ردا على " أحمد الفوحي" أستاذي الفقيه القنوع، لقد اجتهدتَ فيما جاد به قلمك اليراع وقد أيقظتُه من سباته العميق، فأجهدتَه فيما لا جهد له به وعاودت بلاغتك، ولم تنفعك مثقال ذرة خيرا... تتمسك بأقوالك وتتشبث بمواقفك ولم ينجذم لعاب سمك، فشتمتني شتم اللئيم وجعلت مني أول من ظلم... سبحان الله. أنت حقا مِجْهَبٌ جالس على حدبة الجرذون الأجرب تغالب، الحر وتقاوم العطش والقافلة واقفة ... لا تسير. حقا، إنك تهتك بلاغة العرب وتقحمها في غير محلها، تدغدغ كبرياءك بكلمات رنانة... لكن، هل تُرى نفرتْ عن طعامك ذبابةُُ؟! هل مسحت على وجهك آثار السُّلالة؟! الحق أن الذباب ما زال "يكج" على طعامك ويحج إليه، وما زالت من أفعالك تشكو العشيرة. ربما استعصى عليك الجواب، في أمور دقيقة جاءت في خطابي، فعدلت عنها ووليت وجهك غير وجهتها؛ ربما اعتبرت أن الخطاب لا يحتاج إلى وقائع ترفع به، وحسبت أنه في غنى عن حقائق تزكيه، وتركته يعيش حياة بائسة انتهت به إلى الشتم والسب والقذف (Le discours des faibles n'a pas besoin de réel pour faire sa petite vie). ربما انتهى بك التفكير وتملكك الشك إلى حد الاعتراف:"ربما أخطأت"، "ربما أسأت"، ثم تعود إلى عنفوانك المعهود وتسطو على عقلك الضعيف كبرياء الانعدام (L'orgueil des nihilistes)... ثم تمشي السُّنطالة كما ألفت أن تمشي (أتذكر ما ذا يفعل الغرغر في مملكة الدجاج؟) لِمَ تشتمني يا مناهض "العلم الخبزي"(كذا)، ويا ممجد القناعة في العلم والمعرفة؟ ؟ لم تسبني سبا، أيها الفقيه القنوع، وأنت تعلم أن للناس في السب قواعد... وفي خلق الله نواقص... وفي شُبه الحيوان عوائد وأمثال...؟ لما لا تقول :"أعوذ بالله من جرم ارتكبته ومن ذنب اقترفته في حق زميلة لي؟ أو تقول: "إن ما افتريته على زميلتي هو من عمل الشيطان؛ فلِمَ فعلت في حقها ما لم أفعله في حق غيرها؟". صاحبي الفقيه القنوع، اعلم أني لست من عديمي الشرف والضمير، كما زعمت؛ لم أنفق على نفسي وعلى أهلي إلا مما رزقت، والله أعلم بي وأنت لا تعلم... أعديم الضمير والشرف من يرفض عمادة، أهديت له على طبق من ذهب في مدينة فتحت له الأحضان وتعهدت أن تكسوه بالحرير ؟ كان ذلك في عهد صاحبنا المشترك "المعلم إدريس المبراص". أعديم الضمير والشرف من يرفض أن يمتطي جواد لغة الأم، فيصول به ويجول ويكسب الدرهم ويفتح فاه للبن البقرة الحلوب ويعيشُ عيشا غُدْنَةً؟ كان ذلك منذ سنوات مضت، وكذا منذ أسابيع قليلة... أيكفيك هذا من "عديم الضمير" الذي يجد في تاريخه ما لا قبل لك به؟ واسأل من تشاء؛ فربما يعتريك شيء من الحياء مما كتبتَ. كيف لي، وقد ابيض شعري - بعد أن أخلس- أن أبيع ضميري و"ألتحق بجوقة انعدام الشرف"، كما تدعي أنت، يا فقيه الضلالة، الذي تعطي لنفسك الحق في كل شيء؟ حقا، إنه لا يكبو لك حمار ولا يزل لك لسان، وإن تحدثت بغير منطق وبغير صواب. فحوافر حمارك من حديد ولسانك لا يخلو من عظام. أما عن "السكران" و"المتساكر"، فالأصل واحد، سيدي الفقيه؛ وطعنات السكران تخطئ أكثر مما تصيب، وضربات شيخك تصيب أكثر مما تخطئ، وإن شعشعت "شلاغيم" واستقام الدهر بعد العثم. سيدي الفقيه القنوع ألم تأكل من طعام أسيادك القدامى وتشرب من مائهم؟ أنسيت كم مجدت وعليت من شأنهم وقد علموك كيف "تشرب"؟ اعلم، سيدي الفقيه، أن حلقي قد نضف، منذ زمان، من "مونقات" سنوات الطيش والشباب واستعاذ بالله من كل ما يفسد العقل والأخلاق. فأنا أكتب لك وأنا في كامل قواي العقلية؛ مهمتي، بكل تواضع، تربية أمثالك باللسان والقلم؛ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، ما استطعت، وإن ضقت ذرعا بجمعة أمثالك من المنافقين وتعهدت بحب غزة والحرمين، مكة والمدينة، وثالثهما، الأقصى المبارك. وحتى ننتهي من الشتم، فكيف تفهم، يا سيدي المساعد، "التقاعد"؟ بحديثك عن "المنون" و"دار القرار"، استرجعت أنفاسي كلها وقلت ما هذا الكلام!؟ ... كأن التقاعد نهاية وانزواء قبل الإقبار. أكاد أفهم، من كلامك، أن علمك وثقافتك لا يتعديان عتبة الفهم الشعبي للتقاعد؛ وبالتالي، فصاحبه عندك لا حق له في المجادلة والكتابة والخوض في أمور الدنيا وشئون العلم. وفي هذه النقطة، بالذات، فقد أخذت "تقاعدك" منها منذ مدة ليست باليسيرة، وإن حافظت لك الدولة على تعويضات البحث والتأطير الذي يبدو أنه لا يجمعك بهما إلا "الخير والإحسان". انتهينا، إذن، من الشتم؛ ولنبدأ في الرد ولنعتمد فيه تصميمك، دون أن نغبن حق فقرة لصالح أخرى؛ أقول هذا و"أبزق" على بلاغتك التي لا تحرك الدجاجة على بيضها إذا قَِررت؛ أقول لك هذا وأقف عند موقفك، أقلع جذور جهلك، وأصلح ما عاثته من كلامك وأنت لا تعوج به ولا تكترث... تندفع، ترمي بقدمك على هوى وتترك قلمك يهرج وكأنك تريد أن تأتي ببرهان العلم وتدلي بحجة سبر أغواره... فأنت حقا "نهر" علوم. تتهمني، صاحبي الفقيه القنوع، بكراء الحنك، ولست من أهل الفضول؛ فقد علمني أبواي أن أحذر وأحترس وأفطن؛ علماني أن أصمت حين أجهل وأتواضع حين أعلم وألا افتخر بناقة قٌباء وحماري قد هِرم. تتهمني، صاحبي الفقيه الناسك المتعبد، باحتراف النيابة عن الغير ولم يوكلني ضدك أحد؛ أأثقلت الديون كاهلك حتى اتهمتني في الدفاع عن قريبتي بالارتزاق وتبرئة الذمة... تتهمني هكذا... وأنا (أعوذ بالله من قول "أنا")، لو شئت لاسترزقت في غير هذا؛ وبتعبير آخر، أنا لا أركب القصب وأدعي العربيَّ من الجياد. اعلم، يا جاهل – وأنت تندفع كالدنبور الزنبور- ما لم تكن تعلم ولنرفع معا سر علاقتي بزميلتك المحترمة، ولنفك سويا لغزها... اعلم يا جاهل أن زميلتك المحترمة هي من آل البيت؛ من سلالة الشريف الصليح الصلوح أبي زكرياء، الراقد بالضريح الذي تحمل اسم صاحبه؛ وهو واحد من "رجال البلاد"... واعلم يا جاهل أنه لم يهزني في مجادلتك إلا ما يهز الأب دفاعا عن واحدة من بناته