e/mail:[email protected] حس مرهف ، وحنين يتدفق منه العطاء الشعري ، وذكريات ممزوجة بحسرة وألم قديم على ما انقضى من العمر دون تحقيق الأحلام في ربيعه ، لأن هنالك حوائل وموانع اصطنعها مرضى النفوس ، وزج بها أهل الغل والحقد الدفين في طريق الإبداع والمبدعين . بالألم لأن مواجع الأمس ما زال طعمها لاذعاً مراً في الأفواه ، يعاود مرة بعد مرة كلما طرأ ما يهيج أحداثها . أما الحنين فيتجدد كلما ذكر شاطئ دجلة ، وكلما لاحت كلمة لها صلة بمدينة الكوت ، فهي المنزل الأول ، ولا بد من حنين إلى أول منزل ، بحسناته وسيئاته وآلامه ومعاناته . فالحنين إلى الماضي هو الشئ الوحيد الذي لا ينساه صاحب القلب المبصر ، والمشاعر الحاضرة . قد يُعَرِّجُ الشاعر على موطن صباه بعد ثلاثين أو أربعين عاماً ، وحيداً دون أنيس أو مرافق ، يعود لسبب لا يبدو وجيهاً لغير الشعراء ، يعود ليتذكر فقط ، يتذكر كل حديقة ، وكل شجرة قاربت سنينها أيام عمره ، لكنها ما تزال نضرة يافعة مخضوضرة معطاء ، لم تلح عليها إمارات الشيخوخة كما تلوح على بني الإنسان ، والشاعر شيخ قد وخط الشيب شعره . في معاينة هذه الشجرة سلوى وعزاء ، لأن رؤيا مظهرها البهي ورونقها الندي يبعث في الشاعر الأمل والرجاء . قد يبحث الشاعر في موطن صباه عن بيت كانت له معه قصة أو حادثة ، عن بيت كان مشيداً منذ نعومة الأظفار ، لم يتغير فيه شئ رغم السنين الطوال ، أما صاحب الذكرى فقد غزت التجاعيد وجهه ، فهو يستذكر ليتألم ، ثم يتعمد الإستذكار ليتمتع ، عسى معجزة تأخذه إلى الماضي كرة أخرى ، إلى الأيام الخالية ، أيام الطفولة والشباب ، ولكنها ذكرى مشوبة بالألم والحسرة ، إلا أنه لا مناص من التعايش معها ، ومن التمعن في أدق تفاصيلها ، فهي التي تشحن بطارية الحياة لدى الكبار ، فتشحذ أذهانهم وتعيد لهم لمعان عيونهم الساهمة الجامدة ، فيعودون أصحاء أقوياء منتجين وكأنهم فتية لم يبارح قطار العمر محطتهم قط . هكذا يخيل إليَّ الشاعر (عبد الإله محمد جاسم) وهكذا أراه حينما أشاركه عواطفه الجياشة وحنينه إلى ذكريات الألم والمتعة ، إلى موطن الصبا والشباب ، وكأنني أخطو معه في ذلك خطوة خطوة . هكذا أسافر معه في تخييلات وتأثيرات أشعاره ، وهكذا (أبكي) معه شواطئ ليس لها نهاية ولا تحدها حدود ، في بغداد أو في الكوت ، أو في أي مكان في العالم ، فأنا والشاعر شركاء شئنا أم أبينا ، شركاء مع آخرين في مظالم كانت قدرنا ، وكانت واقعاً عشناه رغماً عنا . قراءات في المجموعة الشعرية (بكاء على شاطيء دجلة) للشاعر (عبد الإله محمد جاسم) إحتضنها ملتقى المستقبل الثقافي الإبداعي ، شارك فيها العديد من المثقفين بشتّى اختصاصاتهم ، أدارها الناقد (سعد مطر عبود) ، رعتها منظمة (أين حقي ..؟) فكانت هذه الندوة وهذه القراءات . وجدت في الشعر الحر ضالتي المنشودة حدثنا الأستاذ (عبد