محمد القنور . عدسة : محمد سماع. المختلون عقليا يعودون بقوة لشوارع مراكش. محمد القنور . عدسة : محمد سماع. يطوفون بكل الشوارع في مراكش، يقتاتون من مخلفات القمامات والأزبال، يبيتون في العراء في أقسى الظروف المناخية التي لاتطاق ، ينزوون بالحدائق العمومية ليلا، وتحت سلاليم العمارات وداخل أوراش البناء المهجورة ووسط المنازل الآيلة للسقوط ، فئة تحت درجات الهشاشة ، مغاربة خارج سياق الزمن، وبعيدون عن حيزات المكان الآمن ، إنهم المختلون عقليا بمراكش ، فئة بات يشكل إيواؤهم وعلاجهم إشكالا يصعب حله، وينتظر الإهتمام من الحكومة الجديدة. ورغم أن المواثيق تؤكد إيمان المجتمع الدولي بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبمبادئ السلم وكرامة الشخص البشري وقيمته، والعدالة الاجتماعية، كطريق أمثل نحو التقدم والنماء في الميدان الاجتماعي وتحث على ضرورة حماية حقوق ذوي العاهات البدنية والعقلية وتأمين رفاهيتهم وإعادة تأهيلهم، مما يفرض على جميع الدول مساعدة الأشخاص المتخلفين عقليا على إنماء قدراتهم في مختلف ميادين النشاط وضرورة تيسير اندماجهم إلى أقصي حد ممكن في الحياة العادية، فإن وضعيتهم بمراكش وصلت إلى محطات القلق ومؤشرات فاضحة. في نفس السياق، أنتقدت عدة فعاليات جمعوية وحقوقية ل ” مراكش بريس” ضعف البنيات التحتية التي تقدم خدماتها لهذه الشريحة من المجتمع، وقلة الجمعيات التي تنشط في هذا المجال سواء على مستوى جهة مراكش تانسيفت الحوز، أو على المستوى الوطني . إلى ذلك، أوضحت الأستاذة نادية بوسوف، مساعدة إجتماعية بمركز الإستماع للنساء ضحايا العنف، التابع لجمعية النخيل، أنه صدر في 20 دجنبر1971 الإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا، وفي 9 دجنبر 1975 تم اعتماد الإعلان الخاص بحقوق المعوقين وفي 17 دجنبر 1991 تم اعتماد مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية وأن مختلف هذه الإعلانات والمبادئ تؤكد على ضرورة رعاية وضعية هذه الفئة الاجتماعية وأفاد أن هذه المبادئ نصت على حق هذه الفئة في الحصول على الرعاية والعلاج الطبيين المناسبين وعلى قدر من التعليم والتدريب والتأهيل والتوجيه يمكنه من إنماء قدراته وطاقاته إلى أقصى حد ممكن، وحق التمتع بالأمن الاقتصادي وبمستوى معيشة لائق، وحق في العمل المنتج ومزاولة أية مهنة مفيدة وأشارت بوسوف ل ” مراكش بريس” إلى ندرة الكتابات المتخصصة في ظاهرة تشرد الأشخاص المعاقون ذهنيا، داعية إلى ضرورة التفكير في إدماج هذه الفئة والإهتمام بها، والدفع في أن يقيم هؤلاء الأشخاص مع أسرهم ذاتها أو مع أسر بديلة، وأن تحصل الأسرة التي يقيم معها على مساعدة الدولة. على نفس الواجهة، إقترحت فعاليات حقوقية وجمعوية مختصة بأن تكون بيئة المؤسسة التي يوضع فيها هؤلاء الأشخاص ملائمة، وأن تحظى ظروف الحياة فيها بالسلاسة الإجتماعية والإبتعاد عن الوصم، مشددة على ضرورة إهتمام جمعيات ومنظمات ومراكز حقوق الإنسان بهذه الفئة ، وإيلاءها العناية اللازمة ، كما تقرها المواثيق الدولية والمطالبة في المقابل برعايتها وايلائها المكانة التي تم إقرارها من طرف المجتمع الدولي. ورأت ذات المصادر أن الدولة تبقى هي المسؤول الأول والأخير عن أي انحراف يطال هذه الفئة الاجتماعية، فمن مسؤولية الدولة إحصاء عدد هذه الفئة ومعرفة الظروف التي تعيش فيها والإيعاز إلى ذويهم أو إلى الجهات الوصية عليهم كالمجلس الجماعي والمراكز الصحية ودور الرعاية والخيريات برعايتهم وإحاطتهم بما يكفي من عناية اجتماعية حتى يستعيدون مكانتهم التي تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. في حين، أشارت جهات أخرى مهتمة بالظاهرة أن ارتكاب أية جريمة يتم حصرها قضائيا والكشف عن أسبابها ووقائعها, داعية في أن يوفر القانون الجنائي ما يكفي من نصوص للتعامل العادل مع كل حالة على حدة، مشيرة إلى أن الجريمة بحد ذاتها يعتبرها المحللون القانونيون فعلا شاذا مجتمعيا تعبرعن خلل اجتماعي عميق يجب معالجته واستخلاص العبر لعدم تكراره، من هنا تبدو ضرورة الرعاية النفسية والاجتماعية لذوي الإعاقات الذهنية حتى لا تحدث انزلاقات وجرائم مصدرها الإهمال التام لها. غير أنه من الملاحظ ،أن المشهد الجمعوي المراكشي، الذي يكفل رعاية هذه الفئة الاجتماعية مازال ضعيفا جدا، إذ لانجد في بعض المدن المغربية الكبرى كمراكش سوى جمعيات صغيرة ومحتشمة تهتم بالتعامل مع ذوي الإعاقات الذهنية،والعناية بهم، وعادة ما تكون موجهة ومخصصة لطبقات اجتماعية ثرية أو متوسطة لأنها الأقدر على دفع المقابل، أما المصابون بالإعاقات الذهنية المنتمون للطبقات الفقيرة فيتعرضون لنوع خطير من الإهمال واللامبالاة مما ينتج عنه انعكاسات خطيرة على الشخص المعني بالأمر وعلى محيطه الاجتماعي. في حين شدد مهتمون بالظاهرة، في مراكش على ضرورة منح الجمعيات المهتمة بالمشردين من ذوي الإعاقات الذهنية صبغة المنفعة العامة، حتى تحظى بما يكفي من دعم ورعاية مادية ومعنوية للقيام بدورها في تأهيل المعاق ذهنيا، وحتى يتمكن من الاندماج بسهولة في محيطه الاجتماعي وكذا نشر ثقافة التعامل الإنساني مع ذوي الإعاقات الذهنية، مما يؤدي إلى تماسك اجتماعي حقيقي يجد فيه كل فرد مكانته اللائقة داخل المجتمع. وقال إن غياب التكافل الاجتماعي وسيادة التفاوت الطبقي الصارخ نتيجة سياسات لا شعبية تقود العديد من الأشخاص إلى التهميش، وإن ضحايا الإعاقات الذهنية تنتشر بشكل واسع بين أفراد الطبقات المسحوقة، ونظرا لغياب الإمكانيات المادية لسد رمق الحياة فإن ذوي الإعاقات الذهنية يصبحون من بين المشردين الذين تمتلئ بهم الشوارع والأزقة على مستوى المقاطعات الخمس بمراكش، والجماعات الشبه حضرية المحيطة بها.