باحث في الدراسات الدستورية والسياسية هل يحتاج المواطن المغربي إلى مؤسسة وسيط أو مجلس وطني لحقوق الإنسان لتحظى شكاياته وتظلماته بالدراسة والجواب ؟ إن ظاهرة عدم الجواب على شكايات وتظلمات المواطنين يفقدهم الثقة في كل شيء (عييت مانشكي ما جاني حتى جواب) هي عبارة يرددها المواطنون تقريبا بشكل يومي وتتعارض مع المفهوم الجديد للسلطة الذي ينادي به صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. حيث يؤكد جلالته انخراط بلادنا بكل عزم في إرساء الدعائم لترسيخ مفهوم جديد للسلطة تهدف من ورائه إلى تغيير طبيعة العلاقة القائمة بين الدولة والمواطن.وأن الأمر يتعلق بالعمل على أن تكون الإدارة في خدمة المواطن، قريبة من انشغالاته وحاجياته وأن تنسج معه علاقة تقوم على أساس الاحترام المتبادل والتمسك بمبادئ دولة القانون،ويحث جميع الهيآت المنتخبة ٬ بمختلف مستوياتها٬على الالتزام الدائم بالمفهوم الجديد للسلطة ٬ بكل أبعاده وتجدر الاشارة إلى أن المفهوم الجديد للسلطة كان قد أطلقه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في الخطابات الأولى بعيد جلوسه على العرش وارتبط حينها بإعفاء رجل الشاوية القوي على عهد والده المرحوم الحسن الثاني من منصبه. قال المغفور له المرحوم الحسن الثاني،رحمة الله عليه بمناسبة إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بتاريخ 8 ماي 1990: "لا يمكن لهذا البلد أن يكون دولة قانون إلا إذا جعلنا لكل مغربي الوسيلة لكي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه" . ويأتي إحداث مؤسسة الوسيط التي تحل محل ديوان المظالم، لمواكبة الاصلاح المؤسسي العميق الذي تعرفه المملكة عبر تحديث هذه المؤسسة وتوطيد المكتسبات التي حققتها وتأهيلها للنهوص بمهمام موسعة وهيكلة جديدة، وكذا تحقيق التكامل المنشود مع الدور الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الانسان. وقد تم إحداث مؤسسة الوسيط بمقتضى الظهير رقم 1-11-25 ربيع الثاني 1432 الموافق ل 17 مارس 2011. وهي مؤسسة وطنية، مستقلة ومتخصصة أنشئت من أجل تعزيز وصيانة المكتسبات التي تحققت في مجال حماية حقوق الإنسان بالمملكة المغربية. وتعتبر مؤسسة الوسيط وسيلة ناجعة يمكن للمواطن أن ينال حقوقه بواسطتها، وقد تم التنصيص على اختصاصاتها وصلاحياتها بمقتضى ظهير شريف ، كما تمت دسترتها أخيرا بمقتضى الفصل 162 من الدستور الجديد الذي عرفها بأنها مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والثقافة في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيآت التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية. وتعتبر"مؤسسة الوسيط"، بموجب الظهير السالف الذكر، مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، تتولى في نطاق العلاقة بين الادراة والمرتفقين، مهمة الدفاع عن الحقوق، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية. كما تسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص، ذاتيين أو اعتباريين، مغاربة أو أجانب، فرادى أو جماعات، وبين الادارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشآت والهيآت الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة. وتتولى مؤسسة الوسيط بمبادرة منها أو بناء على شكايات أو تظلمات تتوصل بها النظر في جميع الحالات التي يتضرر فيها أشخاص ذاتيون أو اعتباريون، مغاربة أو أجانب من جراء أي تصرف صادر عن الإدارة سواء كان قرارا ضمنيا أو