ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد اللطيف حسني أستاذ العلوم السياسية ل المغربية
كان الحب لعبة بريئة يكتفي فيها المحب بالنظرة وصار علاقة جدلية بين الجنس والفكر
نشر في الصحراء المغربية يوم 08 - 09 - 2009

أول علاقة حب عاشها الأستاذ عبد اللطيف حسني؟ كيف عاشها وكم كان عمره وقتئذ؟ وما كان مآلها؟عبد اللطيف حسني رفقة زوجته وابنته وابنه
حين تتوقف بي الذاكرة ما بين مرحلتي الطفولة والمراهقة بصدد الحب وعلاقات الحب، أكون دوما مضطرا إلى استعادة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، في قصيدته الرائعة "أحبيني.. !" لأردد معه:
"وما من عادتي نكران ماضي الذي كانا،
ولكن.. كل من أحببت قبلك ما أحبوني
ولا عطفوا علي، عشقت سبعا كن أحيانا
ترف شعورهن علي، تحملني إلى الصين
سفائن من عطور نهودهن، أغوص في بحر من الأوهام والوجد
فألتقط المحار أظن فيه الدر، ثم تظلني وحدي
جدائل نخلة فرعاء".
كنا صغارا، وكان الحب لعبة بريئة، يكتفي فيها المحب بالنظرة، لا يجرؤ على الكلام مع من يحب، يظل يقتفي آثاره، حتى يتحول إلى سراب، وقد يختفي كل شيء لتسكن صورة المحبوبة في خيال المحب.
كيف عشتم هذه التجربة؟
حين تخطينا هذه المرحلة، وبدأنا في تسلق سلم سنوات كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، وجدت من أحبني، ولم تعد ظلال النخلة الفرعاء تظلني وحدي، بل أصبحت تظلنا نحن الاثنين معا.
كانت طالبة من عمق سلالة الكاهنة الداهية. تعرفت عليها في غمرة صخب النضال الطلابي في سنة 1974، الذي كنا ننخرط فيه بشكل يتماهى بالتصوف، رومانسيين جدا ومثاليين في علاقاتنا وارتباطاتنا. مازلت أتذكر عبورنا في أيام العطل الأسبوعية من الحي الجامعي السويسي 2، الذي كان قد أشرع أبوابه في تلك السنة، إلى شارع الأبطال بأكدال في المساءات المضمخة بالرداد، بحيث توجد بعض المطاعم المتخصصة في شي الدجاج، بحيث نتناول هناك عشاءنا، ونعود وقد أرخى الليل سدوله مشيا على الأقدام إلى الحي.
كانت الطريق الطولى، التي لا تنتهي، المؤدية اليوم لمدينة العرفان، مضاءة بشكل خافت وشاعري، يوحي بالكثير. لم يكن حديثنا سياسيا، بل كان حديث الحب الهامس الذي ينصت فيه كل منا لنبضات قلب الآخر، مازال عالقا بداخليتي إلى اليوم، ما كنا نردده أنا وإياها من مشاعر رومانسية، إذ كانت تنشدني ونحن في الطريق: "ضي القناديل والشارع الطويل"، وأغنية نجاة الصغيرة "في وسط الطريق" لاسيما المقطع الرائع الذي تنشد فيه قائلة: "ودعنا الحبايب وفارقنا الحبايب، ووصلنا النهاية من قبل النهاية، ياعيني علينا".
وهكذا تبددت ظلال الشجرة الفرعاء، التي كانت تظلني وحدي. غير أن هذه المشاعر الدافقة والجياشة لم يكتب لها الاستمرار، إذ سرعان ما اختطفتني في شهر فبراير من السنة نفسها، يد الاختطاف الآثم، لتودعني المعتقل السري درب مولاي الشريف، ليسدل الستار على قصة حب، ما كانت تبتدئ حتى انتهت. في وسط الطريق كما غنت نجاة.
