انطلقت تداعيات الهجرة بالريف منذ القرن الثامن عشر حينما ارسل القائد احمد الريفي ابابيل من الرجال الى طنجة والعرائش قصد تحرير سواحلها رفقة السلطان مولاي اسماعيل انذاك ، وكامتداد لسيرورة نزوح جماعي وفردي عبر تيارات هجروية الى مناطق مغربية وجزائرية اكثر توفرا على فرص الشغل ومكامن العيش ، هذا كتمهيد لسلسلة اخرى افتتحت ابان الستينيات من القرن الماضي اثر نزوح فردي من الريف الى القارة العجوز بصفة مؤقتة ، ليتحول الى نزوح جماعي وعائلي دائم الاقامة منتصف السبعينيات ، بعدما فتحت شهية اروپا (خاصة فرنساهولنداالمانيا ) في استقطاب يد عاملة ستتحمل عبئ العمل الشاق في غياهب المناجم الكربونية مثلا . وهذا كتمهيد ثاني فقط من اجل الحديث عن 0فة ابانت عن نفسها كموضوع وحدث لهذا الخريف الذي سينضاف لسجل التاريخ لا محالة . يهاجر الانسان لإحساسه المقيت ، بأنه مهما عمل بجد فلن يأتيه بنتيجة ، وبسب تفاقم القلق ، وأن مايعمره غي سنوات قد يمحوه الأخر في يوم ، وبأن المستقبل مقفل بالريف ، وان الانسان مهما دبر اموره فلن يستطيع تدبير امور اطفاله واسرته مستقبلا، ذلك هو الاحساس بأن الوضع قائم على ماهو عليه وأن شيئا لن يتغير هذا ما جعل الى غاية منتصف هذا الاسبوع الماضي حسب احصائيات مؤكدة من وكالات الاسفار ان ما يقارب خمسة عشر الف من خيرة شباب الناظور ونواحيها قد 0لتفو حول حمل شعار ( تركيا لاتعرني قلبا لايأبهبموسم الهجرة والخريف )، لينطلقوا افواجا ، صفا صفا ، الى ذلك الفردوس المفقود (المانيا ) ارض المساوات والحرية والديمقراطية والعولمتية السياسية والفكرية مرورا عبر بلدان تركيا ، اليونان ، مقدونيا ، صربيا ،هنغريا ، ثم النمسا . بعدما سئمو من بلاد تتغنى بألمع الحان الديمقراطية التشاركية التي تجعل الشباب من اولويتها بواسطة الزرواطة وفنون القمع ، وسئمو كذلك من دولة مازالت ترقص على ايقاعات حقوق الانسان بعدما أغلقت في وجوه افئدتها جل المؤسسات العمومية قصد تحقيق ادنى حق مشروع في الحياة على النظام توفيره لمواطينيه في حين جل طلبات والملفات الشخصية لهؤولاء الشباب الريفي حينما تنزل ضيفة على مؤسسة ما يكون مصيرها سلة المهملات ليس الا ليخصص مكانها لأولئك المستقدمون من مدن مديري هاته المؤسسات هذا عن مصدر مقرب . فكيف يعقل لأفئدة منذ نعومة اضافرها وبل من نشأتها لم تنعم قط برؤية الوان هذا المدعي الوطن كاملة من شركات ومعاهد للتكوين وفرص للشغل وملاعب رياضية ومنشئات .....المحصورة في الدارالبيضاء وفاس والرباط ... علاقة الريف بالهجرة علاقة وطيدة نعم . لكن بهذه التراجيديا او بهاته الطريقة الأمر يدعو للشك ، لأننا في زمن السرعة الضوئية وعصر اللحظة ورمشة العين والفيسبوك ...فلن يمر هذا القطار بيننا برداء الصمت وقبعة التستر كما حدث في بداية التسعينات من القرن الماضي ، حينما هبت قوافل من الشباب الريفي في اتجاه تشكوسلوڤكيا سابقا كمحطة ثانية بعد الدارالبيضاء للاتجاه صوب المانيا عبر خنادق ومتاهات عدة ... اذن هناك ما لا يتحمل الشك . حقد دفين من السياسة المركزية تجاه الريف الأبي ، فحينما يتم زرع بذور سياسة الملهات ضمن مخطط المهرجانات والشعارات والشطيح والرديح بين ارصفة الشوارع البئيسة فقد تمت هيكلة فروع مؤمنة بالحذر الذي يتوخاه المخزن حينما يستمتع بمشروغ افراغ الشباب الغير المرغوب فيه الى مهالك الغربة قصد تجنب الاصطدام معه جراء ارتفاع درجة الغليان والسخط الجماهيري الضاهر عن محياه .