فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    أسطول "لارام" يتعزز بطائرة جديدة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    الزمامرة والسوالم يكتفيان بالتعادل    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    الهذيان العصابي لتبون وعقدة الملكية والمغرب لدى حاكم الجزائر    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعداء مصر ثلاثة.. الجزائر ليست منهم
نشر في أخبار اليوم يوم 23 - 11 - 2009

وجود (غوغاء مجرمين) ليس هو الأمر المؤسف في بلادنا العربية.. إنما المؤسف حقا هو وجود (نخبة مجرمة) تلك عندي خلاصة المتابعة لممارسات ما زالت تمارسها (النخبة المجرمة) في مصر والجزائر
نخبة المغتصبين للسلطة والثروة في البلدين منذ عقود.. ومعهم وحولهم وتحت أقدامهم (خدمهم).. من المسيطرين على وسائل إعلامية قادرة على تحريك الغوغاء بالريموت كنترول يبدو الواحد منهم أنيقا متحذلقا وهو يبث إجرامه عبر الفضائيات والجرائد إلى جماهير لا عقل لها، أسماء كل منهم معروفة جماهيريا.. وهذا يساعدهم على ممارسة إجرام أوسع انتشارا وكل منهم يدعي ذوبانه في حب بلده أذكر مشهدا في مسرحية لمحمد صبحي.. كان كلما سعى لتحقيق مصلحة شخصية ما.. يضع يده على صدره ويقول (مش عشاني واللهِ .. دا عشان مصر)
أفراد النخبة المجرمة نجوم في الكرة والطهي والسياسة والفن والدين والإعلام والبيزنيس يرى البعض قبحهم المستتر.. لكن غالبية الجماهير الغافلة.. لا ترى أو تسمع أو تفهم.. إنما تنصاع إليهم والنتيجة.. التباس بين مفاهيم لا تتقاطع في الظروف العادية.. الوطن والكرة والدين والاغتصاب والإذعان و...
هناك بيت شعر لأبي القاسم الشابي قاله لشعبه غاضبا:' أنتَ روحٌ غبية تكرهُ النور... وتقضي الدهورَ في ليل ٍ ملس ِ... ليت لي قوة العواصف يا شعبي.. فألقي إليك ثورة نفسي
'
لأنني مصرية
لأنني مصرية لن أتطرق كثيرا لممارسات (النخبة المجرمة في الجزائر) تلك جرائم سيراها الجزائريون المحترمون المحبون لبلدهم الكبير حبا حقيقيا.. وليس حبا على طريقة محمد صبحي وعليهم واجب فضح نخبتهم المجرمة من مغتصبي السلطة.. وخدمهم من إعلاميين مجرمين تلاعبوا بشعبهم كقطيع يسوقونه مغيبا أعمى.. لتحقيق الساتر الكافي لجرائمهم والجزائريون المحترمون هم الأمل لبلدهم كي يخرج من أسر تلك النخبة المجرمة .الجزائريون المحترمون هم هؤلاء الذين أوصلوا الجزائر إلى درجة أن قال عنها تقرير للأمم المتحدة عام 81 إنها 'بلد يوشك على الخروج من العالم الثالث'. ولمن لا يعرف ذلك عليه فقط قراءة التقارير (القديمة) في موقع المنظمة الدولية تقارير (قديمة) لأن البلد الذي أوشك على الخروج من العالم الثالث عام 81 وصل به الحال بعد ثلاثين عاما أن تسوقه نخبته المجرمة كقطيع ذئاب هائج .. يطارد الناس بالسلاح الأبيض في شوارع الخرطوم في مشهد غوغائي مخجل.. صار حديثا للعالم
(وإن كان مشهد بلطجية مجرمين يطاردون (ولاد الناس) بالسلاح الأبيض ليس غريبا تماما عن الحياة المصرية ففي بعض عشوائيات مصر وبعض حواريها الشعبية تحدث (خناقات) يستخدم فيها البلطجية نفس السلاح ويصنعون نفس المشهد لمطاردة فرائسهم بل ويستخدمهم الحزب الحاكم في مصر موسميا لترويع المعارضة والمثقفين.. وقبل رحيله كان المثقف المحترم الدكتور عبد الوهاب المسيري على سنه ومكانته أحد ضحايا مثل تلك الذئاب الهائجة)
حسنا.. أصدقائي الجزائريون المحترمون سيتولون فضح تلك الجريمة في الجزائر بتفصيل وتحليل أدق مني.. فهو بلدهم وأهل الجزائر أدرى بشعابها
دعوني أنا أحدثكم عن (النخبة المجرمة) في مصر... هذا هو ملعبي.. وتلك مباراتي.. على أرضي .
