يوميات نائب في المدينة هي نواة لمذكرات في قضية شغلت الرأي العام الوطني والدولي، قضية أسالت الكثير من الأقلام على الصفحات اليومية للجرائد الوطنية اليومية التي نقلت ما وصلها من معلومات لجلسات مغلقة عرضت فيها مشاهد الفديوهات المسجلة لرجل أمن اسمه مصطفى ثابت، والذي لولا ممارساته الإجرامية في حق مئات النساء لما عرفت أحرف اسمه التي أصبحت على لسان الصغير والكبير في كل التجمعات علنا وسرا، وهي الممارسات التي ينقلها اليوم من عين الملف من طرف أعلى سلطة في البلاد أنذاك المحامي العام نور الدين الرياحي مكلفا بهذا الملف الحساس والخطير. وفيما يلي النواة موضوع مذكرات هذا الأخير التي يخص بها جريدة «الاتحاد الاشتراكي»: عرفت بلدان كثيرة في العالم المتقدم خروج القضاة عن صمتهم عندما اختلطت السياسة بالقضاء، وأصبح من واجبهم إطلاع الرأي العام على ما يمكن أن يساعد حتى السياسيين أنفسهم في اتخاذ القرارات المصيرية في الحقل القضائي، وهو ما سمي بإصلاح العدالة. وخاض القضاة معارك من أجل حرية التعبير كمطلب حقيقي من طرف جمعياتهم المهنية، ونفس الشيء حصل في المغرب عندما استجاب دستور 2011 لهذا المطلب مع ما صاحبه من حراك قانوني وبات الجميع متلهفا لقراءة تاريخنا القضائي بصورة واقعية وموضوعية في غياب مجموعة من القضاة بسبب موتهم أو تقاعدهم أو تعمد غيابهم على الساحة القضائية نظرا لحساسية القضايا. ففي تسعينيات القرن الماضي في فرنسا خلف كتاب القضاة الذين يتكلمون Les juges qui parlent استحسانا عندما أسسوا لثقافة جديدة بواسطة خروجهم الى عالم الصحافة. وتابع هذا الخروج قضاة من خارج فرنسا، والذين سلكوا نفس المسلك. وفي المغرب و بعد تجارب يتيمة كان آخرها تجربة القاضي المرحوم الاستاذ محمد الفاسي الفهري في كتابه «مسار القضاء المغربي» و بعض اللقاءات الصحفية التي أجراها في آخر حياته تكاد المكتبة المغربية تخلو من أي عمل توثيقي قضائي معاصر يستجمع تاريخ القضاء المغربي من طرف القضاة أنفسهم، مما حدا بناشر هذه الكلمات ونزولا عند رغبة كثير من الزملاء والزميلات والرأي العام الوطني، بل قضاة كبار أجانب ومحامين وقضاة شباب وملحقين قضائيين وصحافيين ووزراء ًووزيرات، ورجال أعمال واقتصاديين، بل ورؤساء أحزاب وبرلمانيين وأطباء و مهندسين بأن أكتب في غير القانون كما كتبت قبل ذلك في مجلات متعددة وطلبوا مني كقاضي كان له بعض الشرف في معاصرة، بل المشاركة في قضايا كبرى، إن لم نقل أهم القضايا التي شهدها المغرب المعاصر، وأقتصر في ذكر منها قضايا ذات طابع ديني كمحاكمة البهائيين والمرافعة بشأنها وقضايا الأمن العام كأحداث الدار البيضاء سنة 1981 و 1984 وقضايا محاكمة عميد الشرطة ثابت مصطفى وإعدامه وكيف تحولت متابعته من قضية عادية في الاغتصاب إلى جناية تستحق الإعدام وحملة التهريب التي قيل فيها ما قيل لدرجة أن بعض المدانين فيها بعقوبات نهائية استغلوا العفو الملكي السامي ليصبحوا مؤرخين قضائيا لها بواسطة تضليلات متعمدة للرأي العام الوطني رغم أن خزانات وأرشيفات المحاكم لا زالت تعج بالحجج التي بنت عليها المحاكم قراراتها النهائية بما في ذلك المجلس الأعلى، وأمام هذه التضليلات و بعد ما نشأت الودادية الحسنية للقضاة وانبعثت من رمادها سنة 2002 وانتخابات 2006 و2010 وقيام بعض المحاولات اليائسة والمقصودة من أجل النيل منها ومن بعض قضاتها الذين تجرؤوا بواسطة انتخابات نزيهة وشفافة لأول مرة في المغرب والتي كان لعبد ربه مساهمات لإرجاع ثقة القضاة والقاضيات و الرأي العام الوطني والدولي في تحصين المؤسسات من بعض الڤيروسات التي تحاول الإساءة للقضاء المغربي والخروج الرسمي الى الساحة الإعلامية عن طريق مقابلات إذاعية وتلڤزيونية ومقالات صحفية ومداخلات بمدرجات الجامعات والندوات من طرف عبد ربه اعتبارا للمهمة الرسمية التي اختارها قضاة المملكة كناطق رسمي لهم وانتهاء صلاحية النسخة الثالثة للودادية الحسنية للقضاة والاستعداد لخوض انتخابات هياكلها وطلب رسمي خصوصا للقضاة الشباب في أن أحاول نفض الغبار عن جزء من تاريخنا القضائي المعاصر على اعتبار ما تشهده الساحة القضائية من محاولة إصلاح أثارت حنق أعداء الديمقراطية ليقاوموا من جديد الإشعاع القضائي ومحاولة يائسة منهم للرجوع إلى عهد كانت فيه الولاءات والمصالح السياسية والاقتصادية هي الفيصل عوض صناديق الاقتراع وشعوراً مني بأهمية الدعوة و بخطورة المرحلة التجأت وأسرتي الصغيرة لأحد المنتجعات التي أدمنت على قضاء عطلتي السنوية فيها