أصبح واضحا للجميع أن مدينة مراكش بدأت تعرف ازدحاما شديدا في شوارعها الرئيسية وملتقياتها الطرقية الكبرى، ففي أقل من ثلاثة عقود عرفت المدينة تطورا لافتا وكبيرا، نشأت على إثره أحياء جديدة بكاملها، بل وتوسعت المدينة بشكل مخيف وهستيري، حتى أصبحت الآن تئن تحت ازدحام شديد كالذي تشهده مدينة الدارالبيضاء أو مدينة طنجة في فترة العبور الصيفية، إلى جانب الكثافة السكانية التي عرفتها المدينة، فهي مدينة سياحية ذات بعد وطني وعالمي، تشهد توافد أعداد كبيرة من السياح من خارج وداخل الوطن، والذين قدرتهم الجهات المسؤولة على قطاع السياحة في المملكة، بأكثر من مليون سائح سنة 2009. ويمكن للقاطن في المدينة والزائر لها على حد سواء أن يشاهد الازدحام المروري الكبير الذي تعرفه المدينة خاصة في أيام نهاية الأسبوع، حيث يحج إلى المدينة مواطنون يقطنون بمدن بعيدة كآسفي والبيضاءوالرباط وبني ملال، وذلك من أجل قضاء يومين جميلين في جو مراكش الرائع، والتمتع بمآثرها التاريخية الساحرة التي لا تتوفر عليها كثير من المدن الأخرى، وما يسهل مأمورية هؤلاء هو سهولة الوصول إلى المدينة، فهي مرتبطة بالقطار بالمدن الرئيسية للمغرب، وأيضا بالطريق السيار الذي قلص المسافة مثلا بين الدارالبيضاءومراكش إلى ساعتين ونصف بدل أربع إلى خمس ساعات في السابق، وهو أمر مشجع لزيارة مراكش في وقت قصير، وضمان جولة سياحية خارج ضغط الوقت، وقد يصادف أن تكون متجها إلى الرباط أو البيضاء مساء الجمعة حتى تشاهد الأعداد الكبيرة من السيارات المتجهة إلى مراكش، حيث تبدو الطريق السيار وكأنها إحدى الطرق الرئيسية في نيويورك أو واشنطن. طريق سيار أخرى تربط مراكش بمدينة أكادير تشرف الأشغال على الانتهاء فيها، مما سيقلص المسافة أيضا بين مراكشوأكادير من خمس ساعات إلى أقل من ساعتين ونصف، وهو ما سيؤدي إلى انفتاح مراكش على الأقاليم الجنوبية للمملكة، ويصبح بمقدور سكان أكادير والمناطق المجاورة الإتيان إلى مراكش من أجل قضاء عطلة نهاية الأسبوع والعودة في الوقت المناسب إلى مدنهم والالتحاق بمقرات عملهم. مراكش بعد أشهر قليلة ستصبح قبلة أولى للسياحة الداخلية في المغرب خاصة وأن شركة الطيران المغربية قلصت الأثمنة المتعلقة بالرحلات الداخلية، مما سيجعل مدينة مراكش متاحة للجميع من أجل زيارتها بكل وسائل النقل المتاحة من سيارة وقطار وطائرة، ما سيجعل معضلة السير والجولان في المدينة أكبر مما هي عليه الآن، وبشكل مخيف يجعل الساكنة متخوفة من الازدحام الشديد الذي بدأت تعرفه المدينة، خاصة وأن البنيات التحتية في المدينة لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة جدا من السيارات، نظرا لضيقها وبنائها وفق تصاميم هيكلية قديمة لم يراعي من وضعوها المكانة التي تحظى بها مراكش على الصعيد الوطني والعالمي، ولم يكن لديهم تفكير مستقبلي يتنبأ بأن مراكش ستتطور بطريقة غير عادية، وأنها ستشهد تطورات تمس جميع الجوانب، مما سيجعلها قبلة لفئات كثيرة من الناس، وهي الآن تشهد إقبال العمال والباحثين عن عمل، وأصحاب الشركات الصغرى والكبرى بحثا عن استثمارات تدفع بمؤسساتهم إلى المجد، وهي أيضا كما أسلفنا قبلة مفضلة للسياح في الداخل والخارج. مشكلة السير والجولان التي تشهدها مراكش الآن، والأكيد أنها ستزداد استفحالا في المستقبل، تعتبر بحق من أكبر المشاكل التي يعاني منها السكان بشكل يومي، فقد تكلف زيارة إلى ساحة جامع الفنا في موسم الصيف ساعتين من الزمن من أجل الوصول إلى قلب المدينة بالسيارة، ومثلها أو أقل أثناء الخروج منها، وحتى أصحاب سيارات الأجرة يرفضون التوجه إلى المدينة القديمة وساحة جامع الفنا بالخصوص في أوقات الذروة في موسم الصيف أي بين الخامسة مساءا والتاسعة ليلا، لأنه إذا غامر أحدهم، وأوصل زبونا إلى ساحة جامع الفنا ويتلقى منه مبلغا قد