منذ أعلن عن ترشيح نفسه، سارع الكثير من الكتاب ورجال الفكر والنخب السياسية بالرهان على باراك حسين اوباما، ولم يتوان هؤلاء عن الترويج والاحتفاء بالرجل، حتى ان البعض صور الرجل وكأنه الفاتح العظيم، أو المخلص الذي سوف يحول الدولة الأقوى والأكثر استبدادا وبلطجة في العالم إلى دولة مسالمة وديعة تلتزم بالقوانين والأعراف الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، هذه القوانين والأعراف والمواثيق التي تعاملت معها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومنذ زمن بعيد، بشكل فيه الكثير من الرعونة والاستهتار وعدم الاحترام. في الحقيقة لست أفهم هذا التفاؤل الذي يبديه الكثير من الساسة والقادة العرب والمسلمين بشكل عام فيما يتعلق بالسيد باراك حسين أوباما، عدم الفهم هذا يزداد عندما أجد إن الكثير من النخب العربية سواء المثقفة أو المسيسة ينساقون وراء تفاؤل مماثل "أجده غير مبرر" فهم قد روجوا له منذ البداية، وأنه إذا ما استطاع أن ينجح بالوصول إلى المكتب البيضاوي فإنه سوف يغير وجه التاريخ وربما الجغرافيا، أو أنه سوف يكون "مخلص العالم" مما هو فيه من شرور وأشرار، ويعتقد البعض بان هذا الرجل سوف – يبيض- الوجه القبيح والأسود لهذه الدولة، التي مارست كل أشكال البغي والطغيان والاستبداد، ابتداء من تشكلها عندما أقدمت على إبادة جنس بشري بأكمله من على الخارطة البشرية مرورا بهيروشيما وناجازاكي وانتهاء بأفغانستان والعراق. يبدو أن هذا الميل إلى التفاؤل لدى هؤلاء ناجم عن لون الرجل كونه أول رجل "أسود" يحكم البيت الأبيض، كما أن كثيرين استندوا إلى أصول الرجل التي ترتبط بالعالم الثالث، وتحديدا كينيا، التي جاء والده منها، كذلك الاسم البراق للرجل وهو الاسم الثاني- حسين- هذا الاسم لذي يبدو للوهلة الأولى أنه يدلل على أن الرجل مسلم. واقع الحال يقول بأن الرجل تعرض ولا زال لهجمة شرسة من العديد من الجهات التي لا ترغب برؤية رئيس "أسود" في البيت "الأبيض"، وكلنا يعلم حجم الهجمة التي تعرض لها أوباما بمجرد أن أعلن عن ترشيح نفسه، لا بل وصل الأمر بان تم اتهامه من قبل العديد من المنظمات اليمينية والعنصرية وبعض الجهات اليهودية- لزوم الشغل لا يصطف اليهود جميعا في هكذا مواقف في خندق واحد بل يتبادلون الأدوار- بأنه قد يكون مسلما بالسر. أوباما الذي "حامت" حوله "شبهة" الإسلام، استطاع أن ينجح في إقناع هؤلاء وبعد جهد ربما كبير بأن لا علاقة له باسمه ولا بلونه ولا بديانة الإسلام – التهمة-، وتبرأ من كل ماضيه، وهو على أي حال لم يكن له أن يصل إلى هذا المقام، لولا انه حسم أمره منذ زمن بعيد، وان لا علاقة له بكل هذا الماضي الذي قال عنه الكثير في كتابه الذي أصبح الآن معروفا للجميع – أحلام من والدي-، حيث يصف علاقته بوالده وماضيه أوصافا لا يمكن تفسيرها إلا بأنها شعور بالعار من هذا الماضي، وهي بدون تجن أو مناكفة أو مبالغة، تعكس نفسية مريضة تلعن – الساعة التي كان فيها باراك ابنا لهذا الحسين-. ما أن تقدم السيد اوباما وأصبح سيدا للبيت الأبيض حتى ازداد حجم التفاؤل والمراهنة عليه من قبل العربان، وكان للكلمة التي ألقاها في القاهرة صدى كبيرا في نفوس هؤلاء، لا بل اعتبر البعض ان مجرد قدومه إلى عاصمة المعز هي إحدى الفتوحات التي يجب الاحتفاء بها، برغم ان ما قاله الرجل هناك لم يكن سوى لعبا على المشاعر مدغدغا لها، لأنه يعرف من أين يأكل كتف هذه الأمة التي وصفها احد أهم الاكادميين الصهاينة بالأمس– دان شفطان- بأنها "العرب هم اكبر فشل في تاريخ الجنس البشري". منذ تسلم سدة الحكم قبل حوالي السنة لم يستطع السيد اوباما ان يحقق شيئا من النجاح في كل ما وعد به، على الأقل فيما يتعلق بالمسالة