تقدّمٌ كبيرٌ أحرزته المرأة عبر العصور في سبيل تحصيل حقوقها وتحقيق ذاتها. ولعلّ أهمّ انجازاتها، خوضها مجال العمل الذي أثبتت فيه جدارتها. بيد انها لم تكن على يقين أنّ للميدالية التي استحقّتها على انجازاتها وجهٌ آخرٌ... فالمرأة ربحت حقوقها وخسرت بالمقابل راحتها ورفاهيتها. فأصبح عليها أن تلعب خلال ساعات النهار الأربعة والعشرين الأدوار كافةً وبإتقان: ان تلعب دور الموظفة المثالية تجاه رب عمل لا يرحم، ان تكون اماً قديرة اي "سوبر موم" مع اولادها، وزوجة مثالية مع شريك حياتها، وطبّاخة من الطراز الاول لأفراد عائلتها. وبالاضافة الى ذلك كلّه لا بد لها من المحافظة على منزل برّاق لا تشوبه شائبة، فكيف، ومتى ستقوى على كل ذلك... وحدها؟ نعم وحدها، اذ تسود لدى الرجال قناعة تعود الى تربيتهم والى التقاليد الاجتماعية، مفادها ان الاعمال المنزلية هي اختصاص حصري بالنساء وان قيام الرجل بها من شأنه ان يحطّ من رجوليّته ويمسّ من قدره.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي تلك الاعمال التي نحن بصدد الحديث عنها؟ هي التدبير المنزلي اي التنظيف، الغسيل والكويٍ ... كما والتبضع أي شراء حاجيّات المنزل، تربية الاولاد وتدريسهم، والطبخ. هل هذه الاعمال من شأنها ان تحدّ من قيمة الانسان ومن قدره؟ ان كان ذلك صحيحاً فيفترض، في ظل ايماننا بالمساواة بين الرجل والمرأة، ان ينطبق ذلك على الاثنين. اما ان لم نعتبر ذلك فلا ريب من معاونة الرجل لزوجته خلال فترة غيابها بسبب العمل او عند انشغالها بأعمال منزلية أخرى.
ان العادات السائدة في مجتمعنا العربي تعتبر أنّ التدبير المنزلي والطبخ من اختصاص المرأة، ولكن ذلك لا يشكّل قاعدةً عامة. وقد تكون ابسط الامثلة على ما يخالف هذه القاعدة ان معظم رؤساء الطهاة او الشيف في العالم هم من الرجال.
إنّ العديد من النساء يجدن انفسهن ملزمات بتأدية الاعمال المنزلية كافةً بإعتبار ان ذلك فرض واجبٍ عليهنّ على الرغم من عملهنّ خارج المنزل وقد حصلت العديد من الطلاقات في المحاكم العربية بسبب ذلك.
والجدير بالذكر في هذا الاطار ان احدى المحاكم في الاردن اصدرت حكماً مفاده ان الزوجة غير ملزمة بالاعمال المنزلية وذلك بعد شكوى رفعتها سيدة ضد زوجها الذي كان يجبرها على اعداد الطعام والقيام بالاعمال المنزلية ورعاية الابناء وتدريسهم وغيرها من الاعباء من دون ان يشاركها فيها. وكان هذا الأخير يوجّه اليها عبارات التأنيب، ويؤكّد لها ان عملها في المنزل كما في خارجه واجب شرعي وهو الامر الذي دفعها الى اللجوء الى القضاء الذي انصفها واعتبر في حكمه انها غير ملزمة بالقيام بالاعمال المنزلية.
