صدقت نبوءة منجم إفريقي طاعن في السن قال منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها السيناتور باراك أوباما عن رغبته في خوض الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، إن خط طموح الشاب الأسود متواصل وطويل وسيصل إلى القمة، لكنه ربما لن يتربع عليها لزمن طويل. الجزء الأول من النبوءة تحول إلى حقيقة بعدما فاز باراك حسين أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي للتنافس على الدخول إلى البيت الأبيض، بينما مازال نصف النبوءة الأخير مجهولا، فلا أحد يدري إن كان الأمريكان سيمنحون المرشح الأسود أصواتهم ليعبر فوقها ويدخل المبنى البيضاوي المحروس بعناية كبيرة في شارع بنسيلفانيا بالعاصمة واشنطن. الحزب الديمقراطي الذي يتخذ من الحمار شعارا له كتعبير عن تقديره لصبر الحمار وطاقته على احتمال الألم بصمت، دخل التاريخ بعدما أفسح المجال لشاب إفريقي من كينيا ترعرع في إندونيسيا وعاد إلى الولاياتالمتحدة بطموح لا محدود كي يتنافس على رئاسة البلاد ويصبح أول أمريكي أسود يصل إلى مثل هذا المنصب. لكن أوباما الذي تحول إلى معبود للفتيات الصغيرات ومثال يحتذى للمهاجرين الشباب وأيقونة للأقلية السوداء، أبى إلا أن يفسد على محبيه من العرب والمسلمين المقيمين داخل أمريكا فرحتهم بفوزه على السيدة الأمريكية الأولى السابقة هيلاري كلينتون، عندما سارع إلى مؤتمر اللجنة الأمريكية-الإسرائيلية للشؤون العامة "إيباك"، لتوزيع قبلاته على خدود الجالية اليهودية والاحتفال معها بفوزه، وطبعا تقديم آيات الولاء لزعمائها الذين يبدو أنهم المالكون الحقيقيون لمفاتيح الدخول إلى البيت الأبيض. أوباما بدا أكثر صهيونية من بعض اليهود الذين كانوا يشاركون في المؤتمر، خصوصا عندما نادى بأن تبقى القدس مدينة موحدة وعاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وتعهد بأنه سيسهر على أمن تلك الدولة ويتصدى لكل خطر يتهددها. ولم يكتف أوباما بالتعبير عن حبه وإعجابه الشديدين بالدولة اليهودية، لكنه وجه صفعة أخرى إلى محبيه من العرب والمسلمين عندما قال إن التفاوض مع حركة حماس "رهين بتخليها عن الإرهاب وبقبولها بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية". الكثير من محبي أوباما المسلمين الذين شجعوه وتبرعوا له وتابعوا إنجازاته وسقطاته خلال الانتخابات التمهيدية بقلوب خافقة وأعين دامعة غير مُصدّقة لما يجري، ندموا على كل تلك المشاعر التي منحوه إياها، وندموا على كل تلك الآمال التي ملأت قلوبهم وعلى كل تلك الأحلام التي زارت خيالهم ليلا وصورت لهم أن أوباما هو فعلا رجل من زمن آخر وسياسي من طينة نقية، سيدعم قضاياهم وسينتصر لهم في مواجهة الظلم الذي عانوه طويلا. بعض الشبان المسلمين الذين كانوا يعلقون لافتات كتب عليها "صوّت لصالح أوباما 08" على سياراتهم سارعوا إلى إزالتها، والفتيات العربيات اللائي كن يزيّن غرف نومهن بصورة أوباما التي يبتسم فيها ويعانق حبيبة من هواء، مزقن تلك الصور وحرصن على إلغاء اشتراكهن في المجموعات التي تناصره على الفيسبوك وماي سبيس وعدد من المواقع الشعبية الأخرى داخل الولاياتالمتحدة... بينما حرصت بعض ربات البيوت المسلمات والعربيات على إزالة صور المرشح الديمقراطي من على الثلاجات داخل شققهن أو من أمام بيوتهن في منطقة واشنطن الكبرى، احتجاجا على الطعنة التي وجهها إلى أحلامهن.. المرشح الأسود والمبتسم أبدا. لم يصدقن أن الرجل الذي اتخذ من التغيير شعارا لحملته الانتخابية، ومن طي صفحة الماضي الأمريكي القبيح إلى الأبد، والتقريب بين الأقليات، والدفاع عن حق الاختلاف، أهدافا مقدسة له كرئيس أمريكي قادم، يمكن أن يدير ظهره لمحبيه ويضع قناعا بشعا طالما رأوه على وجه كل من دخل البيت الأبيض في الماضي. كل هؤلاء مازالوا تحت وقع الصدمة وكثير منهم كفر بالسياسة ووافق بابتسامة مريرة على المثل القائل "ليس هناك بين القنافذ واحد أملس"!