شبالنظر إلى ملامح وجهها؛ لايتعدى سنها 25 سنة، لكن جسمها النحيف وسط خرقة جلبابها الطويل، وتقوس ظهرها، وصعوبة مشيها؛ يعطيها الأربعين أوأكثر. سيدة لا عمر لها، بدون ظل، ما يثير في هذه السيدة؛ هو طريقتها الاستسلامية في عرض فلذة كبدها بقارعة الشارع تحت شباك بنكي؛ يستجدي عطف وإحسان المارة، وزبناء البنك. سألتها التجديد لماذا لاتشتغل؟ فردت بكل بساطة؛ لا أقدر على العمل، أنا مريضة ، ولما نبهتها التجديد إلى المخاطر التي تعرض رضيعها؛ بنشره على قارعة الشارع تحت أشعة الشمس الحارقة، ودخان السيارات السام؛ ردت فقط اشنو ندير . تعج جنبات الشارع الرئيسي بالمدينة بهذا النوع من النساء؛ اللواتي تصاحبن أطفالا رضعا.فمنهن من تضمه إلى صدرها وكأنها ترضعه، ومنهن من تطرحه أرضا وهو نائم؛ بملامح طفل سقيم، بجانبه أكياس من الدواء، ورضاعة متسخة وفارغة من الحليب، وثالثة تضعه على ظهرها، لاحركة ولا سكون، وكأنه جثة ميتة . تقطع فاطمة مسافة طويلة بين مسكنها في الحي الهامشي؛ من المدينة (3 كلم على الأقل ) مشيا على الأقدام؛ لبلوغ وسط المدينة، حيث الكثافة السكانية، والنشاط التجاري، وخاصة الشبابيك الأتوماتيكية، أماكنها مفضلة لديها.هنا على الأقل الناس يجودون علي بما قسم الله تقول فاطمة . ليس بعيدا عن مكان فاطمة؛ مليكة سيدة أخرى بلباس أبيض، ولهجة أمازيغية، تضع على ركبتيها مروان ذي الربيع الخامس: وجه شاحب، وجسم نحيف، يعلوه رأس متميز بحجمه، وبخرقة ثوب أبيض مطلي إما بالحناء أو بأحد العشوب لمعالجة حماه. يتيم تقول مليكة، مات أبوه وهو في بطني، له أختان، واحدة في الثانية عشر من عمرها، والثانية في التاسعة، تتابع هذه الأخيرة دراستها في القسم الرابع، فيما اضطرت الأولى إلى المغادرة، نظرا لعوز العائلة . سالت التجديد مليكة عن مرض مروان فقالت: به الفتق، لقد تطوع أحد المحسنين ففحصه عند الطبيب، ونصح بإجراء عملية له، لكني لا أقدر على تكاليفها. كلام مليكة إما أنها كله كذب، وإما أنه كله جهل، والغالب أنه يجمع بين الاثنين .لأنها أحرجت لما سألتها التجديد هل عرضته على المستشفى العمومي، لانهم يجرون مثل هذه العمليات بالمجان، مقابل الإدلاء بشهادة الفقر . أكيد أن حال مليكة الاجتماعي بئيس جدا، لكن جهلها بعدة أمور، وعدم اكتراثها لحال ابنها أمر أخطر. قالت مليكة التي نزحت مع أسرتها من بزو، منطقة جبلية، إن رجال الأمن يطاردونها بين الفينة والأخرى، لكن ينصحوها فقط باللجوء إلى المستشفى لإجراء العملية لابنها، تقول السيدة في الأربعين من عمرها، ولا تتوفر على بطاقة تعريف حسب ادعائها. لا تتقن مليكة إلا التوسل للمارة، وعرض سقم ابنها مروان في الشارع العام، في انتظار هذا المحسن الذي قد يأتي أو لا يأتي لإجراء العملية . هذا نموذج مصغر لظاهرة كبيرة تتنامى يوما بعد يوم ببني ملال، بسبب الهجرة من المناطق المجاورة التي تاثرت بفعل الجفاف، وتفشي البطالة، كقلعة السراغنة، والرحامنة، واحمر، ومناطق جبلية انعدمت فيها شروط العيش الكريم. تغيب الإحصائيات المدققة، والدراسات الاجتماعية، لكن المشهد يفرض نفسه كل يوم، ويلح على ضرورة المعالجة الفورية له قبل فوات الأوان.