يشكل تواجد المختلين عقليا والمتشردين في شوارع المدن المغربية وساحاتها العمومية ومحطاتها الطرقية بكثرة، ظاهرة مخلة بمظهر المدن، وخطرا على سلامة المواطنين مستعملي المجال العام وبصمة عار في جبين بلادنا وآفة ماسة بكرامة الإنسان بشكل عام. ومن منطلق مبادئ السلم والعدالة الاجتماعية وكرامة الشخص البشري وقيمته، فجميع القوانين تؤكد على ضرورة حماية حقوق ذوي العاهات البدنية والعقلية وتأمين العيش الكريم لهم وإعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا، مما يفرض على الدولة وجميع الجهات المتدخلة مساعدة الأشخاص المتخلفين عقليا على إنماء قدراتهم في مختلف ميادين الحياة وتسهيل اندماجهم في الحياة الاجتماعية. ولللإشارة ففي 17 دجنبر 1991 تم اعتماد مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية وأن مختلف الإعلانات العالمية والمبادئ تؤكد على ضرورة رعاية وضعية هذه الفئة الاجتماعية. وأمام ضعف البنيات التحتية التي تقدم خدماتها لهذه الشريحة من المجتمع، وقلة الجمعيات التي تنشط في هذا المجال في المغرب، فاستقبال المشردين والمختلين عقليا في ظروف كريمة وغير مشينة وإيواؤهم وعلاجهم يعتبر إشكالا يصعب حله، وأضحت الجماعات المحلية وبعض الفعاليات الجمعوية والحقوقية، رغم جهودها في المجال، غير مسلحة لمواجهة الظاهرة وتبقى إمكانياتها محدودة وتدخلاتها بجانب السلطات المحلية موسمية وغير مستدامة. وفي غياب مراكز الإيواء التي كان من المفترض أن تأوي هؤلاء المشردين، فقد تحولت أهم الساحات العامة ومواقف السيارات والحافلات والشوارع الرئيسية (شارع بئرانزران بطريق كلميم، ساحة المشور، شارع سيدي عبد الرحمان، محطة الطاكسيات الكبيرة، بوابة السوق البلدي القديم والوداديات...) إلى "مآوي" متنقلة وغير رسمية،كما نجدهم بالخصوص أمام المطاعم التي ترتادها الطبقات الميسورة لإحراج طالبي الوجبات بالجوع والعوز، وذلك في محاولة لإجبار الناس بالطرق المختلفة لإعطائهم ما يريدونه، من خلال إدعائهم الفقر والجوع والمسؤولية عن عائلة، أو منهم في حالة الصرف على الأيتام والتحدث بقصص مأساوية وغريبة. فأينما وليت وجهك، فثمة متسول أو متسولة، أجسام متسخة وشعور مشعتة، وعاهات بعضها في كل حي وفي كل درب وزقاق، وفي المقاهي وحيث يجتمع المواطنون، يتجمع المتسولون فرادى وجماعات، نساء ورجال وحتى الأطفال منهم، يعترضون المارة والعابرين، مادين أياديهم، طالبين صدقات، البعض يرق قلبه لهم ويناولهم ما تيسر له، والبعض الآخر لا يعيرهم أدنى اهتمام، فيما البعض الثالث ينهرهم ويسمعهم سيلا من الكلمات الجارحة. أما على أبواب المساجد فهم يتجمعون في أوقات الصلاة مرددين عبارات الخنوع والذل والرحمة بحالهم. كما أن الفئة الأكثر تضررا هم الأطفال والنساء حيث تمارس عليهم مختلف أشكال التمييز، ويتعرضون لمختلف أشكال الاغتصاب من طرف زملائهم الكبار. من جهة أخرى، فلا يعقل أن يتم التغاضي عن تنقلات المشردين والمختلين العقليين والنفسيين بحرية بين مدن وقرى المملكة وتصريف وتصدير الظاهرة والمشاكل المرتبطة بها من جهة إلى أخرى، دون أن تتوفر لدينا قنوات لاستقبال هذه الفئة من المواطنين، ودون أن نمكن الجماعات المحلية والسلطات الأمنية والقضائية والصحية من وسائل الاستشارة والاستقبال في ظروف إنسانية، حافظة لكرامة الإنسان.