الإله محمد جاسم) صاحب المجموعة الشعرية الموسومة ب (بكاء على شاطيء دجلة) ، حدثنا عن سيرته وأشعاره فأفاد : منذ طفولتي وأنا أعمل في المسرح ، أول من أرشدني إلى المسرح وساعدني في اعتلاء خشبته هو (مناف طالب الجبوري) و(حسن الناموس) في مدينة الكوت ، والذي (عَلَّمَني) الشعر ، هو الأستاذ (عادل صادق العامل) بأول مجموعة شعرية صدرت له في أوائل السبعينيات وكانت بعنوان (قصائد من زمن العشق القديم) أذكر في إحدى قصائده التي كتبها لي ، قال فيها : عندما أنظر في عينيك لا يبقى سوى الوردة في الشارع والماء بقلبي أنا نفسي أنتهي أصبح عوداً ، تحياتي إلى الأستاذ الذي علمني الشعر ، أو الذي سحرني لأتابع الشعر كي أكتبه . محافظة ذي قار هي التي أنجبت هذا الأستاذ . ربما هو من مدينة الشطرة أو القلعة . كنت أمثل فشجعوني على التمثيل ، وكنت أكتب الشعر . كانت أكثر قراءاتي للشاعر (بدر شاكر السيّاب) في أنشودة المطر وغيرها ، وكان بعض الشعراء يرفضون هذا النمط من الشعر ، لكنني وجدت فيه ضالتي المنشودة . عملت مع (طرّاد الكبيسي) في المسرح عندما كنت في المتوسطة ، وكان قد أسس المسرح الريفي ، هذا النشاط وفر لي فرصة زيارة وممارسة التمثيل في كل محافظات العراق ، رافقت في نشاطي الفني ، الكاتبين (عادل طاهر) و (عادل كاظم) . شاركت في تمثيل مسرحية الحصار في الناصرية في السبعينيات ، وكنت أحد أبطالها ، ثم إلى كلية الفنون الجميلة ، ورغم الموانع الكثيرة في الماضي التي جعلتني أتعثر في نشر كتاباتي ، إلاّ أني حاولت النشر هنا وهناك ، فقد عرضت كتاباتي على صحيفة الثورة والجمهورية والعراق قبل 2003 وكنت أشرح للقائمين على هذه الصحف مقاصدي الوطنية في كتاباتي ، إلاّ أنهم كانوا يرفضون النشر ، لأنهم كانوا يتهمونني في حسن نواياي ، ويحسبون عليّ أوزاراً لم اقترفها ، وماضياً يحوم شك السلطة حوله . دعوت الأساتذة الحضور إلى مهرجان الشعر الذي أقمته في معهد إعداد المعلمين في تربية الرصافة الأولى ، ودعوت بعض أعضاء اتحاد الأدباء ، ودعوت كل الكتاب الذين أعرفهم ، لأجل شيء واحد ، وهو أن أرى كل الناس قد انضووا تحت مظلة الثقافة . أحب كل من ينظم الشعر ويكتب الرواية والقصة ، وليس من طبعي أن أكترث أو أتحرى عن أصول وخلفيات وتأريخ هؤلاء الأدباء والكتاب والشعراء ، فأنا أحفل بهم جميعاً لا أفرِّق بين أحد منهم . عملت في الفن العراقي وأنا متخف في (بيتنا وبيت الجيران) و (النخلة والجيران) ومسلسلات (جواز سفر) إضافة إلى المسرحيات مع الأستاذ (محسن العزاوي) وعملت أيضاً في المسرح العسكري . حُرِّمَتْ عليّ الإذاعة ، إلاّ أن الأستاذ (حلمي النوري) أدخلني إليها سراً . أسمى آيات الثقافة عندي هو الشعر ، تتبعه الرواية والقصة والمسرح ، هذا الذي كتبته (بكاء على شاطيء دجلة) هو حصيلة رد الفعل لما عانيته ، فقد أُخْزينا في السابق