أزواج يطبخون ويكنسون، وآخرون متشبثون بارتياد المقاهي أو معانقة الجريدة وملازمة شاشة التلفاز، في حين زوجاتهم يقمن بأشغال البيت كاملة بعد أن كن في رحلة عمل مضنية خارج البيت. أيهما على صواب؟ وما الذي يحرك الأول للمساعدة والثاني لغيرها؟ أسئلة تحاول التجديد الإحاطة ببعض أطرافها في حيز ضيق، وإلا فالموضوع يحتاج إلى دراسة اجتماعية نفسية عميقة تحيط بكل ثنايا الموضوع وتنبش في حيثياته. (آ. ك) أستاذة وأم لأربعة أطفال كافحت من أجل تغيير قناعات زوجها النابعة من تقاليد أسرته من جنوب المغرب، وتعتبر أنها نجحت في رحلتها التغييرية، وصرحت لـ التجديد: وجدت نفسي أنا التي أومن بالمشاركة الإيجابية المبنية على الاحترام المتبادل، أمام زوج طيب ومتفهم، لكنه ترعرع في أسرة لا تؤمن بقيام الرجل بأشغال البيت، وحاولت معه بشتى الطرق الودية إلى أن تغير ولله الحمد، فقد أصبح يشارك في أشغال البيت ويساعدني في تربية الأطفال، ومن حسن حظ من تزوجت بأخيه الأصغر أن زوجها أخذ هو الآخر يغير أفكاره ويساعد زوجته، وأحمد الله على هذا. قليل مستمر لم تتوان (آ. ك) في استدراك جدير بالانتباه فقالت: مرت رحلتي مع التغيير إلى أن حققت مبتغاي في مساعدة زوجي لي، لكني بدأت في الأيام الأخيرة ألاحظ تراجعه عن ذلك بالرغم من أنه مبدئيا مقتنع بالمساعدة، وأصبح في بعض الأمور يعول على الأبناء أن يقوموا بها، وحين سألت بعض صديقاتي أكدن لي أن معظم الرجال يساعدون في بداية الزواج؛ لكنهم لا يستمرون، ولا ندري ما السبب بالضبط. ولا تنفي صاحبة الشهادة أن زوجها له اهتمامات حزبية وجمعوية تأخذ من وقته الكثير، ولكنها تردف: وأنا أيضا لي اهتمامات جمعوية، ومع ذلك أجد أشغال البيت في انتظاري، والأبناء قلما يساعدونني لأن لهم رغبات في ممارسة هواياتهم ومراجعة دروسهم. وأنا شخصيا أرى أن قليلا مستمرا خير من كثير منقطع، فما دامت الزوجة تشارك في العمل الخارجي ولها هي أيضا اهتمامات خارجية فعلى الزوج أن يحس بثقل تكاليفها بالبيت ليساعدها. إيمان صادق (أ. ب) موظف بالقطاع العمومي بالرباط وزوجته موظفة أيضا وهما والدان لطفل، يكاد المرء لا يصدق أن أحمد يقوم بكثير من أشغال البيت عن طيب خاطر ودون طلب من زوجته التي صرحت لـ التجديد أنها اكتشفت أن إيمان زوجها صادق فعلا، وليس كما كانت تسمع من صديقاتها أن الكلام المعسول من الأزواج في فترة الخطوبة والأيام الأولى من الزواج سرعان ما يندثر مع توالي الأيام، وأضافت هذه الزوجة التي كلما ذكرت صفة من صفات زوجها لا تتردد في الدعاء: هذه نعمة اللهم احفظها من الزوال: خلال اللقاءات الأولى بزوجي من أجل ترتيب أمور الزواج، كنا نتكلم عن الطباع وما يرغب فيه كل واحد من الطرف الآخر، كان يقول لي: أنا أومن بالتعاون في كل شيء، فسألته عن حدود هذا التعاون، فأجاب بأن التعاون بين شريكي الحياة ليست له حدود، وكنت حينها أتذكر كلام الصديقات وأقول مع نفسي إن صحة هذا الكلام ستظهر مع مرور الأيام، ولا أخفي أن إيمان زوجي كان صادقا وكلامه ترجم إلى أفعال، فهو يقوم بكثير من أشغال البيت، حتى إنه يحرجني في بعض الأحيان، ولم يسبق لي أن طلبت منه أن يقوم بشيء، بل أكن له احتراما كبيرا، وخصوصا أثناء فترة حملي، إنه يطبخ وينظف البيت ويسهر على تنظيف الثياب بآلة الغسيل، وأنا أجتهد في تقدير هذا الزوج الذي كان وفيا لقناعاته، ولا أنسى أننا اتفقنا على قيمة مهمة لحياتنا الزوجية وهي الاحترام المتبادل. وعلى العموم تقول المتحدثة: أسأل الله أن يثبت زوجي على إيمانه النابع من التزامه الإسلامي المنفتح. الهاربون من الهاربين من يتذرعون بالتقاليد والخصوصيات، وهذا منبع معاناة كثير من النساء، وهؤلاء لا يتهربون من أشغال البيت فقط؛ بل إنهم يهربون حتى من البيت، ذلك شأن زوج لا يدخل من المقهى البيت حتى يعرف أن أركانه قد نظفت، والأكل قد وضع على الطاولة، ممن، من زوجة قضت يومها في العمل بشركة خاصة، والغريب أن هذا الزوج يؤاخذ زوجته عن عدم اهتمامها بالتزين له، كما تقول، إنه يترك لها البيت والأولاد الثلاثة ومتطلباتهم، ويمكث بالمقهى رفقة أصدقائه حتى يدخل للبيت ويبدأ في التعقيب على المنجزات. عائشة أستاذة الثانوي هي الأخرى لم تتردد في وصف زوجها بالهارب من أفكاره، فهو يؤمن بالتعاون، ولكنه لا يطبق ما يؤمن به، لا لشيء إلا لأن أمه عودته وإخوانه أن البيت شغل النساء فقط، ونسي أن أمه كانت سيدة بيتها لا تخرج للعمل، بل تمكث في البيت تعتني به وبأفراده في الوقت الذي يعمل زوجها خارج البيت، ويوفر لها كل متطلبات الحياة، بل وحتى الكماليات. ولم تتردد عائشة في تذكير الرجال الذين يقرنون رجولتهم بالتهرب من أشغال البيت بالقول: ليس هناك من الرجال من هو أحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خلد التاريخ أنه كان يخدم أهله ويخيط ثوبه، ويضرب به المثل أنه أعظم رجل عرفه التاريخ. رأي النفسانيين أكدت الدراسة التي نشر ملخص لها على موقع منظمة مجلس العائلات المعاصرة على الأنترنت أنه عندما يشارك الرجال في أعمال المنزل يزداد شعور النساء بالعدل وبالرضى وتقل الخلافات العائلية. وقال كولتران نحن علماء الاجتماع لا نهتم عموما بهذا، لكن الأخصائيين النفسانيين يرون علاقة مباشرة بين عمل الرجال في المنزل ووتيرة العلاقات الجنسية. وقال عالم النفس جوشوا كولمان في مقال نشر على موقع المجلس أن تقاسم الأعمال المنزلية مرتبط بمستوى أعلى من الرضى عن الزواج، وفي بعض الأحيان يزيد من وتيرة العلاقات الجنسية كذلك. وقال كولمان إن النساء يقلن إنهن يشعرن بجاذبية جنسية أكبر وبعاطفة أكبر تجاه أزواجهن إن شاركوهن في أعمال المنزل.