إن وظيفة المؤسسة التنظيمية ومسوغ وجودها تدفعنا للتساؤل عن علاقتها بالفرد، وهل تمتلك التنظيمات الإسلامية معرفة جديدة بالإنسان المعاصر والمجتمع والطبيعة؟ لما لا يتم إيجاد الإنسان الفعال لا الكَل، الإنسان المبادر والمبدع، الإنسان سليم الشخصية، والتلقائي في معاملته؟ إن التنظيم يكبح جماح أفراده بشكل غير مباشر، وقد شعر مجموعة من الدعاة المنظرين المبتكرين لمحتويات وطرق وأساليب التربية والدعوة لهذه الأساليب التربوية بخلل يطال مناهجهم لكن دون وقوف عند الأسباب الحقيقية لها، يقول في السياق ذاته الدكتور فتحي يكن في إحدى مقالاته بموقع إسلام أولاين: "فبينما يكون الفرد خارج التنظيم الاصطفائي معطاء، يصبح بعد انتظامه معطل الطاقة، عقيم الإنتاج، معدوم الأثر والعطاء، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على المحاصرة الحركية، وقسوة الروتين وتراكمية الواجبات التنظيمية التي تواجه الفرد ..." وأعتقد أن الفرد الملتزم، في حاجة إلى مزيد من التحرر على مستوى ثقافته ومعرفته من الثقافة التراثية والتاريخية، والتحرر من كافة السلط/ الفرامل، وأولها السلطة التنظيمية الساهرة على مراقبة سلوك الآخرين، لينطلق انطلاقة جديدة في رحاب هذا الكون، ويجعل في تدينه قابلية للتجديد والتجرد في كل لحظة، باعتباره إنسانا يؤثر ويتأثر؛ فلا يعقل أن نطلب من الإنسان أن يكون متدينا، وديننا الذي نعرضه غير إنساني، ولن يتأتى ذلك إلا بتخليصه من ثقافة الفقه الموروث، والتفسير التقليدي للدين، وعرض قيم الوحي في بعدها العالمي من جديد، تجعل المؤمن أكثر تواضعا، وسعيا إلى الآخر مهما بلغت درجة الاختلاف معه؛ وهذا الخطاب يختلف عن دعاوى إفراغ التنظيمات الإسلامية؛ أي محتوى بقدر ما تسير في اتجاه تطوير مضامينها حتى يصبح وصفها بالمعاصرة. وأخيرا يبقى المناخ التربوي والثقافي السائد في الصف التنظيمي، تلفه ضبابية تحتاج إلى إزالة فورية لتنفتح بصيرة الإنسان من جديد، ويظل ما هو مصرح به وما هو مسكوت عنه، يحتاج إلى مزيد من النقاش والرصد والتحليل والتفكيك.