الثلوج تغطي كل مكان تساوت أرجاء المدينة و تزيت بياضا ناصعا يسر كل الناظرين كأنها عروس في ليلة زفافها .. دخان المدافئ يملأ كل الفضاء ظل الطقس باردا لكن أنور و ثلة من رفاقه لم يمنعهم ذلك من أن يلتقوا في مقهى الشلال الذي يمكنك أن تلقي من شرفتها نظرة شاملة لكل الدور و الشوارع و الأشجار و حتى المآذن التي تؤثث المدينة .. كانوا جميعا رفاقه في الطفولة فرقهم سعيهم وراء لقمة العيش و جمعهم حنينهم إلى الماضي يحتسون كؤوب الشاي وتتخلل حديثهم قهقهات من حين إلى آخر.. لقد جرى الزمان بسرعة وحدة قياسها سنوات ضوئية ..مجموعة من الأطفال ملئوا الأزقة بالصراخ و الصياح لم يتركوا شجرا إلا وعبثوا بأغصانه و لا بهيمة ترعى في الأرجاء إلا و امتطوا ظهرها ..يصطادون العصافير و بعد أن يلهوا بها و في آخر النهار يتمتعون بمشاهدتها عندما يمزق قط ضال جسدها النحيف في مشهد يرجع بنا إلى طريقة الجلادين في تنفيذ عقوبات الإعدام في حقب سابقة كما تصورها بعض الأفلام التاريخية أو شبيهة بالتصفيات الجسدية التي كرستها كل الأنظمة الإستبدادية للتخلص من كل معارضة تزعج طمأنينتها و استلذاذها في التهام ونهب المال العام .. تساءل أنور عن سبب تقهقر أحوال المدينة و البؤس الذي أصبح يعيشه سكانها التي لم تعد تصلح أن تنعت بباريس الصغيرة كان من بين قومها أسيادا في عالم التجارة .. تساقطوا جميعا و كأنهم شربوا من كأس الإفلاس نفسها واحدا تلو الآخر..تذكر ذلك الإكتظاظ الذي كان يعرفه كل فج عميق يوصلك إلى المدينة بدو ورحال على ضامر و مشاة ..تساءل أين هؤلاء جميعا كانوا يخلقون رواجا قل نظيره في المنطقة برمتها ..ذهب كل هؤلاء إلى وجهة مجهولة و تركوا المدينة تواجه قسوة الطقس و ويلات سياسة المغرب غير النافع.. تذكر أنور ذلك الإحساس الغريب و الرائع الذي خالجه أول مرة عندما كانت دقات قلبه تخفق دون المعتاد لقد عشق زهرة فتاة نحيفة القد موردة الوجنتين شعرها قصير أشقر لباسها المتناسق باستمرار ذي الألوان الدافئة لكنتها الأمزيغية تلتصق بكلماتها العربية ..لقد أحبها في صمت لا أدري هل كان يخشى أن تصده إن صارحها بحبه لها أم أن صمته هذا كان يمنحه متعة من نوع خاص عندما كان يرقب باستمرار كل حركاتها وسكناتها في صمت و جنون رائع..لكن مفاجأته كانت كبيرة لقد اكتشف في ما بعد أنها كانت تبادله نفس الإحساس لكنها كانت بدورها تعاني في صمت مخيف..و الحقيقة أن أنور رفض أن يخبرها بأي شيء رغم أنها منحته الفرصة أكثر من مرة ..و لأن الأنثى في عقلية الغالبية الساحقة في مجتمعنا يكون من العيب أن تتخذ المبادرة لكي تعبر عن إعجابها بشخص تحبه ..أو على الأقل هذا ما اعتقده أنور..لقد عض على شفتيه و ارتسمت على محياه ابتسامة باردة و أحس برعشة تخترق جسده المتعب الذي نالت منه السنوات الطوال..لقد أخبر ه أحد أصدقائه بأن زهرة غادرت نحو الديار الفرنسية بعد أن عقد قرانها ..تمنى أنور في داخله أن تكون زهرة سعيدة في حياتها ..وراح يودع أصدقاءه بعد أن عاش من جديد صحبتهم ذكريات طفولته لكن بعيون الحاضر.. بقلم