اعتبر محمد ضريف، محلل سياسي، أن دعوة حزب الأصالة والمعاصرة إلى عدم استغلال الدين في المجال السياسي، تحمل دعوة غير مباشرة إلى العلمنة، وأكد ضريف أنه إذا كان المستهدف بهذه الدعوة، التي كان يقول بها اليسار، فيما مضي هي المؤسسة الملكية، فإن المستهدف بها من لدن حزب الهمّة هي الحركة الإسلامية المشاركة، مشيرا إلى ذلك يحمل نفسا إقصائيا، وقال ضريف إن الإشكال اليوم ليس هو هذه الدعوة في حد ذاتها بل ما الأسئلة التي تطرحها في العمق، وتتعلق بطبيعة الدولة القائمة في المغرب، مبرزا أن جميع الأحزاب في المغرب توظف الدين في السياسة بما فيها حزب الهمّة نفسه، وفيما يلي نص الحوار: خلال مؤتمره الأخير، أصدر حزب الأصالة والمعاصرة وثيقة أسماها مباديء وتوجهات تضمنت مواقف يمكن القول أنها تعبر عن دعوة إلى علمانية صريحة للمغرب، وعبرت عن مواقف درج على تسميتها بأنها ذات منزع استئصالي، في نظركم هل يمكن تصنيف الوثيقة في هذا الاتجاه؟ ما عبرت عنه وثيقة مباديء وتوجهات لحزب الأصالة والمعاصرة من مواقف يعيد إلى الواجهة سؤال الذي كان يفرض نفسه وهو علاقة الدين بالسياسة، لأن القول بعدم توظيف الدين لأغراض سياسية يحتاج إلى توضيح، وزان نعرف بالفعل أين ينتهي دور الدين وأين تبدأ السياسية، باعتبار أننا في المغرب، هناك حضور قوي للدين، بل إن مختلف الأحزاب السياسية تؤثت خطابها السياسي بمفردات مستقاة من المعجم الديني، ودائما نقول بأنه في المغرب لا يوجد حزب يوظف الدين وآخر لا يفعل ذلك، وإنما الفرق بين الأحزاب بين القوى السياسية هي درجتها في التوظيف، بحيث هناك أحزاب توظف الدين بشكل كثيف، وأخرى تفعل ذلك بدرجة أقل، ودائما عندما يوظف الدين غالبا ما يحمل دلالات تخدم الموقف السياسي لذلك الحزب، ونحن اليوم، بعد المواقف التي عبّر عنها حزب الأصالة والمعاصرة، أمام سؤال حقيقي وهو: هل المغرب دولة علمانية أم لا؟ فإذا كنّا نتحدث عن ضرورة الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي فينبغي البدء بالجواب عن سؤال آخر أكثر أهمية، وهو: ما هي طبيعة الدولة بالمغرب؟، أما إذا كان الكل يعتبر أن المقدس المشترك هو الإسلام بين جميع المغاربة وأن الإسلام هو الذي ضمن وغذى وحدته ولحمته الوطنية، فالأكيد أن هذا الموقف العام لا يجعلنا قادرين على تجاوز الإشكال الحقيقي، لأنه السؤال يطرح في العلاقة مع طبية الدولة القائمة، كما يطرح في مستوى ثان حول العلاقة وكذا الحدود الفاصلة بين السياسة والدين في التجربة السياسية المغربية. الملاحظ أن مصطلح توظيف الدين بما هي آلية مفاهيمية لتحييد الدين ككل عن المجال العمومي، وبالتالي فهذه دعوة غير مباشرة المقصود منها علمنة الدولة وهو ما يصطدم مع إمارة المؤمنين على الأقل، ما رأيكم؟ في الواقع فإن كل خطاب سياسي فيه ما هو مصرح به و ما هو مضمر كذلك، وعندما نتفحص الموقف المعبر عنه في وثيقة حزب الأصالة والمعاصرة، نجد أن المضمر هو استشراف لنموذج علماني يفصل بين الدولة والدين، وبالتالي بين السياسة والدين، يتصور في الوقت نفسه منح شرعية احتكار تأويل الدين في أعلى سلطة في البلاد، وعلى باقي الفاعلين السياسيين الآخرين ينبغي أن لا يلجؤوا إلى توظيف الدين في ممارستهم السياسية، وطبعا من حيث التصور أو المبدأ فهذا ممكن، ولكن الإشكال يطرح على مستوى تصريف هذا المبدأ، بمعنى أننا نجد أن هذا الأخير يستخدم لإقصاء قوى وازنة في المجتمع المغربي من الحصول على الشرعية القانونية والمشروعية السياسية. كما أنه بالرغم من هذا المعلن عنه، أي الدعوة والتأكيد على أن كل قوى سياسية عليها أن لا تستغل أو توظف الدين في السياسة، فإن الواقع شيء آخر، بحيث نجد أن هذه القوى نفسها، وفي مجتمع تعتبره مسلما، تجد نفسها مضطرة إلى توظيف الدين، ومن هنا فإن حزب الأصالة والمعاصرة نفسه فعل هذا، ففي مؤتمره الأول الذي انعقد أخيرا ببوزنيقة، افتتح هذا المؤتمر بآيات من القرآن الكريم، وهذا حصل أيضا مع قوى سياسية أخرى كانت تنتقد مثل هذا السلوك، وتعتبره إقحاما للدين في العمل السياسي. في واقع اليوم ومقارنة مع السابق، هناك نوع من الإجماع على الدين ودوره، بغض النظر عن مستوى ذلك بالنسبة لكل حزب، غير أن خروج الأصالة والمعاصرة كحزب جديد بهذا الموقف، يشير إلى إعادة إنتاج خطاب سابق كانت له حيثياته، في نظركم ما الداعي إلى إعادة إنتاج مثل تلك مواقف في مغرب اليوم ؟ في الظاهر هناك إعادة إنتاج لخطاب الفصل بين الدين والدولة، ولكن في العمق هناك اختلاف، في السابق عندما كان اليسار يتحدث عن فصل الدين عن الدولة، كان يوجه كلامه للمؤسسة الملكية مباشرة، وهو عندما كان يفعل ذلك كان يهدف إلى دولة علمانية، وبالتالي حرمان المؤسسة الملكية من مشروعيتها الدينية، والرمزية التي اكتسبها الملك بصفته أمير المؤمنين لدى الشعب المغربي. في حين أن هذا الخطاب الذي تم إعادة إنتاجه لدى جزب الأصالة والمعاصرة من حيث الشكل، لا يستهدف المؤسسة الملكية بل هو يصر على أن يكون لهذه المؤسسة وحدها الحق في احتكار الشأن الديني، وفي الوثيقة المذكورة هناك إشارة واضحة لإمارة المؤمنين، وعليه فإن المستهدف بالعلمنة اليوم ليست هي المؤسسة الملكية، وإنما المستهدف هو بعض القوى السياسية المنحدرة من الحركة الإسلامية، وبالتالي هناك رغبة في إقصائها. وهنا لابد من توضيح، عندما نتحدث عن إعادة إنتاج الخطاب هذا مرتبط بتحولات بعض اليساريين السابقين والذين يشكلون اليوم جناحا أو تيارا داخل حزب الأصالة والمعاصرة، وكما هو معروف أن بعض اليساريين القدامى الذين ابتعدوا عن الأحزاب اليسارية هم أنفسهم الذين كانوا وراء صياغة هذه الوثيقة، ولذلك لا نستغرب أن تأتي هذه الفقرات أو التعبيرات على هذا الشكل، لأنه كتبها يساريون كانوا يكتبون نفس الشيء في الماضي. وهنا أوضح، أنه عندما نتحدث عن كونهم يساريون، فنحن نقول ذلك بنوع من التحفظ، إنهم بساريون لم يغيروا لغتهم ومقصدهم، وإن كانوا قد غيروا وجهتهم.