الثلاث! واعلم، يا جاهل، أنني احتضنت زميلتك وعمرها لا يزيد عن 14 سنة، ترعرعت في كنف أختها الكريمة منذ جمعني بها ما جمعك برفيقة دربك وأم أولادك؛ تابعت خطواتها ومسارها المدرسي ثم الجامعي، حتى كُتب لها أن تكون زميلة لي، لأخيها الأكبر وأبيها الروحي؛ ولي في ذلك الشرف العظيم... حبذا لو أنجبت من هو أسمى منها وأرقى درجة!! بهذا المعطى، يا سيدي الجاهل أو المتجاهل، تسقط اتهاماتك ويتعرى قبح شتمك؛ بهذا التوضيح، أيها الجاهل، يهوى خاطف الذباب على جناح منكسر... لكن، هي العادة الطادية ... والقلم لا يستقيم والعقل لا يرصُن؛ وعلى كل، كيف تريدني أن أسكت وأنت تضرب ضرب الأعمى في الظلام وتجرح قريبة لي ، من أهل الدار والدم؛ فالمدافع عن الشيطان (ألم تجد في قاموسك أحسن من هذا؟) هو أنت الذي تعمل بالمعنى الحرفي والسطحي لنص الحديث الشريف "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وتعتبر نفسك مصلحا في كل شيء، حاملا عصاك منتصبة كأنك في أرض معقرة معقربة وعقاريبك تدب دبيب النمل الساعية؛ أما أنا، فمدافع عن سِلفتي، ولي في ذلك، إن شئت، حق وواجب. ألا يحق لي أن أحفظها من شر وظلم رجل مثلك، وهي مني وأنا منها؟ لقد آذيتها ولم تؤذك وظلمتها ولم تظلمك؛ فنحن، إذن، صاحبا حق: أنا من أرض الأمازيغ الأحرار وهي من سلالة الشرفاء... وأنت ممن أوقدوا نارهم بلقي البعير، وتشافوا بكي السفود والقطران، ممن ضاعوا بين عِير ابن سفيان ونفير عتيبة. تتهمني بالتدليس على القراء وترجع بي وبهم إلى ما كتبتَ، وهو لا يقبل أكثر من تأويل: اتهمت صديقك اللدود بلم لجنة خاصة، اصطفى لها من الزملاء نفيرا من الأنصار المناصرين الأنصار (المبيوعين) واتهمته باحتكار الرئاسة اتقاء لكل طارئ يفسد عليه أمره؛ فهذه اتهامات لا تقبل الجدل وتصب كلها – كروافد نهر- في معنى واحد وتقصد بها مرمى واحدا: إن حامي الديار آل على نفسه إلا أن يحمي الأستاذة (ب.و) ويفرش طريقها إلى التأهيل بالورود. فهذا المعنى باق وثابت وإن أسقطنا المزدوجتين؛ بل زدت في التنديد والتشهير والنهيق ؛ وكاتبت فورا في أمرها رئيس الجامعة، وجعلت من الأمر قضية، ومن القضية فضيحة، وخرجت إلى ساحة الكلية، كمن لدغه عقرب على حين غرة، مدججا بكل ما لديك من سلاح (حتى وإن كان سلاح الضعفاء) كأن الأمر أمرك والقضية بدعة وضلالة وصاحبها في النار الحامية... الله أكبر، الله أكبر... استعد، سيدي، إلى ما هو أمر وأفضع؛ فهو آت... قريب. كل هذا، وأنت تريد – للتدليس على قرائك، بل للتملص مما كتبتَ- أن تختزل الكلام في قضية الاختصاص، ورجعت بي – أيها الأستاذ المتفقه والمرجع الفريد – إلى النصوص (وما أدراك ما النصوص!) ولم تنقص عليك عبء نقلها كأنك أتيت بآية سقطت من الكتاب (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). صديقي المساعد (وهذه الصفة لا أعيرك بها؛ وحاشا أن أفعل ذلك؛ فأنا أعرف من المساعدين من لهم مستوى عال، علما وثقافة وأخلاقا وروحا رياضية)، ألم تشعر يوما بوخز الضمير تجاه النصوص التي تحيل عليها والتي تشهرها في وجه من تشاء وتتجاهلها لصالح من تشاء؟ وكأني بك تهوى التموقع بين الخسوف والكسوف! هل استوعبت حقا النصوص المنظمة للتأهيل؟ وهل تجهل حقا كيف تمر التأهيلات بين أحضاننا؟ أتجهل حقا أنني أعلم وأعرف بالنصوص بحكم التجربة وطول الممارسة؟ لقد نظمت ودبرت وسيرت من التأهيلات أجودها وقبلت ما "اعتدل منها" ورفضت الرديء؛ كل ذلك احتراما للنصوص وتقديرا للمسئولية العلمية وانحناء أمام السلطة الأخلاقية ؛ ولك أن تسأل ... لتعرف... لقد ضيعت مدادك، يا من لا يعرف، وأتيت على بعض من وقتك، وهو رخيص؛ فارجع معي، مرة أخرى، إلى تأهيلات أصدقائك (قبل وخلال مدة عمادة صديقك اللدود)، التي سكتت عنها، وتدبر معي في تأليف لجنها ومدى احترام مقياس الاختصاص فيها، قبل أن تشكك في تأهيل زميلتك، وتجعل اسمها وسمعتها مطية للنيل من صديقك اللدود؛ فصاحبك اللدود هذا حسب المؤمنين بالنصوص والعاملين بها أهلا للثقة، فعرفوا كيف يجنون الثمار قبل ينعها، ثم يقومون "بالحيحا" على من قطفها على أصولها وفي أوانها. كن صريحا معي، ولو مرة واحدة؛ أنت الذي لا تخشى الصراحة ولا تدثر الحقائق، كما تحاول أن تبدو، بثوب ملس أو خشن واصدقني القول في الرأي: ألم تضع النصوص بين النظرية والواقع؟ إن التأهيل الجامعي في ديارنا (من طنجة إلى الكويرة) كاد أن يكون شكليا، بل ثمرة جمعة بباب المقابر حسب قول العرب، ففاز به من يستحق ومن لم يستحق، وأنت، بالطبع (مثل الأعمى الذي يحرك عصاه في كل الاتجاهات ويقول: الله إيكادها"، أي أن يصبح الناس كلهم عميان)، لن تقف إلا بجانب الذين استفادوا منه من بين أصدقائك، وهم لا يستحقون. إن هذا الواقع ليبرز ما في "خرجتك العرضية" من نية مبيتة، تريد أن تكسب، من خلالها، حربا بمعركة واحدة؛ ألا يقول المثل: "من يزرع الريح، يجني العاصفة"؟ لنبق مع الاختصاص، يا صاحب الاختصاص؛ واعلم أنني مطلع حق الاطلاع على اهتمامات زميلتك الأكاديمية، متابع مثابر لأبحاثها واجتهاداتها المتوالية في التحصيل والتدريس؛ فقد نشرت مقالات في اللسانيات التطبيقية (Appled linguistics ) قبل أن تهتم وتساهم في حقل آخر يتعلق بدراسات النوع (Gender studies ) وتميل في نفس الآن إلى البحث في وسائل توظيف اللسانيات في الحقل الأدبي. أضف إلى ذلك، أنها تزور سنويا الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل البحث وزيارة المكتبات الجامعية والعامة. أتعرف هذا؟ طبعا "لا". فأنت قابع كالأليف من الطير، حبيس بين الخصة والقرميد، ينام ويستيقظ مع الدجاج . غريب أمرك، ألسي أحمد؛ تحفظ النصوص وتجعل منها علما يُرجع فيه إليك وتدرّس ما تيسر لك من العلم سنة بعد سنة؛ هل أنت مؤهل بالفعل للخوض في قضية الاختصاص؟ كيف تحدد، صديقي، اختصاص زميلتك، حتى تتكرم عليها بلجنة مثالية، بكل المقاييس، تحترم النصوص وما جاورها؛ ولِمَ لمْ تقحم أكثر مما فعلت أصحاب الاختصاص من شعبة الزميلة، ونبت عنهم؟ تتهمني بنكران الاختصاص (ومتى امتنعت عن شكر الله وحمده ونكرت رضا الوالدين؟)، وقراؤك قد فهموا قبل أن تفهم (سبحان الله) أن في الأمر اختلاف؛ نختلف فعلا في معنى الاختصاص؛ نفترق حول مضمونه ولا نلتقي عند تدبيره... نعم أنا متخصص في اللسانيات منذ حصولي على التزكية الأكاديمية من أشهر الجامعات الفرنسية التي ناقشت بها أول أطروحة مغربية في اللسانيات الأمازيغية؛ لكني لن أجرؤ على القول بأني عارف ومتمكن من حقول اللسانيات ومذاهبها كلها (وإن عرفت مرة وتمكنت مرات)؛ ودرّستُ (وكنت في ذلك أشبه بالطبيب العام) في شعبتي بفاس حسب الحاجة، وعبر سنين، كل المواد اللسانية الأساسية؛ وكثيرا ما اعتمدت في فحوص الرسائل والأطروحات وفي مناقشتها، ليس فقط على معلوماتي في هذا المجال أو ذاك، بل كنت أجلس لساعات وأيام أطالع وأقرأ وأنمي مداركي بالمناسبة؛ لقد تعلمت كيف أبحث وكيف أقرأ وكيف أفيد وأستفيد؛ لقد تمكنت من وسائل البحث وخضت في ميادين مختلفة (وأنا، هنا، لا أزكي نفسي، معاذ الله ؛ فاسأل أهل العلم بفاس، إن كنت لا تدري) ... لهذا كله، فأنا أرفض الاختصاص بمعناه الضيق الذي يعني، من بين ما يعنيه، الانغلاق والمحدودية وجهل المعارف الأخرى، الخ. وقد حاربت هذا النوع من الاختصاص حين كنت رئيسا لشعبة اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، فكسرت على ركبتي سلاح من تشبث بالاختصاص ليضمن لنفسه بعض المواد ويحتكرها. ولا أريدك أن تفهم مني غير هذا. ولنعد إلى الاختصاص في النازلة إياها ولنعتمد في ذلك على المرونة التي تعترف بالعلم لأصحابه؛ أما الرجوع إلى النصوص، فهو، بطبيعة الحال، أصل، ويُحتكم إليها، عند التجاوز المفضوح والتواطؤ البين، لكن بالبينة والحجة وعبر الهيئات والمؤسسات، دون ميز ولا كيد، بعيدا عن الصراخ والضجيج والعين الواحدة الرسعاء. وإن سألتك – لتتضح لك الأمور أكثر - عن اختصاصك، فبما تجيب وأنت القُشاب الذي لا يخشى أن ينعت الناس بما فيه؟ اعفف عن الجواب إلى حين حصولك على حق التأطير، وتتبول، بعد ذلك، كاليث، وارسم حدود منطقة نفوذك وحقل اختصاصك، كما تشاء. وإن سألتك: هل يحق لي أن أناقش في اللسانيات العربية، فبما تجيب؟ ربما، سيكون جوابك: هذا "فرنسي" لا يفقه في العربية شيئا. لنترك الاختصاص ولنرجع إلى سهامك المسمومة: تزعم أن قضية تأهيل زميلتك المحترمة، أتت "عرضا"، وهي محطة من بين ثمان محطات في مواجهتك لعميدك السابق؛ ويكاد يُفهم من خطابك أن المحطة لا تعدو أن تكون وقفة شاي لاسترجاع الأنفاس، وأن المسألة هي ثانوية وغير مهمة، على كل حال؛ وقد توضع في خانة الخسائر الجانبية في حربك مع صديقك اللدود، كتلك التي تحدث عنها السيئ الذكر "بوش" وجيوشه تحرق العراق وتسحق بغداد: There is no wear