صريحا، أو عملا أو نشاطا من أنشطتها يكون مخالفا للقانون، خاصة إذا كان متسما بالتجاوز أو الشطط في استعمال السلطة، أو منافيا لمبادئ العدل والانصاف. بالإضافة إلى ذلك، فإن مؤسسة الوسيط تعتبر مؤسسة غير قضائية، وآلية حقوقية متميزة للمراقبة وتطبيق القانون، وتدبيرا تنظيميا ناجعا يرمي إلى الإسهام في تقديم أحسن الخدمات للمرتفقين، عن طريق تذليل الصعوبات والعقبات التي تعترضهم، وتحسين ظروف استقبالهم بشكل يضمن احترامهم ويصون كرامتهم. كما أنها تعتبر بمثابة الحلقة الرابطة واللبنة الجديدة التي دعت الحاجة إلى توظيفها في بناء جسر التواصل الإيجابي والفعلي بين الإدارات العمومية من جهة وبين جميع مكونات المجتمع المدني من جهة ثانية. كما أنها أصبحت هي الجهة الوحيدة التي أناطها القانون بمجموعة من الاختصاصات والصلاحيات المتعددة مثل تلقي الشكايات، وتظلمات المواطنين في شأن بعض التصرفات اللاقانونية والأفعال اللامسؤولة المنافية لمبادئ الأخلاق والعدل والإنصاف، والتي قد يلاقونها سواء من طرف بعض الموظفين أو الأعوان، أو المسؤولين القائمين على تسيير دواليب الإدارات العمومية، أو مرافقها، بالإضافة إلى مراقبة القرارات القاضية برفض طلبات المواطنين، والصادرة عن تلك الإدارات، وكذا إجراء الأبحاث والتحريات اللازمة في شأن بعضها، إذا اقتضى الأمر ذلك، ثم القيام بإجراءات الوساطة ومساعي التوفيق، بين الإدارة والمواطنين، والعمل على ترسيخ مبادئ الحكامة، ورفع مستوى جودة الخدمات الإدارية عن طريق القيام بجملة من التدابير من بينها التخفيف من حدة البيروقراطية، بتبسيط الإجراءات المسطرية، وعقلنتها . بالإضافة إلى الاختصاصات المخولة للمؤسسة المركزية للوسيط نشير إلى أن هذه الأخيرة تتمتع بصلاحيات أخرى تتجلى في تسيير الجهات على مستوى ربوع المملكة، ومراقبة أشغالها، وكذا تتبع ومراقبة أشغال المندوبيات الخاصة والمندوبيات المحلية. كما تختص طبقا للمادة الخامسة من الظهير الشريف، وطبقا للشروط والكيفيات المحددة في النظام الداخلي للمؤسسة إما بمبادرة منها، أو بناء على شكايات أو تظلمات تتوصل بها، بالنظر في جميع الحالات التي يتضرر فيها أشخاص ذاتيون أو اعتباريون مغاربة أو أجانب، من جراء أي فعل سلبي قد يصدر عن بعض الإدارات العمومية أو مرافقها خاصة إذا كان الفعل المرتكب مشوبا بالتجاوز أو الشطط في استعمال السلطة، أو مخالفا لمبادئ العدل والإنصاف. وبأنها مؤسسة وطنية تتمتع بالصفة والأهلية القانونية، التي تخول لها القيام ببعض التصرفات والمبادرات التي تخدم مصلحة الوطن والمواطنين، ولأجل التشاور وإغناء الفكر والحوار حول قضايا التدبير الإداري والحكامة الجيدة، وتطلعا إلى النهوض بمستوى الإدارات العمومية وتأهيلها وتحديث منهجيتها وعصرنة مرافقها، وتقويم أسلوبها في التسيير والتدبير والتواصل. وطبقا للمادة السادسة والثلاثين من الظهير الشريف ، فإن مؤسسة الوسيط تتولى في إطار سيادة القانون، ومبادئ العدل والإنصاف، تنظيم منتديات وطنية أو إقليمية أو دولية بهذا الخصوص تكون الغاية منها التعريف بالإدارات العمومية المغربية وبالتالي الاستفادة من التجارب والخبرات الوطنية أو الأجنبية لأجل تطويرها. وبأنها فكرة تواصلية، تسهم المؤسسة في إحداث شبكات للتواصل والحوار البناء بين الهيئات الوطنية والأجنبية، وكذا بين الخبراء من ذوي الإسهامات والاجتهادات المشهود لهم بها في مجال الحكامة الإدارية الجيدة، وذلك قصد التشاور والتعاون وتبادل الخبرات لأجل مواكبة مستجدات العصر.