إضرابات عن الطعام ومسيرات في الشوارع من اجل الحصول على وثائق الإقامة لمهاجرينا المغاربة محمدية بريس اعداد: عبد الحكيم اسباعي- اتخذت وضعية مغاربة يقيمون ببلجيكا بصفة غير قانونية أبعادا خطيرة بعدما انخرط هؤلاء إلى جانب مهاجرين آخرين من دول أسيوية وافريقية في إضرابات مفتوحة عن الطعام، وبمقابل ذلك تشدد الحكومة البلجيكية أكثر فأكثر إجراءات الهجرة واللجوء، كما سنت قوانين إضافية تعتبر الهجرة "الغير الشرعية" جريمة، وكل من ليس له بطاقة الإقامة يعاقب باعتباره مجرما يجب ترحيله على الفور باتجاه بلده الأصلي. في خضم جدل داخلي ببلجيكا حول وضعية هؤلاء المهاجرين وصلت أصداؤه إلى البرلمان الأوروبي ما يزال مصير مئات من المغاربة معلقا بين الحياة والموت في عدد من التجمعات التي "احتلوها" في انتظار تسوية وضعيتهم القانونية. تخضع عمارة سان لازار وهي اكبر تجمع للمهاجرين بدون وثائق لمراقبة دائمة من قبل رجال الشرطة، وبالداخل يوجد ما يزيد عن 618 من النزلاء والنزيلات مقسمين على مختلف الطوابق والغرف التي تضمها البناية مناصفة بين الرجال والنساء والأطفال، وبحسب الدول التي ينتمي إليها هؤلاء وهم يتوزعون على دول أمريكا اللاتينية، والدولة الأسيوية والأفريقية، لكن ليست الغرف وحدها من تحتضن هؤلاء المهاجرين، بل حتى سقف البناية يضم العشرات منهم. في بناية سان لازار المتكونة من سبع طوابق تنعدم أبسط شروط الحياة وضروريات العيش، فالمكان يبدو اقرب إلى "مقبرة" منه إلى "سجن بدائي"، إذ في كثير من الأحيان لا يجد نزلاء البناية مياها يغسلون بها وجوههم، وبالأحرى مياها للاستحمام، كما يعاني هؤلاء من الجوع بسبب شح المساعدات التي يتوصلون بها، قبل أن يقرروا الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام منذ شهر ابريل الماضي، وهو أمر حرك بالفعل جزءا من الطبقة السياسية البلجيكية، في اتجاه النظر في وضعية هؤلاء المهاجرين، لكن عددا من النقابات المتضامنة مع هؤلاء تعبر عن قلقها الشديد إزاء الحالة الصحية للمضربين عن الطعام، وطالبت غير ما مرة بضرورة التسريع بإيجاد حل لهذه الوضعية. تقول بزغوط ليلى، وهي شابة قدمت إلى بروكسيل من مدينة الناظور منذ أربع سنوات، أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها بالمغرب هي ما دفعها للهجرة غير القانونية، وهي ألان تقيم إلى جانب أكثر من خمسين امرأة يعشن إلى جانبها في نفس العمارة، وبين هؤلاء النسوة تضيف ليلى توجد امرأتين حاملتين، وعشر أطفال يرافقون أمهاتهم آلائي اغلبهن مطلقات. تصف ليلى بحسرة شديدة حالة النساء آلائي تجمعن من حولها بالكارثية، " فأغلبهن يعانين أمراضا نفسيا وصحية سيئة للغاية، وقد قضت بعضهن من خمس إلى عشر سنوات في نفس المكان وبنفس الظروف الصعبة"، وتضيف ليلى قائلة: " بسبب الوضعية غير القانونية لهؤلاء النسوة فوق التراب البلجيكي فإن بعضهن ممن أتيحت لهن فرصة العمل سقطن ضحية الاستغلال البشع، فبالإضافة إلى الأجر الزهيد الذي يتقاضينه لقاء عملهن الشاق فهن محرومات من حقوقهن كما لا يتمكن من تدبير تكاليف المعيشة اليومية وتوفير مسكن مستقل، فيما قضت نساء أخريات سنوات "مسجونات" كخادمات في البيوت، وخلال كل تلك السنوات لم يسمح لهن بالخروج خارج المنازل التي يعملن فيها بسبب الخوف من إلقاء الشرطة القبض عليهن، وحرص مشغليهن على عدم انكشاف أمر عملهن لديهم بدون وثائق، لكن مصير البعض منهن كان كارثيا بعدما وجدن أنفسهن ملقاة في الشارع دون أن يتمكن من نيل حقوقهن بسبب نفس وضعيتهن غير