without collateral damage ! قول هذا، وهو يعني عصافير بغداد وصوامعها، بينما حملت دجلة والفرات بدم آلاف العراقيين، ولم يسقط رأس حتى هوت آلاف الرؤوس. تقول، كما قال "بوش"، "القضية لا تستحق كل هذا الشبق في الكلام والاكتراث بزلات اللسان وهفوات القلم"، وكأني بك تردد المقولة الشهيرة: أعبر الوادي وتسقط القنطرة. إن كلامك، يا صديقي، يضحكني، كما أضحك من هم من حولي. فقولك "عرضا" جعلني أقول في نفسي: ما ذا أصاب هذا الرجل؟ إنه ينهش في شرف الناس، ثم يعتبر ذلك دون أهمية؛ أسبب ذلك، هو اكتفاؤه بشعير شهادته اليتيمة دون أن يصبو إلى قمح "الدولة"؟ إن كلامك – يا من دجل مخه – ليوحي لي بصورة غريبة: أراك كالقط، لا ينتهي من التبرز والخراءة حتى يجر باليمنى واليسرى من التراب ما يواري به ما قذف به أسته وإن شح بيظه؛ تمعنت في أمر هذا القط (أو بالأحرى صورته)، وتساءلت: كيف يا ترى سيدبر أمره إن نفد الرماد وانعدم التراب...؟ إن كلامك، يالسي أحمد، مضحك حقا؛ لقد انعقد عقلك وصدئ في غمده سيفك... تعدني من الجاهلين بلغة هي لغتك؛ كم وددت أن أجادلك في لغتي، تلك التي طرقت بابها حتى وهنت يداك، ثم قلت يكفيني من الخبز ما سقط؛ اعلم يا سيدي، أن خزانة "الفرنسي" قد حوت من الكتب بلغة الضاد ما يرجع إليه كلما عزت عليه أمور لغتك، وهي من عشيرة لغة أمه ولغة بحثه وميدان عمله؛ أما مناهلك في "لغتي"، فتغرق في جيب ولا تعلو على "الروبير" (Petit Robert )، إذا فرضه العيال. فكيف تريدني، إذن، أن يختلط علي أمر المفردتين اللتين أشرت إليهما؟ لقد افتضح أمرك يا فقيه "السنطيحة"؛ فقد نصبت فخا لغويا وسقطت في شراكه. إن الجمع في الكلمتين يختلف؛ ويتضح الاختلاف عند الجر بياء واحدة أو باثنتين، وإن كان الجمع بالحواري شاذا ومخالفا للقاعدة؛ فالحواري مفرد الحواريين، والصحيح فيه للمؤنث السالم هو الحواريات ومفرده حوارية. وقد أفسدت عليك، إذن، سطحية إلمامك باللغة العربية قصدك في اللهو بالكلمات؛ وبهذا سلمت حمى سوس ومدارسها العتيقة من شوكتك اللغوية ولم تشكُ من ذروة علمك ووفر فقهك. فافصم عُقدتك، يا صديقي الفقيه غير المبجل، وافتح قلبك للحسان البيض؛ فالحواريات من الحواريين إذا جمعت بينهم علاقات العلم والبحث والزمالة. سيدي، إن احتماءك بالنضال النقابي والانخراط في المؤسسات والجهر بالمواقف، لا يدفع عنك شر أفعالك ولا يشفع لك في شيء؛ تتبجح بالنضال، وفي يدك راية بيضاء، وتركب جواد الأحرار الأشاوس وسرجك من حرير. لم يُشهد لك أبدا بالمواقف البناءة، الرزينة؛ ويقال إنك تقصد الأشخاص قبل أن تهتم بالقضايا. أما من وصفته ب"عديم الشرف"، فهو لم يمسس أحدا بشر ولم يجمد الدم في وجه أحد؛ وقد ناضل في أحلك الظروف وأصعبها (ولم يمنَّ على أحد)، وتعلَّمَ كيف يرافق ويجادل الخصوم؛ وتعلم كيف ومتى ومن يضرب، لا أن يضرب، كما تفعل، ضرب عشواء؛ لقد تحمل "عديم الشرف" مسئوليات سياسية