كيف التقيت زوجتك، هل تزوجت بعد قصة حب أم كان للأسرة علاقة في اختيار شريكة الحياة؟
كنا كيساريي السبعينيات متشبعين بأدبيات الماركسية، لم نكن نؤمن بالحب بوصفه معطى إنسانيا روحيا. كثيرا ما كنا نقرأ الحب باعتباره علاقة جدلية بين الجنس والفكر. الانسجام بينهما يولد هذا الذي يقول الناس عنه حبا. ذات يوم، وأنا على وشك الانتهاء من رسالتي الجامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا بكلية الحقوق، زرت أختي التي كانت تشتغل بتدريس اللغة الفرنسية في بداية سنوات الثمانينيات، وكانت لبنان في عز أزمتها وحربها الأهلية.
دلفت منزل أختي ووجدت معها إحدى صديقاتها، التي تدرس معها اللغة نفسها، تجاذبنا أطراف الحديث، وكنت آنذاك على علاقة بطلبة لبنانيين من الحركة الوطنية في لبنان، وكنت ملما وبشكل دقيق عبرهم بمجريات الأحداث في هذا البلد، وكان المغاربة كلهم مهووسون بما يجري، ومنهم أختي، التي فتحت معي نقاشا حول الموضوع، فجلست أشرح لها ما يحدث، بعد أن أخذت ورقة ورسمت عليها خريطة لدول المنطقة.
تعرفت، خلال هذه الجلسة، على مشروع زوجتي ووالدة طفلاي. كنا نناقش كثيرا، وفي الأخير قررنا أن يخرس كل منا الآخر بالزواج.
ما هو الشيء الذي ظلت زوجتك تحتج عليك بشأنه أو ظلت تسجل باستمرار اعتراضها بشأنه؟
لم تكن تحتج بشأن الاعتقالات، التي كانت تمسني بين الفينة والأخرى خلال زواجنا. كانت تؤاخذني دوما على عدم مرونتي، وعلى عدم ممارسة السياسة في علاقاتي العامة. الشيء الذي ظلت تؤنبني عليه، طوال حياتنا، هو عشقي وولعي بالسيجارة، وهو التأنيب الذي ظلت ترافقني به إلى أن سقطت، في غضون هذه السنة، بين براثن مرض تصلب الشرايين وانسدادها، ما نجم عنه نزيف خارجي، تطلب علاجه الحكم علي بالخضوع بشكل دوري للرقابة الطبية بشكل مؤبد.
هل أنت من الرجال الذين يعولون على الزوجة في قضاء أغراضه، وتأمين أكله وشربه وتهييء ملابسه وغيرها؟
لم أعول في يوم من الأيام في حياتي على أحد، باستثناء المرحومة والدتي. منذ صغري تعلمت قضاء كل الأغراض. فالمرحومة والدتي كانت تمدني في سنوات الثمانينيات بثمن تذكرة الحافلة من الدارالبيضاء إلى الرباط، وكان سعرها عشرين درهما، وكنت آنذاك، أهيئ دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. وكان علي، أن أعيش بواسطة هذا المبلغ، في العاصمة، لمدة أسبوع أو عشرة أيام، أجري أبحاثي في المكتبات العامة، كنت أقتات وأبيت عند الكرماء من زملائي الطلبة.
عندما تزوجت، وبحكم اشتغالي بالتعليم الجامعي، كان الوقت نسبيا متوفرا للعمل إلى جانب زوجتي في البيت، وبتعبير ماركسي كان تقسيم العمل وتوازنه هو ما يطبع علاقتنا، فهي لم تكن ربة بيت بالمفهوم التقليدي، كنا نتقاسم المهام، كل حسب وقته، وحسب إمكانيات العمل في البيت، وكنا نسهر معا على تربية طفلينا في سنواتهما الأولى. ولذلك أنا اليوم على دراية تامة بتبدال "الخروق" ونظافة الأطفال، ومقادير الماء والحليب لإعداد رضاعة الصغار، وكنت غالبا ما آخذ طفلينا إلى روض الأطفال مشيا على الأقدام.