النخبتان
النخبة في مجتمعنا نوعان- وفي كل مجتمع في الواقع.. لكنني هنا أتناول المجتمع المصري- النوع الأول نخبة بالمعنى (الطبقي)، وتلك تتكون من الفئة الحاكمة وخدامها والمحيطين بها.. من رجال أعمال ومصالح وبعض أهل الثقافة والإعلام.. المستفيدين مباشرة منها والخادمين دوما لمشروعها.. احتكار السلطة والثروة، والنوع الثاني نخبة بالمعنى (الطليعي)، وهي هؤلاء الواعون المثقفون الذين يراقبون ما يحدث في مصر ويدركون كارثية ما آل إليه هذا البلد (العجوز) من تدهور.. على يد مشروع النخبة الحاكمة وخدامها.
الفارق بين النخبتين أن تلك النخبة (الطبقية) هي نخبة قوية متمكنة.. قادرة على سوق الجماهير كقطيع أعمى ينطبق عليه القول القرآني على لسان فرعون: (لا أريكم إلا ما أرى) ، بينما النخبة (الطليعية) الواعية هي نخبة ضعيفة غير متمكنة من اية وسيلة يمكنها بها إيقاظ العقول.. فما بالك بتحريرها ، نخبة مشتتة مهزومة داخليا رغم وعيها الشديد بما جرى.. وما يجرى.. وما سيجري .
النخبة المجرمة
الأسابيع الأخيرة شهدت أحداثا بدا (ظاهريا) أن التوتر فيها هو بين طرفين .. مصر والجزائر، لكن أمثالي في مصر - وأظنهم كُثر- يرون أن الجزائر كانت طرفا ثانويا في (صراع) بين طرفيين مصريّين.. (بالمناسبة .. الجزائر لديها أيضا دوافع داخلية لخلق تلك الأزمة الرخيصة مع مصر.. لكن الجزائريين المحترمين هم أولى بشرحها)، موضوع الصراع داخل مصر هو دوما ذلك المشروع.. (احتكار السلطة والثروة) وأطراف الصراع هم دوما: الفئة الحاكمة والنخبة الخادمة لها في جانب.. والشعب ككتلة (تستبطن) الصراع لكنها عاجزة تماما عن إدارته.. في غياب نخبتها الطليعية.. الغائبة لضعفها وقلة حيلتها.
