«الكاريزما الساحرة» و»الحماس الشديد» و»الفصاحة اللغوية المذهلة»، تلك هي الخلطة السرية التي اعتمد عليها المرشح السيناتور باراك أوباما كي يتألق في سماء السياسة في بلاده، أو هكذا على الأقل يقول المحللون السياسيون الذين يخضعون كل كلماته وتحركاته وخطاباته لمجهر التمحيص. «أوباما مينيا» أو ظاهرة «الأوباماوية» اكتسحت الولاياتالمتحدة منذ أسابيع وحتى قبل أن يتم الحسم في الانتخابات التمهيدية المتقاربة والتاريخية التي شهدها الحزب الديمقراطي في أمريكا بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون. أينما تولي وجهك في واشنطن يقابلك أوباما، هناك صُور له معلقة على واجهات بعض المحلات التجارية، سواء تلك التي يديرها السود أو البيض، وهناك لافتات تحث على التصويت لصالح المرشح الأسود موضوعة على شرفات المنازل في القسم الشمالي الشرقي من العاصمة، وهناك الملصقات المتعددة الموضوعة على خلفية السيارات في منطقة واشنطن الكبرى، بما فيها شمال فرجينيا وعدد من مدن ميريلاند... وقد جاء الآن دور الكولاباما، وهي قنينة لمشروب الصودا تزينها صورة باسمة للمرشح الديمقراطي طرحت للبيع في الأسواق والمحلات الكبرى مؤخرا! أوباما تحول إلى نجم سياسي لامع تتسابق المراهقات والعجائز، على حد سواء، إلى التقاط صور تذكارية معه، ويتنافس الشباب إلى التطوع ضمن حملته الانتخابية. الكثير من البرامج السياسية على شبكات الكيبل الأمريكية خصصت حلقاتها هذا الأسبوع لدراسة النجاح الباهر الذي يحصده أوباما حاليا. برنامج The Situation Room لصاحبه وولف بليتزر على قناة CNN أحرج حاكم إحدى الولايات الجمهورية عندما سأله قائلا: «أنظر إلى كل تلك العشرات من الآلاف من الأناس المتحمسين الذين يحضرون التجمعات الخطابية لأوباما... أنظر إلى ذلك الإعجاب في عيونهم... أنظر إلى ذلك الأمل على وجوههم... هل تعتقد أن المرشح الجمهوري جون ماكين سينجح في استقطاب ولو الآلاف وليس عشرات الآلاف من الأنصار في تجمعاته الانتخابية؟». بعض المعلقين التلفزيونيين أو من يسمونهم في أمريكا بالمرفّهين وخصوصا السود منهم، توقعوا أن تتخلى الولاياتالمتحدة قريبا عن لقبها الشهير بلاد العم سام وتتحول إلى «بلاد العم أوباما»، بسبب الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها المرشح الديمقراطي، والتي نجحت في تحسين صورة بلاده في الخارج، كما نجحت في إنعاش العمل السياسي في الداخل، ودفعت الملايين من الناس إلى الإقبال على متابعة السياسة والتخلي عن نفورهم وابتعادهم عنها. وهناك توقعات بأن تكون نسبة التصويت خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر نوفمبر القادم تاريخية وغير مسبوقة في المشهد السياسي الأمريكي. تغيير تاريخ أمريكا باراك حسين أوباما، شاب أسود انتُخب عضوا في مجلس الشيوخ لأول مرة قبل أربع سنوات فقط، والده كيني مسلم وأمه أمريكية بيضاء من ولاية كنساس. قد يبدو من اسمه وكأنه أحد المعتقلين في سجن غوانتنامو وليس سياسيا بارزا ومشرّعا قانونيا... لكن رغم كل ذلك استطاع الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، وقد تغلب في مشواره ذاك على واحدة من أقوى وأكثر المرشحين نفوذا داخل الحزب الديمقراطي، وهي هيلاري كلينتون زوجة رئيس سابق للبلاد وسيناتور عن أقوى ولاية في البلاد وهي نيويورك. يقول مراقبون إن أوباما عندما رشح نفسه للانتخابات فإنه تحدى أيضا 389 عاما من التاريخ الأمريكي العنصري ضد السود منذ أن وصل أول إفريقي أسود مكبلا بالسلاسل إلى شواطئ مدينة جيمس تاون سنة 1619. وربما بسبب كل هذا تحول أوباما إلى ظاهرة حقيقية تحظى بمتابعة إعلامية وجماهيرية غير مسبوقة. لقد بات يرمز إلى محاولة أمريكا التصالح مع نفسها ومع ماضيها «غير الشريف». أوباما تحول أيضا إلى أمل للسكان السود الذين لم ينجح واحد منهم من قبل في الوصول إلى مركز قيادي