رفقة حيسوبي عوض قلمي، و قررت أن أخط ما عرفته طوال36 سنة من العمل المتواصل من أجل الدفاع عن القضاء و إصلاح منظومتنا القضائية و الجمعية لتأسيس ثقافة جديدة للعمل القضائي ولثني من يحاول ان يسيئ لانتخابات الودادية ونحن على أبوابها بأن في المملكة المغربية قضاة كما قال ثشرشل يوما ما وإيمانا راسخا بما يحمله كاتب هذه الكلمات الذي يعتبر مستقبله وراءه وابتغاء مرضاة الله قبل مرضاة البشر، قررت أن أخرج في هذا التوقيت الذي أراده الله سبحانه و تعالى لمساعدة قضاتنا الشباب و الشيوخ منهم على معرفة الحقيقة القضائية غير مسيئ لأي خصم من الخصوم و لا تشهير بأي موقف من المواقف اللهم بعض الحجج التي احتفظت بها بمساعدة بعض الزملاء و الزميلات للإدلاء بها عند الحاجة، كما أدليت بها يوما أمام المجلس الأعلى للقضاء و التي شجعتني بعض قراراته يوما ما في الثقة في قضاء بلادي و الإخلاص لملكي و الذود عن و طني و لو بسلاح القلم و المرافعة، آملا أن يساعدني صاحب العدالة الأولى و منشؤها و الذي جعل حقاً عليه نصرها في شرح صدري تيسير أمري و أن يجعل لي وزيرا من أهلي كما خلصت إلى أن اقتدي بتوفيق الحكيم أحد الأدباء الذين أعجبت بهم صغيرا و احترمتهم كبيرا و نهلت من تجربتهم مترافعا و كاتبا، و اخترت بإذن الله أن كتابي في أجزاء متعددة سيرة ذاتية في قالب أدبي حتى لا يمل القارئ من جفاف القانون من العاطفة و يتطلع الى الكتاب كقصة واقعية و مسيرة تاريخية لنائب في المدينة إن أريد إلا الإصلاح، و ما توفيقي إلا بالله ماربيلا 14 غشت 2014 . وبداية أفضل أن افتتح هذه المذكرات بمحمد التبر. «قال الأستاذ محمد التبر و كان مجبرا أن ينوب عن أحد المتهمين الأطباء المشهورين في الدار البيضاء و الذي كان يقوم في ذلك الوقت بإعادة بكرات الفتيات المغتصبات تلبية للعميد ثابت الذي كان يجدد له بطاقة زوجته الأجنبية بكل سهولة، أن الأمر الذي لم تفهمه الصحافة و العموم و بعض الأطباء هو أن هذا الطبيب طبقا لما جاء في البحث الأول صرح بأنه قام بعملية منفردة، و لم يكن يعلم بأن ثابت يقوم بصفة اعتيادية بهتك عرض الفتيات القاصرات منهن و البالغات، وهو أمر من شأنه أن تجد له غرفة الجنايات ظرف تخفيف، و هو ما وقع عندما أفردت له عقابا مخففا نسبيا على باقي المتهمين، إلا أن تقدم ضحايا جدد بعد الحكم أثبتن - بصفة لا تقبل مجالا للشك -أن الطبيب المذكور يقوم بذلك على عدد كبير من ضحايا ثابت، واللواتي أكدن أمام قاضي التحقيق بأنه كان يعلم بأفعال المتهم، و مع ذلك يلجأ إلى القيام بما يقوم به و بأنه اعترف في محاكمته الثانية أمام غرفة الجنايات بأن ثابت سبق أن أطلعه على أحد الڤيديوات، و أجاب بأنه نصحه بالذهاب إلى طبيب نفساني عوض التبليغ عليه كما أنه - عن سؤال للنيابة العامة فيما يخص إحدى الضحايا التي تم تخييط مخرج مؤخرتها عدة مرات من طرفه - لم يستطع الإجابة ما دامت الضحية أصبحت زبونة اعتيادية لدى عيادته، زيادة على شهادات أخرى تقدم بها عدة ضحايا في نفس المنوال، و هو ما حدا بالمحكمة أن تشدد العقوبة في الملف الثاني الذي فتح له تحقيق جديد بناء على هذه الوقائع الجديدة. كانت المهمة قد تعقدت بالنسبة للأستاذ محمد التبر، الذي قدمه كافة المحامين و النقباء عليهم في افتتاح مرافعات الدفاع باسمهم، نظرا لمكانته الاعتبارية، رحمه الله، في التحليق كعادته بالقضاة الذين كان لهم حظ الترافع معه في القضايا الكبرى في سماء من التحليل القانوني العميق و هي ملكة جعلته أحد رواد المرافعة في تاريخ المغرب المعاصر، كل ذلك في احترام شديد للهيئات القضائية التي كان يوما ينتمي إليها، إذ عمل في بداية الاستقلال محاميا عاما لدى محكمة النقض، ثم نائبا برلمانياً كانت تدخلاته تهز برلمان بداية الستينيات و من فرط إعجابي بطريقة مرافعاته كنت أسجلها على شريط الكاسيت المتأتي لي في ذلك الوقت، و أحتفظ بها كمرجع في فن المرافعات، قليلا ما نجد مثله عمليا، و قد كان على علو كعبه يأتي في بعض الأحيان إلى مكتبي ليعرف رأيي الشخصي في بعض النصوص القانونية دون استعلاء أو مركب نقص منذ بداية حياتي القضائية، وقد كان دائماً يقول لي بالرغم من أنك كنت دائماً خصمي الشريف في القضايا الكبرى، فإن ما يجمعنا هو حب الفن القانوني l amour de l art وقد افتتح مرافعته : سيدي الرئس سادتي المستشارين السيد الوكيل العام للملك اشهدوا على محمد التبر الذي قضى عقودا من الزمن في المرافعة في قاعات المحاكم الوطنية و الدولية، إنني لم أشاهد قط مثل مرافعة السيد