نخبة طبقية مجرمة تستثمر الأحداث (اية أحداث.. من أنفلونزا الخنازير إلى هوس الكرة) لتلميع رجلها الذي تعّول عليه لاستمرار مشروع (احتكار السلطة والثروة) ، تلك النخبة لم يكن يهمها في كثير أو قليل أن تفوز مصر أو تخسر في مباراة كرة قدم تافهة.. بل يهمها أن يكون رجلها جمال مبارك متصدرا للمشهد دوما.. تنسب له الفوز إن حدث.. وتنسب له الحرص على كرامة المصريين إذا لم يحدث ومن تابع وسائل الإعلام التي يملكها أفراد من تلك النخبة خاصة الفضائيات وقد تفرغت لمتابعتها على مدى ساعات طوال حتى ضعف بصري- فإن أول ما يتغلغل بداخله أن السيدين جمال وعلاء رفعا بشمم وعزة وإباء راية حماية (كرامة المصريين) التي أهدرت في الخرطوم.. على يد بلطجية جزائريين روعوا المصريين وأرهبوهم. بالطبع أسفت وحزنت لما عاشه المصريون من ترويع على يد فلول من حملة السلاح الأبيض في الخرطوم لكنني كثيرا ما أسفت من قبل على مصريين أهدرت كرامتهم على يد أسواط مشايخ الخليج وأمراء السعودية وتجارها ومن بينهم عمال وأطباء وقضاة تعرضوا للجلد المهين في أكثر بلاد العالم تخلفا وبشاعة وهمجية ولم تر عيني راية الكرامة في يد السيدين جمال وعلاء لم أسمع منهما ولا من والدهما عبارة فاحمة كتلك التي قالها السيد الرئيس في خطابه (إن حماية كرامة المواطنين المصريين في الخارج هي مسئولية الدولة) أوافقك يا ربس لكن ما قولك أن كثيرا ما استصرخ مصريون في السعودية بلدهم.. رئاسة ووزارة خارجية وإعلاما وو.. لنجدتهم من الترويع والإهانة وسلب الكرامة التي يتعرضون لها.. دون مجيب أسفت كثيرا كذلك وما زلت أشعر بأسف وأسى لما يلقاه مصريون من ترويع وإهانة على يد مصريين آخرين في مصر.. دون أن تنجدهم الرئاسة ووزارة الخارجية وفضائيات رجال الأعمال وصحافتهم فرغم أن إهانة المصريين (وغير المصريين) هي شيء مرفوض تماما إلا أن الفئة الحاكمة ونخبتها الخادمة.. تسكت عن إهانة السعودية ومشايخ الخليج للمصريين وتعلن حربا إعلامية وتستدعي البطولة عند إهانة بلطجية الجزائر للمصريين بالطبع.. فالنظامان السعودي الوهابي والمصري الاستبدادي شريكان يتستران على بعضهما حتى لو كانت الضحية مواطنا من هؤلاء (المواطنين في الخارج) الذين تتحمل مسؤولية حماية كرامتهم الدولة.. كما قال سيادة الرئيس .
هناك سبب لوجود نخبة مجرمة تتكون من إعلاميين ومثقفين وتجار وذوي مناصب.. أن النظام الحاكم في مصر لن يستطيع بأفراده القلائل في الدائرة المركزية للحكم أن يحقق وحده السيطرة الكاملة على عقول المواطنين.. ما يساعده حقا في تحقيق ذلك هو تلك النخبة التي (ربطت نفسها به) في مشروع احتكار السلطة والثروة.. وهي التي تولت القيادة في حرب الأيام الماضية.. ويا لبؤسها من قيادة.. هذه النخبة قادت في معاركها الطاحنة تلك.. جماهير مغبونة أصلا.. قبل المباراة بعشرات السنين .
الجماهير
كانت ومازالت نظرية غوستاف لوبون النمساوي عن (الحشود) أداة تفسير علمية لما تكون عليه الجماهير الحاشدة في الأحداث الكبرى.. ' الحشود كتلة لا عقل لها'.. الجماهير يمكن سوقها قطعانا في أي مكان في العالم.. وللعالم تنتمي مصر وكذلك الجزائر في مصر تجمعت الحشود أمام شاشات التليفزيون وانصاعت بلا عقل لعملية تهييج مجرمة منظمة.. استهدفت الغرائز لا العقل.. قادتها النخبة صاحبة الفضائيات والجرائد المستقلة بالطبع استخدموا بذكاء شديد صورا توفرت لهم من الخرطوم للوهلة الأولى هالني ما رأيت وتفهمت ذهول المصريين لكنني عدت إلى صوابي واستدعيت عقلي عندما تبينت أربعة خطوط رئيسية في تلك التغطية الواسعة لأحداث الخرطوم ، وهي تغطية استهدفت غرائز الجمهور المصري أساسا:
الخط الأول : هو ذلك الإقحام المفضوح لجمال مبارك في كل صغيرة وكبيرة تتصل بكرامة المصريينحسنا.. الخلاصة.. هذا هو بطلكم المنتظر لحماية كرامتكم فردا فردا .
