامة والحكاية الشعبية الأمازيغية خاصة في زمن العولمة والتكنولوجيا الحديثة للتواصل. *كاتب وباحث مغربي