الوكيل العام للملك واقعا و قانونا و أسلوبا و أدبا و لولا أن الكمال لله لقلت بأن مرافعته أدركت الكمال) . غير أنه رحمه الله رفع إلى السدة العالية بالله مذكرة عن طريق صديقه المستشار الملكي رضا أكديرة ينتقد فيها لجوئي إلى افتتاح مرافعة النيابة العامة باسم جلالة الملك غير أن هذه المذكرة لم تلق الجواب الذي كان يتمناه لها . افتتح الأستاذ عبد الوحد معاش، أحد كبار المحامين الأدباء بكلمة قال فيها ؛ سيدي الرئيس سادتي المستشارين لقد شذت أم كلثوم ماذا عسانا نطرب بعدها) كلمات تبقى محفوظة على ظهر قلب عندما تستمع إليها بإحساس وحب فن قانوني رفيع من بعض الأفواه التي كان يسميها دائماً الأستاذ الطيب عمر الذي كان ينوب في الملف بمدرسة أم القرى أي مدرسة الدار البيضاء، حيث اجتمعت نخبة من القضاة المتمرسين وجهابذة المحامين وتوالى ممن أذكرهم من المحامين الأساتذة عفريت بناني وجهاد العربي الذي لقى حتفه في ظروف غامضة كما كان يقال مباشرة بعد الحكم في القضية، والذي كان موكلا من طرف ثابت، و استغرقت مرافعات الموضوع أياما طوالا كان علي أن أستجمع الردود للإجابة عليها وحدي (وهي فصول من المحاكمة من الناحية الواقعية والقانونية والسياسية سوف أفرد لها الحيز الذي يليق بها في الجزء الثاني والثالت إن شاء الله من هذه المذكرات ) و معلوم أن هذه القضية بدأت صغيرة وعادية، ذلك أنه بناء على شكاية طالبتين بكلية الطب، كان يتحرش بهما المتهم ثابت مصطفى بما أنه كان يقوم، بحكم منصبه الاستعلاماتي، أحيانا في كلية الطب التي كانت مسرحا لعدة إضرابات، وقد ذكرت إحدى الجرائد أن أحد المحاميين بنقابة الدار البيضاء قد سبقت لهما مشادة عنيفة داخل ردهات المحكمة عند محاكمة أحد طلبة كلية الطب تحولت إلى شجار، و يوم تقديم ثابت إلى غرفة الجنايات تشفيا منه بقولهما إن الله يمهل ولا يهمل، وهما محاميان محترمان أحدهما ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، و الثاني قاض سابق، لذلك كان المتهم معروف في جميع الأماكن العمومية بحكم منصبه، إلا أن القضية التي لم يسبق للصحافة و لا الاعلام العمومي و لا المحللين السياسيين والمفكرين الذين كتبوا عن هذه القضية أن تطرقا إلى الدور الجدي والذكاء الخارق لهما، إذ لولا نبهاتهما وشجاعتهما لبقي ثابت إلى يومنا هذا يعيث في الأرض فسادا، إذ كيف لم تتمكن المئات من الضحايا بمختلف مستوياتهن الثقافية والطبقية و العلمية إدراك أن المعني بالأمر يقوم بتصويرهن خلسة خلال العملية الجنسية باستثناء واحدة كانت ظروف معينة هي السبب في طمس شكايتها، وادعى لها ثابت بأنه يمسك نسخة واحدة وأتلفها بمعية رئيسه أعشى والعميد البقالي رحمة الله عليهما وهي الأفعال التي ورطتهما في المشاركة، وقد اعتبر البعض بأن الحكم بالسجن المؤبد على أعشي وعشرون سنة على البقالي العميدين المحنكين فيه نوع من القسوة، لكن لم ينتبه المنتقدون أنهما اعترفا بسذاجة بالغة أمام غرفة الجنايات وأمام دهشة دفاعهما بأنهما مزقا المحضر الأول أمام الضحية، و قاما بإتلاف الكاسيت، وهي الأعمال التي تدخل بصفة صريحة تحت طائلة الفصل الذي يعاقب بالسجن المؤبد. وزاد الطين بلة أنهما صرحاً باعتراف لا ليس فيه بقصدهما الجنائي وراء ذلك هو التغطية على مستقبل زميلهم المهني، ثم إنه كما كان يقول السينمائي ألفريد هيتشكوك في أحد أفلامه المشهورة ليست هناك أبدا جريمة كاملة il n y›a jamais de crime parfait ، إذ أن المتهم لابد أن يترك دليل فعلته، ويكون من واجب الباحثين و المحققين أن يهتدوا لتلك النقطة أو الحجة في الجريمة التي لم يعطيها المتهم اعتبارا رغم تحرزه الكامل في ضبط عمله الإجرامي، زيادة على دور الصدفة بين الهامش المتروك و مباغتة ذلك بطريقة إيرادية أو عفوية، و هو ما وقع لطالبتي كلية الطب، إذ كان من المفروض أن يغادرا الشقة دون تلك الصدفة، والتي لا تغدو أن تكون عناية إلهية. الهامش الذي تركه عميد محترف، حيث أن ثابت كان يصور عملياته الجنسية بطريقة جد متقدمة، بحيث أن كاميرات التصوير كانت مغروسة في أماكن يصعب على العين المجردة التقاطها، كما أنه في كل عملية كان يشعل التلفاز كأنه يتابع قناة معينة و في نفس الوقت يبدأ التسجيل، و بما أن كاسيت الڤيديو تشتمل على 3 ساعات، فإنه كان يغيرها و يدخلها إلى الصندوق الحديدي مع أخواتها و يضع أخرى جديدة، لكنه في تلك المرة نسي استبدال الكاسيت السابقة التي لم يبق فيها وقت كبير، خصوصا و أن عمليته الجنسية كانت تفوق ساعتين من الوقت و هو ما لم يستطع