القانونية". إلى جانب ليلى كانت تجلس سيدة مغربية من مدينة الدارالبيضاء ، تقول في وصف وضعيتها: " منذ ثلاث سنوات وأنا أتقدم بطلبات للحصول على وثائق الإقامة، لكن تلك الطلبات كانت تنتهي بالرفض"، وعلى العكس من حالات مماثلة من المطلقات أو العازبات، فهذه السيدة تعيش إلى جانب زوجها وابنيها تحت سقف واحد، تقول في هذا الصدد: " لدي ولدين، بنت عمرها عشر سنوات وذكر في عمره سبع سنوات، نتكلف أنا وزوجي بإيصال كل واحد منهما إلى المدرسة صباحا، وكلاهما يدرسان في مدرسة مختلفة، لكن لا احد منا أنا وزوجي يملك عملا لأننا لا نتوفر على وثائق قانونية"، وتضيف: " لقد سبق لي العمل في مجزرة، وتعرضت بسبب دوريات التفتيش إلى ثلاث اعتقالات من قبل الشرطة، قبل أن يوجه لي إنذار بتعرضي للسجن في حالة معاودتي العمل بدون وثائق". لذلك يبقى المطلب الوحيد لهذه السيدة -على غرار جميع النزلاء والنزيلات- هو التمكن من الحصول على أوراق ثبوتية لتسوية وضعيتها الإدارية والتمكن من الحصول على عمل. يصف عبد الرحيم عمارة سان لازار بالسجن، لكنه سجن اختاره بمحض إرادته بعدما قضى ست سنوات ببلجيكا دون أن يتمكن من الحصول على وثائق الإقامة، يقول عبد الرحيم " أنا أعيش في بلجيكا منذ ست سنوات، وزوجتي وأبنائي يقطنون بالمغرب ( بالناظور)، هذه وضعية تجعلني أحس باني أعيش في السجن، وألان أعيش في سجن ثان هو عمارة سان لازار، لكني قررت الآن الحصول على وثائق الإقامة لأتمكن من استعادة حريتي". انكسار حلم الحصول على وثائق الإقامة مقبرة جماعية ضحاياها أحياء يرزقون، أو هكذا يصف محمد الحموتي الصحفي بإذاعة المنار ببروكسيل وضعية نزلاء بناية سان لازار الذين يواصلون خوض إضراب عن الطعام للمطالبة بتسوية وضعيتهم القانونية فوق التراب البلجيكي وتمكينهم من وثائق الإقامة، يقول محمد: " المهاجرون السريون ببلجيكا يعيشون أوضاعا سيئة للغاية، وكثير منهم يضطر للعيش في ظروف لا إنسانية، وفي سبيل الضغط على الحكومة البلجيكية لإيجاد حلول لوضعيتهم يخوض هؤلاء كل مرة إضرابات عن الطعام كما يخرجون في مسيرات تجوب شوارع بروكسيل"، وحول أماكن تجمع هؤلاء المهاجرين وجنسياتهم، يقول محمد: " هؤلاء المهاجرون ينتمون لجنسيات مختلفة أسيوية وافريقية، وبينهم عدد مهم من المغاربة، وهم يقيمون بمناطق مختلفة "يحتلونها" ريثما يتمكنون من تسوية وضعيتهم القانونية، ومن بينها عدد من الكنائس، وقبو تحت أرضي لمحطة للقطار، وفضاءات تابعة لجامعة بروكسيل الفلامانية والفركفونية، فضلا عن بناية سان لازار والتي تأوي العدد الأكبر منهم". المساجد لا تقدم المساعدة لهؤلاء: يذكر نزلاء من عمارة سان لازار أن خطباء المساجد لم يسبق لهم أن أشاروا في خطبهم إلى وضعيتهم، وواجب التضامن معهم باعتبارهم "مسلمين"، لكن بالمقابل لا تخلو صلاة جمعة من الدعوة إلى جمع التبرعات لمساعدة "المظلومين" في فلسطين والعراق. نزلاء العمارة تتملكهم خيبة الأمل كذلك من تجاهل أفراد الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا عموما لمحنتهم، وبالخصوص دور القائمين على المساجد الكثيرة التي توجد ببروكسيل، فالمساجد تجمع الملايين من الأوروهات لبناء مساجد جديدة، أو لإرسال المعونات والتبرعات إلى دول خارج بلجيكا بما في ذلك فلسطين والعراق..، كما يقول محمد الحموتي، مضيفا أن " الجمعيات المشرفة على المساجد تبدو غير مهتمة بمساعدة المهاجرين بدون وثائق قانونية، رغم أنهم إخوانهم في الدين، وبحكم حاجتهم الشديدة ليد العون وتوفير الدواء والأكل لهم...". اريفن