يزيد قليلا عن عشرين درهما، فإنه سيخسر ساعتين من الزمن أو ما يعادل 120 درهم من دخل سيارة الأجرة اليومي. مشكلة أخرى ناتجة عن مشكلة السير والجولان في مراكش، وهي معضلة حوادث السير، حيث عرفت هذه الأخيرة ارتفاعات متتالية في السنوات الأخيرة، نظرا لازدياد عدد السيارات المتجولة في شوارع المدينة، وأيضا الارتفاع الكبير لعدد الذين يستعملون الدراجات النارية والعادية التي تقول بعض المصادر المسؤولة في المدينة أن عددها قد يكون تجاوز 200000 دراجة نارية وعادية، مما يجعل حوادث السير أمرا مألوفا مشاهدته في محاور وملتقيات طرقية مختلفة، مما يجعل التساؤل كبيرا حول الجهات التي يمكن لها أن تنقذ مدينة مراكش من حالة اختناق تبدو حتمية ولا مفر منها، في ظل المحددات الموضوعية والذاتية التي اصبحت تتحكم في مصير المدينة، ومن خلاله في مصير أكثر من مليون ونصف المليون من المواطنين. المشكلة إذن مركبة ومعقدة بشكل كبير، حيث أن تداعياتها تمس جميع فئات المجتمع المراكشي، فنتيجة لها أصبحت حافلات النقل الحضري تتأخر عن موعدها، وتستغرق وقتا أكبر من الذي كانت تستغرقه في السابق لكي توصل العمال إلى مقرات عملهم، والطلبة والتلاميذ إلى مؤسساتهم التعليمية، دون أن ننسى الاكتظاظ الهائل الذي أصبحت تشهده العديد من الخطوط، والمشاكل التي تترتب عنه من توتر للأعصاب ومناوشات يومية بين مستعملي النقل الحضري فيما بينهم، وبينهم وبين سائقي هذه الحافلات، عدد سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة يبدو أيضا قليلا بالنظر إلى تزايد الطلب عليها هربا من تأخر وازدحام الحافلات المخصصة للنقل الحضري، مما يجعل أمر زيادة أعدادها ملحا حتى يمكن ولو بشكل نسبي حل معضلة التنقل في المدينة، وضمان الحصول على جودة أحسن في مجالات العمل المختلفة والمتنوعة. يوميا ألتقي بالكثير من المواطنين المتذمرين مما تشهده مراكش من ازدحام في شوارعها، وملتقياتها الطرقية وساحاتها العامة فقد أصبحت المدينة الهادئة الجميلة أيام الزمن الجميل، تعرف ظواهر اجتماعية لم تكن تشهدها من قبل، وأصبحت مظاهر دخيلة من مدن أخرى مألوفة في المدينة الحمراء، مما يجعل هؤلاء المواطنين يدقون ناقوس الخطر، ويتمنون من المسؤولين في المدينة أن يجدوا حلا لمشكلة السير والجولان في مراكش التي تزداد استفحالا يوما بعد يوم، في ظل وقوف المجالس الجماعية السابقة مكتوفة الأيدي ودون أي تحرك من أجل حل هذا المشكل العويص. المجتمع المدني أيضا غير معفي من التفكير في إيجاد حلول لهذه المشكلة فلمواجهة هذه المعضلة لا تكفي الشعارات البراقة وملتقيات القبل والكلام الجميل، بل يجب على كل الجمعيات التي تعمل من أجل نهضة وازدهار مدينة النخيل، أن تتحرك وتنزل إلى الشارع، وتقوم بدراسات وأبحاث ميدانية تساعد على حل مشكلة السير والجولان بمدينة السبعة رجال، فقد آن الأوان للخروج من المكاتب المكيفة، والتشمير على السواعد من اجل العمل على وضع تصورات جديدة ومسايرة لروح التحديث، ومشبعة بفكر مستقبلي يستحضر حالة مراكش ووضعها في العقود المقبلة. لن يستقيم الأمر إذا حملنا المسؤولية كاملة للمسؤولين وهيئات المجتمع المدني، وبقينا نحن كمواطنين عاديين نتفرج على هذه المعضلة، بل المطلوب من الجميع أن يساهموا قدر المستطاع في حل المشكل، سواء بتقديم مقترحات حلول، أو المساهمة العملية والإجرائية عبر التنقل بوسائل تخفف ضغط السير في طرقات مراكش، أو تجنب أوقات الذروة في زيارة أماكن معينة، أو استعمال محاور طرقية معروفة بازدحامها الشديد. حينها سنكون جميعا في حل المشكل وأنقذنا مدينة مراكش من هاجس كبير جثم على قلبها، وسيبقى كذلك إذا تراجعت العزائم ولم يتحقق أي شيء مما قلناه، ووقتها سيفضل الكثيرون الابتعاد عن مراكش، والبحث عن مدينة أخرى غير مزدحمة ولا تعرف مشكلة في السير والجولان فيها.