أمام شعوب العالم . بكيت على أمي ، وهي أم العراق دجلة . كتبت في مجموعتي الشعرية في صفحة الإهداء : إلى التي سقتني كأس وجودي ومحطة بكائي ، أنْجِلاَّ ، وهو اسم غريب كما تسمعون ، إلاّ أن أول حرف منه يمثل اسم أمي ، والحرف الوسط أيضاً لأمي ، والنون هو من أحرف النساء الذي أعتز به ، والجيم واللام ترمز إلى نهر دجلة ، فخلطت بين المرأة وبين دجلة ، كزوجة وكأم وحبيبة وبلد ، أول قصيدة لي هي (دجلة) أقول فيها : طافت بي الأيام وامتدت سنين *** بعد أن راحت طبول الحزن تقرع في ليل طويل *** الريح تعصف بالمدى *** صوت هناك *** صوت هنا *** مجهولة هي رعشة الخوف *** عن أسرار شتّى ، تسأل : ما الذي غير وجهك يا دجلة ؟ هل شحَّ ماء الفرات ؟ أنت كل احلامي *** تاريخ عشقي *** أنت كل المرايا *** حب العابرين *** الآن .. عدتي ترقصين *** تغنين *** سأسهر على ليلك المقمر . هذه مرحلة بعد أن عادت إليَّ دجلة ، ولكن كيف عادت ؟ ثم أذكر عن رحيل الزوجة الحبيبة ، فأقول من قصيدة بعنوان (نداء) : مزقت جفون الليل *** سطوت على آخر الزمن لأسرق لحظات الحب *** وأجد ذكرياتي بين كفيك أيتها القاسية *** أتعودين إليّ ؟ لم تصرين على السفر .. إلى مدينة النسيان ؟ لن نلتقي أبداً *** سيكون ضريح حبي هناك .. هنا المعاناة التي أعانيها ، وهنا الواقع يخاطب الحضور الذي نعيشه أنا وأنتم والآخرين ، أقول في قصيدة ( مرايا الزمن الحزين ) : ألْسُنٌ حلزونية *** تلعق الرمال *** تدخل من أبواب شتّى *** تتمرغ في واحات نتنة *** تُمَزِّقُ ثوب العرس *** تنبش كديدان الأرض *** ترقص فوق الأجساد *** حول طاولة مستديرة تجلس آلاف الجماجم *** تأكل من أيدٍ مرتعشة *** تدخل غرف الذوات من خلف الستائر الأرجوانية *** ترسم النار مرايا الزمن الحزين *** وبجانب الرصيف تصير الجمجمة مزهرية ! .. أنا من الذين عشقوا مدينة الكوت ، أحببت أدبائها وشعرائها ، منهم الدكتور ابراهيم شاوي ، الذي غادر العراق وتعلم اللغة الكردية في روسيا ، وبسبب عشقه للعراق بكاه باثني عشر ديواناً من الشعر ، وعندما دخل العراق بعد غيبة طويلة ، دخل إلى مركز الكوت في منطقة (الجديدة) التي خَرَّ ليقبل ترابها بعد فراق طويل ، شوقاً إليها رغم ما كان يلوث أرضها من أوساخ . كتبت ورحبت بالكثيرين ممن رجعوا إلى العراق ، منهم (نعمة رشيد الحاجم) .. أثرت فيَّ معاناة أهل ديالى ، فبدل أن يجري نهر ديالى خيراً صار يجري دماً ، ضاعت بعض المدن ، فكتبت (مدن بلا هوية) ثم أحسست أن بيوتنا أصبحت كبيت العنكبوت ، فكتبت ( بيت العنكبوت) أقول فيها : بغداد أنجبتني على ذراع لياليها الجريح *** صوت مزَّق أجفان الدجى *** عُدْ .. من أين أتيت *** يا غريب الصوت .. *** يا .. لغة بلا عنوان .. *** منسية أرضي .. أثمارها الأشباح *** ومنفى الرياح *** مهرجان الرعب .. لم يزل في ليل المغول ! *** تاركاً