لقد كبرا اليوم، وعندما أتذكر ما كنا نتقاسمه معا، أحس بنوع من الجمالية، التي تخللت حياتنا، فقد أدركت، عن طريق مساهمتي في هذه الأغراض، تفاصيل وتطورات حياة طفلينا بدقة. غير أن تجاوز طفلينا مرحلة الطفولة، وفي غمرة انشغالاتي، لم يعد هنالك متسع من الوقت لتلبية أغراض الحياة اليومية، وتوقفت عن ذلك منذ زمان، حتى أصبحت كالغريب القادم من كوكب آخر، لا يعرف حتى سعر رغيف الخبز، إذ أسلمت المقاليد كلها لزوجتي، التي تحملت العبء وحدها، إلى أن سقطت طريحة الفراش، جراء داء السرطان، الذي مازالت تتعالج منه، إذاك تسلمت القيادة من جديد، واستعدت تمثل خريطة أسواق تمارة ومحيطها.
ماذا يعني بالنسبة لعبد اللطيف حسني "الشقا" (العمل المنزلي)، وهل مارسه لمساعدة الزوجة، أو اعترافا بأنه عمل مضن يحتاج إلى المساعدة.
"الشقا" هو في الحقيقة شقاء بالهمزة في آخر الكلمة. أعمال تافهة، لكنها ضرورية للحياة. وبحكم إيماني بالمساواة بين الجنسين، لم يكن أمامي من سبيل إلا معانقة "الشقا" وجعله قاسما مشتركا بيني وبين زوجتي. وبفضل أنها طباخة ماهرة، ولعشقها للطبخ، لم تترك لي هذه المهمة، وبحكم حساسيتي اتجاه ماء الصنابير، لم أكن أشرف على تنظيف الأواني. والعمل المنزلي الذي كنت أضطلع به هو ترتيب البيت وتنظيمه.
أي درس تعتبر أن زوجتك لقنتك إياه، خلال حياتكم الزوجية، وأي الأشياء التي تحبذها في "زواج زمان"، مقارنة مع زيجات الوقت الراهن.
لم نكن في حاجة لمد بعضنا بالدروس، فالحياة وحدها كانت كفيلة بتلقيننا العديد من الدروس. عايشنا معا العديد من الصدمات، وعرفنا معا كيف نتخطاها. ومع ذلك، يمكن أن أذكر كخاصية مميزة لشريكة حياتي، حبها الكبير للعمل في مجال التعليم، إذ ظلت متشبثة به، إلى غاية أن ألزمها المرض بالتخلي عنه.
ما هو سن ابنيك، وما اسمهما؟
"سعد" و"غيثة"، سعد يبلغ من العمر في الوقت الراهن 24 سنة، وغيثة 19 سنة.
أي شيء كنت تحرص على تلقينه لابنيك دائما، وهل شعرت يوما ما أن أسلوب تعاملك معهما كانت تشوبه الأبوية المفرطة، أو التساهل بلا حدود؟
لم يكن لدي حرص على تلقين ابناي شيئا محددا بالذات، كان حرصي يتمثل في خلق مناخ داخل الأسرة، يساعدهما على التطور وفق رغائبهما، واكتشاف ذواتهما، إذ لم أكن أرغب في أن أصنع منهما نسخة طبق الأصل لأبيهما أو أمهما.
وفرنا لهما جوا كله مبادئ وقيم نبيلة، لكن لن أنكر أن هذا الجو كان مفعما بالكثير من السياسة. وبلا توجيهات معينة. ولم يكن يخطر على بالي أبدا، أن ابني الذي يتابع حاليا دراساته الجامعية في التواصل بمدريد، سيقتفي أثر ماضي والده السياسي، دون أدنى توجيه مني، إذ سينخرط في حزب النهج الديمقراطي، ليس تابعا، لكن عن اقتناع تام بتوجهات الحزب الإديولوجية وخطه السياسي. وبلا شك أن الأجواء العامة، التي تربى فيها سعد، ساهمت في هذا الاختيار.
