بعد أن كانت إسبانيا تعتبر واحدا من القلاع الحصينة لجبهة البوليساريو حيث تجد فيها الدعم المادي والمعنوي من قبل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، تغيّر الوضع وأصبحت الجبهة "تواجه انحصارا لنفوذها في إسبانيا" والعبارات هنا لفريد راموس المنسق العام للحزب الاشتراكي الإسباني المكلف بقضايا العرب والأمازيغ، الذي أكد على أن الساحة الإسبانية لم تعد خالية لأنصار البوليساريو لترويج خطابهم "بل أصبحت الأحزاب والجمعيات تستمع حتى لوجهة النظر المغربية". تراجع نفوذ البوليساريو المسؤول الحزبي الإسباني قال في حديثه مع هسبرس إن تطور العلاقات بين المغرب وإسبانيا خلال الفترة الأخيرة "أجبر النخبة السياسية لى الاستماع للمغاربة المقيمين في إسبانيا"، هذا التطور ساهم أيضا في تغيير العديد من الصور النمطية التي كانت لدى السياسيين الإسبانيين حول المغرب "من بينها أن المغرب بلد يعيش موتا سياسيا ولا يعرف أي حراك سياسي أو اجتماعي في حين أن الواقع يفيد بأن البلد عرف إصلاحات دستورية وتغييرات سياسية مهمة" وفق تعبير فريد راموس. وأكد نفس المتحدث على أنه لحدود الآن لم يستطع الحزب الاتحاد الاشتراكي أن يحسم موقفه من قضية الصحراء، غير أنه خلال الفترة الأخيرة "تراجع نفوذ جبهة البوليساريو وشرعيتها في صفوف الحزب الاشتراكي الإسباني"، موضحا بأنه في السابق كانت جبهة البوليساريو تجد تضامنا مطلقا من قبل الاشتراكيين الإسبان، لكن هذه المساندة تراجعت وأصبح عدد من قيادات الحزب يرفضون التعامل مع أنصار البوليساريو "أو على الأقل يتعاملون بحذر مع خطابهم". وكشف فريد راموس على أن قادة الحزب الإشتراكي الإسباني أصبحوا يفضلون التعامل مع أشخاص من خارج البوليساريو لفهم القضية بشكل أوضح، لأن المشكل "أن الكثير من أعضاء الحزب الإشتراكي لا يعرفون شيئا عن وجهة النظر المغربية"، وهذا المشكل لن يتم حله إلا من خلال عمل متواصل من طرف المغرب "لإظهار التطور الذي عرفه البلد في مجال حقوق الإنسان وبأن هناك أشخاص انفصاليون يعيشون في مدن مغربية ولا يتعرضون للأذى" حسب وجهة نظر السياسي الإسباني. أسباب التراجع هذا التقهقر الحاصل لجبهة البوليساريو في إسبانيا مرده حسب رشيد فارس الخبير المغربي في قضية الصحراء والمقيم في إسبانيا، إلى ثلاثة عوامل أولها تمكن عدد من المغاربة المقيمين في إسبانيا من الانخراط في الأحزاب السياسية، ونجاحهم في أن يقدموا وجهة نظر المغرب في قضية الصحراء، بعد أن كانت وجهة نظر بوليساريو هي الحاضرة بين قواعد الأحزاب السياسية. وكشف فارس أن المغاربة استطاعوا الانخراط في حزب بوديموس الجديد والذي يعادي المغرب في قضية الصحراء "وهذا سيساهم في التأثير على موافق الحزب من قضية الصحراء". العامل الثاني حسب نفس المتحدث هو السياسية التي اتبعها المغرب في تعيينه لممثليه الدبلوماسيين في إسبانيا، حيث حرص المغرب على تعيين مسؤوليين دبلوماسيين لهم أصول صحراوية بل منهم من كان قياديا كبيرا في جبهة البوليساريو، مقدما المثال بأحمد ولد سويلم السفير السابق للمغرب في إسبانيا والذي كان أحد مؤسسي جبهة البوليساريو وميشيان غلام الذي كان قنصلا للمغرب في إسبانيا وهو أيضا كان من قيادات البوليساريو. تعيين هؤلاء الدبلوماسيين جعلت السياسيين الإسبان يطرحون العديد من الأسئلة حول كيف اقتنع هؤلاء القادة السابقين في جبهة البوليساريو بموقف المغرب وأصبحوا يمثلونه في إسبانيا، "وهو ما دفع الساسة الإسبان إلى الانفتاح على وجهة نظر المغرب في قضية الصحراء وأصبحوا أكثر اتزانا في التعامل مع هذه القضية" يقول رشيد فارس. ولفت نفس المتحدث إلى أن الأزمة الاقتصادية ساهمت هي الأخرى في امتناع عدد من الجمعيات من تقديم الدعم المادي لجبهة البوليساريو، بعد أن كانت الجبهة تستفيد من مساعدات مادية مهمة من طرف المجتمع المدني الإسباني، كما أنه بالنسبة للأحزاب السياسية لم تعد قضية دعم البوليساريو تتصدر سلم أولويات هذه الأحزاب، بل توارت هذه القضية لصالح قضايا فرضتها الأزمة الاقتصادية وعلى رأسها قضية البطالة.