جثث النخيل .. فوق العيون *** الجبال نامت في بيت العنكبوت ..! *** المدن موبوؤة والأزقة حمراء *** عارية بلا خريف .. بلا مطر أو شتاء *** هي الحلم في الأقلام .. ومساحة الشعر بأفواه الشعراء . . في ختام كلمتي أناشد الحضور بأن لا يتخلفوا عن أي نشاط أو ندوة أو مهرجان للشعر أو للقصة أو الرواية ، تدعيماً للثقافة والمثقفين ، لأني أعتقد ان المآسي التي حدثت في بلدنا في الماضي من حصار وحروب ، ما كانت لتحدث لو أن ثلاثين بالمائة من مجتمعنا كانوا مثقفين . تجربة شعرية تهيمن عليها عناصر الجمال يرى الناقد (سعد مطر عبود) أن الشاعر (عبد الإله محمد جاسم) يسعى من خلال تجمعه (المجمع الثقافي للمدرسين والمعلمين العراقيين) إلى دمج الثقافة بالتربية ، أي إعادة الروح إلى الجسد ، لأن التربية لا يمكن أن تتحرك دون ثقافة ، ويجد أن من أجمل الأمور أن يكون هنالك تدريسي يمتلك ناصية الشعر ، ويجيد اللغة والعمل الإبداعي ، لأن في ذلك القدرة على خلق الإبداع داخل المؤسسة التربوية ، ويستنتج الناقد (عبود) من خلال العنوان (بكاء على شاطيء دجلة) أن الشاعر عبّر عن حنينه وإحساسه العميق بوطنه من خلال شاطيء نهر دجلة ، وأن دجلة هي رمز أنثوي يعبر عن الأمومة ، فشاطيء دجلة يُعَبِّرُ عن إنتماء الشاعر بالعراق ، لأن في مائه الحياة ، ولأن البكاء من طبائع الشخصية العراقية التي تتميز بالحزن . ثم يضيف : شاعرنا يمتلك عاطفة جياشة تجعله ينتج الصورة الشعرية في أتعس الظروف وفي أحسنها . هذه الصورة الشعرية مجموعة من العلاقات المتفاعلة ، التي تشكل الشكل والمحتوى . يستخدم الشاعر هذه اللغة لينتج صورة ، إنه يرسم باللغة ، إمتلك ناصية اللغة ، وامتلك هذا الحس الجمالي ، ومن خلال تجربته الشعرية استطاع ان يبني هذا النص الشعري الذي تهيمن عليه عناصر الجمال ، وأيضاً كل مكونات الصورة الشعرية . حلق الشاعر بمجموعته إلى رحاب الإبداع أما الباحث والاكاديمي (موسى حسين القريشي) فقد توسع في قراءة له للمجموعة الشعرية (بكاء على شاطيء دجلة) وأورد مقدمة حول ما جاء في آراء بعض النقاد من أن لغة الشعر لغة إنفعالية مجازية إستعارية ، ومن أن لغة الشعر كلما أوغلت في المجازية ، أصبحت أكثر شعرية ، وأشار إلى اتجاه الكثير من الشعراء للهروب من الوزن ، وأنهم راحوا يكتبون النثر مقطعاً على أسطر كأنه شعر حر ، محررين الشعر من شرط الوزن . وقدم (القريشي) الشاعر (عبد اللطيف عقل) مثالاً لمحاولته الوحيدة لهذا النمط من الشعر في ديوان (هي أو الموت) حيث قدم (عقل) المبرر للتخلص من قيد الوزن ، وهو عدم وجود الفرق بين النثر والشعر حينما ترتفع حرارة التجربة . حكم الباحث (القريشي) على معظم قصائد الشاعر (عبد الإله محمد جاسم) على أنها من القصائد النثرية وليست من قصائد الشعر الحر ، لكنه لم ينف الشعر الحر تماماً عن شاعر مجموعة (بكاء