الأطباء تفسيره، هل مرده إلى فحولة غير معتادة أم إلى استعمال بعض العقاقير. إن هذا الهامش المنسي من الاحتياط هو ما دفع بثابت إلى الإعدام، إذ في الوقت الذي انتهت فيه الساعات الثلاث للكاسيط الذي أوقف بطريقة أوتوماتيكية آلة الڤيديو وظهر ثابت مباشرة رفقة الطالبتين في وضع الممارسة، عندئذ تنبهت الطالبتان، فصاحتا في وجهه، فارتبك وطمأنهما بأن الڤيديو فارغ، و خوفا منه التزمتا الصمت، و فور خروجهما و إيصالهما إلى مقر سكناهما، اتصلت الطالبتان بأحدى الشخصيات النافذة التي أدركت خطورة الأمر، فبدأ البحث بتكلف الدرك الملكي، لكن الخطأ الذي ارتكبته النيابة العامة أدى ابتدائية آنفا - بعد صدور التعليمات - إلى عدم إعطاء الأمر لإلقاء القبض مباشرة على ثابت، ولعل عذرها في ذلك أنه كان يتوفر على مسطرة الامتياز القضائي، وبما أن تسارع الأحداث الذي كشف عن تفتيش منزله بدلالة من الطالبتين و حراسته من طرف الدرك و بقاءه رهن الحرية، هو ما دفعه بالاستعانة بالضباط التابعين له ودخول المسكن وإخراج بعض المحتويات التي ظلت مجهولة و لم يلق عليه القبض إلا بعد عودته من الرباط بعد زيارة أحد المسؤولين الكبار الذين كانوا يحمونه. وفي السجن أسر ثابت لإحدى زوجاته بأنه ندم ندما كبيرا على شيء واحد لو علم أنه سيعتقل هو إفراغ حبات مسدسه في من تسبب له في ذلك الأمر، وهو لطف رباني أحاط بأصحاب البحث و أعضاء النيابة العامة. إن هذه القضية التي قلت في مرافعتي بأنها ملأت الدنيا و شغلت الناس، بدأت صغيرة و بمجرد ما تلقفها الإعلام حتى فاقت شهرتها شهرة حرب الخليج، إذ أن مبيعات الجرائد تضاعفت في المغرب ثلاث مرات عن مثيلاتها إبان حرب الخليج الأولى، مما طرح السؤال : هل هذا المجرم الذي اغتصب و هتك أعراض القاصرات و البالغات و المئات من المتزوجات و العازبات سوف يستفيد من جناية الاغتصاب التي توبع بها في غيبة نص جنائي آخر ممكن التطبيق. لقد كنت حينذاك وكيلا للملك بالجديدة، ومعينا من طرف جلالة المغفور له الحسن الثاني رئيسا للجنة الانتخابية بعمالة سلا رفقة عامل الإقليم المعين في ذلك الوقت الدكتور بيد الله محمد الشيخ، و كانت أوامر جلالة الملك آنذاك أن يسكن القضاة المختارون في أحسن الفنادق، وأن تخصص لهم سيارات خاصة، وأن تصرف لهم تعويضات وصلت ثلاثة أضعاف المرتب الذي كنا نقبضه قبل تسوية الوضعية في سنة 1996، وكنت أصغر قاض يستقبل من طرف جلالة الملك و أصغر مسؤول قضائي آنذاك. و معلوم أن مدينة سلا كانت من الناحية السياسية مدينة ترشح فيها القيادات السياسية لأحزاب المعارضة، الشيء الذي كان يضاعف من عملنا اليومي، وكان سكني بفندق حياة ريجنسي سابقا سوفيتيل حاليا والذي مكثت به ما يزيد عن أربع سنوات، نظرا لأن دائرة سلا كانت تمر بها انتخابات جزئية. وعلى ذكر ذلك فلم أبت في ذلك الفندق الضخم أكثر من 18 ليلة لدرجة اتصلت بي إدارة الفندق و سألتني كيف أن زميلا لك في نفس الفندق يبيت و يأكل يوميا و أنت لا تأتي إلا نادرا وقال لي المسؤول مازحا ربما لديك ما هو أفضل، فأجبته صادقا بأنني أعمل في الجديدة كوكيل الملك ثلاثة أيام و بسلا أقضي يومين و بالبادية أقضي يومين آخرين، لأنني أمتهن الفلاحة، وهي مهنة أجدادي، ولدي منزل جد متواضع في البادية أفضله على أحسن فندق في العالم، بل و حتى على منزلي في البيضاء والجديدة. ضحك صاحب الفندق وقال لي مازحا ألا توقع معنا عقدا نرسل إليك من خلاله زبنائنا المهمين... إلا أن المفاجأة كانت كبيرة، فبعد صرف تعويضات رؤساء اللجن اقتطعت منها ليالي المبيت و الأكل و كانت فاتورة القاضي الأصغر سنا هي الأضعف استهلاكا، و كان شيك التعويض سمينا كما كان يستند بذلك بعض الزملاء الذين فضلوا المبيت الفخم و العيش الرغيد ظنا منهم أنهم لن يؤدوه. لكن دوافعي إلى ذلك كانت حماية المال العام، فما دام في إمكاني المبيت في منزلي على بعد ساعة فلماذا استغلال جناح في فندق فخم على حساب الدولة، وبعد هذه الواقعة أصبح جميع الزملاء لا يستعملون حجوزاتهم في الفنادق إلا في الضرورة القصوى، باستثناء أولائك الذين كانوا معينين في مناطق نائية. وفي هذه الظروف كنت أتتبع ككل مغربي قضية ثابت و تطوراتها عن طريق الجرائد، و كنت أقول اللهم يكن في عون زملائنا في الدار لبيضاء الذين يكتوون بمشاكل هذا الملف، خصوصا عضوي النيابة العامة التي كانت مكونة من الأستاذين العربي مريد و محمد العرش. وفي صباح أواخر شعبان رن هاتف منزلي من مكالمة من الفندق، ظننت أن الأمر متعلق بمشكلة انتخابية طارئة، فإذا