من هو صموئيل هنتنغتون : هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد، ويعتبر هنتكتون من أبرز المفكرين الاستراتيجيين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يشكل إلى جانب مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين الاستراتيجيين يشكلون طبقة مؤثرة في سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية بحيث ينتمون إلى مراكز إستراتيجية تعتمد عليها وزارة الدفاع والخارجية في رسم سياستها الخارجية والداخلية، ومن أبرز هؤلاء المفكر فرانسيس فوكوياما الذي سبقه بنظرية أثارت حولها مدادا كثيرا هي “نهاية التاريخ” . كانت البداية لإخراج هذه الفكرة “صدام الحضارات” إلى الوجود كانت سنة 1993 عندما نشر الدكتور هنتكتون مقالة في مجلة الخارجية الأمريكية ( foreign appairs.summer ) سماها :“صدام الحضارات” وبعد أن أثارت هذه المقالة العديد من ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة للأفكار الواردة فيها، والصيت الذي حظيت به هذه المقالة, قرر مؤلفها أن يوسعها إلى كتاب يقول هنتنكتون: أنه تجاوز المثالب والسلبيات التي تعاني منها تلك المقالة. وفي هذا الكتاب يقول المؤلف بأنه يقدم العديد من البراهين والأدلة التي تم التطرق إليها بشكل يسير في المقالة المذكورة. الأطروحة الأساسية للنظرية: الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب هي أن الثقافة والهوية الثقافية, والتي في أوسع معانيها الهوية الحضارية, هي التي تشكل نماذج التماسك والتفكك والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة. ويتكون الكتاب من خمسة أجزاء تحتوي على 12 فصل وان هذه الأجزاء الخمسة من الكتاب هي عبارة عن توسع وتطوير نتائج ذلك الافتراض الرئيسي. وقد شغلت قضية صدام الحضارات الجماهير والمثقفين منذ أكثر من 10 سنوات, وكانت الساحة مليئة بالردود على هذه النظرية, مما أدى ببعض المفكرين إلى محاولة تقديم بديل عن هذه الفكرة, وذلك بالمناداة بفكرة “حوار الحضارات” عوض “صدام الحضارات“. وكان من أهم المروجين لهذه الفكرة البديلة الرئيس الإيراني محمد خاتمي, والمفكر الفرنسي المشهور روجي جارودي, وقد كان الرد قويا من طرف العديد من المفكرين العرب و المسلمين, باعتبار أن ما ورد في النظرية يستهدف بالدرجة الأولى العالم المتخلف ومنه العالم الإسلامي والعربي, ويتضح خدمة هذه النظرية اللادولوجية الغربية انطلاقا من المنطلقين الأساسيين لهذه النظرية: الغرب والآخر: يقول هنتنكتون: “إن أكثر الصراعات انتشارا وأهمية وخطورة لن تكون بين طبقات اجتماعية غنية وفقيرة, أو جماعات أخرى محددة على أسس اقتصادية, ولكن بين شعوب تنتمي إلى هويات ثقافية مختلفة”. لأن عالم ما بعد الحرب الباردة حسب هذا الخطاب عالم يتكون من سبع أو ثمان حضارات, التماثلات والاختلافات الثقافية تشكل المصالح والتناقضات والتجمعات بين الدول, إن أكثر الدول أهمية في العالم يأتي بشكل أساسي من حضارات مختلفة. وبالتالي خلق هذه الفوارق بين الدول والثقافات, سيؤدي بالغرب القوي إلى محاولة فرض نفسه كقوة لايمكن قهرها ودائما و إعداد الشعب على تقبل فكرة نحن والآخر, التي تؤدي دائما إلى الصراع المستمر. تكريس الهيمنة الغربية: أطروحة صدام الحضارات تتحدث عن تكريس الهيمنة الغربية وتدعو للدفاع عن مصالح الحضارة الغربية على أساس النفط والأسواق. وبالتالي اتخاذ كل ما يتطلب للتعامل مع الآخر: الحضارات غير الغربية وخصوصا الحضارة الإسلامية والحضارة الكونفوشيوسية أو الصينية, و أي تقدم تحققه هاتان الحضارات يكون على حساب الحضارة الغربية. وما حالة احتلال العراق علينا ببعيدة فقد قادت الولاياتالمتحدةالأمريكية تحالفا أسقط النظام القائم في بغداد, وليس غريبا على إدارة يمينية مسيحية مثل