وفق دراسة أميركية نشرت مؤخراً، تشكّل مساهمة الرجال في الاعمال المنزلية عاملاً اساسياً في تحسين جو الإلفة. أفاد عالم الاجتماع في جامعة ريفيرسايد Riverside في كاليفورنيا ويدعى سكوت كولتران وهو احد معدّي الدراسة أنّه، بصورة عامة، كلما شارك الرجال في الاعمال المنزلية، جعلوا نساءهم اكثر سعادةً. وأكدت الدراسة المذكورة انه عندما يشارك الرجال في اعمال المنزل يزداد شعور النساء بالعدل والرضا، وتتوطد العلاقات العائلية. ويستنتج من هذه الدراسة انه على الرجل مشاركة زوجته في بعض الاعمال المنزلية. ولعل المثل الأعلى والقدوة الحسنة هو النبي محمد (صلعم) فكان يشارك أهله أعباء المنزل إذ كان يرتق ثوبه وينظف بيته ويعين أهله في كل شؤونهم على الرغم من انه كان لديه زوجات كثيرات يتمنين خدمته وتلبية حاجاته. لكنه اراد من خلال ما فعله ان يعطي درساً للرجال في طريقة تعاملهم مع نسائهم. تخبرنا السيدة سعاد عند برنامجها اليومي: "أفتح عينيّ كل صباح لأبدأ سباقاً مع عقارب الساعة، أحضّر أولادي للذهاب الى المدرسة، بعدها أنصرف مباشرة لإعداد الفطور لزوجي قبل الذهاب الى مركز عملي، حيث أبقى لساعات طويلة ومرهقة. وما ان اعود الى البيت حتى أباشر بتدريس اولادي وذلك حتى المساء، موعد عودة زوجي من العمل، فأحضّر له المائدة. في الليل يغالبني النعاس فأغلبه اذ عليّ اتمام الواجبات التنظفية ناهيك عن واجباتي الزوجية. هكذا ينقضي نهاري ويتكرر ذلك كل يومٍ... افلا احتاج الى مساعدة ولو بسيطة من قبل زوجي الذي يقضي ساعات المساء امام جهاز التلفزيون؟" من جهةٍ أخرى، سهى سيدة أعمال تقضي معظم ساعات نهارها خارج بيتها، اذ ان طبيعة عملها تفرض عليها ذلك وهي تخبرنا عن تجربتها في هذا الاطار: "أحبّ ان يشاركني زوجي في أعمال البيت فذلك يدعم المودّة بيننا بشكل كبير ولا يفترض ان يشعر الرجل بالحياء في ذلك، فزوجي مثلاً يقوم بإعداد الإفطار وهو سعيد بمشاركتي في الاعباء المنزلية كما اشاركه أنا بدوري في الاعباء المالية". أما سارة وهي مدرّسة فتقول: "يجب على الرجل ان يساعد زوجته في الأعمال الشاقة التي تعتمد على القوة البدنية فهي بذلك تشعر باهتمامه وخوفه عليها وهذا الشعور مهمٌّ جداً بالنسبة لكل امرأة".
في الإطار عينه يؤكد دكتور بوب كيني وهو مستشار المؤسسة الاميركية للعلاقات الزوجية ان من واجب الزوج مساعدة زوجته في الأعمال المنزلية ما دامت هي تساعده في العمل خارج المنزل وتساهم معه بالتالي في مصروف البيت. ويذكر أيضًا أنّ أفضل أسلوب للتعاون بين الشريكين هو في تقسيم الأعمال المنزلية من دون أن يشعر الرجل بأنّه مجبرٌ على القيام بها، بل يفترض ان يلاقي تشجيعاً من قبل زوجته وأن تظهر له هذه الأخيرة مدى امتنانها من جهوده وانجازاته المنزلية. على الرغم من ان غالبية النساء يتمنين ان يساعدهن أزواجهن في المنزل إلا أن البعض الآخر يرفضن ذلك رفضاً قاطعاً، اذ انهن يعتبرن "ان البيت هو مملكة المرأة". برأي السيدة نائلة: "ان الاعمال المنزلية تخفف من هيبة الرجل وانا اكره كثيراً دخول زوجي الى المطبخ اذ انه يقلبه رأساً على عقب ويصيبني بالارباك ، ولكن لا مانع لدي اذا اشترى بعض الوازم المنزل من السوبر ماركت، او عاونني في تدريس الأولاد في فترة بعد الظهر".
في السياق عينه، نذكر حالة سيدة في المانيا طلبت الطلاق من زوجها بعد خمسة عشر عاماً من الزواج امام قاضي الاسرة في "زوندرو هاوزن"، اما السبب فيعود لكون الزوج ينظّف المنزل باستمرار ويقوم بنقل قطع الاثاث وتغيير مكانها. وقد طفح الكيل لدى الزوجة عندما عادت الى البيت بعد رحلة طويلة لتجد ان زوجها الذي يعمل في مجال البناء قد غيّر شكل غرفة الجلوس بالكامل كما ازال احد الجدران في الغرفة. فقررت عندها التقدم امام المحكمة بطلب طلاق من زوجٍ " دائم التدخل في اعمال المنزل".
ختاماً، إنّ العلاقة السوية بين الزوجين، لكي تظلّ على بريقها، يجب أن توائم بين دور كلٍّ من طرفيها داخل المنزل الزوجي فلا ينتقص أحدٌ من دور الآخر ولا يتجاوز أحدٌ دور الآخر. ان الكثير من الامثلة تضجّ بحكاياتٍ صاعقة وقاتمة ونافرة وحتى سخيفة، فلنسعَ الى الخروج من عبثيّة المواجهة الى حتمية التواصل والتكامل بين الزوجين ولنتعظ ممّا نراه حولنا من مشاكل فلا يصيبنا ما اصاب غيرنا.