اليوم بينما أتجه إلى " المركب الثقافي " من أجل المشاركة في مسابقة لاختيار الممثلسن " كاستينغ" نظمتها شركة "yan production", توقفت لبرهة وبدأت أتساءل عن السبب وراء حماسي هذا ، هل أنا حقا لي الثقة الكافية والقدرة على الوقوف على خشبة أمام الكاميرا، أم أنني أحاول فقط إستكشاف عالم جديد غير الذي أصادفه كل يوم . أسئلة كثيرة كانت تطرح لكنني جمعتها في حقيبة " الإهمال" كي لا تقلل من حماسي وتكثر من رهبتي . الطريق كان جد طويل والوصول كان بالنسبة لي من المستحيل لأن التأمل يعثر خطواتي ، أمشي وأخطوا " كسفانكس" والخوف يزيد درجات ودرجات ، فجأة أصبحت الحقيقة حقيقة بينما أنا أنزل من سيارة الأجرة لأتوجه نحو غرفة الكاستينغ, لكنني هذه المرة توقفت لأشاهد الكم الهائل من الناس والذين معضمهم كانوا يرمقون بنظرات غريبة تحيل على "الخوف الذي يسكن شخصيتهم والتي لم تتعود على جو ذلك المكان الذي يجعلهم بخرجون من قوقعة الإهمال الذاتي وإظهار من "هم حقا" بدون أية حواجز . حقا ذلك الكم الهائل من الناس جعلني أتيقن أننا كلنا متساوون ذاتيا ولكن نختلف في القدرات ، لكل واحد منا له طريقته في التمثيل وطريقته في عجن شخصيته بالطريقة التي تلبي رغبة المخرج . الكل كان يستعد ، والكل يتساءل عن الدور الذي سيقوم بتقمصه " لكن كما قلت الكل خائف " ، والكل ينظر للآخر ليستنتج درجة "ثقته" ، هل حقا سيكون أحسن منه أو العكس،،،،، أسئلة كثيرة تطرح لكن الجواب لم يحن لأن العقل تائه في عالم إسمه" الواقع" بعد لحظات توجهت إلى قاعة خاصة ب"performance" ، فشاهدت مجموعة من الأجساد تتحرك بطلاقة كما لو أنها ولدت للمسرح و السينما و التلفزيون ، غير منتبهة للعالم الذي هي تعيش فيه ، جسد قادر على إتقان دور الفقير والغني ، دور خديجة ويوسف، دور الوزير ودور الأستاذ كل هذا يحصل مع تغير ألوان المسرح ، كل الذوات في ذات "واحدة". بعدها توجهت إلى نافذة غرفة "casting " ، فوقفت أتمعن جيدا في تلك الوجوه التي يملأها النشاط والشغف كلها تتحرك وترقص تبكي وتبتسم وكل هذا في ثواني ، لكنهم لا يعيرون أية إهتمام للثواني أو العالم الخارجي لأنهم " يحتكون بواقع حقيقي مرتبط بهم ويمثلهم هم . وقوفي هناك ومشاهدة تلك اللوحات المسرحية التي تتغير كل ثانية جعلني متيقنة أن " تجربتي هذه التي لم تتجاوز ساعة ستغيرني ، لأنني كل ثانية وكل دقيقة تصادف عيناي أدوار بألوان مختلفة مما يؤثر في ذاتي التي إكتفت ب" دنيا وفقط" . لم أكن أطمح لشيء سوى التجربة ، تجربة الخوف وتجربة الترجل امام كاميرا المخرج سعيد أزار وعدم الإكثرات للآخرين. لحظة بعد لحظة بدأت أشعر بالوهل وبدأت ثقتي غير منتظمة ، وقلبي ينبظ بسرعة ونفس الأسئلة تعيد نفسها مرة أخرى " أتساءل كيف سأستطيع أن أستبدل دنيا بشخصية أخرى لم أتعود عليها ، لكن إقتنعت في الأخير أن الدور الذي سأقوم بتجسيده ربما صادفته شخصيتي يوما ما في زمان ومكان مضى من قبل . من بعيد كنت أرى وجوها تخرج من "قاعة الواقع" بعضهم نشيط والآخرون لازالوا يحاولون أن يسكتوا ذلك الخوف المتوهج الذي يحاول أن يضعف كينونتهم . فجأة ، سمعت رنين إسمي " دن..." ، فعلمت أنه حان دوري لأترك "دنيا" أي " أنا" على عتبة الباب والدخول من أجل تجسيد شخصيات لم تكن في الحسبان. دخلت لكنني حاولت أن أخفف من خوفي بالنظر إلى وجوههم ومن حين لآخر كنت أركز على الكتب التي كانت موضوعة على رفوف المكتبة حاولت أن لا أعير أي إنتباه للكاميرا الكبيرة التي كانت موجهة لوجهي فبدأت بعدها بتجسيد دور مستوحى من الواقع المغربي مما جعلني أتفاعل قليلا مع الشخصية التي أتقمصها. ساعة هي مرة لكنها كانت كرحلة وكل دقائق تمر من محطات من أجل الوصول إلى نقطة الأصل ، فالتمثيل وتجسيد شخصيات لم أتوقع يوما أن أقوم بتأديتها جعلني أدرك من " نحن" جعلني أكتشف ان كل ذات لها القدرة على الإبداع وإنتاج أشياء لكن فقط تحتاج إلى محفزها لتكمل بناء الطريق التي تطمح إلى تأسيسه. في الأخير توجهت للخارج لكنني هذه المرة بشخصيات جديدة كانت نائمة وإستيقضت ، خرجت وأنا مقتنعة أن كل الاسئلة التي كانت تحيرني وتضيق تقكيري قد مضت ، وتعلمت كل العلم أن مجيئي هذا جعلني أكتسب شيء وهو " الإيمان بفن الممكن"و أدرك أن التجربة مفتاح أي باب سالك إلى " النجاح " ، والفشل مجرد حقنة تحقن كل يوم من أجل إيقاظي عقلنا من غفوة " الإهمال الذاتي".