يبدو أن كثيرا من الناس عافاهم الله في صحتهم وأبدانهم هم في غنى عن رؤية أو زيارة أي طبيب ، والطرف الآخر يعاني من مرض ما ، أو من مشكل مادي مع مصاريف العلاج ، ولكن الكل يعلم مشكل التطبيب ببلادنا ، ويتحدث عنه بمرارة لأن له حتما ارتباطا مع الآخرين ، ومنهم من يُحمل المسؤولية لجهة ما حسب الجهة التي تصرفت معه تصرفا غير مسؤول في نظره ، أو تضرر منها ، رغم أنه يدرك أن المسؤولية يتقاسمها الجميع ... على كل حال فإن الموضوع شغل بال الجميع في الفترة الحالية ، وما لَفت انتباهي لهذا الموضوع ، لما حدثني أحد الأصدقاء خلال هذا الأسبوع ، عن ما جرى له بعيادة طبيب ، لما سأل السكرتيرة عن السيد الطبيب ، ردت السكرتيرة بكل هدوء : إنه في المقهى مع الطبيب فلان – صديقه - ، حاول الصديق الاستفسار أكثر ، فقاطعته قائلة : سيدي إنه لا يبدأ العمل أو الفحوصات إلا بعد العاشرة ، وقد أمرني ألا أستدعيه ولا أستشيره في أية حالة مرضية أو غيرها بقاعة الانتظار ، قال الصديق لما رأى مريضة من بين المرضى داخل القاعة تتألم والكل يشفق على حالتها : حتى في مثل هذه الحالة ؟ لم ترد الكاتبة أو السكرتيرة ، ربما قد أشفقت على حالتها هي الأخرى . أو متذمرة من الوضع كذلك ، ولا حول ولا قوة لها . تصورت وأنا أتابع الحديث وكأنني في مخبر شرطة لا بعيادة طبيب. صديقي هذا لا يسكت على باطل ولا يظلم أحدا ، وهامش الكذب غير موجود لديه ، ولكنه من الصابرين ، غير أنني لا أملك هذه الصفة الأخيرة . لذلك ، وبعد تردد كبير ، قررت توجيه رسالة لكل طبيب نسي دوره ، ونعته الناس بنعوت كثيرة ، أو له أخلاق غير مهنية ، عسى أن تنفعنا أو تنفعه. والواقع أن هذا الموضوع شغل بالي قبل هذا الحدث ، لأنه أتعبني كما أتعب غيري ، إذ لم يسمح لي ضميري ولا إنسانيتي أن يبقى الحال على حاله ، وإن كنت لا أملك أي دور في تغييره ، وما شجعني على ذلك أكثر ، إدراكي بمعاناة الناس بنفس الإحساس والشعور بالألم ، إضافة إلى أنني وددت اختبار الآخر هل هو على بينة من أمره ، فأعرف ذلك ، أم من الغافلين فيجب تنبيهه ، أم الأمر عاديا فأرتاح من تعبي ، غير أن الموضوع ليس عند هذا الحد ، فبالقدر الذي ألمني ما يتداوله الناس من سلوكات مهنية وتصرفات غير إنسانية حول الأطباء في الآونة الأخيرة ، أ قدر مهنة الطبيب وجهده والرسالة الكبرى الملقاة على عاتقه . كما بدا لي من جهة أخرى ، أن مشكل التطبيب ربما يتحمل مسؤوليته الأولى الأطباء لاعتبارات كثيرة ، منها لو كان تعاملهم مع المرضى فيه النصح والإرشاد أكثر من كتابة لائحة أدوية لأنواع كثيرة من الأمراض لمرض واحد ، ولأنهم يشتغلون كقطاع خاص فهم يبحثون عن الربح بالأساس ، ولأن كثرة الفحوصات تسبب لهم الإرهاق ، وربما الانشغال بمعرفة مبلغ المد خول أيضا يضاعف من تشتيت الذهن ، فكيف يقدم الطبيب في هذه الحالة وصفة علاجية ناجحة ... إن مهنة الطب تستحق منا وقفة أكبر، لأن الطبيب الذي كان يلقب بالحكيم ، لا يهدأ له بال إلا أثناء ممارسته لعمله بدون قتل الوقت ، فهو الذي كان يتألم مع كل مريض ومرض يؤلم ، ويشفق على كل إنسان تألم ويشاركه آلامه وفقره وهمومه ، وقد عرفه الناس بعاطفته ، وبحبه لهم ، وهو أكثر الناس احتراما وحاجة ولا يبالي ، وهو الذي عالج معانات الآخرين وأشفاهم ، فعافاك الله في بدنك وفي