ونقابية وإدارية لن تحظى بمثلها وإن تقدمت بك الأيام، إلا أن تنزل عليك رحمة الله، فتتغلب الحكمة على طيشك وإن خلَّف، وطبشك وإن كلَّف ؛ ومع هذا، فأنا لم أظلم أحدا ولم أدس كرامة أحد ولم تختلط علي المقاصد ولم تنشبك أقدامي أمام السبل. أعيب عليك، إذن، شيئين: تطرفك وطيشك في "النضال" وضعف غُلمتك في العلم؛ فقد سقيت أرض جنانك بماء عين غورها في سطحها، واكتفيت ب"اللفت المحزاق"،و نفرت القمح وتمسكت بالشعير، فقلت "الشهادة خبزية"؛ وهو ما يذكرني، يا صاحبي، بذاك الهر الذي - بعد أن اختلس النظرات إلى لحم القديد، ثم دار وحام حوله طمعا في الظفر بقطعة منه، فلم يفلح- قال: "اللحم خنز"، ثم استرخى على الرماد. لقد قلت "الشهادة خبزية" والترقية شرعية؛ فالحمد لله الذي جعل من المزن مطرا وألهمك بجعل الترقية شهادة وشرطا للمعرفة. إنه يصدق عليك، حقا، المثل الشعبي الذي يقول: "'تسوق' أبي وأمي من عقر الدار تزوده بالأخبار". يا سبحان الله؛ لقد ترقيت مرتين، ولم ترض لنفسك بهرولة البغل، فرحت تمتطي الفرس الحصان ودخلت ساحة الوغى وهي خالية من الفرسان. إنك تعرف وأنا أعرف، أيها القُشاب، طبيعة اللجان العلمية والمقاييس التي تعتمد عليها؛ ونعرف جميعا كيف دُِّبرت الملفات وكيف "دُرست" وحُسمت الأمور لصالح الوصوليين والمناورين وأصحاب "الأخذ والعطاء" و"الحكِّ بالحكِّ". إنني أعترف لك بالتفوق في هذا الجانب، حتى وإن لم تكن منافسي في الترقية. فأنا لم تنفعني مع المنافسين لي في الإطار الذي أنتمي إليه مقالاتي وتدريسي وإشعاعي، رغم أني من الأساتذة القلائل (وهذا ليس لا تبجحا ولا تكبرا ولا منا ولا...) الذين يحملون لقب "أستاذ الجامعات الفرنسية" التي انتدبتُ للتدريس فيها مرات ومرات؛ وقد كان آخرها قضائي شهرين للتدريس في أعلى المستويات في واحدة من أشهر الجامعات الفرنسية؛ كما ألقيت في غيرها محاضرات حضرها الطلاب والأساتذة. ومع ذلك، فلم يتكرم علي علماء اللجنة إلا بنقطتين في الإشعاع، ولم يقدروا حق قدره ما نشرته من مقالات في مجلات فرنسية محكمة (يتنافس على أبوابها المتنافسون)، فحشروها مع "المواد المحلية غير المسجلة" ودفنوها دفنا مع "بضاعة" ليست من نفس قيمتها، ليقول لي أحدهم، في حرج، وكأنه يريد أن يعتذر عن فعلته: "ما يكون غير الخير". ثم ارتقيت أو ترقيت بالنمط العادي، ولم أطعن في أحد لأني تعلمت متى وكيف أطعن؛ فهمت ما في نظام الترقية من عيوب وثغرات، من اللجان العلمية إلى مقاييس الترقية نفسها، وأدركت كيف أن بعض الزملاء، هنا وهناك، يركبون عليها ويسخرونها لصالحهم. تدافع عن سعة علمك بترقيتين في لجنتين مختلفتين، لا علميتين ولا متخصصتين ولا تقنيتين، وبمعايير غير محكمة. غريب أمرك ألسي؛ فبأي منطق تعمل؟ وبأي عقل تدبر أمورك؟ نعم، فحظك في الترقي سقاك غيثا غدقا وخير اللجنتين عليك جَدَا؛ لكن لما ذا باب التأهيل جفأ؟ إنك تذكرني بمثل شعبي آخر يقول:"إذا ذكر القوم جيادهم، ذكر بوعزة حماره". لِمَ لا تبيع حمارك وتشتري جوادا تخرج به إلى الناس وترفع به شأنك؟ لم لا تعرض سلعة "ترقيتك" في سوق التأهيل وتزيل الغبار عن نعالك؟ تطلب مني أن أسأل عنك اللجنتين المحترمتين اللتين اعترفتا لك بسعة علمك ورفعتا بك إلى أعلى الدرجات؛ ولِمَ لا أسألك أنت عما ألفت ونشرت، ومتى أطرت وفحصت، وكم ناقشت ومن زكيت؟ وكيف خنقت منافسيك كافة وأسدلت عليهم ظلال علمك؟ أهم حقا عمي؟ فأنت، إذن، أعمش. أهم ضعاف الحال في العلم؟ فأنت إذن على قد الحال فيه! ومع ذلك تدافع عن سعة علمك، بلا حيا بلا حشمة"، معرضا نفسك للسخرية حين تكرمت علي وعلى قرائك بثلاث مراجع لا رابع لها، كأنك حصرت فيها العلم كله، وتسأل: "هل تملك...؟ وهل تملك...؟" لما ذا تتعرى هكذا في وضح النهار؟ فكلامك يحيلني إلى ما أنشد به ثعلب: إذا كشف اليومُ العماسُ على اسِتِه فلا يرتدي مثلي ولا يتعمَّم وختاما، يقول لك الشيخ المتقاعد، صُن بالعقل والحكمة "جرتك"؛ فما "كل مرة تسلم الجرة"؛ وأجهِدْ قلمك فيما فيه خير لك؛ أما هو فلم يجهد قلمه إلا فيما له فيه حق؛ لم ينب عن أحد ولم يوكله أحد. أما زميلتك، فلو جادلتك في لغتها، لسعيت إلى من يقرأ لك، ولشلت يدك والتوى قلمك، لأن الأغلب أن ما استعملته في الرسالة السابقة قد اندثر مع اندثار حلمك في اللاحقة؛ اصمت يا غبي، فزميلتك أرقى وأذكى وأقوى من أن تقبل مني ومن غيري ممارسة ذكورية تحرِّم عليها الكتابة؛ اسكت، يا جاهل، فأنت لا تعرف مواقفي في قضايا المرأة، بينما أنت ما زلت من القوم الذين يعرضون المرأة في أسواق الفضيحة والعار بضاعةً بلا بطاقة ثمن ويحددون الأسعار بالردف والميزان، وبالشرف وهو أسمى مقاييس الرجال، من قوم يسوقون المرأة من ظفائرها إلى مضاجع الرجال ويترقبون ما تأتي به الطعنة في النصاب؛ من قوم يكبحون نساءهم وبناتهم ويغلفونها، ثم يسترقون النظرات إلى ما ظهر من نساء غيرهم ويشهرون علو سلطان شهوتهم التي لا تقوى على فتنة النساء. قلت "ختاما" ولم أقل أخيرا: كيف تدعونا، أيها العالم النحرير، إلى مناظرة عمومية؟ أسقط عقلك إلى دبرك؟ أتجهل حتى معنى المناظرة؟ المناظرة هكذا، خارج الإطارات وضدا على المؤسسات؟ هل ستستقدم لها منشط "الاتجاه المعاكس"، لتزعق وتنهق كما يحلو لك أن تفعل؟ يبدو أن عقلك سقط إلى... قلت "ختاما" ولم أقل أخيرا؛ ابتعد عن طريقي وطريق بيتي، يا مفتري، أفضل لك: فجهوة الشيخ جهواء ناصعة لم تجه للعين إلا ناظرة وجهوتك إن أجهيناها دامسة تتجهم الخنازير لها ضامخة جهوة الشيخ، إذن، كجهوة القرد مكشوفة (أصلا)، وجهوتك ما زال يحمي حماها، وقد نكبت، ثوب من "الباب الجديد" وخردته. وآخر الكلام، يحذرك الشيخ، بعد أن ثبت في المجادلة حقه، وتبين من أمره صوابه، من أن في كعبه في التفكير مناهل وأنت، بكل تأكيد، لها جاهل؛ وفي أمر "المنون" و"دار القرار"، لهت وحده الحق و"الغيب"، وأنت كافر.