أين تقضي العطل؟ وأي المدن أحب إلى قلبك؟
الحياة عموما سفر متواصل، والعطلة سفر مركز، وأنا متيم بالسفر، زادي فيه الخيال والسحر والعطر والجمال، أرفض الروتين في العاصمة، التي لا تزداد إلا تشويها عمرانيا مع الزمان، والتي تفرض علي طبيعة عملي الاستقرار بها. غير أنني، كلما وجدت الفرصة سانحة، لا أتردد في الخروج من قوقعتها، والسفر بعيدا نحو جنوب المغرب، وتحديدا نحو سحر وجمال مدينة الصويرة الرابضة على ضفاف المحيط الأطلسي، حيث تستفيق في صباحاتك على النوارس وهي تتراشق بصفيرها، وحيث تجلس على سور الصقالة الذي تنبثق منه رائحة التاريخ، مراقبا الأمواج الهادرة، ومشاهدا غروبا للشمس لم يسبق أن حلم به أي إنسان، تصطحب معك كتابك إلى مقهى من مقاهي القصبة، داخل المدينة العتيقة، حيث جدران الأسوار لوحات تشكيلية من الزرابي المعروضة للبيع، وحيث يجلس إلى جنبك سياح أجانب من رسامة وفنانين. دخلوا المغرب عبر بوابة البحر الأبيض المتوسط، هاربين من الأضواء، وسارقين سحر اللحظة، في هذه المدينة الرائعة.
بعض الرجال يفضلون السفر مع الأصدقاء والبعض الآخر يفضله مع الأسرة، أيهما تفضلون؟
لا أفضل في هذا الباب أي اختيار، يمكنني السفر مع الأسرة، لاسيما مع شريكة حياتي، كما يمكنني السفر مع الأصدقاء. غير أن ابناي وبحكم سنهما لم يعودا يرغبان في السفر معنا، لهما طقوسهما، ولهما أهواؤهما ونزواتهما الخاصة، التي لا نرضيها لهما بالتمام والكمال، فالابن لا يرغب في أن يشاركنا مثلا في سماع أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما، مما نعشق نحن سماعه، لذلك أصبحا، بمحض اختيارهما، يفضلان السفر وحدهما، أو مع أصدقائهما.
هل تذكرون حدثا ما جرى خلال أحد أسفاركم، وظل عالقا بالذهن؟
كنت مدعوا ذات وقت من طرف المنظمة البريطانية "المجتمع المفتوح" في جوهانسبورغ، بجنوب إفريقيا، للمساهمة في لقاء حول الديموقراطية في إفريقيا، ركبت الطائرة المتوجهة من باريس اتجاه جنوب إفريقيا، ولما وصلت إلى مطار جوهانسبورغ، لم أجد الذي كان من المتوقع أن يأخذني إلى الفندق.
فتشت في محفظتي عن الدعوة وعن اسم وعنوان الفندق الذي سأنزل به، ولم أعثر لذلك على أثر، لقد نسيت كل شيء في البيت، فكرت مليا، وصرفت بعض ما كان معي من النقود إلى عملة جنوب إفريقيا، واتصلت بالمغرب، وكان علي الانتظار طويلا، كي تتعرف العائلة على الموقع الذي وضعت فيه الدعوة، لكي تمدني بالعنوان، لقد انتابتني خلال تلك الآونة مشاعر حول إمكان الضياع في أدغال جنوب إفريقيا بلا رفيق، ومخاوف جراء ما يسمع عن هذه البلاد من انعدام الأمن فيها. غير أن هذه المخاوف سرعان ما تبددت ووصلت إلى المكان الذي كنت مدعوا له.
رمضان من الشهور التي يخلد فيها مثقفون إلى القراءة والراحة، خصوصا أنه تزامن في السنوات الأخيرة مع فصل الصيف، كيف يقضي عبد اللطيف حسني شهر رمضان؟ وما هي ألذ أكلة لديه؟
رمضان ليس بالشهر العادي كباقي شهور السنة، إنه مناسبة للتحرر من التقاليد التي نعيشها طوال السنة، من إفطار في الصباح وغداء في الظهر وعشاء في المساء.
إنه روتين يومي مقيت، لذلك هذا الشهر هو مناسبة مثالية لانتهاك هذه التقاليد. ثم إنه مناسبة من جهة أخرى للإطلالة على عالم الروح، وتحقيق مطلق لإنسانية الإنسان، بحكم أنه لا دنيا لمن لم يحي دينا، ومن رضي الحياة بغير دين فقد رضي الجهالة لها قرينا. لا أخفيك أنه في هذا الشهر تتضاءل لدي ملكة التركيز. أكتفي في النهار بقراءة قراءات خفيفة، والاستمتاع بمشاهدة الأفلام السينمائية، وأشتغل بعد الإفطار في الأعمال، التي تتطلب نوعا من التركيز.