بالمسؤول يخبرني بضرورة الاتصال بوزير العدل عاجلا، هذا الأخير الذي اتصل بالفندق ظنا منه أني به، و ما إن وضعت السماعة حتى رن من جديد الهاتف لأسمع مدام الطاهري الكاتبة الخاصة للسيد الوزير تسبق لي السؤال برهبة بالغة أين أنت، السيد الوزير يسأل عنك منذ ساعة، ثم بعدها الكاتب العام وبعده مدير الشؤون الجنائية و بعدهم كتابة اللجنة الإقليمية بسلا و بعدهم كتابة النيابة العامة بالجديدة لدرجة تبين لي بأنني مبحوث عني و الكل يوصيني بالإسراع، لأن معالي الوزير يطلبني شخصيا، و على سبيل الاستعجال اتصلت باللجنة الإقليمية للانتخابات و اللجنة الوطنية لاستفسارهم فيما إذا كان هناك ملف طارئ حتى آخذ استعدادي لا شيء أجابوني. اتصلت بالجديدة لا شيء. إذن في ماذا يريدني وزير العدل. لحسن حظي أنني كنت أسكن في البيضاء قرب الطريق السيار. لم أنتظر حضور السائق و ذهبت مباشرة إلى وزارة العدل، مرت في ذهني وأنا في الطريق كل ما يمكن لقاض شاب أن يتصوره في مثل هذه الحالات، الشيء الذي تعلمته من النيابة العامة و محاكمات الأمن العام و الملفات الكبيرة التي رافعت فيها طوال مساري المتواضع، أن رئيس النيابة العامة لا ينادي علي بنفس الاستعجال إلا إذا كانت هناك قضية وطنية كبيرة، تساءلت عن ما هي هذه القضية، قلت في نفسي الله اعلم، حتى قضية ثابت مرت هي الأخرى في ذهني، تساءلت مرة أخرى ربما السيد الوزير أراد أن أعد له تقريرا سريا كما جرت العادة ، ولكن الوزير عادة ما يكون محاطا بقضاة أكبر مني سنا و معرفة و وخبرة. لم أكن أتصور أنه حتى حراس باب الوزارة ينتظرونني بمجرد وقوفي في الباب. هب الجميع لإستقبالي واحد أمامي و الآخر خلفي ، يسرعون الخطى نحو المكتب السفلي القديم الذي كان يضم الوزير مولاي مصطفى العلوي رجل ثقة جلالة الملك الحسن الثاني ابن شيخ الإسلام، وهو أول مدير للمكتب السياسي لوزارة الداخلية بعد الاستقلال والي سابق للدار البيضاء الكبرى، سفير سابق للمغرب في روما وزير العدل لما يزيد عن 12 سنة لم يعمر فيها أي وزير نفس المدة قبله أو بعده عاشر و صاحب رجالات المغرب الكبيرة ذاق ويلات سجون الاستعمار مع والده ، رجل طويل القامة عبوس و إذا ضحك يبتسم من وراء نظرة حادة، قليل الكلام، أنيق المظهر كياسة و أدبا في الحديث، حكيم في التعبير، لون بشرته يميل إلى السمرة، رياضي ممتاز لا يمكن أن يبدأ نهاره مع طلوع الفجر بممارسة رياضة السباحة في منزله، يركب دراجته النارية الكبيرة المهداة له من طرف صاحب الجلالة المغفور له الحسن الثاني، فيكون أول من يدخل أبواب الوزارة.هو رجل متواضع جداً في تعامله، يفرض الاحترام على الجميع، وزراء أولون عندما يسلمون عليه لا يعانقونه بل يقبلون كتفه، رجل يشعر المرء أمامه بأنه ليس من طينة كل الرجال حتى على الصعيد العالمي. كان جلالة الملك الحسن الثاني يكلفه بمهام شخصية لدى ملوك و رؤساء الدول كبار القضاة و الوزراء كانوا يشعرون أمامه بهيبة كبيرة، مواقفه يتخذها بعد صمت و تروي و مداولات، وإذا اخطأ يتراجع عن خطئه أمام الجميع، ذاكرة قوية تؤرشف التاريخ و الفنون. دخلت للوزارة وجدت الجميع ينتظرني، اجتماع قضائي على أعلي مستوى، الوزير يسلم علي ولكن تظهر عليه آثار عياء و قلق لم أعهده هكذا، كما أنني لأول مرة أراه ينثر دخان سيجارة الكوبي الذي كان يهواه و ينفث دخانها بعصبية. نهض الكل يسلم علي أمام الوزير، الكاتب العام لوزارة العدل الأستاذ حسن العوفير، مدير الشؤون الجنائية و العفو المرحوم عمر دومو مدير الشؤون المدنية الأستاذ إدريس بشر المفتش العام ذ عز الدين السقاط، مدير الشؤون العامة ذ الأمامي، الأستاذ احمد حتاش، مدير ديوانه وعلبة أسراره منذ كان في وزارة الداخلية الأستاذ الطيب الشرقاوي، الوكيل العام للملك بالجديدة الذي كان يعمل معي أكثر من خمس سنوات. عم سكون رهيب بمكتب الوزير، كان الكل ينتظر كيف سيتوجه الوزير بكلامه لي. قال الوزير: « اسمع ابني س الرياحي، و أجبني عن سؤال واحد هل لا قدر الله و احتاجك وطنك للدفاع عنه هل تتردد ؟» سؤال يمس الإنسان في أعز ما يملك من شعور؟ شعور الوطنية ! سكتت .. أعاد الوزير سؤاله «إني أسألك أجبني أولا».. التقت نظرات كل الحاضرين تجاه شخصي بشكل حاد، علمت فيما بعد أنه غضبان على جميع مساعديه، فألهمني الله الجواب ؛ وما الفرق بيني وبين الجنود المرابطين في الصحراء الحبيبة منذ عقود من الزمن ألست بمغربي معالي الوزير؟