الفلسطينية، وهذا الصراع الدائر منذ 60 عاما، لا بل اخذ بالتراجع التدريجي أمام عنجهية وعجرفة الفاشيين الجدد في حكومة دولة الاحتلال، ثم اخذ يمارس بدوره الضغوط إثر الضغوط على الجانب الفلسطيني، ووضع الرئيس الفلسطيني في موقف لا يحسد عليه عندما ضغط عليه من اجل لقاء – تافه- لم ينتج عنه سوى التقاط الصور، وجعل الجانب الفلسطيني يتراجع عن كل التصريحات المتعلقة بذلك. لم يكتف اوباما بهذا فهو تمادى في الضغط على – الضحية- وصور لها بان مجرد تجميد الاستيطان – الاستيطان لم يجمد ولم يتوقف ولن يتوقف وهذا ليس من عندي وإنما يمكن رؤيته على الطبيعة ومن خلال كل التقارير المتعلقة بهذا الشأن- يعتبر نصرا تحقق ولحست الإدارة الأمريكية كل ما قالته عن ضرورة وقف الاستيطان قبل استئناف العملية التفاوضية. المشكلة لم تتوقف عند هذا الحد لا بل وقامت إدارة اوباما بقيادة الضغوط على الجانب الفلسطيني فيما يتعلق بتقرير جولدستون ووضعت الجانب الفلسطيني في وضع من السوء لم يحدث من قبل، واستمرت في ذلك حتى بعد كل ما جرى من سحب للتقرير وما تبع ذلك من لغط وتوتر وتخوين وسواه على الساحة وما يمكن ان يكون له من آثار على – الحليف الفلسطيني أو هكذا يفترض ان يكون على اعتبار ان حماس حركة إرهابية وكل ما حدث في موضوع جولدستون صب بالضرورة في خانة وصالح حماس-. وهو لم يكتف أيضا بذلك، لا بل عاد وإدارته لممارسة الشيء ذاته بعد إعادة التقرير إلى مجلس حقوق الإنسان للمرة الثانية، بالرغم انه كان بإمكان الإدارة الأمريكية ان تستغل الفرصة من اجل ممارسة الضغوط على الجانب الإسرائيلي – وقرص أذنه- وإشعاره بان بالامكان ان يتم إيذائه، إلا ان الجانب الأمريكي فضل ألا يخرج عن الدور التاريخي الذي لعبه في حماية دولة الاحتلال، وتشكيل غطاء لكل ما تقوم به هذه الدولة من جرائم يندى لها جبين الإنسانية. طبعا في هذا الموضوع وللمروجين نقول بان أميركا لن تتردد في استخدام الفيتو فيما لو تم عرض الموضوع على مجلس الأمن، وهي ستبذل كل جهد ممكن من اجل إفشال عرضه على الجمعية العامة أيضا. المشكلة لا بل المصيبة هي في ان الذين راهنوا على حسن نوايا اوباما، لم يرتدعوا ولا زالوا يروجون له، وان بامكانه ان يخلص العالم من شرور أمريكا وإسرائيل، وهذا بتقديرنا غير وارد في ذهن الرجل، وهو لن يمارس أية ضغوط على إسرائيل وسيبقى وجه أميركا قبيحا كما عرفناه، لان أميركا تعني مصالح، وأميركا تعني دولة استعمارية تنظر إلى العالم على انه سوقها أو مزارعها ومكب نفاياتها وهي لن تغير من نهجها خاصة فيما يتعلق بالدولة – الزنديقة- إسرائيل. يمكن القول في مجال المقارنة ان السيد اوباما يلعب دور الرجل المسالم، ويلبس قفازات من حرير، تماما مثل شمعون بيريز قاتل الأطفال ومرتكب مجزرة قانا وعراب القنبلة النووية الإسرائيلية، بينما يمثل الرئيس الذي سبقه- بوش- الوجه القبيح للسياسة الاميركية، تماما مثل بنيامين نتانياهو أو مناحيم بيغن، المراهنة على اوباما هي كمن يراهن على حصان يعلم انه لن يفوز قبل ان يبدأ السباق، والمشكلة في امة العربان انها راهنت على اوباما حتى قبل ان يدخل البيت الأبيض. انحناءات السيد الأسود في البيت الأبيض أمام ضغوط اليمين الأمريكي واللوبي الصهيوني ودولة العدوان أصبحت واضحة للعيان، وهي لا تحتاج إلى مزيد من الفحص- اللي يجرب المجرب...- لان الفترة التي مكث فيها اوباما في البيت الأبيض كافية لاختباره، ولاختبار إمكانية صموده وفيما إذا كان فعلا رجل التغيير كما كان شعاره، ربما سيكون رجل التغيير في بلاده، إلا انه لن يكون ذات الرجل في موضوع المنطقة، ولهذا نقول لكل الذين راهنوا وهذا ما كنا قلناه في أكثر من مقال ومنذ ترشح الرجل للرئاسة، لا تراهنوا على اوباما