في البلاد، كما تحول إلى أمل للمهمّشين والمسحوقين والمهاجرين الذين اختاروا العيش في هذه البلاد. يقول مراقبون إن المؤرخين والمحللين السياسيين عندما سيشرعون في رصد وتحليل هذه الفترة من التاريخ الأمريكي في المستقبل، فإن اهتمامهم سينصب على لون أوباما وعلى التغيير العميق الذي أحدثه في قناعات الأمريكيين، وأيضا على الكيفية التي استطاع أن يجمع بها هذا العدد الكبير والهائل من الممولين والمتبرعين لحملته الانتخابية التي نجحت في جمع مبالغ خيالية وغير مسبوقة في المشهد السياسي الأمريكي، بالإضافة إلى نجاحه في إشراك ناخبين شباب وكبار في السن على السواء، وكيفية استخدام جميع الوسائل المتاحة، بما فيها الأنترنت والشبكات الاجتماعية الافتراضية على الأنترنت مثل الفيس بوك وماى إسبايس من أجل جذب المزيد من المؤيدين والأنصار... قال كاتب رأي في صحيفة الواشنطن بوست خلال نهاية الأسبوع إنه ليس من المهم أن يفوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية القادمة، لأنه نجح نجاحا باهرا في تغيير موقف الشعب الأمريكي من السود بشكل عام بعد أكثر من ثلاثة قرون من الاستغلال والنبذ والتمييز ضدهم. السيدة الأولى القادمة فجأة خرجت المحامية اللامعة ميشيل أوباما من الظل إلى أضواء وسائل الإعلام الكاشفة بعدما قرر زوجها الترشح لخوض الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي للتنافس على منصب رئيس البلاد. ميشيل التي نشأت في واحد من أفقر أحياء مدينة شيكاغو، تحدّت ظروف العوز التي ولدت فيها وشقت طريقها بعزم واجتهاد، إلى أن حصلت على شواهد عليا في القانون من أرقى الجامعات الأمريكية، ومنها على الخصوص برينستون وهارفارد. صوتها غير جذاب وفيه بحة غير محببة، لكنها عندما تتحدث تركز على مخارج الحروف وتدفع الجالس أمامها إلى الإنصات باهتمام إلى ما تقوله بفضل ثقافتها الواسعة وشخصيتها القوية. يقول أصدقاء عائلة أوباما إن الأخير كان شابا مثاليا يبحث عن مساعدة الفقراء عندما استقر بمدينة شيكاغو إلى أن التقى بميشيل في مكتب للمحاماة، وبدآ يتشاركان أكل الساندويتشات في فترة الغذاء، فأغرم بها وسارع إلى خطبتها والزواج بها سنة 1992. عملت ميشيل على الدفع بزوجها إلى معترك السياسة وشجعته على خوض غمار ذلك المجال ومحاولة «تخليقه» وتغيير الصورة السلبية لدى المواطن العادي عن رجل السياسة «غير المستقيم». وعبّر السيناتور عن ولاية إلينوي أكثر من مرة عن امتنانه لزوجته، وقال إنه يدين لها بم وصل إليه في مجال السياسة، لأن أقصى حلمه كان أن يصبح كاتبا مشهورا. رزق المرشح الديمقراطي وزوجته بطفلتين جميلتين تدعى الكبرى مالْيَا فيما تدعى الصغرى ساشا، ويقول أوباما إنهما أغلى ما يملك في هذه الحياة. تحرص ميشيل أوباما على ارتداء الألوان الهادئة، وعادة ما تتزين بمجوهرات بسيطة، ويقول خبراء البرتوكول في أمريكا إنها ستضع لمسة خاصة على البيت الأبيض إذا ما فاز زوجها بانتخابات الرئاسة وأصبحت السيدة الأولى. ويتوقع هؤلاء أن ميشيل أوباما ستكون سيدة أولى مميزة ومثقفة وستختلف كثيرا عن باقي زوجات الرؤساء اللائي تناوبن على إدارة شؤون البيت الأبيض ومرافقة أزواجهن في الرحلات الخارجية... لكن المراقبين يتوقعون أن تكون ميشيل أوباما سيدة أولى على شاكلة هيلاري كلينتون التي عُرفت بشخصيتها القوية وتدخلها في شؤون إدارة البلاد وعدم الاكتفاء بلعب دور الزوجة المطيعة، كما هو الحال بالنسبة إلى زوجة الرئيس الحالي لورا بوش. لكن ميشيل تقول إن لها شخصية مستقلة، وهي لا تطيق أن تتم مقارنتها بأحد. تؤكد أن أسلوبها في الحياة لن يتغير، وتصر على أن تكون أمّا ناجحة أكثر من أن تكون محامية ناجحة، لكنها في النهاية تقر بأن القيود الدبلوماسية التي تفرض على رئيس البلاد ربما تقضم من حريتها الشخصية وتدفعها إلى الاكتفاء بالوقوف خلف زوجها والتصفيق له بكل إعجاب وفخر.