نعم يا ابني أنا لم أشك هنيهة في إخلاصك وإخلاص أجدادك لوطنهم و ملكهم و دينهم، لكن المهمة التي ستسند لك ابتداء من هذه اللحظة، سوف تغير مجرى حياتك، وبالرغم من حماية الدولة لك و - هذا من واجبها - فإنه من المحتمل أن تتعرض لأخطار مهنية ومادية في المستقبل، و أنا أعرف ما أقول، كما أنك سوف تمتحن في جرأتك وعلمك و مرافعتك و تدبيرك للأمور من طرف صاحب الجلالة مباشرة، إذ سيتتبع المحاكمة التي أكلفك منذ هذه اللحظة بها لتنوب عن المجتمع المغربي في محاكمة القرن التي أراد الله أن أختم رسالتي بها في تدبير الشأن القضائي، و التي صادفت هذا الحدث الشخصي بالنسبة إلي، فإما سوف ننجح أنا وأنت، وسوف أكون عند ثقة مولانا المنصور بالله، وإما سوف نرسب، لا قدر الله، وسوف تكون رفيقي في الرسوب وسوف أقدم استقالتي تلقائيا لجلالة الملك، وأقول لجلالته أن ابن بلعربي العلوي قد فشل في تكوين وكيل عام للملك يقدر على الترافع مباشرة أمام جلالته، وعندئذ سأقابل الله سبحانه وتعالى وأنا غير راضٍ عن عملي في ميدان العدالة. ووسط صمت رهيب ساد المكتب و دهشة لسماع مثل هذه الأمانة تلقى على عاتق شاب لم تتجاوز تجربته القضائية 13 سنة، زاد قائلا في غضب شديد، انظر إلى هؤلاء الحاضرين هم زملاؤك ورؤساؤك باستثناء مدير ديواني سي أحمد حتاش، طلبت منهم البارحة الاتفاق على ترشيح وكيل عام للملك ليقوم بالدور الذي عرضته عليك الان، وضربت لهم موعدا في أن يعطوني ثلاثة أسماء، و اليوم صباحا وأمام إكراهات الوقت جاؤوني خاليي الوفاض و غير متفقين على شخص واحد، لقد خافوا من المسؤولية جميعا وقلت لهم سبحان الله، لو كانت هناك ترقية أو منصب لأمطرتوني بلوائحكم، أما وأن أناشدكم أنتم فقد أخليتم عني في نهاية عمري و بررتم تخوفكم بصعوبة الامتحان و عدم الثقة.. تصور معي ابني بأن المغرب كله يغلي سياسيا و أمنيا و الدار البيضاء في هذه اللحظة دون نيابة عامة و تجرى فيها أكبر محاكمة في القرن، لقد كان من تبعات ذلك تجميد ثلاثة مناصب مسؤولية في محاكم الدارالبيضاء (وهذا الكلام سقته لوزير العدل الأستاذ عمر عزيمان لأبرر له السلوك الذي سلكه مفتشوه عندما قاموا بالتعسفات المعروفة وغير المعلومة، والتي سوف أتحدث عنها بتفصيل في فصل آخر، مدفوعين بالغيرة والانتقام ولوبيات الفساد وكاذبين على شخص في مستوى الأستاذ عمر عزيمان الذي كان جديدا على الوزارة واستغلوا طيبوبته لينسحوا خيالات من الأكاذيب كان علي من السهل تفنيدها بالحجج، خصوصا عندما لم يجدوا ما ينسوبونه إلي غير ثلاثة أخطاء مهنية كانت كافية لهم لتبرير إحالتي على المجلس الأعلى للقضاء لإرضاء الجهات التي كانت تعيث فسادا في مالية الدولة بواسطة التهريب والمخدرات، وقام هؤلاء المفتشون بتجاوزات دفعتني آنذاك إلى طردهم بواسطة القوة العمومية دون أن يستطيعوا مس شرفي القضائي بشعرة من أكاذيبهم، وأحياني الله بعد ذلك حتى رأيت الأخطاء المهنية المنسوبة الي في قانون المسطرة الجنائية والتي استعملتها اجتهادا منها إغلاق الحدود واللجوء إلى الخبرة في البحث التمهيدي مسطرة بحكم النص وأعفيت زملائي قضاة النيابة العامة من المثول أمام المجالس التأديبية من أجل اجتهادات كان يفرضها علينا تحقيق العدل والتعمق في البحث لتبرير عدم احترام السلم الإداري، طالبت من الاستاذ عمر عزيمان الذي بعدما تيقن من التلفيقات المفبركة التي كانت تصب في إطار تركيع القضاة وتصفية الحسابات معهم أن يستشهد في ذلك الخطاب الذي وجهه إلي مولاي مصطفى والذي حثني فيه بعدم انتظار أي سلم إداري، إذ أن المهمات التي كنت أكلف بها تتعدى السلم الإداري، وإلا لكلف بها هؤلاء الرؤساء مباشرة ما دامت فيهم كفاية وصنعة القيام بها، وطلبت منه آنذاك أن يستشهد السيد حسن العوفير الي كان كاتبا عاما لمولاي مصطفى وأصبح وكيلا عاما للمجلس الأعلى أثناء مثولي أمامه، وأجاب الأستاذ حسن العوفير بتأكيد ما دار بيني و بين مولاي مصطفى بحضور الأستاذ إدريس الضحاك الذي كان رئيساً أولا للمجلس الأعلى والأستاذ عبد العلي العبودي ر ئيس الغرفة الأولى والأستاذ عبد الواحد الجيراري، ذ عبد اللطيف الزويتني منتخبي محاكم الاستئناف وطلبت من كاتب المجلس ذ عبد الصمد الحجوي أن يضمن شهادة السيد حسن العوفير الكاتب العام حين أخبرني مولاي مصطفى بأن جلالة الملك المغفور له عينني وكيلا عاما في مدينة الدار البيضاء، وقال مولي مصطفى بأنه اقترح على جلالته بأن أسمى وكيلا للملك بالابتدائية بحكم تجربته السابقة في الدار البيضاء كعامل لها وبأنه يعلم أن جميع القنابل الإجرامية تتفرقع في المحكمة الابتدائية وتنسى في محاكم