لقد سحب هذا المولود الجديد البساط عن "الإيمسين" و"السكايب" كأداة ناجعة للتواصل، بسبب سهولته وجمعه لعدة خصائص؛ كخاصية التعليق، وسرعة المتابعة والديمومة، والمناقشة الحية للمواضيع المطروحة، وخاصية التنادي حول موضوع معين للنقاش... وقوة الفايسبوك تتجلي أيضا في أنه يقدمك بشكل أكثر جلاء من ذي قبل، وأنه يجمع خصائص ووسائط أخرى فيه. وعلى المستعمل أن يطرح على نفسه أسئلة دقيقة وواضحة من قبيل؛ ما هي أسباب تواجدي في الفايسبوك؟ وكيف أتصور علاقتي به؟ وهل أنا مدمن عليه أم أنا متحكم في تعاملي معه؟ ولأي الأشياء أوظفه وأستغله؟ وفي ماذا يفيدني؟ إذ لابد من الاستعمال الواعي والقصدي للمستحدثات العصرية في عالم التواصل. نطرح هذا الإشكال الجوهري لأننا نلمس عموما ضعف التعامل العربي مع وسائط الإعلام وتقنيات التواصل الحديثة. والدليل على ذلك أنه لما يكون المستعمل هم العرب يكون الابتذال والتكرار والتقليد هو العنوان الأكبر. وهذا ما أثبتته دراسات التعاطي العربي مع الكارامايل و الياهو والإيمسين والسكايب والبالتولك... إنه من اللازم أخذ مسافة نقدية بيننا وبين مستعملاتنا العصرية اليومية؛ التلفاز، الهاتف المحمول، الإنترنيت، الفايسبوك... ويبقى الفايسبوك فرصة حقيقية للنشر والمقروئية والتواصل. وفيه يمكنك أن تضع أهم الروابط، والأشياء عن حياتك، فإما أن تقدم نفسك بشكل جيد وإما بشكل تافه. إن الفايسبوك إسم على مسمى، أي أنك من خلال صفحتك الاجتماعية المفتوحة على العالم، تكون عبارة عن كتاب مفتوح وواضح يسهل على كل واحد التعرف عليه والتواصل معه. من هنا تأتي مسألة "البصمة" التي يتوجب على كل مستعمل أن يتركها أو يتميز بها. ومسألة الإبداع التي يجب أن تطبع مساهمة كل منخرط في عالم الفايسبوك، بدل لغة الفوطوكوبي والابتذال التي تعرفها مساهمة جل مستعملي الفايسبوك... على صفحة الفايسبوك الخاصة بك أن تكون معبرا حقيقيا عن شخصيتك، وانعكاسا لإبداعاتك، وتمثيلا لخصوصيتك، وتعبيرا عن ثقافتك، وجسرا للتواصل مع الآخر، وموطنا لهواياتك، وسجلا وعالما صغيرا لصورك وموسيقاك وأحلامك... بالجملة، على صفحة الفايسبوك أن تكون "وجهك" الذي تتواصل به مع الآخرين. وإذا كان للفايسبوك فوائد، فإنه في نفس الوقت فرصة حقيقية لبعض المرضى النفسيين المختبئين وراء أسماء وحسابات واشتراكات مزيفة لتفريغ سمومهم والتلذذ بأذية الآخرين وتحطيم معنويات الجادين منهم بسبب طبعا من مرضهم النفسي وضحالة فكرهم وعدم قدرتهم على المساهمة الجادة والبناءة والفاعلة. جبناء ومرضى ومهرجون كثر تنقصهم الشهامة والرجولة والمروءة الكافية ليكونوا في المستوى والجدية المطلوبة. من هنا تأتي مسألة الهدف الجماعي المتوخى لدى المغاربة؛ فهل هو لبنة في عالم التواصل أم هو فرصة للتمييع والمزيد من التخلف؟ إن مسؤولية الارتقاء بالإعلام الإلكتروني (والفايسبوك جزء منه) مسؤولية جماعية، تفرض علينا حمايته والصد عنه كل محاولة دنيئة تهدف إلى النيل من إنجازاته ومهامه وأدواره الإعلامية والتعليمية، فلنهب جميعا، مشرفين ومرتادين، مساهمين ومدونين من أجل إرساء ثقافة إعلام إلكتروني، تحافظ على اللباقة والاحترام والصدق والتواصل، وتقطع مع التضليل والافتراء والتمييع والتشويه. وعلى هذا المستوى بالذات، تبرز المسؤولية الجماعية لكل مرتادي الفايسبوك حتى لا يتحول جانبه الإيجابي والفاعل كأداة للتواصل والتنوير والتنمية البشرية والإعلام، إلى هدر للوقت وتجريح وتشويه لأعراض الناس والتشويش على العديد من الكيانات الشخصية والمعنوية، الفردية والعامة. بات لزاما إذن أن نقوم بما يشبه "نقدا ذاتيا"، ونحدد مكامن الخلل والعلل، والسبل للتجديد وضمان ومواصلة التألق. إذ لابد من فضح ومعاقبة كل من يحاول أن يستغل رحابة العالم الافتراضي لبث سمومه وكراهيته وأمراضه ضد البعض. في شكل أقرب إلى الإرهاب لاعتبار التخفي بشكل جبان وراء حسابات مزيفة بأسماء مزيفة ودون أي أسماء حقيقية أو صور تعريفية بالشخص. فلا الدين ولا الوطن يقبل بهذا، ولا ثقافتنا وعاداتنا وأخلاقنا تجيز لنا ذلك. إن مستوانا ومستوى الشعب المغربي ومدى تحضره وتمدنه ووعيه وأخلاقه تظهر من خلال صفحاتنا على الفايسبوك؛ وذلك من خلال ما نعرضه ونقدمه عن أنفسنا ونقدمه للآخر. ومن خلال نوعية اهتماماتنا جدية كانت أو تافهة، ومن خلال نوعية موسيقانا التي نعرض، وصورنا وتعليقاتنا التي نضع، وأشيائنا التي نعلق عليها ب "أحب أو أعجبتني"... هل هي واقعية بناءة أم مجرد مجاملات. وإذا كان يقال سابقا أن مدى تحضر شعب ما يظهر انطلاقا من مدى "تفلسفه"، فإنني اليوم أقول أن مدى تحضر شعب ما يظهر من خلال مدى "تواصله". فلتكن صفحتنا على الفايسبوك صفحة ناضجة وواعية وعنوانا على مدى تحضرنا وأخلاقنا وتواصلنا.