يعيش هذه الأيام المستشفى الإقليمي بميدلت على صفيح ساخن، هكذا وصف الإعلام المحلي الوضع، حال نشأ بسبب خلاف بين مديرة المستشفى وأطباء الاختصاص، يعود سبب هذا الخلاف بالأساس إلى تغيير توقيت العمل الجديد الذي اعتمدته المديرة. فأمام قلة الأطر الصحية عامة أطباء الاختصاص على وجه التحديد، وهذا مصاب جلل يشمل كل ربوع الوطن من المركز إلى الهامش، وإن كان يحتد أكثر في مناطق الهامش كإقليمنا الحديث العهد، أمام هذا الوضع وبعد صعوبة الحصول على موارد بشرية كافية اضطرت المديرة إلى فرض ما يسمى بالتوقيت الإداري، والذي بموجبه يتحتم على الأطباء الحضور إلى المستشفى طيلة أيام الأسبوع من الساعة الثامنة إلى الساعة الرابعة والنصف، و على أن أي عمل قام به الطبيب خارج هذا التوقيت سيعوض عنه طبقا للقوانين المنظمة، وذلك عوض التوقيت الذي كان يشتغل به الأطباء سابقا والذي يقتضي العمل لمدة أسبوع ليلا ونهار!!! وهنا نضع السؤال هل فعلا يعمل هؤلاء الأطباء ليل ونهارا طيلة هذا الأسبوع؟ مقابله يحصل الطبيب على عطلة لمدة أسبوع، هذا يحدث في جميع مناطق المملكة يقول أطباء الاختصاص. لكن عذرا أيها الطبيب المحترم، هذا يصلح في المستشفيات التي يعوض فيها طبيب اختصاص طبيبا آخر عند ما يغيب، وليس كما هو الحال في هذا المستشفى الإقليمي الذي عندما يحضر طبيب اختصاص معين يغيب طبيب اختصاص آخر. فإذا كنت مثلا في حاجة إلى عملية لاستئصال الدودة الزائدة أو المرارة، (وهذه هي نوع العمليات وما جاورها التي التي تجرى بهذا المستشفى ولا غيرها)، وكنت تعاني ارتفاع الضغط أو مرض السكري فإنه إذا حضر أحد الأخصائيين يغيب الآخر، وستصاب بعد ذلك بمرض عضال لا علاج له، هو مرض تأجيل المواعيد وانتظار الأطباء وقد يحدث أن يطول بك الحال لشهر أو شهرين ولا من مجيب، هذه هي التفاصيل التي تكمن فيها الشياطين سيدي الطبيب، شياطين الإنس طبعا، أما إذا كنت في حاجة إلى عملية ولادة قيصرية أو عملية على وجه السرعة حيث تكون إلى الموت قاب قوسين أو أدنى، فلا حل أمامك سوى شد الرحال إلى حيث يصعب الحال مستشفيات المدن الكبرى أو العيادات الخصوصية، حيث يمكن آنذاك أن تجد الطبيب الذي عين بإقليمك يجرح جيبك في ما لا يشفى قبل أن يجرح بطنك فيما قد يشفى وقد لا يشفى. لله ذرك يا ساكن إقليم ميدلت، فلا المسؤولون السياسيون الذين جعلتهم نواب لك تكلموا لنصرة حقك ولا بطاقة الرميد التي قدمت لك من الدولة شفعت لحالك، لله ذرك يا زائر مستشفى سمي كذلك ظلما وعدوانا، وإن هو إلا مصاب وبلاء يصيب الإنسان بعد زيارته يصيبه في كرامته وفي إنسانيته وفي انتمائه إلى إقليمه، بعد أن يزيد من تأزيم وضعيته الصحية، لله ذرك أيها المواطن الطالب معاشه في أعالي الجبال وفي الأسواق فأنت لست سوى عالة على القيمين بشؤون هذا الإقليم أنت ربما لست سوى مرض عضال في نظرهم يبنغي استئصالك. فل تسامحهم إنهم منشغلون بمشاكل أحزابهم وبتجارتهم وأموالهم. لكني سأعوذ إليك أيها الطبيب يا من أقسمت يوما بالله على أنك ستكون وسيلة من وسائل رحمة الله، وهنا أذكرك بالقسم الذي يعتمده المؤتمر العالمي الإسلامي للأطباء، إن أنت كنت من الإسلام تحمل دما، وحتى إن لم تكن كذلك أذكرك بقسم أبوقراط وبمختلف أنواع القسم المعتمدة لدى مختلف الأمم، والتي تجعلك ملزما كما تقسم بشرفك أو بدينك على تقديم المساعدة والعون لأي إنسان كان، حتى ولو كان عدوك في الحرب، فكيف بالله عليك وأنت في بلدك وفي إقليم أناسه في أمس الحاجة إلى علمك، تخوضون في عناد لربما أنتم منزهون عنه، بالله عليكم كيف يسمح لكم ضميركم بوضع هواتفك والتخلي عن عملكم وتقديم شواهد طبية جماعية، وتتركون المرضى في رحمة الله وتنسحبون. لربما سيدي الطبيب يوجد في إقليمنا هذا أناس ضعاف لا حول لهم ولا قوة غلبت عليهم صحتهم، هم اليوم مرضى، أرواحهم بين يديك، لا أعتقد أنه سيغمض لك جفن إن سمعت أن أحدهم جاء ملتمسا شفائه عندك، فوجدك في وضعية إضراب أو ممتنع عن العمل، عاد وقد فقد روحه سواء في منزله لأنه لم يجد المال للتنقل، أو في الطريق لبعد المستشفيات الأخرى، وضميرك يقول لك أنه بإمكانك أن تجري العملية أو تشخيصا في الحال قد ينقد حياته. رفقا سيدي الطبيب مرة أخرى، فغالبية ساكنة الإقليم ضعاف الحال ويكفينا عنف الطبيعة وعنف التهميش والإهمال، الذي أصبحتم تتقاسمونه معنا بتعينكم في هذا الإقليم، رفقا سيدي الطبيب وأعلم وأنت أكبر العالمين أن أرواح العباد قد وضعها الله بين يدك، وأن من أحياها كأنما أحيا الناس جميعا.