الاستئناف، والتفت إلى الاستاذ مولاي الطيب الشرقاوي أن مهمة الوكيل العام للملك في الدارالبيضاء هي أصلا ل سي الرياحي، وأنه طبقا لما طلبته من جلالة الملك عليك أن تنسق معه حتى في الجنايات، ولما أشهدت السيد حسن العوفير و أكد ذلك أمام المجلس الأعلى للقضاء طلبت من كاتب المجلس أن يدونها في محضر المجلس لتعرض على أنظار السدة العالية بالله وللتاريخ القضائي، كما طالبت الأستاذ عمر عزيمان وأعضاء المجلس بأن يستدعي مولاي مصطفى بلعربي العلوي ليؤكد أقوالي وأقوال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى وهو الطلب الوحيد الذي استأذنت مولاي مصطفى فيه كي يحضر إلى المجلس الأعلى ليؤكد عدم امثتالي للسلم الاداري الذي حاول المفتشون الذين نصرني الله عليهم بالحق وأحياني حتى رأيتهم في مزبلة التاريخ القضائي يمرون و القضاة في محكمة النقض يكادون يبصقون عليهم ممن اكتوى بتزويراتهم و فبركتهم للملفات ضد القضاة و المس باستقلال القضاء الذي لازلنا نناضل من أجله مبدأ و ليس تزلفا ، وأعطاني مولاي مصطفى بشجاعة بالغة موافقته على المثول أمام المجلس لتأكيد ما قلت أعلاه وقال لي إن بلعربي العلوي الذي ذاق مرارة السجون وشهد أمام قاضي التحقيق وامتثل لاستدعائه لا يغلبه أن يشهد بوقائع هو من بلغها لنور الدين الرياحي وتمسكت باستدعاء هذه الشخصية المغربية التاريخية التي تمسكت برجولتها حتى بعد تقاعدها و في أحلك الظروف، وضحك رحمة الله عليه، و نادم أن هناك قضاة في وزارتكم أكثر تكوينا منك، لماذا لم يتم اقتراحهم لخوض ملف ثابت أو حملة التهريب جاؤوا حتى اليوم يريدون أن يتبوردوا عليك، أنصحك بني بأنني مستعد للمثول أمام جلالة الملك و تأكيد ما صرحت لك به، أما المجلس الأعلى القضاء فبلغهم بأنني الذي ترأسته أزيد من 12 سنة نيابة عن جلالة الملك، يشرفني المثول معك أمامه لأنني رجل وأحفظ العهد الذي قطعته مع نفسي. وعندما أخبرته بأن السيد حسن العوفير أكد أقوالي و دونت في محضر المجلس وبأن أعضاءه استحيوا من استدعائه رغم تمسكي بالطلب وإخبارهم استعداده لذلك بعدما تيقنوا أن الناس لا تكذب إلا على الموتى، أما الأحياء الرجال الفحول فمن الصعب أن يكذب عليهم الإنسان و كان من. تبعات هذه الشهادة أنني بررت للوزير عدم احترامي للسلم الاداري و هي المؤاخذة المهنية الثابتة التي حاولوا نسبتها إلي، وكدت أن ارفع دعوى بالتزوير ضدهم نتيجة التغليطات التي أوهموا بها الأستاذ عمر عزيمان في بداية مشواره بوزارة العدل، و رافعت ثلاثة أيام أمام المجلس حتى طلب مني زن أتوقف عن ذلك رفقا بأعضائه واتبعت وسائل الاعلام مرافعاتي بكثير من الاهتمام، وإن كانت لم تحصل إلا على بعض فتاتها اللهم جريدة «الاسبوع الصحفي» التي خصص فيها قيدوم الصحافة المغربية الاستاذ مولاي مصطفى العلوي ثلاث حلقات من ركنه «الحقيقة الضائعة» لمرافعتي بعدما واكبت هذه الجريدة منذ بدايات الثمانينيات جميع المرافعات في الملفات الشائكة التي عرفها المغرب، والتي كان لي شرف تمثيل النيابة العامة فيها، وأرفق مذكراتي بنسخ منها للتاريخ وأرجئ الكلام على بعض وقائع محاكمة ثابت و حملة التهريب و اللوبيات التي وقفت تحاربني وتحاول قتلي وقتل أبنائي الى الجزء الثاني والثالت من يومياتي بالحجج والبراهين والملفات، الكل في احترام واجب التحفظ الذي اعتبره مقدسا ولو بعد انصرام تقادم الملفات. أخذت مكاني في كرسي النيابة العامة وعم الجلسة التي لم تكن تتسع لابرة واقفة، وغص بهوها الكبير بما يزيد على المئات من المحامين ورجال الدرك، ونصبت الكاميرات فوق منصة الجلسة، ولأول مرة في تاريخ القضاء المغربي يصعد منصة القضاء تقنيون في الاعلام الوطني تحسبهم من أعضاء الهيئة وطوقت المحكمة برا وسطحا وبحرا وأقفلت جميع الشوارع والأزقة المؤدية لها وهيئت قاعات محروسة لنوم المستشارين أذكر منهم الرئيس الاستاذ الطلفي والاستاذ رزق الله والاستاذ أبو خصيب والاستاذ لفروجي وواحد الأساتذة الاحتياطيين وكانت يشتغل كرئيس أول آنذاك لمحكمة الاستئناف الاستاذ حمو مستور مدير إدارة السجون سابقا و شيخ القضاة و الاستاذ محمد حسن الوكيل العام للملك الذي صدرت أوامر عليا بتوقيفه ثم عزله من القضاء ثم العفو عليه و أنهى مشواره المهني كرئيس غرفة لدى المجلس الأعلى، و كان يشغل الاستاذ حسن العوفير منصب الكاتب العام لوزارة العدل و الأستاذ محمد العربي المجبود رئيساً أولا للمجلس الأعلى و المرحوم عمر دومو مديرا للشؤون الجنائية والعفو أي رئيساً فعليا للنيابة العامة، إذ لعبت ظروف