طفل في العاشرة من العمر، بأسمال بالية ووجه لفحته أشعة الشمس الحارقة. يتنقل من سيارة إلى أخرى في طابور كبير أمام الضوء الأحمر. لا أحد من الجالسين خلف المقود، يرغب في أن ينظف الطفل الزجاج الأمامي للسيارة مقابل بضعة مليمات. ينسحب الطفل بهدوء وتبدو على محياه حسرة و خيبة أمل ليس لها مثيل. مشهد يمزق النفس ويُشعر المرء بعجز كبير. طفولة مشردة وتعليم سيئ تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حوالي 1,4 مليون طفل مغربي، في سن تتراوح بين السادسة والخامسة عشر، يشتغلون حوالي 70 ساعة في الأسبوع. وبالرغم من أن التعليم إجباري في المغرب، إلا أن الإجبار يظل مجرد حبر على ورق. كثير من الأطفال لا يلتحقون بالمدرسة إطلاقا، أو يغادرونها في سن الثامنة. في تقرير للبنك الدولي، تبين أن المغرب، إلى جانب جيبوتي، واليمن والعراق، من أسوأ البلدان إطلاقا من ناحية جودة التعليم. وهذه النتيجة تحتاج لمن يغيرها وإلا فان الكارثة الكبرى ستحل بعد، وستنمو أجيال في القرن الحادي العشرين، في أوضاع من القرون الوسطى. قلم للمدرسة ونحن نصور في قرية قريبة من ورزازات، تحلق من حولنا أطفال في عمر الزهور. دنوت منهم وسألتهم عن أسمائهم: ثلاثة إخوة: محمد، عيسى وموسى. حين سمع فريق التصوير ذلك، اندهشوا واقتربوا منهم وتصفحوهم. أثارت استطلاعهم أسماء الأطفال. لماذا هذه الأسماء الثلاث؟ ما المراد من ذلك؟ دعانا الأخ الأكبر إلى شرب الشاي المغربي المنعنع، لكننا كنا على عجلة. وقد تأثر فريق التصوير الهولندي من هذا الكرم المغربي الذي صادفناه في شمال المغرب وجنوبه. حين انتهينا من التصوير، صعدنا إلى السيارة فتحلقت حولنا فجأة مجموعة من الأطفال، فتيان وفتيات في أعمار تتراوح بين الثامنة والثانية عشر. وجوه شاحبة، أجساد هزيلة يبدو عليها سوء التغذية، وثياب قذرة وعيون حائرة. عيون تمزق القلب. سألونا ما إذا كنا نملك أقلاما لأنهم سيحتاجونها للموسم الدراسي الجديد. عمل شاق وأجر هزيل قبل بضع سنين قليلة، أشار تقرير للمنظمة الحقوقية هيومان رايتس ووتش إلى أن مئات آلاف الأطفال يعيشون في وضعية مزرية ويستغلون ساعات طويلة في اليوم مقابل دراهم قليلة جدا. وبالرغم من أن المغرب قد وقع على معاهدة الأممالمتحدة لحماية حقوق الطفل، إلا أن المنظمة خلصت إلى أن حقوق هؤلاء الأطفال مهضومة تماما. تنص المعاهدة على ضرورة أن يلتحق الطفل بالمدرسة وعلى منع تشغيل الطفل. وهما أمران لم يلتزم بهما المغرب لحد الآن بالرغم من توقيعه على المعاهدة. عندما زرت المغرب العام الماضي مع عائلتي، توقفنا في الطريق الرابط بين الحسيمة والناظور على حافة الطريق أمام طفلين في عمر السابعة، أخ وأخت، يبيعان الفواكه الموسمية. انزعج أطفالي من ذلك وصاح ابني: إنهما في سني. لا أتصور نفسي مكانهما. دنونا منهما وتحدثنا معهما. قالا إنهما يضطران للعمل في الصيف من أجل شراء الكتب المدرسية مع بدء الموسم الدراسي، وإلا فإنهما لن يستطيعا الالتحاق بالمدرسة. وعرفنا منهما أنهما يمشيان كل يوم كيلومترات على الأقدام للوصول إلى الطريق السيار وبيع الفاكهة على حافته. طريق خطرة لكنها مكان استراتيجي لضمان البيع. الآن وبعد مرور سنة كاملة، لا يزال أطفالي يتذكرونهما ويتساءلون ما إذا كانوا حقا قد التحقوا بالمدرسة. شيخ في العشرين مدينة فاس معروفة بظاهرة تشغيل الأطفال. أغلبية العمال في صناعة النسيج، صناعة الفخار وفي الدباغة والجلود، وفي النحاس أيضا، من الأطفال. يعملون في ظروف قاسية لا إنسانية وأماكن غير صحية، مغبرة ورطبة، ولا تصلها أشعة الشمس. حين يصل الطفل منهم سن العشرين، تكون صحته قد أنهكت ويصبح عاجزا عن العمل. مأساة ما بعدها مأساة. إلى جانب هذا هناك أيضا ظاهرة تشغيل الأطفال المستترة. وتشمل هذه الظاهرة العمل في البوادي، مثل جلب المياه والحطب، أو العمل في البيوت الذي تؤديه غالبا فتيات يتعرضن من خلاله لمعاملات فظة قاسية بل وللاستغلال الجنسي أحيانا. ثم العمل في الدعارة. يزيد عدد الأطفال الذين يؤدون هذا التشغيل المستتر عن 800 ألف طفل حلول بسيطة لكن نافعة حاولت هولندا قبل بضعة سنين عبر نقابة FNV أن تخلق مشاريع في المغرب لمحاربة تشغيل الأطفال ولإلحاق الأطفال بالمدرسة، مثلهم مثل زملائهم في الغرب. وهكذا وفي مدينة فاس خلق مشروع كالتالي: توعية الآباء بضرورة التحاق أطفالهم بالمدرسة والاستمرار في التعليم. ملاحظة الأطفال ومساعدتهم في إنجاز التمارين المنزلية وفي خلق أنشطة لهم بعد موعد المدرسة. مشروع بسيط لكنه حقق تقدما بالتأكيد. من يحمي هذه الطفولة؟ من ينقذها من التشرد والظلم والظلام الداكن؟ من ينير أمامها طريقا للمستقبل؟ أسئلة كثيرة ولا من مجيب