الجزء الثالث وعلى الرغم من كل الإجراءات إلا أن هذا لم يؤد إلى منع انتشار الظاهرة عالميا، والتي عبرت عن نفسها في تراجع أسواق المال في كل من تايلاند وماليزيا وهونج كونج وإندونيسيا وكوريا وسنغافورة وتايوان كان تراجع سوق الصين أقل من نظيراتها الآسيوية حيث أعلنت البنوك في الصين أنها لا تمتلك استثمارات مرتبطة بمشكلات الرهن العقاري الأمريكي، وفي أوروبا وصف المحللون الماليون الأزمة هناك بأنها أزمة خطيرة تهدد النظام المالي الأوروبي ولكنها ليست كارثية، وقد تراجعت أسواق السويد وهولندا والنرويج وبلجيكا والنمسا والدنمارك وفنلندا وانخفض مؤشر فاينانشيال تايمز البريطاني وداكس الألماني وكاك 40 الفرنسي وڤوستي البريطاني وميبتل الإيطالي وتوبكس الأوسع نطاقا والذي سجل أدنى نقطة منذ نوفمبر من العام الماضي 2006 ومؤشر نيكاي الياباني الذي أقفل عند أقل معدل له منذ ثمانية أشهر، وذلك بعد أن انعكست مشاعر المستثمرين المضطربة بشكل واضح على مؤشر داو جونز الصناعي الذي اهتز بعنف لينخفض إلى مستويات أدنى من حاجز ال 13000 نقطة، بينما فقد مؤشر ناسداك نحو 1.7 من قيمته. لكن أين مكمن الخلل: فقد شهدت القروض الموجهة لضعيفي الملاءة طفرة في أمريكا خلال الأعوام الأخيرة ولم يكن هناك ما هو أسهل من الحصول على قرض سكني. فإذا كانت الجدارة الائتمانية لطالب القرض متدنية أو كان لديه تاريخ بالإفلاس، فهذا لا يهم. وإذا كان دخله متدنياً إلى حد لا يكفي للتأهل للحصول على قرض، فكل ما عليه أن يفعله هو محاولة الحصول على القرض من خلال تعبئة طلب خاص “يصرح فيه عن دخله” ( ويكتفي البنك بذلك وإن كان يتعين عليه التحقق من بيان الدخل ). وإذا كان طالب القرض يشعر بالتوتر من أن الجهة المقرضة يمكن أن تستعلم عن “الدخل المصرح” فكل ما عليه هو زيارة موقع شركة معينة على الإنترنت ومقابل رسوم مقدارها 55 دولارا سيساعدك المأمورون العاملون في هذه الشركة الصغيرة ( مقرها ولاية كاليفورنيا ) في الحصول على قرض بتوظيفك على أنك “مقاول مستقل”. وسيعطونك إشعارات بالرواتب لتكون “دليلاً” على الدخل، وإذا دفعت رسماً إضافياً مقداره 25 دولاراً فإنهم يضعون مأموري الهاتف الذين يردون على المكالمات ويجيبون أجوبة تعطي عنك صورة براقة إذا احتاج البنك إلى الاستفسار عن وضعك. لعل أكثر جانب سقيم بالنسبة لسوق القروض لضعيفي الملاءة في السنوات الأخيرة هو أن الجهات المقرضة بلغت من السخاء في تزويد القروض للمقترضين الفقراء حداً جعل القلة القليلة منها فقط هي التي تقوم بالاستفسارات إن فعلت ذلك أصلاً. زادت الأمور توترا بعد فشل بنكي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي في التخفيف من حدة تراجع المؤشرات على الرغم من ضخ نحو 121.6 مليار دولار لطمأنة المستثمرين ووقف نزيف التراجع، حيث إنه خلال يوم واحد من التعامل فقد مؤشر داو جونز قرابة 400 نقطة في حين تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز بواقع 150 نقطة. - العامل الأول.. توسع المؤسسات المالية في منح الائتمانات عالية المخاطر للشركات والمؤسسات العاملة في مجال الرهن العقاري، والتي لا تتوافر لديها الضمانات المالية الكافية لسداد التزاماتها تجاه الجهات المقرضة ووصل الأمر إلى حد معاناة هذه الجهات من عدم توافر السيولة اللازمة لتمويل أنشطتها. • العامل الثاني يكمن في عدم قدرة مؤسسات التمويل العقاري على القيام بعمليات الاستحواذ التي أعلنت عنها الحكومة الأمريكية أخيرا، وذلك بسبب عدم توافر التمويل اللازم للقيام بهذه العمليات، وهو ما أعطى مؤشرا سلبيا لأداء الاقتصاد الأمريكي. • العامل الثالث الذي كان له بالغ الأثر في تراجع البورصات الأمريكية هو عجز الحكومة عن توفير فرص العمل التي كانت قد أعلنت عنها في وقت سابق، مما ولد شعورا لدى المستثمرين بأن أكبر اقتصاد على مستوى العالم يمر بأزمة حقيقية، ومن المعروف أن أسواق المال بالغة الحساسية لمثل هذه المؤشرات فكان التراجع الحاد في كافة مؤشرات البورصات