عدد من الرجال يرغمون أسرهم على الخضوع لأذواقهم في هذا الشهر، وفي سائر الشهور، كيف تدبر شهواتك في الأكل، في العلاقة مع الزوجة والأبناء؟
تحاول زوجتي، بحكم عشقها للطبخ، أن ترضي كل الأذواق، وليست لدي بصورة مخصوصة شهوة أو نزوة غذائية معينة خلال هذا الشهر.
هل تتذكرون أولى أيام التحاقكم بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وما هو أول درس سياسي تتذكرون أنكم تلقنتموه في هذا الحزب؟
لم ألتحق بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هكذا دفعة واحدة في يوم مخصوص، فزعيم الحزب المرحوم عبد الله إبراهيم كان يردد دائما على أسماع حوارييه قائلا "نريد مقتنعين لا منخرطين في الحزب".
تعرفت في بداية عهدي بالجامعة على عبد الله إبراهيم كأستاذ، وانقطعت علاقتي به بعد ذلك، لتتجدد في السلك الثالث، ولتتعمق بعد ذلك من خلال تحضيري لدكتوراه الدولة تحت إشرافه، في هذه المرحلة استكشفت في عبد الله إبراهيم، ليس المناضل فقط، وليس الرجل الذي لا تأخذه لومة لائم في المبادئ، بل هو الأب الإنسان العطوف، العالم الزاهد في متاع الدنيا، الذي كلما ازداد علما ازداد تواضعا.
ومن خلال اقترابي منه كشخص اقتربت من الحزب الذي كان يتزعمه، والذي تربى في إطاره جل الوطنيين المغاربة، فانتميت لهذا الحزب، الذي مازالت بناياته الفارغة الموحشة، التي من جملتها تلك العمارة، التي تعتبر جزءا من تاريخ ساحة السراغنة في عمق الدارالبيضاء، تطل على المغاربة، مؤرخة بخوائها لذلك الصراع، الذي عرفه المغرب بين نظام، وبين مطامح شعب في التقدم والديمقراطية والرفاهية, إنه ذلك الفارس المغوار، الذي ظل يقاتل إلى أن بقي وحده في المعركة، ولم يكن بدا أن ينهار ويتحول إلى مجرد أشلاء، تشهد على معركة ضارية من معاركنا الحديثة.
ما الشخصية التي طبعت حياتكم، وتعتبرون أنها أثرت في مسار حياتكم؟ في السياسة وفي الجامعة، وفي الحياة عموما؟
في السياسة انطبعت بقوة بعلاقاتي بالراحل عبدالله إبراهيم، ففي فكره تمتزج السياسة بالثقافة بشكل مذهل، تعلقه بمبادئه، ورفضه المطلق لسياسة شراء الذمم، وموته صامدا على مبادئه، لم يغير ولم يبع كما باع رفاقه كل شيء.
في الجامعة، كنت متأثرا في مراحلها الأولى بأستاذ اسمه "محمد البوزيدي" وهو، حسب ما تناهى إلى مسامعي، يشتغل حاليا، بعد عودته من العمل، في إحدى المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة بجامعة الأخوين.
كان قد تخرج لتوه من جامعة كولورادو الأميركية، كان أستاذا نموذجيا، درسنا على يديه مادة القانون الدستوري، ودرست عنه مادة علم الاجتماع السياسي في السلك الثالث، كان محاوري المفضل، لم يكن يبخل علينا بنصائحه في ذلك الوقت، وتشجيعاته على التواصل مع الجامعات العالمية, كان يردد على مسامعي دوما "إن علم السياسة لا يمكنه أن ينمو إلا في أجواء ومناخ الحرية السياسية".