الخط الثاني :هو نوعية رجال تلك النخبة التي شاركت في ذلك التهييج.. إنهم للأسف ليسوا عاديين.. رئيس تحرير صحيفة مستقلة واسعة الانتشار.. يتحدث بهستيريا لا تكشف إلا جهلا ، نجم فضائي ومذيع مشهور باحث أكاديمي كبير وكاتب مشهود له بعمق التحليل وفنانون ومثقفون ومحامون ونقابيون وحزبيون ووو...
أتفهم أن تجمعهم مرارة مما حدث.. وقد طالتني تلك المرارة كذلك.. لكن أين كانت عقولهم وهم يطالبون مثلهم مثل الغوغاء بالثأر والمقاطعة والانتقام ووو.. ما يحتاج إلى وقفة.. هو أنهم عُرضوا علينا باعتبارهم مثقفينا العقل - لا الغرائز- هو أداة الثقافة أليس كذلك؟ لكنني لم أر في تلك التغطية الهوجاء إلا كائنات تنطق بغرائزها
الخط الثالث :هو ذلك (التهميش) أو التقفيل على الأصوات العاقلة التي طالبت بوقف ذلك الهيجان الإعلامي.. أذكر أن نبيل عبد الفتاح وهو مثقف واع محترم كان ضيفا في برنامج على قناة مستقلة.. وكان المذيعان كالبقية.. هائجين.. كلما أراد أن يتوقف عند نقطة ليحللها دبلوماسيا قاطعاه بصفاقة ولم يستطع أن يكمل فكرة كاملة.. كلما بدأ جملة.. يرويان له كيف كانا هما نفسيهما يجريان في الشوارع هربا من ذئاب الجزائر الجائعة.. وكيف أن سيدة سودانية ألقت بالعلم الجزائري لبعض المصريين للاحتماء به طوال الطريق الى المطار هاجا وسيطرت المرارة والعصبية على حديثهما.. وبالطبع كان سلوكهما هو (نداء الغرائز) الموجه للجمهور المتصل وهما مذيعان يمسكان بطرف الحوار وتتعلق بهما آذان وعيون الجماهير التي وجدت في التليفزيزن متنفسا.. أي أن عليهما مسؤولية.. مسؤولية إعلاء شأن العقل وليس تغييبه عمدا في جريمة.. ارتكبتها النخبة المصرية المالكة للفضائيات ضد المصريين .
الخط الرابع في تلك التغطية المكثفة كان الأهم.. لأنه على ما يبدو الهدف الأكبر من مثل هذه التغطية أو.. إلهاء كان ذلك الغياب التام للقضايا الجوهرية الأكثر إلحاحا وضرورة للمصريين.. ليس هناك أي حديث عن الدستور المفصل تفصيلا لضمان استمرار السلطة والثروة في يد العائلة ليس هناك أي تطرق لمسألة الانتخابات القادمة وكيف يتمكن المصريون قبل فوات الأوان من قطع الطريق على تزويرها ليس هناك أي حديث عن بطالة تتزايد سوف تفجر لا محالة مشهدا (مصريا خالصا) يطارد فيه الجوعى المصريون كل من يصادفهم في الشارع باختصار .. ليس هناك حديث عن حقوق المصريين في مصر كل الحديث هو عن تلك المباراة التافهة وذلك النصر الوهمي في الملاعب وتلك الكرامة الانتقائية للمصريين
السؤال إذن.. إن كانت أحداث الخرطوم قد أمدت تلك النخبة المجرمة بمادة (الإلهاء) الآن... فإلى متى تظنون أنكم قادرون على إلهاء المصريين عن صراعهم الحقيقي (المستبطن) في دواخلهم؟
الجماهير الغافلة تلك التي راحت تطالب بالثأر لكرامتها هي نفسها جماهير غوستاف لوبون.. لا عقل لها جماهير تسيرها الغرائز لا أعول كثيرا على وعي الجماهير وما إلى ذلك من مصطلحات.. ولا أخاف كثيرا من الاتهامات المعلبة بأنني أتبنى خطابا فيه (احتقار للجماهير وتعال وفوقية وما إلى ذلك) فالحقيقة التي أدركتها من تجربتي الخاصة (ويا ليتني أكون مخطئة) هي أن الحل الوحيد للتقدم والخروج بشعوبنا من أسر التخلف هو أن تتمكن النخبة الطليعية العاقلة من سوق تلك الجماهير (الغافلة في جميع الأحوال على كل حال الجاهزة للسوق في كل الأحوال) في اتجاه آخر تماما.. اتجاه بعيد عن الانصياع لنداء الغرائز.. اتجاه هدفه الأساسي.. تحرير العقول .
