أقامت له جنازة طقوسها المألوفة تجاوزت العجائب في التحضير، لكونها تعلم أنها تشيع رفيقها الى مثواه الاخير ، المثوى الذي لا يؤمن الا بالذهاب و لا امل في الإياب و العودة الى الديار . في ليلته الجنائزية أسدلت على رأسها رداء ابيض ، و البست جسدها جلبابا اسود ، و احدية بلاستيكية تقيها عثرات الظلام الدامس . ظلم الأهل و الاحبة لها كان اشد مضاضة من رحيل الراحل ، فلا وردة لذكراه اهديت ، و لا زغرودة الفرح اطلقت ، و لا وليمة الامل اقيمت . بروح مكسرة اخرجت همومها من الكهف الاسمنتي ، فهي ليست بائعة للهوى كما يحبذ ان يكون مستقبلها الكثير من متربصي اللذة الهوجاء ، إنما هي في الاصل انسانة باحثة عن الهواء ضمن ركام اكسيد الكاربون الذي تعج به مزبلة الحياة املا في إيجاد نقطة اكسيجين تودعها في رئة الحياة لتستنشق نسيم الحياة . نسيم الحياة العليل المبحوث عنه قاد الروح المكلومة الى احتضان المكنسة و الاستئناس بأزيز العجانة و الرقص على نغمات الغسالة و اتباع توجيهات الزوجة الصارمة و الحرص الدائم على غض البصر في حضرة الزوج المحترم لأنه من البشر الذي يعشق طول النظر . لكن الزوج القناص و بسلطة المال و الجاه ارتكب المحظور و انتهك الحرمات في جوف الظلمات بالرغم من التوسلات فترك الحزن ينهش ما تبقى من نسيم الامل . لهذا الوضع أعلنت المسكينة الامتعاض الشديد فقررت السلم الاجتماعي و الانسحاب رفقة الدم من عرين الذئب المفترس لمقارعة الذئاب في غابة اللئام ، و استعدادا للمواجهات الضارية ادخلت تعديلات جوهرية على تشكيلة طاقمها الجسدي و الذي بقوته الجذابة ستخوض مباريات الحياة ، فعوضت الشعر الاسود القاتم بالأشقر الناعم ، كما استبدلت الجلباب الرث بالبنطلون الامريكي والقميص الإيطالي، و مكان الحداء البلاستيكي حل صاحب الكعب العالي و تحسبا لما من شأنه أن ينقص من قيمة الاصلاحات الجوهرية سلمت نفسها طواعية للمرآة فكان الرضى و الاستحسان التامين بأن أضافت لمسات حمراء على الخدين و الشفتين ، أما اللسان فتنكر للغةالأصلواقتبس من المعجم العامي و الفيلم التركي ما يتلاءم و الهندام السامي و من الاسماء الجذابة اختارت رميساء بدل عائشة حتى يكتمل الاخراج و تبدو الصورة في غاية الجودة المنشودة ........................و ذرءا لمثار النقع و اعين الحساد استأجرت سيارة صغيرة لم تتوقف عجلاتها المهترئة الا امام البناية المكتظةبالكراسي و الموائد المتراصة ، و اجهزة التلفاز المرصعة بالالوان ، و يافطة حسن الاستقبال . إنها مقهى الشعب ففي جوفها تتعايش الأمة و الجهل و الثقافة و السلطة و اللامبالاة ، و في حضنها يتأرجح الكلام بين الساقط النابي و الصمت القاتل في أحضان الهواتف النقالة و الحواسيبالجذابة لصور الخلاعة و قيم الرداءة . ومن الأحداث الجارية بها يتم البث المباشر بالمخبرين المندسين فيتوج الإرسال بتنعيم بعض المعاصم بالأصفاد... المدينة الصغيرة و لما علمت نبأ رميساء ، و بالمنظر العجيب الذي بدت فيه نفضت عن نفسها الغبار المتطاير لسنوات طوال ، و جعلت الشوارع إسفلتا أبيض ، و إنارة حمراء لكون رميساء يعشق كعبها صدى النقرات أمام الأضواء الكاشفة . و لتيسير الاتصال بعيدا عن شبهة الكلام المباشر أقام الحاكم و خدمة لخادمة الشعب شبكة الاتصال ، أما المجلس الموقر و بشراكة مع المركز الصحي و حرصا على سلامة و صحة الزائرة الفاتنة أقاما المهرجان و نظما الموازين و دعا الى نظافة الأبدان والتحلي بأجمل الأثواب أملا في استخلاص ابتسامة مشرقة من الحسناء الشقراء . داع صيتها أرجاء المكان و أصبحت محط زوار الخارج ومن القرى والمداشير شد الرحال الكثير من الفتية و الرجال بحثا عن القد الفاتن العارض للممتلكات سعيا وراء نسيان المألوف الممل و القابع في رداء الاشمئزاز . الشقراء و على نغمات مطربة الشرق العربي استضافت كل الأطياف و الأجناس و مختلف الأعمار، و بابتسامتها الماكرة و المرفقة ببعض الكلام المعسول الخادع أطالت جلوس الجالسين حيث حلا السهر و غاب عن الأبدان السقم و زاغ البصر و تشرد الذهن و تاه المتيم المجنون . المحافظ النقدية لرؤيتها تبتسم و لابتسامتها تفرغ ما في أحشائها و تأمل المزيد ، و طلبا للود انهالت عليها الهدايا كالسيل الجارف فتنوعت العطايا بين هاتف ذكي ، و تعبئات مضاعفة و أكياس الحبوب ، و صناديق التفاح ، و ازهى الملابس العصرية ، و الحلي الذهبية و الشقة المفروشة المطلة على الشاطئ . الجسد الفاتن عطل المرفق و شل حركة المدينة ، فالموظف عن مكتبه غاب لما غاب الحاكم العاشق ، و عون السلطة عن نقل الأخبار غافل ، الأستاذ أخطأ القصيدة و أنشد الرميساء أما الأب و ابنه فلا شيء يلهوهما و يطيل غيابهما عن العرين سوى صاحبة الكيد العظيم ، أما الفقيه المحب للجمال انسحب بدون اعتذار عن مسرح الجماعة و اقتفى أثره بقية المصلين تباعا و تركوا المنبر يشكو الوحدة للباري تعالى . النساء القابعات في منازلهن صحبة الأبرياء من الصغار و مخافة من سيل فتنة الشقراء الجارف أعلنوا الانتفاضة و نظموا المظاهرة مطالبين بطرد اللعينة عن المدينة حتى تنعم الحياة بالسكينة . رميساء الشقراء يوم الانتفاضة و على عجل نقلت الى مركز الولادة هنالك صرخت ما شاء الله حتى استفاقت من مخاض الحلم العسير ولاستفاقتها و على نغمات قهوة الصباح ودعت الصغار للالتحاق بمدرسة النجاح .