هذا الأستاذ زارني في سجن السويسي الملحق بمعهد الدراسات القضائية، حيث في طفرة فريدة من نوعها، وبعد إضراب عن الطعام لمدة 18 يوما جرت الاستجابة لأول مرة في تاريخ المغرب لمطلب متابعة المعتقلين السياسيين للدراسة، كنت الوحيد الذي نجح في المواد الكتابية، وكان علي اجتياز الاختبارات الشفوية.
هذا الأستاذ هو الأستاذ الوحيد الذي رفض أن يجري الاختبار أمام أعين مدير المعتقل، مطالبا منه في الوقت نفسه، بأن يخفف من الإجراءات الأمنية، التي كنت خاضعا لها، لا فتح الله ولعلو، ولا غيره من الأساتذة طالب بذلك، ولبي طلبه. لقد انطبعت بقوة بسلوكه وجرأته.
في الحياة العامة، كان للمشمولة بعفو الله والدتي أكبر تأثير، فهي المرأة الصلبة، التي علمتها دواهي الحياة كيف تكون أما صالحة لخمسة أبناء، في سنوات اختفائي في المعتقل السري درب مولاي الشريف، ورغم محاولة تيئيسها من قبل الجلادين من إمكانية العثور علي حيا، إذ قالوا لها إن من يعتقل في السياسة، يوضع في كيس ويلقى به في عرض البحر، لم تتوان، ولم يخفت أملها في العثور علي حيا. كانت أجمل الأمهات ...
قريب من السياسة بعيد عنها. ما تعليقكم على هذا القول؟
ليس هنالك قرب أو بعد عن السياسة، فالسياسة إذا جرى التخلي أو الابتعاد عنها، سيفقد الإنسان بمقتضاها خاصيته الاجتماعية، وهي كونه كما يقول أرسطو، حيوان سياسي. فالسياسة حاضرة في كل شيء، في التدبير المنزلي، في التدبير العائلي، وفي تدبير الشأن العام، كما أن السياسة إذا ابتعدت عنها فلا يعني هذا أنها يمكن أن تبتعد عنك، فهي تصنعك رغم إرادتك.
وجهة نظر هي ابنتك التي لم تلد لك زوجتك، بل أنجبتها بنات أفكارك؟ أين انتهى بها الزمان اليوم؟
"وجهة نظر" هي تعبير عن طموح وعن مشروع تآلف حوله باحثون جامعيون شباب، وليس المثقفون النجوم، الذين لم تعد ملكتهم على الإبداع قادرة عن العمل. إنها تواصل مسيرتها منذ 11 سنة بنجاح، وتولد عنها خلال هذا المسار سلسلة دفاتر وجهة نظر وكراسات استراتيجية. ونحن عازمون، في المستقبل القريب، على أن نضيف إليها سلسلة جديدة أكثر قوة، تتعلق بالدراسات والأبحاث الأكاديمية.
علاقة الشباب والشعب المغربي عموما بالقراءة، أصبحت علاقة تنافر، لم يعد الكتاب خير جليس، بما تفسرون هذا العزوف؟
لا يمكن إطلاقا تبني هذا الحكم، فالمغاربة قارئون انتهازيون ومنفعيون، فهم يشترون كتب الطبخ لشميشة، وهم يشترون الكتب الرخيصة لتعلم اللغات، حالمين بالهجرة، سرا أو شرعا، إلى خارج المغرب. وهم يقتنون، بشكل لافت، الكتب التي تجمع فيها قوانين خاصة بمنظومة قانونية معينة، كسلا من الموظفين، وصدودا عن اقتناء الجريدة الرسمية. إنها كتب تصل مبيعاتها في تقديري إلى مئات الآلاف.
أما الإنتاجات الراقية، التي من شأنها أن تغني ثقافتهم، وتساهم في ترقية أذواقهم، فهم يصدون عنها. إن ذلك مرده في نظري إلى سياسة التجهيل، التي عمت في المغرب لنصف قرن, سياسة تصر مع الأسف على التنافس في الرداءة.
ما هي علاقة عبد اللطيف حسني بالرياضة؟
مضطرا لا مخيرا، يمارس عبد اللطيف حسني رياضة المشي على الأقدام يوميا، خوفا من التطورات اللاحقة لمرض اسمه القاتل الصامت، مرض انسداد الشرايين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.