استثنائية في إعطاء جميع الصلاحيات المسطرية في قانون المسطرة الجنائية المخولة لوزير العدل له بصفة فعلية إبان هذه القضية و لما غادر مولاي مصطفى ر حمة الله عليه وزارة العدل و خلى منزله بالسويسي من قضاة وأصحاب مصالح و مسؤولين و كنت بحكم التبني أزوره مرة على الأقل في الشهر و أمكث الساعات الطوال معه أغرف من التاريخ السياسي و القضائي للمغرب المعاصر، و لم يكن يقطع مجلسنا إلا بعض زيارات رجال سياسة و قضاء أمثال الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي ًو المحجوبي احرضان و مولاي ادريس بشر و الكاتب العام السابق الأستاذ حسن العوفير و الكاتب العام الأستاذ محمد الايديدي و الرئيس الاول لدى محكمة النقض الاستاذ محمد ميكو و الاستاذ محمد الايمامي و الوزير الاول السابق محمد كريم العمراني و شقيقته للا عائشة التراب و ابنها مولاي مصطفى التراب الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط و بعض كبار المحامين أمثال الاستاذ حميد الأندلسي و الاستاذ احمد حتاش مدير ديوانه السابق و رعيل من قدماء المحاربين و جيش التحرير و أدباء و كتاب و صحفيين و أمنيين ممارسين و استعلامتيين وغيرهم من اللذين كانوا لا يحتاجون لإذن لزيارة هذه الشخصية الفذة التي كانت تزن الكلمات و تستشار في المهمات و تكتم الأسرار و تصنع رجالات الدولة و لا يتجرأ من كان عليها و كان يقدمني رحمه الله كلما جمعتني فرصة اللقاء كابنه الصغير آنذاك و يعرفني لمن لا يعرفني و يثني على المواقف التي كنت اتخذها، و يقول لي دائماً ان سبب الإعجاب بك قبل الالتحاق بوزارة العدل هو انني كنت اقرأ عنك و أنت ترافع في قضايا أكبر من سنك في بداية الثمانينيات كقضية لوجيكو التي كانت أخطر عملية نصب في السكن الاقتصادي تعرض لها المئات من الضحايا منهم موظفون وقضاة وأطباء وعموم عندما استحوذت مجموعة من النصابين المغاربة والأجانب على ملايير متعددة من أجل تجهيز أراضي شاسعة في الدار البيضاء مستغلة الأزمة السكنية والظروف الاقتصادية والتعقيدات الإدارية مابين 1978 و1981 وكأنها كانت تنتظر تخرجي كقاضي للنيابة العامة لاتكلف بها و أنا شاب لا يتجاوز سني 24 سنة في مدينة كالدارالبيضاء (وسأعود إن شاء الله لهذه القضية بكل تفاصيلها و قضايا أخرى ذات طابع قضائي وسياسي عشتها و مارست عملي بالنيابة العامة بكل تبعاتها والتي لم تعرف عدة حقائق قضائية وتاريخية وسياسية بشأنها لحد الآن في الجزء الثاني والثالث من هذا الكتاب الذي استعجلني مجموعة من القضاة الشباب والشيوخ لإخراجه في هذا الظرف الوجيز ) لقد عرفني مولاي مصطفى بلعربي العلوي رحمة الله عليه عن طريق جريدة لوماتان و الماروك اسوار الذي كان أحد الصحافيين الكبار الأستاذ أبو فريد ينقلها مباشرة الى الصحافة الوطنية، كما كانت جرائد المعارضة بما فيها الحزبية والمستقلة تخصص عناوين لا زلت أحتفظ بها وسوف ألحق بعضها بملحق هذا الكتاب، كذلك قضية البهائيين التي اكتشفت مباشرة بعد الثورة الإيرانية سنة 1979 والإطاحة بشاه إيران وقضايا الأمن العام وأحداث الدار البيضاء سنة 1981 وسنة 1984 المتعلقة ببقايا منظمة الى الامام والقاعديين والتي كانت تحاول الدولة تجفيف منابع تهديد الأمن العام، وكان قدري في كل هذا رغم وجود قضاة للنيابة العامة، أقدم و أكفأ مني تجربة وأصلب مني عودا لا يتقدمون أمامي عندما كانت الأوامر تعطى من أجل تمثيل النيابة العامة فيها لا لشئ سوى أنني أتقن فن المرافعة، وبمناسبة ذالك كان مولاي مصطفى بلعربي بعد قضية ثابت أن عينني طبقا لتوجيهات جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني أن أقوم بتدريس فن المرافعة والنيابة العامة للقضاة الجدد، وهو ما قدمني به لطلبة المعهد وأساتذته الاستاذ الفقيه الحاج أحمد السراج وأنا ألقي أول دروس من بداية تسعينيات القرن الماضي لقضاة جدد لا يتجاوز فارق السن بيني وبينهم بضع سنوات، وعندما سألت وزير العدل عن سر قوة المرحوم عمر دومو في عهده التي كانت تصل حد الاستبداد والتحكم في تعليمات النيابة العامة وكنا في بعض الأحيان نتقزز منها كقضاة ونحاول تلطيفها كل مسؤول بطريقته وكل نائب بأسلوبه، أجابني رحمة الله عليه بأن من مبادئه بالرغم أنه رئيس النيابة العامة القانوني إلا أنه كان يريد أن يفوض لمساعديه طريقة التعامل مع القضاة التي كان لا يحسنها كسياسي حفاظا على استقلال القضاء، لكن الشيء الذي خاف منه تحقق هو أن بعض المفتشين والمديرين والوكلاء العامين والمسؤولين استغلوا تلك الثقة.