إدارة بوش أن تقوم بمثل هذه العمليات, وتصبح التطبيق الأمثل للأفكار التي نادى بها هنتكتون, وقد شاهدنا جميعا أن قوة التحالف الانجلوساكسوني تركت متاحف بغداد ودور الآثار فيها أمام الناهبين والمهربين, الذي نتج عنه فقدان العراق لذاكرة تاريخية تصل إلى سبعة الآلاف وغيرها من منابع النفط العراقي. ومن تم نستنتج أن الحضارة الغربية التي أحست بقدوم الحضارات الأخرى, دفعها هذا الإحساس إلى فعل شيء تظهر فيه أنها الأقوى في العالم ولا يستطيع أحد أن يقف أمامها مهما كان انتماؤه. منطلقات خطاب صدام الحضارات: تتحدد هذه المنطلقات في أربعة هي : أولا: الديانة هي المعيار للتمييز بين الحضارات: لان الدين حسب هنتكتون هو الخاصية الأساس للتعريف بالحضارة. ثانيا : حتمية صراع الحضارات: يقول هنتكتون : « إن الصراع بين القوى العظمى قد حل محله صدام الحضارات ». ويسترد: «الدول القومية تظل الوحدات الرئيسية القائمة في الشؤون الدولية, وسلوكها يتشكل كما في الماضي بسعيها نحو القوة والثروة, ولكن أيضا يتشكل بالاختيارات والاختلافات الثقافية». ومع تزايد قوة بعض الدول وثقتها في نفسها, فإن المجتمعات غير الغربية تؤكد بشكل متزايد قيمها الثقافية وترفض تلك المفروضة عليها من الغرب. ويعتقد هنتكتون أن هذا العامل سيؤدي إلى الصراع بين القوة التي ستقوى ويكبر حجمها, ويرد القائلين بنظرية حوار الحضارات بأن هذا العالم سيكون مساعدًا لتلاقح الحضارات وتحاورها وتداخلها, ومن تم تبادل التجارب والاستفادة المتبادلة بين جميع الأطراف المكونين لحضارات مختلفة. وقد حاول هنتكتون أن يأتي بمجموعة من الأمثلة التي حاول أن يقنعنا بها, كي نؤمن بحتمية الصراع الحضاري, وبالتالي قرأ التاريخ في الاتجاه الذي يؤدي إلى تكريس صورة الصراع والصدام والتطاحن. ثالثا : الإسلام هو العدو الأول : الصراعات المقبلة ستكون بين الحضارتين الغربية من جهة والحضارة الإسلامية والكونفوشيوسية أو الصينية من الجهة الأخرى , هذا العداء أبرزه هنتكتون في قوله “أربعة عشر قرنا... أثبتت أن العلاقات بين الإسلام والمسيحية كانت غالبًا عاصفة. كل واحد كان نقيضا للآخر. ويستدل هنا بمقولة لبرنارد لويس : « الإسلام الحضارة الوحيدة التي وضعت استمرار الغرب في شك, ولقد فعلت ذلك مرتين على الأقل –القسطنطينية 1453 ومحاصرة فيينا في 1529». وهو ما يستدعي هنا التدخل من طرف القائلين بحوار الحضارات, إلى الرد بأن الإسلام دين لا يسعى إلى محو الديانات الأخرى أو النيل من معتنقيها, ويعطون الكثير من الشواهد حول تعايش الديانات مع الإسلام في فترات معينة من التاريخ. بل يذهب بعضهم إلى أن خطاب القرآن واضح في منح الآخر غير المسلم كل الحق في أن يحافظ على حياته وعرضه وماله دون تعدية أو تجاوز من طرف المسلمين. ويعتبرون تصنيف الإسلام كعدو أول للغرب غرضه المواجهة الدائمة للإسلام والمسلمين وإبقاء الغرب دائما رهين فكرة العدو الجديد, فبعد أن انتهى الاتحاد السوفياتي, لابد من خلق عدو منافس آخر ليبقى كل شيء على أهبة الاستعداد من العسكر إلى الاقتصاد والسياسة والإعلام. ولكي يقنعنا صموئيل بأطروحة العدو الأول, سرد مجموعة من الأماكن التي تعاني من صراعات بين المسلمين وغير المسلمين : البوسنة – الشيشان – أرمينيا – ألبانيا ... وغيرها من الدول التي اعتبر أن المسلمين هم المسؤولون عما يقع فيها. رابعا : الحضارة تشكل الاقتصاد . يقول هنتكتون : « الحضارة تشكل كل شيء في حياتنا فهي التي تحدد المواقف السياسية المختلفة, وهي التي تحدد سياستنا وحتى نظامنا السياسي,» ويضيف أن الهوية الثقافية هي التي تحدد علاقات الدول بعضها ببعض قائلا : ” في الحرب الباردة الدول كانت ذات علاقة بالقوتين العظميين كدول متحالفة, أو تابعة, أو عميلة, أو محايدة, أو غير منحازة في عالم