تشبه إلى حد كبير التقارير والنقاشات التي تعرضها التلفزيونات المغربية حول التعديلات الدستورية التي أصبحت بقدرة قادر المفتاح السحري لكل مشاكل المغرب ، تشبه النقاش الساخن لزملاء جلال بوزرارة وفؤاد الحناوي في برنامج " الماتش " والذي يعرضه تلفزيون " ميدي 1 " ، إذ بتحليلات هؤلاء يظن المرء أن كل الإشكاليات العويصة في المغرب تم حلها ، ولم يبق لنا سوى البحث عن إجابات معمقة لثغرات انحدار الشأن الكروي ببلادنا ، وعلى أي فهؤلاء المحللون يستحون التنويه على كل المجهود الذهني الذي يبذلونه في سبيل تقدم رياضتنا الوطنية . وعملا بالنصيحة المأثورة والتي تقول بالاستفادة من تجارب الآخرين ، لم يدخر النظام المخزني المغربي جهدا في الاستفادة من سفسطات المحللين الرياضيين من أجل إشغال الرأي العام بمسرحية متقنة الإخراج تحت عنوان " التعديلات الدستورية " ، وتم اختيار الممثلين بعناية بحيث يتم استقبال كل يوم مجموعة من " المقترحين " ليساهموا في كتابة دستور المغاربة الجديد ، فذاك من السياسيين ، وآخر من الفنانين ، وثالث من الرياضيين ، ورابع من الأمازيغيين ، وخامس من المقاولين ، وسادس من المعوقين ، وسابع من الفلاحين .. ويا للمفارقة أن تكون الخطوات الاستباقية الجديدة التي أقدم عليها النظام المغربي ب " سوء نية " لاحتواء احتجاجات حركة 20 فبراير ، تشبه إلى حد التماهي سياسة الطاغية الليبي معمر القذافي ، حيث أقدم القذافي قبل أسابيع على اندلاع انتفاضة الشعب الليبي على إطلاق سراح معتقلي ما يسمى " الجماعة الليبية المقاتلة " ليبرر بذلك قمع الانتفاضة بتخويف العالم بشبح " مقاتلين " خرجوا من السجن . وها هو المغرب يطلق سراح " معتقلين سلفيين " اختطفهم ظلما وعدوانا ، ويشجع المغراوي والفيزازي على الترويج لأفكارهم المشبوهة من أجل تبرير أي قمع لاحتجاجات الشعب المغربي بدعوى محاربة " إرهابيين " تم إطلاق سراحهم مؤخرا . وإذا كان القذافي قد صرح بأن الشعب الليبي هو صاحب السيادة والسلطة ، أما هو ليس سوى رمز من رموز ثورة " الفاتح " يقوم بدور توجيهي ، فإن النظام المغربي يتمسك بهذه السياسة للإبقاء على المربع التاريخي لتوزيع السلطة والثروة والنفوذ بقوله إن مؤسسة " إمارة المؤمنين " يجب أن تبقى منظومة رمزية مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، ولا نعرف إن كان أحد رموز هذه المؤسسة فؤاد عالي الهمة " طباخ اللعبة السياسية " ، أم عبد اللطيف الحموشي " مهندس الاعتقالات والاختطافات السرية " ، أم أندريه أزولاي " دبلوماسي العلاقات العامة " ، أم علماء السلطة وعملاء الشرطة الذين لا وظيفة لهم سوى إصدار بيانات الثناء والإشادة بالسياسات الحكيمة ، لا ندري أيا من هؤلاء يمكنه أن يمثل مؤسسة مقدسة ينبغي صيانتها من أي مكروه . وهكذا أكمل المغرب نموذج القذافي السياسي ، بفتح المجال لكل المشتغلين بالأجر من داخل النسق السياسي ليعرضوا مقترحاتهم أمام لجنة الإصلاحات الدستورية المأجورة بدورها لتعد دستورا مفصلا على مقاس النظام المخزني وعلى هواه ، ووسط هذه الاقتراحات سيتم تنظيم مهرجان " موازين " الموسيقي للاحتفال بهذه الإنجازات العظيمة في وقت يسحل فيه الأشقاء الليبيون واليمنيون والسوريون ، ومن ثمة استلهام المغرب بكل وإتقان لمقولة القذافي الشهيرة " غنوا وارقصوا " ، مع إضفاء نموذج مغربي – مغربي للمقولة " اقترحوا وارقصوا " ، ما دامت للمغرب خصوصيته التاريخية في بيع الوهم للشعب . وعلينا أن نتساءل ، أي من هؤلاء الذين طالبوا بإصلاحات سياسية حقيقية وضحوا من أجلها استضافته اللجنة الدستورية ليعرض مقترحاته على لجنة المنوني : هل عرض شباب حركة 20 فبراير مقترحاتهم ؟ هل عرضت جماعة " العدل والإحسان " مقترحاتها ؟ هل عرض حزب " النهج الديمقراطي " مقترحاته ؟ هل عرضت " الجمعية المغربية لحقوق الإنسان " ؟ هل عرض انفصاليو الداخل مقترحاتهم ؟ هل عرض النشطاء الأمازيغ الراديكاليون مقترحاتهم ؟ هل عرض " السلفيون " مقترحاتهم ؟ .. الجواب طبعا أن أي من هؤلاء لم يتم استدعاؤه وهم يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع المغربي ، فعن أي إصلاحات دستورية نتحدث والفاعلون الرئيسيون في المجتمع تم تهميشهم ؟ ، لذلك يصبح الحديث عن الإصلاح فارغا من أي معنى ، والنظام هاهنا يحاور نفسه . وبذلك ثبت جليا أن النظام المغربي ليس لديه أي استعداد لمصالحة الشارع ، فالمغاربة ليسوا أغبياء بإحجامهم في هذه اللحظة عن المطالبة بإسقاط النظام رغم ظلمه وفساده وتفقيره للشعب المغربي وبيع رصيده الحضاري في سوق الخردة ، ولكنهم لحرصهم على ألا تراق أي نقطة دم في سبيل نظام سياسي جديد قد لا يكون موفقا في الاستجابة لانتظارات المغاربة ، ومن ثمة فالمطالبة بنظام ملكية برلمانية يمكن أن يكون حلا وسطا ولكن في ظل جمعية تأسيسية منتخبة ديمقراطيا وتمثل جميع حساسيات المجتمع المغربي ، أما أن يبتزنا النظام بأرواحنا وحريتنا من أجل فرض إصلاحات شكلية بالتقسيط فهي البداية الحقيقية لحتفه ، لأن النظام السياسي الذي يبتغي محاربة شعبه في سبيل بقاء فساده وديكتاتوريته لا يستحق أي مفاوضة على الإطلاق ، ودماء الشعب الليبي ليست بأرخص من دماءنا . فيا أيها " المقترحون " : اقترحوا .. اقترحوا ، فإن النبي يباهي بمقترحاتكم الأمم .. [email protected]