الأمريكية. ومن المعروف أن السوق الأمريكية ترتبط ارتباطا عضويا بالاقتصاد الأوروبي والآسيوي، بمعنى أن الشركات الصناعية في هذه الدول تعتمد بنسبة تتعدى %70 على ترويج منتجاتها داخل السوق الأمريكية، وفي حالة تراجع نشاط الاقتصاد الأمريكي تعاني هذه الشركات من انخفاض حجم مبيعاتها وتراجع ربحيتها، وعندما تظهر مؤشرات على هذا التراجع مثلما حدث خلال الأسابيع الماضية تبدأ البورصات العالمية في الانحدار والتقهقر، نظرا لأن صناديق الاستثمار ومؤسسات رأس المال تبدأ في التخلص عما بحوذتها من أسهم، وتزداد عمليات البيع في كافة أسواق المال مما يؤدي إلى تراجع القيمة السوقية للأسهم وانخفاض أسعارها على المستوى العالمي، أخذا في الاعتبار أن مؤسسات المال العالمية سواء كانت أمريكية أو أوروبية تحرص على تنويع محافظها المالية عن طريق الاستثمار في كافة بورصات الأوراق المالية بما فيها البورصات الناشئة، وذلك لتقليل درجة المخاطر المترتبة على تراجع الأسهم في أي من البورصات العالمية. والعاصفة لم تهدأ بعد تواصل اقتلاع مؤسسات أخرى في مقدمتها “المجموعة الأمريكية العالمية” التي تعد واحدة من أكبر شركات التأمين في العالم التي بدأت تترنح مع خسارة أسهمها لنحو 61 في المائة من قيمتها. كما أن أعراض العدوى بدأت تصيب عددا من المؤسسات الأخرى حيث خسر بنك “واشنطن ميوتوال” 27 في المائة من قيمة أسهمه ونزلت قيمة أسهم جنرال إليكتريك بنسبة 8 في المائة وتملك الخوف باقي البنوك التي بدأت تضيق الخناق على عمليات الإقراض مما يهدد المحرك الرئيسي للاقتصاد الأمريكي المتمثل في الائتمان فيما بلغ الدولار أضعف حالاته أمام الين الياباني منذ نحو 10 سنوات. وتراجعت أسهم سيتي جروب، أكبر بنوك أمريكا، بنسبة 15 في المائة ليصل سعر السهم إلى 24. 15 دولار في أقل مستوى له منذ عام 2002، وتلاه بنك أوف أمريكا بنسبة 21 في المائة ليصل إلى 55. 26 دولار، وهو أقل سعر له منذ يوليو/تموز 1982 بعد أن قبل شراء ميريل لينش مقابل 50 مليار دولار، وخسرت أسهم أمريكان إكسبريس، أكبر شركات بطاقات الائتمان الأمريكية، 9. 8 في المائة من قيمتها ليصل سعر الواحد منها إلى 48. 35 دولار. كما هبطت أسهم غولدمان ساكس بنسبة 12 في المائة وتراجعت أسهم جي بي مورغان تشيس آند كومباني بنسبة 10 في المائة. أما مورغان ستانلي، أكبر شركات التعامل في الأوراق المالية للخزانة الأمريكية، فقد هبطت أسهمها بنسبة 14 في المائة. وقد أدت الأزمة حتى الآن إلى اختفاء 11 بنكا من الساحة، من بينها بنك إندي ماك الذي يستحوذ على أصول بقيمة 32 مليار دولار وودائع تصل إلى 19 مليار دولار. وتوقع كريستوفر والين، العضو المنتدب لشركة أبحاث “تحليلات المخاطر المؤسسية” أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنوك تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار وذلك بحلول منتصف العام القادم. ويصل العدد الإجمالي لمؤسسات المال الواقعة تحت مظلة التأمين الفيدرالي إلى 1800 مؤسسة تستحوذ كلها على ما يقرب من 13 تريليون دولار من الأصول والممتلكات . يذكر أن إجمالي الدين الحكومي الداخلي والخارجي في الولاياتالمتحدة قد بلغ حتى الآن أكثر من 11 تريليون دولار. وتأتي الصين في مقدمة الدول الدائنة للولايات المتحدة حيث قدمت ما يقرب من 450 مليار دولار وتليها بريطانيا ثم اليابان ثم السعودية. كما أن العجز في الموازنة الأمريكية بلغ 450 مليار دولار بينما زاد العجز التجاري عن 65 مليار دولار. يذكر أيضا أن القيمة السوقية ل8 مؤسسات مالية عالمية تراجعت بنحو 574 مليار دولار خلال فترة عام واحد فقط كانعكاس للتدهور الذي تشهده الأسواق العالمية والذي تأثر به القطاع المصرفي والمالي بشكل أكبر. على أية حال فان الأزمة الراهنة هي في الواقع جزء من أزمات أكبر ضربت النظام المالي الأمريكي في السنوات الأخيرة وكانت فد بدأت بانفجار فقاعة “الدوت كوم” إلى ذوبان قطاع العقارات، وانتهاء، الآن، بإفلاس مصارف كبرى كانت معتمدة على هذين القطاعين.