بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، اليوم الجمعة، تكون المملكة العربية السعودية قد فقدت رجلا حرص على بنائها وصون مصالحها، كرس حياته لنصرة قضاياها العادلة وعمل على توحيد صفوفها. فالملك الراحل عمل، منذ اعتلائه العرش في غشت من سنة 2005، على ترتيب بيت الحكم في المملكة من أجل ضمان انتقال سلس للسلطة، من خلال تأسيس هيئة مستقلة للبيعة، تنظم تسلسل الحكم بين أبناء الأسرة الحاكمة، معززا بذلك وحدة بلاده واستقرارها.وقد شكلت الهيئة نقلة نوعية أسس لها الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث اعتمد النظام الداخلي لهذه الهيئة أساليب مستدامة، أبرزها مبدأ التصويت على المرشحين لولاية العهد، وتكوين لجنة طبية تحدد قدرة الملك وولي العهد على الحكم وتحديد فترة معينة لإجراءات اختيار ولي العهد وإمكانية تأسيس مجلس مؤقت للحكم في حال شغور منصب الملك وآليات واضحة لإدارة الخلاف بين رغبة الملك في ولي العهد وهيئة البيعة. قاد الملك الراحل الإصلاح الشامل ببلادهولم يكن العمل على رسم مسار القيادة في المملكة العربية السعودية سوى لبنة من لبنات التطور التي وضعها الملك الراحل للنهوض بالدولة السعودية على جميع المستويات، بما يسمح بتمكين السعوديين من أسباب الرخاء والازدهار والاستقرار، وكذا بتعزيز حضور بلادهم على الساحة الدولية ومساهمتها في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي.ففي المجال الاقتصادي، قاد الملك الراحل الإصلاح الشامل ببلاده وحرص على تكثيف الجهود من أجل تحسين مناخ الأعمال في المملكة وإطلاق برنامج شامل لتجاوز الصعوبات التي تواجه الاستثمارات المحلية والمشتركة والأجنبية، وهي الجهود والمبادرات التي ساهمت في بناء الصورة الإيجابية التي عكسها تقرير أداء الأعمال الذى يصدره البنك الدولي، والذي صنف المملكة كأفضل بيئة استثمارية في العالم العربي والشرق الأوسط باحتلالها المركز ال23 من أصل 178 دولة.وفي إطار الإصلاحات التي قادها الملك الراحل، شهدت المملكة العربية السعودية إطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة، في مقدمتها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وعدد من المشاريع المشتركة مع دول العالم، بشكل يجعل الازدهار الاقتصادي ينعكس على حياة الأفراد والمواطنين. وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز تعد خسارة للأمة العربية والإسلامية جمعاءولا شك أن وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز تعد خسارة ليس للمملكة العربية السعودية وحدها، بل للأمة العربية والإسلامية جمعاء، وهو الذي كرس حياته لنصرة قضاياها العادلة، والدفاع عن حرماتها، وكذا تعزيز أواصر الأخوة والتضامن بين دولها والحرص على لم الشمل بينها.فعلى الصعيد العربي، تسجل للملك الراحل مبادراته الرامية إلى حل العديد من الخلافات، أولا يوم دعا لمؤتمر مكة لحل الخلاف الفلسطيني، ثم مؤخرا دعوته القادة العرب للمصالحة في قمة الكويت، في تجسيد واضح لرغبته في واقع عربي أفضل، سمته التعاون والتآزر.ولعل تكريس التعاون والوحدة العربية يشكل انشغالا متأصلا لدى العاهل السعودي الراحل، حيث كان خادم الحرمين الشريفين صرح، بمناسبة عيد الفطر لسنة 1402 ه: "لن نكل أو نمل أو نيأس من الدعوة إلى التضامن والعمل له بل سنعمل دائما على التضامن بين العرب وليست ثمة وسيلة للأمل إلا العمل.. ولا سبيل أمامنا للصمود في معركة الوجود الكبرى إلا بتضامننا كعرب". عزز الملك عبد الله بن عبد العزيز إسهامات المملكة العربية السعودية في الساحة الدوليةمن جانب آخر، عزز الملك عبد الله بن عبد العزيز إسهامات المملكة العربية السعودية في الساحة الدولية من خلال الدفاع عن مبادئ الأمن والسلام والعدل ونبذ العنف والميز العنصري، وكذا في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة طبقا لما جاء به الدين الإسلامي الحنيف، فضلا عن مجهودات المملكة العربية السعودية في تعزيز دور المنظمات العالمية والدعوة إلى تحقيق التعاون الدولي في سبيل النهوض بالمجتمعات النامية ومساعدتها على الحصول على متطلباتها الأساسية لتحقيق نمائها واستقرارها.والأكيد أن المملكة العربية السعودية ستواصل، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي تمت مبايعته ملكا جديدا للمملكة، مسيرة البناء والنماء التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مثلما ستواصل انخراطها في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية الكبرى وحرصها على تعزيز روح التعاون والتآزر، لا سيما مع البلدان الصديقة والشقيقية، وفي مقدمتها المملكة المغربية، بالنظر للعلاقات العريقة والمتميزة التي جمعت بين البلدين على الدوام.