غالبا ما كنا نجد في هذه المجلة، أو تلك، أو لهذا الكتاب، أو ذاك، عنوانا يحمل اسم: "الأصالة والمعاصرة"، يكون مغريا للقراءة، من أجل الوقوف على مضمونه الذي غالبا ما يكتسي بعد فلسفيا، أو فكريا، أو حضاريا، أو واقعيا في نفس الوقت. وغالبا ما كنا نجد أن الفلاسفة، أو المفكرين، عندما يستعملون مفهوم "الأصالة"، إنما يعنون به ما راكمته البشرية عبر تاريخها في مجال معين، أو في مجالات مختلفة، بما فيها المجال الفلسفي، والفكري، المنتج لقيم الماضي في الحاضر، من أجل التحكم في المستقبل. وغالبا ما نجد، كذلك، أن مصطلح المعاصرة، كان يستهدف المنتوج البشري الجديد، في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وخاصة في المجال الفلسفي، والفكري، والحضاري. وغالبا ما كان يحضر عند الكتاب من الفلاسفة، والمفكرين، وهم يتعاملون مع مصطلحي الأصالة، والمعاصرة، رصد العلاقة بينهما، التي غالبا ما تكون علاقة جدلية، من خلال شخصية الإنسان الاجتماعية، المتأثرة بالماضي، والمتفاعلة مع الحاضر، والمحكومة بما يجب أن يكون عليه المستقبل. غير أن مخلوقات بشرية أمطرت بها سماء المؤسسة المخزنية، بكل حيلها المعروفة، وغير المعروفة، أبت إلا أن تستغل مصطلحي "الأصالة، والمعاصرة" في المجال السياسي، لتدعي أنها تملك من القدرة ما تم ابتداعه في الماضي، وفي الحاضر، وما يمكن أن يتم ابتداعه في المستقبل. فهذه المخلوقات المخزنية، والممخزنة، ومعها التي تذل نفسها، من أجل أن تتمخزن، مقدمة في سبيل ذلك كرامتها، لجأت مؤخرا إلى صنع كيان مخزني / سياسي، يحمل اسم "الأصالة والمعاصرة". وهذا الكيان الذي تشكل من منظور رجعي متخلف، يحمل مصطلحي "الأصالة والمعاصرة" منظورا رجعيا متخلفا؛ لأنه يجردهما من الامتداد التقدمي، والديمقراطي، خاصة، وأنهم لا يأخذون من أصالة التاريخ إلا الجانب الرجعي، ولا يأخذون، كذلك، من الحاضر إلا الجانب الرجعي، ولا يسعون إلا إلى تحقيق ما يخدم مصلحة الرجعية، والرجعيين، ما دامت الإمكانيات المادية، والمعنوية للمال العام تصب في حساباتهم، وما دامت الأجهزة الإدارية / المخزنية / السلطوية، والجماعية توظف لصالحهم، ودون حياء من الشعب المغربي، الذي رصد، ويرصد ممارسات كل اللا ديمقراطيين، الذين تجمعوا في حركة سموها ظلما: "حركة لكل الديمقراطيين"، التي خرجت من رحم الإدارة المخزنية، من أجل أن تتحرك في "جهات" الوطن، لتحمل، وتلد هذا الكيان المخزني / السياسي، الذي انحلت في بوثقته الكيانات الإدارية الرجعية المتخلفة، حتى يصير امتدادا تاريخيا للأصالة ،إلى جانب الملتحقين بها من التكنوقراط، وغيرهم، ممن استفادوا جيدا من خدمة الإدارة المخزنية، تعبيرا عن المعاصرة، من أجل أن يعمل الجميع على جعل مستقبل البلاد، والعباد، رهينا بإرادتهم. فالكيان المخزني / السياسي، الموسوم ب "الأصالة والمعاصرة"، هو كيان سعى، ويسعى، وسيسعى إلى: أولا: سرقة التاريخ، حتى لا يستحضر الناس منه، ومن خلال هذا الكيان، إلا الجوانب المظلمة منه، بهدف طمس كل الجوانب الفلسفية، والفكرية، والنضالية المضيئة. ثانيا: السطو على الحاضر، من أجل الظهور بمظهر المجدد، والمحدث لكل جوانب الحياة، وبنفس الأدوات المخزنية، التي تعيد إنتاج نفس الممارسات، التي عرفتها الستينيات، والسبعينيات، والثمانينيات من القرن العشرين. ثالثا: مصادرة المستقبل، الذي سوف يصير في خدمة الطبقة الحاكمة، بدل أن يصير في خدمة الشعب المغربي. وبهذه السرقة، وهذا السطو، وهذه المصادرة، سوف تصير "الأصالة والمعاصرة" قوة مخزنيه ضاربة، ومحتكرة لكل شيء في الحياة السياسية، كما احتكرت كل شيء في الحياة الاقتصادية، لا يمكن مواجهتها إلا بقوة يسارية، وديمقراطية، تسعى إلى قيادة الشعب المغربي، وطليعته الطبقة العاملة، في أفق تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفي إطار دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه. فهل يدرك الشعب المغربي خطورة كيان "الأصالة والمعاصرة" على مستقبله؟ وهل يلتف حول قواه الحية: اليسارية، والديمقراطية، من أجل مواجهة المخططات المخزنية، التي يعمل على تنفيذها كيان الأصالة، والمعاصرة؟ وهل تقوم القوى اليسارية، والديمقراطية، بمراجعة نفسها، وبناء تنظيماتها، وتقوية تنظيمها المشترك، من أجل مواجهة همجية كيان "الأصالة والمعاصرة"، التي ليست إلا همجية الأجهزة الإدارية المخزنية، التي أشرفت على ولادة هذا الكيان من رحم "حركة لكل الديمقراطيين"، كاستجابة لهمجية النظام الرأسمالي المعولم؟ وهل يمكن اعتبار معركة الانتخابات الجماعية القادمة مناسبة للمواجهة الشرسة بين كيان "الأصالة والمعاصرة" المدعوم من قبل الأجهزة الإدارية المخزنية، ومن قبل اللوبي المالي الناهب لثروات الشعب المغربي، وبين الحركة اليسارية، والديمقراطية، وجميع القوى الحية المدعومة من قبل الشعب المغربي، الذي يعاني من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال؟ وهل سيعيش الشعب المغربي تجربة أخرى تشبه تجربة كديرة، وتجربة عصمان، وتجربة المعطي بوعبيد، التي خرجت جميعها من رحم الإدارة المخزنية؟ أم أن الإدارة المخزنية ستحرص فعلا على الالتزام بمبدأ الحياد، وستطبق القانون في حق كل من يعمل على اهدار كرامة الشعب المغربي بالممارسات التي تعودنا عليها من قبل الكيانات المخزنية / السياسية، التي تصنعها الإدارة المخزنية؟ [email protected] mailto:[email protected]