الأعداء الحقيقيون
مصر .. ذلك البلد المغرق في العراقة والقدم.. صارت عراقته عبئا عليه بدلا من أن تكون ذخرا له.. فنتيجة لتلك العراقة ليس لمصر العجوز عدو واحد.. بل تجمع في أحشائها (وليس خارجها) أعداء ثلاثة.. تنوء بهم أكتاف بلد قديم قدم التاريخ.. الاستبداد السياسي.. والغيبوبة الدينية.. والفقر..
الدولة والنخبة والشعب .. كلها أطراف (تتواطأ) ضمن المجتمع الواحد فتتبادل الأدوار بينها.. في عملية انهزام. أمام عدوها الثلاثي لا يعود إلا بالخيبة.. على الجميع
الاستبداد السياسي من خلال حكم الحزب الواحد يعطلنا عن التقدم.. الدروشة الدينية جريمة منظمة يتعرض لها المصريون دون مقاومة.. الفقر.. مشكلة مصر القديمة المتجددة.. هؤلاء هم الأعداء الحقيقيون.. وهم من يجب أن تجيش لهم الجيوش الإعلامية وغير الإعلامية.. لكن هذا التصدي المأمول لن تقوم به أبدا نخبة مجرمة تريد الحفاظ على مشروع احتكارها للسلطة والثروة .. إنما هو وظيفة بل واجب نخبة أخرى.. ضعيفة حاليا لكن لا بديل لنا إلا أن تستجمع قواها.. وتتصدى لاستفراد النخبة المجرمة بالوطن ورزقه وأهله.. وتتصدى كذلك لاستسلام الشعب لغرائزه وتحفزه على النهوض والمساهمة في بناء وطن جديد مغاير تماما لوطن الكرة هذا .

فضائية.. تنوير
لعل أهم درس تخرج به النخبة الواعية من تلك الأحداث هو أن الإعلام سلاح فعال.. رهيب.. فإذا أرادت تلك النخبة الواعية أن تخاطب الشعب المصري خطابا يحرر العقول لا خطابا يهيج الغرائز.. فما من سبيل إلا أن تكون هناك قناة فضائية مستنيرة حقا لا يديرها أفراد النخبة المجرمة ولا يوجهها النظام ولا تمولها جهة تملي أولوياتها.. ولا مكان فيها للدراويش أو العنصريين أو غيرهم ممن يؤذون مصر وشعبها.. لنسمها مؤقتا قناة (تنوير) قناة فضائية وليس جريدة.. (فالناس لا تقرأ) .. ربما على تلك النخبة الواعية أن تجمع شتاتها وتطرح أمر مثل تلك القناة في اكتتاب شعبي واسع.. يجمع الأموال اللازمة لإقلاعها.. بعيدا عن رجال الأعمال وأموالهم التي مولت في الأيام السابقة تهييجا مخجلا.. وبعيدا عن أموال الخليج.. التي ما رأينا منها إلا برنامجا يقود مقدمه ابتذالا وسفها غير مسبوق في تعاطيه مع شؤون (القاهرة وأحداثها) .