صحتك أيها الطبيب ، أنت الذي أنستك رسالتك النبيلة الجانب المادي ، ولم تجد وقتا لتنظر إلى من حولك ، أو لتتصفح أخبار الصباح ، لأنك أدركت واقتنعت بوعيك وعلمك وعطفك على المرضى أن من حولك هو الأهم ، وأن الأخبار تأتيك من حديثك الشيق بينك وبين من يأتيك متهاويا مريضا ، وأن سعادتك المادية في صحة الآخرين ، وأنت الذي أدركت بعد الله وبعد المريض معنى المثل القائل الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ، أنت الذي فهمت رسالتك المنوطة بك وعرفت قدر الإنسان . ويبقى أن نذكر بواجب الوفاء الذي يفرضه علينا تقديرنا لأطبائنا القدامى والجدد المتفانين في عملهم، ومن الواجب علينا كذلك أن نعترف بمجهودات الأطباء وبوفائهم لمهنتهم ، فلا أحد يجهل تأثير ابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم وابن طفيل والرازي وغيرهم في علم الطب ... وازدهار مهنة الطب ومكانتها عند العرب واعتراف الغرب بهم عبر التاريخ ، وقد كثر وصفه مدحا وإعجابا منذ القديم ، ومن طرف كبار المؤرخين والكتاب عبر العصور ... ، ويكفي أن نذكر أنه حتى الفترة القريبة عرفه الناس بلقب الحكيم ، وبإنسانيته ، ومن كان يسميهم البعض بملائكة الرحمة ، فأدوا الرسالة الإنسانية العظيمة المتميزة بالقدرة والكفاءة ، إذن مهنة الطب ، تفرض علينا أن نذكر هؤلاء برسالتهم النبيلة ، وخاصة بعد تغير الحال . ولنتساءل ماذا حصل لبعض الأطباء المعاصرين ؟ كثيرا ما نسمع بوفاة شخص بعد مرض عضال ، أو على إثر حادثة سير ، أو سكتة قلبية ، سواء بداخل عيادة أو مصحة ، أو مستشفى ، وكيف ما كانت وضعية ومكانة هذا الشخص الاجتماعية وغيرها ، قد يكون الأمر عاديا ، وقد يكون الأمر كذلك عندما يفشل الطبيب في علاج مريضه ، يعني لا يتحمل الطبيب ولا نًحمله أية مسؤولية . كما أن الطبيب الذي يقوم بدوره كاملا مع مريضه وذويه ومع جميع الناس ، لا يستطيع أحدا أن يوجه له أية مسؤولية ، ولا يتهمه في أخلاقه المهنية ولا في سلوكه ، ولا يجرؤ أحدا أن ينعته بأي نعت أو وصف ، غير أن شكاوي الناس من معاملات أطبائهم كثرت في السنوات الأخيرة ، شكاوي شفهية تروى بين الناس مرضى وأصحاء ، ذلك أن المريض لما يقصد الطبيب بثقة كاملة وفي نيته سيكشف له المرض ويرشده ، ويحدد له دواء العلاج ، يجد نفسه وسط طابور من البشر لينتظر ساعات وساعات ، وربما أيام لإجراء فحص لمدة دقيقة . إن الفحوصات الطبية للمرضى توحي بأن الطبيب يبحث عن المقابل المادي لا أكثر بحيث لا يلتفت ولو بنظرة تأمل إلى مريضه ، ثم يطلق سراحه بعد هنيهة قصيرة ، كما أن بعض الأطباء يوجهون زائريهم وينصحونهم إلى عملية جراحية بدعوى استئصال الداء رغم أن ذلك غير ضروري في بعض الأحيان ، وهذا يحدث غالبا مع النساء الحوامل ، ربما لأن الجراحة القيصرية أسهل ، وذات مدخول أكثر، لست أدري ، أو شك في سرطان الثدي فيجد الطبيب المبرر لإعطاء نصيحتين إما وإما ، وقد أنقذ امرأة من عملية جراحية بقدرة قادر طبيب آخر ، بعلبة أقراص بسعر 20درهما ، والحمد لله ... (لا أريد الدخول في التفاصيل) ومن جهة أخرى كم من مريض مات بسبب إهمال الطبيب له ، أو تأخر تدخل الطبيب لسبب من الأسباب والفريق المساعد ليست له مسؤولية طبعا ، وآخر رجع بآلامه ومعاناته لأنه لا يملك واجب الفحص، وسواء كان ذلك بالقطاع