على شاطئ دجلة) ، حيث قال : (وشاعرنا عبد الإله محمد جاسم في مجموعته هذه لجأ إلى طرق باب القصيدة النثرية ، حيث اتخذها أسلوباً له في الكتابة أكثر من قصيدة الشعر الحر ذات الملامح المعروفة) ثم أثنى عليه لأنه استطاع أن يحلق بمجموعته إلى رحاب الإبداع ، وتلمس للشاعر العذر في عدم تمكنه التقدم والإنتشار والظهور في السابق ، لأنه كان من المهمشين لفقدانهم الإهتمام والرعاية من المؤسسات الأدبية الرسمية ، فالمشهد الثقافي لم يقدمه مع الأسماء المشهورة واللامعة ، رغم حضوره في الصحف والمنتديات الثقافية والمحافل الأدبية ، ورغم نشره القصائد والمقالات الأدبية ، فالباحث (القريشي) يرى أن الولوج الأول للشاعر في ميدان الشعر كان من خلال مجموعته الشعرية (بكاء على شاطئ دجلة) ، والتي تضمنت أربعين قصيدة برزت فيها موهبته الشعرية . ختم الباحث (موسى حسين القريشي) قراءته للشاعر (عبد الاله محمد جاسم) بالقول : الوطن الجريح ومعاناة أبناءه زادت الشاعر مرارةً وألماً وحزناً ، فضلاً عن المرأة الناكرة للعهود ، فبات يصور بشعره واقعه المؤلم ، وكشف عن حقيقة هذا الواقع ، وأفصح عن حبه لوطنه وأبناء شعبه ، ورغبته في تحريرهم من بؤسهم وذلهم وجهلهم ، وما يتعرضون له من قتل وتمزيق ، وأعلن (القريشي) أن مجموعة الشاعر (بكاء على شاطئ دجلة) لتشهد له بالحب لأبناء وطنه ، بدعوته إلى الإعتراف بحقوقهم ورفع المعاناة عنهم ، فقد فاضت نفسه بالمرارة واللوعة التي ولدها الطغيان ، هذا الذي قتل الروح الوطنية ، وقد مزقوا جسد الوطن وفرقوا بين أبناءه . ثم ذكر الباحث (القريشي) أن الشاعر جمع بين الشعر والمسرح والكتابة ، وقد أجاد في جميعها برهافة حسه وصدق تعبيره ، وتمنى له الإستمرار بالعطاء الشعري ، وأن يطور قابلياته الأدبية واللغوية ، فالشاعر مسؤول عن سلامة اللغة كتابةً وأسلوباً . الظهور المتأخر للشاعر يشكل ميزة وفخراً أمّا الشاعر (كريم مظهر العميري) فقد أثار فيه (عبد الإله محمد جاسم) شاعرية وشجوناً خلال سرده لسيرته الثقافية ، التي رافقته منذ النشأة الأولى . يقول : لقد اعتذر الشاعر عن ظهوره المتأخر ، وليس عيباً أن يتأخر الشاعر في إصدار ديوانه الأول ، فالأقلام الشريفة عانت في الماضي ، هذه الأقلام التي كانت تختفي وراء السُتُر ، وتعيش في الظل ، فالمزايدات المادية كانت تدخل على المسرح السياسي القميء في ذلك الوقت ، وكنت أريد أن أشيد بالشاعر لظهوره المتأخر ، لأن ذلك يشكل ميزة وفخراً وليس العكس . أما الشعر الذي سمعناه منه ، فكانت قصائد جميلة استطاع الشاعر أن يسافر بنا في أرجائها . عنوان القصيدة من السمات الجمالية الأساسية الناقد (محمد نوّار) لي مؤاخذة على الشاعر الأستاذ (عبد الإله) حينما أشاد بأحد الأساتذة من الذين وصفهم بتعليمه الشعر ، فالشعر لا يعلم ، إنما هو موهبة وملكة ، حتى أن الشعر ليس له تعريف ثابت لحد الآن . النص الشعري الحديث جعل الشاعر يحرص على وضع عنوان ذي دلالة في النص ، لم يكن النص الشعري الحديث كالسابق ، ففي السابق كان صدر الديوان ، (قال الشاعر مفتخراً) ، أو (قال الشاعر راثياً) . ما عادت هذه التسمية موجودة الآن في الشعر الحديث ، بات عنوان الشعر الحديث الآن من السمات الأساسية الجمالية للنص الشعري ، لماذا ؟ لأنهم أخذوا العنوان بمعزل عن النص الشعري ، فتكلموا عن العنوان ، فالعنوان له دلالة ، وهو في النص مفتاحاً للقصيدة ، وحينما نقول مفتاح القصيدة فإننا نعني مفتاح لفهم القصيدة ، والمتداخلون الذين سبقوني بالكلام لم يربطوا دلالة العنوان بالنص الشعري ، فأخذوه بمعزل عن النص . الشعر نوع من التجرد الإنساني كانت للناقد (محمد يونس) رؤيته الخاصة بالشاعر وبالمجموعة الشعرية ، تحدَّث إلينا من على منبر ملتقى المستقبل الثقافي بما يلي : بما أن الشاعر قد تحدث عن تجربته وقرنها بالواقع الإجتماعي والسياسي ، فلن أستطيع أن أتحدث عن المجموعة الشعرية بالكامل ، لكني أريد أن أتحدث عن بنية العنوان (بكاء على شاطيء دجلة) . قدَّم المقدم العنوان بالمعلوم (البكاء على شاطيء دجلة) بينما ظهر العنوان في أعلى المجموعة الشعرية بالمجهول وهو (بكاء) وليس (البكاء) . هناك دلالتان مهمتان بالعنوان ، باعتبار العنوان هو الأيقونة بالنص الكلي . سوسيولوجياً كلمة بكاء ، مرجعيتها جانب إجتماعي ، ولها نوع من التأريخ ، الألم ، البكاء ، الموت . كل بنية الألم التأريخية تمثلها كلمة (بكاء) ، هذه تعطينا دلالة إجتماعية عالية ، وشاطيء دجلة يمثل عدة دلالات ، الدلالة السياسية والدلالة الجغرافية والدلالة الثقافية ، أفضل قصائد شاعرنا الكبير (الجواهري) هي التي قُرِئَت إجتماعياً ، فكان بسطاء المجتمع العراقي يحسون بقيمة هذه القصيدة ، حتى لو لم يكونوا مثقفين . يمثل الشاطيء عدة دلالات ، وهذه الدلالات مرتبطة لا تنفصل ، فالدلالة السياسية في شاطيء دجلة لا تنفصل عن الدلالة في قصيدة (الجواهري) فهناك ارتباط فني وارتباط تأريخي أيضاً ، هذه الدلالات مثلت الأساس الأولي للديوان ، ولكن تبقى تمثل باللغة برنامجها المقصود . نشكر الشاعر على كلمته الإنسانية ، لأننا كمجتمع عراقي بحاجة إلى التجرد الإنساني ، والشعر نوع من التجرد الإنساني ، نغادر ذواتنا الإجتماعية وانتسابنا إلى المدن والعصبيات ، نترك هذه الفكرة إلى الفكرة الإنسانية ، وهذا شيء جيد لنا كمجتمع . اسلوب قصصي أم شعري القاص (عبد الكريم حسن مراد) : أطلق الشاعر (عبد الإله محمد جاسم) عبارة (بكاء دجلة) . ما شعوره حين يرى دجلة وهو (يبكي) ؟ . لم تكن عبارة (بكاء دجلة) كافية للتعبير عن إحساس عميق بدجلة الخير . وكذلك لم يغلب الأسلوب الشعري على قراءة الشاعر ، إنما كان الأسلوب القصصي هو الغالب ، فكانت قراءة الشاعر قصصية لا شعرية .