ما بعد الحرب الباردة, الدول تتعدد علاقتها بالحضارة كدول أعضاء, دول أساسية, دول وحيدة, دول متصدعة, دول مفتتو أو ممزقة مثل القبائل والأمم . فالحضارات لها بنية سياسية. الدولة العضو هي دولة تتحد هويتها كليا ثقافيا بحضارة معينة. مثل مصر بالحضارة العربية الإسلامية. وإيطاليا بالحضارة الأوربية الغربية”. ويزيد إن: “الحضارة تشكل شكل التعاون الاقتصادي بين الدول ومدى نجاح المنظمات الاقتصادية وفشلها, بل لا يمكن أن يكون هناك اندماج اقتصادي ناجح إلا في إطار الحضارة الواحدة. وهكذا صنف السياسات الاقتصادية والمنظمات الاقتصادية بل والعلاقات الاقتصادية الناجحة وفقا للهوية الحضارية, واعتبر هنتكتون أن المنظمات ذات الحضارات المتعددة. ويلاحظ هنا أن هنتكتون تجاهل دراسة العوامل الأخرى التي كانت وراء هذا النجاح أو الفشل والذي ربما تكون ” الثقافة “ ضمن العوامل ولكن ليس هي العامل الأساس . وتاريخيا فإن ما يطرحه هنتكتون يتناقض مع وصف بروديل للتجارة بين الحضارة الغربية المسيحية والحضارة الإسلامية عبر المتوسط في القرن السادس عشر. وهنا نورد نصا لبروديل يرد على هنتكتون حيث يقول « كان الناس يمضون جيئة وذهابا, غير مبالين بالحدود والدول والعقائد, كانوا أكثر وعيا بضرورات الشحن بالسفن والتجارة ومخاطر الحرب والقرصنة, وفرص التواطؤ أو الخيانة التي تتيحها الظروف». بروديل متحدثا عن فترة سقوط القسطنطينية في أيدي المسلمين وغرناطة في أيدي الإسبان. هل الأديان تنتج الصراع؟ الذي تجاهله هنتكتون هو أن الأديان لا تصنع الحرب. ولكن استخدام هذه الأديان من قبل بعض الناس هو الذي يصنع الحروب, والذي تجاهله أيضا هو أن الحضارة, أية حضارة والحضارة السلامية ضمن هذه الحضارات, ليست عدوانية بطبيعتها وأكثر من ذلك ليس صحيحا أن حضارة الإسلام تحمل معها ولا داخلها عدوانية لأي حضارة أخرى. إلا إذا وظفت هذه الحضارة أو الثقافة من قبل دول وجماعات لتبرير سياساتها المختلفة. فالذي يراه مثلا هنتكتون صراعا حضاريا بين أرمينيا و أذربدجان ليس هو كذلك, فإن الحكومة الإيرانية انحازت إلى أرمينيا المسيحية, أين الهوية الحضاراتية في هذا الموقف؟ ويوجد فرق كبير بين بين أن نقول إن هناك صراعا دينيا أو قولنا هناك صراع استخدم الدين فيه استخداما مقصودا. فالشارع اليوغوزلافي مثلا يمقت التفرقة على أساس الدين والدليل واضح حيث نجد ضمن 33 مليون نسمة, سبعة ملايين زيجة مختلطة بين الأعراق والديانات, مما ينتج عنه عائلات متعددة الأعراق والأديان, ولم يكن الدين في الصراع اليوغوزلافي إلا الصورة الواضحة والبينة من الصراع. وهنا نستنتج أن الدين لايضع الصراع, ولكن استغلال الإنسان للدين والتعامل معه هو الذي يؤدي إلى خلق صراع بين أبناء الديانات المختلفة. خلاصة من خلال مجموعة من الدراسات والتحليلات التي تناولت نظرية صدام الحضارات وتفكيك مكوناته و منطلقاته وآلياته, نلاحظ أنه يعكس بكل وضوح مركزية الحضارة الغربية. بمعنى الانحياز ثقافيا وقيميا للحضارة الغربية ومصالحها الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافة, ولا شيء غير المصالح الغربية, فمن البداية جعل هنتنكتون صدام الحضارات حتمية لا مفر منها, ومن تم فهي ستشكل مستقبلنا وهويتنا وكل شيء في حياتنا وإمعانا في تأكيد ذلك فسر التاريخ وإعادة ترتيب أحداته حتى يستطيع حشر “مرحلة صدام الحضارات ” في مراحل التطور التاريخي, وجعل للإسلام حدودا دامية, والإسلام ولع بالمتى منذ ظهوره, والقرون الماضية في تاريخ الإسلام كلها صراع وعنف مع أطرافه الخارجية وبين أجزائه الداخلية, وحتى يقنعنا بأن المسلمين يتحدون الغرب اختار أدلة وأمثلة وأحداثا من هنا وهناك بطريقة انتقائية وفسرها بطريقة تتلاءم مع نتائج مسبقة, مما جعل أفكاره تتكرر, وتحليلاته تتناقض.