الخاص أو العام ، كما نقرأ على الجرائد الإلكترونية ما يلي : عنوان المقال : (( مستشفى الفارابي: طبيب ولادة يرفض توليد مواطنة على أهبة الوضع) ثم : ( فحسب مصادر طبية مؤكدة فقد تم نقل الفقيد على وجه الاستعجال لغرفة الإنعاش بمستشفى الحسن الثاني ببوعرفة ، إلا انه أمام غياب طبيب مختص في الإنعاش، فقد باءت محاولات إنقاذه بالفشل،) وجدة نيوز. (رفض طبيب في قسم الولادة التابع لمستشفى الفارابي، في وجدة، الإشراف على ولادة سيدة، دون سبب يذكر. وأمام احتجاج ذويها على هذا السلوك اللاإنساني الصادر – يا حسرتاه – عن طبيب، أجاب الطبيب المواطنة) وجدة نيوز))... العنوان : " أطباء في الجهة الشرقية متورطون في عملية تستر على التزوير" . ثم إن الخطأ الطبي يشكل هاجسا لكل مريض مقبل على عملية جراحية، رغم أن أغلب الأخطاء ربما تقع في التشخيص أو داخل غرف العمليات ... إذن هل تسمعون ما يقال في حقكم أيها الأطباء ، هل تشعرون بآلام زبنائكم المرضى وذويهم ، هل وجهتم نداءا جماعيا لهم كيف يحافظون على صحتهم حتى لا يتهافتون على مكاتبكم ناسجين طابورا طويلا فلا يدَعونكم تفحصون زبنائكم المرضى بتأن ، وتقدمون للداء الدواء المناسب ، وتقشفتم عليهم بعلمكم ونصائحكم ؟ لماذا أصبحنا لا نستدعى لندوة من طرفكم ، ولا لمحاضرة ما ، ولفلان ما ؟ وعكس الحال عندما نرجع إلى تاريخكم المجيد ، هل قدم أحدكم منفردا يوما ما خدمة مجانية للفقراء من زبنائه المرضى ، هل استجبتم لنداءات المرضى والمريضات المعوزات والمعوزين الذين يطلبون المساعدة الطبية ، وقد أزهدتم في أموال المرضى وكيف ما كانت وضعيتهم الاقتصادية بدون رحمة ولا شفقة ، هل ترحم أحد من الأطباء على متوفى من زبنائه وقدم تعزية معنوية أو مادية لذويه ، هل هناك فحوصات مجانية مخصصة لنوع من المرض ، أو بسعر رمزي ، ولو في إطار المنافسة ، هل أوصى أحد من الأطباء بتوقيف جزء من ماله لمصلحة البر والإحسان كما فعل السابقون ؟ أم التنافس بينكم اقتصر على تشييد القصور والفيلات وزخرفتها ، وهل تسمعون ما يسمع الناس ويتداولونه بينهم في شأن مهنتكم ؟ ... نعم إنكم كعامة الناس انشغلتم بأمور الدنيا والبناء والتمتع في الشواطئ وتزيين فيلاتكم ، وطموحاتكم كبرت مع المداخيل الكبيرة فاقتربتم من الفئة البورجوازية بقدر ابتعادكم عن المهنية و التثقيف الطبي ، وقمتم بتزيين مكاتبكم وقاعات الانتظار لاستقبال زبنائكم ، وشراء الأجهزة الحديثة لاستقطاب أكبر عدد من المرضى ، وكل هذا من حقكم ...لكن أين هو الجانب الإنساني الذي ليس من حقكم أن تهملوه ؟ يبدو أنكم استحببتم الدنيا على الآخرة ، لذلك أحذركم أن تكونوا من الغافلين وتنسون الموت . أريد التوصل بمكاتبة الأطباء القول بأن تلك هي رسالتكم وذلك هو قدركم فهي رسالة عظيمة ، وتستحق بذل جميع التضحيات ، ومسؤولية ذات شأن كبير ومكانة عالية . واعلم أخي الطبيب وأنت في موقع الموت والحياة : أن المال سبب موصل إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فمن استعان به على طاعة الله ، وأنفقه في سبيل الخيرات أوصله إلى الجنة ورضوان الله ، واعلم أن العطف على الفقراء والتصدق عليهم ، ومواساة أهل الحاجة لأعظم الأجر عند الله يوم القيامة . (قال سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16 ) حسين سونة