عند انحلال ميثاق الزوجية تبرز إشكالية الأموال المكتسبة أثناء قيام الرابطة الزوجية ويختلف حكم هذه الأموال من دولة لأخرى باختلاف مرجعية النظام القانوني السائد في كل دولة وفلسفته لرابطة الزوجية، الأمر الذي يجعل العلاقات الزوجية المالية بمنظورها الإسلامي في بلد أجنبي محلا لتنازع القوانين، والعكس. ويلاحظ عموما أن معظم التشريعات تميز بين حالتين: فهي من جهة تضع مجموعة من القوانين المنظمة للعلاقة المالية بين الزوجين، وتؤلف هذه القواعد ما يعرف باسم "النظام القانوني" ومن جهة أخرى تسمح للزوجين بأن يبرما عقداًََ ينظم هذه العلاقات بين الزوجين على أساس مبدأ سلطان الإرادة ضمن حدود يعينها كل قانون في صيغ متعددة يمكن للزوجين أن يختارا واحدة منها. ويقال في هذه الحالة أن العلاقات المالية بين الزوجين تخضع "لنظام تعاقدي" وكمثال على ما سبق إذا أخذنا القانون الفرنسي مثلا نجده قد اتجه هذا الاتجاه حيث يترك حرية الاختيار للزوجين بين: نظام الفصل في الأموال الذي يقوم على الفصل الاتفاقي للأموال وإن كان الزوجين يشتركان في واجب المساعدة والنفقة وما تتطلبه مصروفات البيت وما يتم اقتناؤه بعد الزواج... ونظام الاشتراك في الأموال، وهو إما نظام اشتراك قانوني المتبع فيما لم يختر الزوجان نظام آخر في العقد أو الاشتراك الاتفاقي؛ إذ يتم الاتفاق على تعديل نظام الاشتراك القانوني وتمديده ليشمل كل الأموال المنقولة والعقارية التي يملكانها من تاريخ إبرام الزواج. وقد أعلنت محكمة النقض الفرنسية في حكم لها بتاريخ فاتح و20 مارس 1979. على: أن لحظة إبرام الزواج هي التي يتعين التركيز عليها لتحديد القانون الواجب تطبيقه إنطلاقا من نية الزوجين" وفي حال انفصام العلاقة الزوجية فإن القاضي الذي يحكم بالطلاق وفي تحديده للاستحقاقات كلا الزوجين يأخذ بعين التقدير الاعتبارات الماضية والحالية والمآلية فيأخذ في الحسبان: مدة الزواج؛ العمر وصحة الزوجين؛ المؤهلات والمكانة المهنية؛ تأثير الخيارات الوظيفية التي أدلى بها أحد الزوجين أثناء حياتهم لتعليم الأطفال، والوقت الذي أنفقته الزوجة لنجاح مهنة زوجها..؛ الأموال المقدرة أوالمتوقعة للزوج سواء رأس المال والدخل بعد تصفية الممتلكات الزوجية؛ الحقوق القائمة ويمكن التنبؤ بها؛ وضعهم بشأن المعاشات بعد النظر إلى أقصى حد ممكن، والحد من الحقوق التقاعدية، وما يتعلق بها. أما إذا رجعنا إلى التشريع المغربي المتمثل في مدونة الأسرة المغربية نجدها لامست هذا الجانب من التشريع، في مادتها 49 ونصت على أنه في حالة انفصام العلاقة الزوجية " يكون التركيز موجها بدرجة أكبر عند تقسيم ممتلكات الزوجية إلى القواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة." لكنها لم تفصل في نوع العمل أو في الإطار الذي يمكن أن تكون فيه هذه المجهودات، بمعنى آخر لم تخصص مواد ونصوص تشريعية توضح فيها الرؤية الشرعية لما يمكن أن يتشكل من أموال في قيام الرابطة الزوجية، وما يتبعه القاضي من خطوات في ذلك. وهذا ما قام به الدكتور محمد التاويل في دراسته الموسومة ب"إشكالية الأموال المكتسبة مدة الزوجية رؤية إسلامية" حيث تحدث عن حالات المرأة بعد الزواج، وحصرها إجمالا في أربع حالات : الحالة الأولى: عندما تكون الزوجة عاطلة لاتعمل في مال زوجها، ولا في غيره، ولا تشارك في إنتاج المال بوجه من الوجوه، ولا تساهم في كسبه من قريب أو بعيد، ويقتصر دورها عن شؤون البيت وتربية الأطفال. الحالة الثانية: المرأة التي تعمل في مال زوجها. الحالة الثالثة: المرأة التي تعمل في غير مال زوجها. الحالة الرابعة: العاملة مع زوجها في مال غيره. وكل حالة من هذه الحالات إلا وحكمها حسب مجالات العمل التي يمكن أن تشتغل فيها الزوجة. فالحالة الأولى: لايمكن اعتبارها شريكة للزوج في الأموال المستفادة بعد الزواج، لأدلة كثيرة منها: - قوله تعالى: " للرجَال نَصيبٌ مِما اكْتسَبُوا وَللنساء نَصيب مِما اكْتسبن" - وقوله تعالى: " وأنْ ليْس للِانسان إلا مَا سَعَى " وإن كانت هذه الأيات واردة في سبب خاص، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الأصوليون. الحالة الثانية: المرأة التي تعمل في مال زوجها. ويختلف حكم العمل الذي تقوم به الزوجة في مال زوجها، وآثاره المترتبة عنه باختلاف طبيعته. فإما أن يكون عمل صناعي أو غير صناعي. 