تلك النخبة الواعية التي استدركت وجمعت قواها وأعلنت رفضها للتهييج الإعلامي ضد الجزائر من خلال مؤتمر صحافي باسم اتحاد كتاب مصر.. يجب أن تكون أقوى كثيرا وأن تكون لديها أداة تنوير.. تأخذ بيد هذا الشعب من ظلام الجهل والاستسلام إلى عالم الإرادة والوعي.. هذا عالم جميل لو تعلمون .
صديقي فارس.. الجزائري
دعوني أحكي لكم قليلا عن هذا الشاب.. لي صديق جزائري اسمه (فارس).. شاب خلوق غاية في التحضر والرقة.. صبيحة اليوم التالي للمباراة هنأته بفوز الجزائر ورحنا نتبادل بعض نكات عن الجزائريين والمصريين والسودانيين.. بعد عدة أيام كانت فضائيات مصر وجرائد الجزائر قد أججت حريقا كبيرا بين البلدين.. التقيت صديقي الجميل ونظرت في عينيه.. كان حزينا حزنا حقيقيا وليس مفتعلا.. وأنت يمكنك بنظرة في العيون التمييز بين الصدق والإدعاء.. وسألني إن كنت مستعدة لمشاركته مبادرة لتجميع الأصدقاء من البلدين.. من جديد عاودت النظر في عينيه.. قلت لنفسي لو أن فقط ثلث الجزائريين وثلث المصريين مثل هذا الشاب لما افتضح أمر بلدينا في العالم بهذه الصورة جلسنا معا وشربنا القهوة ثم بدأنا متابعة فيلم وثائقي نعمل عليه معا عن (تجارة الأعضاء).. وعندما بدأ مشهد عملية زرع كلية ثم زرع فص كبد كان صدر المريض مفتوحا في تلك اللقطة.. أبعد فارس عينيه ولم يستطع متابعة اللقطة.. ضحكت من قلبي وقلت له (صلي ع النبي يا فارس.. دا انت جزائري يا راجل)
أمل البلد العجوز
مصر بلد عجوز.. وتلك ميزة رائعة.. هذا معناه أن خميرة الحكمة ترسخ هناك في أعماقها وما إن شب حريق التهييج الإعلامي الذي أشعلته النخبة المجرمة في فضائياتها.. حتى استشعرت تلك العجوز الخطر.. فأخرجت بعضا قليلا لكن لا بأس به من حكمة العجائز.. كانت مبادرة اتحاد كتاب مصر مبادرة مثلجة لصدري أنا على الأقل.. ولصدور أمثالي ممن يعرفون أن مثل الشاب فارس كُثر في الجزائر وأن العجوز الحكيمة لا تخسر جيرانها حتى لو تحامقوا في بعض المواقف
رغم حزن النخبة المصرية الواعية على ما آلت إليه مصر على يد أرباب مشروع احتكار السلطة والثروة.. إلا أن هناك أملا ما خفيا يملأ نفوسها.. هذا البلد عاش دورات انحطاط وازدهار على مدار آلاف السنين.. جمال حمدان عالم الجغرافيا المبدع يقول عن مصر إنها (لا تتقدم أبدا ولا تنهار أبدا... لكنها يمكن أن تفور فورة كبيرة فقط إذا .. خرجت من جعبة حاكمها) بلدنا العجوز الجميل لن ينهار.. لكننا نتوق توقا أن يتقدم.. العدو الحقيقي ليس خارج مصر، ولعل نداء (العدو هنا أمامكم.. وليس ورائكم إلا البحر) يكون نداء مصريا عكسيا.. بسبب محنة صنعتها ... نخب مجرمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.