1) العمل الصناعي: مثل خياطة كتانه، ونسج أو غزل صوفه، أو شعره، ودبغ جلوده، وغير ذلك من الأعمال الصناعية التي تقوم بها الزوجة في مادة أولية مملوكة للزوج، وتحولها إلى أشياء مصنعة أو نصف مصنعة، مما يزيد في قيمة المادة الأولية المملوكة للزوج، ولكنها زيادة غير منفصلة عن مال الزوج. والمشهور المعمول به في هذه الحالة أن الزوجة شريكة للزوج في المتاع المصنوع الذي صنعته خاصة هي بقيمة عملها، وهو بقيمة متاعه قبل تصنيعه، لا تظلم ولا تظلم. إلا أن تعمل ذلك تطوعا أو تتطوع بذلك بعد العمل. 2) العمل غير الصناعي: مثل الفلاحة وتربية الماشية، والتجارة وغير ذلك من الأعمال التي يترتب عليها نماء، وزيادة منفصلة عن المال الذي تعمل فيه، مثل نتاج الحيوان، وثمار الأشجار والزرع، وما يشبه ذلك من النماء . وهو موضوع خلاف بين العلماء، فهناك من يرى أنها تستحق أجرة المثل بالغة ما بلغت. وهناك من يرى أنها لاأجرة لها. والرأي الثالث: أنها تشاركه في ما نتج من نماء، ومن بين هؤلاء ابن عرضون، الذي أثارت فتواه ردود فعل عنيفة من طرف الفقهاء المعاصرين والمتأخرين عنه، ومن هذه الردود الدراسة التي قام بها د.محمد التاويل في هذا الموضوع ورد فيها عن فتوى ابن عرضون، وانتصر للرأي المخالف لهذا الفتوى، وهو أن الزوجة لاتشارك الزوج في نماء ماله وغلة أصوله. واعتبره صحيحا دلت عليه الأدلة العديدة التي استعرضها في المبحث الثاني من كتابه: " إشكالية الأموال المكتسبة مدة الزوجية رؤية إسلامية" الحالة الثالثة: المرأة التي تعمل في غير مال زوجها. وهي التي تنفرد بعملها وتتقاضى أجرا خاصا بها في القطاع العام أو الخاص أو تعمل في مقاولتها، أو تتعاطى مهنتها الخاصة، ويكون حكم هذه الأموال المكتسبة مختصة للزوجة، ولا حق لزوجها فيها بدعوى أنها زوجته. ومن الأدلة على ذلك: - قوله تعالى: " لِلرجَالِ نَصيبٌ مِما اكْتَسبُوا وَلِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِما اكْتَسَبن" - وحديث: " الخراج بالضمان " وقاعدة:"الغنم بالغرم" - أن كثيرا من الصحابيات كن يعملن على عهد رسول الله صلى الله عليه وكان مردود عملهن لهن. فدل هذا على اختصاص الزوجة بمالها وكسبها، وأنه لاحق للزوجة فيه إلا أن تتبرع عليه برضاها. الحالة الرابعة: العاملة مع زوجها في مال غيره. هذه الزوجة المشاركة لزوجها في العمل في مال الغير مقابل أجر واحد بينهما أو لحصة واحدة لهما، مثل عملهما في المساقات بجزء من الغلة، أو مزارعة، أو مغارسة بجزء من الغرس، أو بحصة من الزرع، أو تجارة في مال الغير بنسبة من الربح، أو في نقل البضائع بسعر محدد ونحو ذلك، ومذهب المالكية أنها شريكة للزوج في النصيب أو الأجر المعين لهما لاشتراكهما في العمل والعقد. وقد جاءت هذه الدراسة التي قما بها د. محمد التاويل واستوفت ما تركته المادة 49 من فراغ تشريعي من جهة، ومن جهة أخرى جاءت كرد على ما طالبت به بعض الجهات والجمعيات في المغرب من المضي في خط مواز مع القوانين الدولية والغربية، وأبانت على أن هذا التطابق في مسألة الأحوال الشخصية أو في مجال الأسرة ضرب من المستحيل لتباعد، الديانات، والحضارات والأخلاق والعادات والتقاليد، فللغرب سياقه التاريخي وما ورثه في الأخير، والعكس.