المفكر المغربي ووزير التربية الوطنية حمل بنسعيد مسؤولية عدم القدرة على تدبير الخلاف داخل منظمة العمل وقال بأن التناوب كشف عن المواقع الموجودة في الدولة، وعمق بعض الأشياء وجذرها، مثل السياسات العمومية وتقييمها عناوين تجربة التناوب استنفذت الحجة التي كانت عند الخصم، وهي أننا كقوى ديموقراطية محترفو معارضة قال لي عبد الواحد بلقزيز، لماذا تقبلون بنقود المملكة إذا كنتم ترفضون العمل من داخل المؤسسات مشاركتنا في تجربة حكومة التناوب لم يزل أبدا تحفظاتنا التي كانت لدينا في السابق عبد الرحمان اليوسفي حسم الأمر في مآل التناوب عندما قال بفشله محملا كل طرف مسؤولياته كان يمكن للتناوب أن يكون منعرجا، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. وكأنه قدر علينا أن تكون المنعرجات التي نعيشها متقطعة قال لي الأموي في بداية حكومة التناوب، انتظروا، سيهجمون عليكم من كل حدب وصوب، وسيتربصون بكم، فأنتم جاهزون لهم للتناول تعاملنا مع تقرير البنك الدولي وكأنه كتاب مقدس، يجب الامتثال لبنوده بشكل حرفي من الصعب تسليم السياسات العمومية، والدخول في قضايا بيداغوجية دقيقة، لمكاتب الدراسات سجلنا البعد الاستراتيجي للميثاق، وطالبنا بأن يدخل ضمن مخطط تنفيذي، لكن لاحظنا بأنه يتم التعامل مع الوزارة وكأنها موظفة عند الميثاق الكاتب والقاص المغربي إدريس الخوري كان أستاذي في الدروس الخصوصية في اللغة العربية كان من المفروض أن أحصل على منحة للدراسة في معهد ميلانو للسينما بعد أن أصبحت أستاذا مساعدا في الجامعة، تم استدعائي من طرف الاستعلامات ل "الحديث" معي في 1977 كان في النقابة الوطنية للتعليم بضع أساتذة، منهم إسماعيل العلوي وعبد الواحد الراضي ومحمد المالكي وفتح الله ولعلو الذي كنت وإياه بمثابة الشبيبة عرض علي الخلطي، صورة لشخص يشبهني يضع أيضا نظارات، يقول أنه عضو قيادي، غير معلن عنه، في 23 مارس أعاد ربط الصلة بين الداخل والخارج في التنظيم التقارير البوليسية، في أغلب الأحيان، قائمة على خلق عدو وهمي، يؤسس ويشرعن البولسة ثقافة الكتمان تجدرت في داخلي منذ ذلك الوقت شأني شأن باقي رفاق المرحلة ............................ محطات كثيرة، حفرت في ذاكرة وشخصية المفكر المغربي ووزير التعليم السابق عبد الله ساعف، وهو حين يتحدث عن مسارات التجربة في السياسة والتدبير الرسمي وفي الدراسة والتكوين الأكاديمي، يعرضها أمامك بمنهجيته العميقة التي تتجاوز ظواهر الأشياء، لتستجلي البواطن، في مشهد سياسي مغربي تتحكم في صياغته مواقع القرار، التي لا نعرف مصدرها، وتلك هي بعض ما جعل عبدالرحمان اليوسفي يخرج عن طوره في محاضرته الشهيرة، ويعلن فشل حكومة التناوب. كما يتحدث عن تجربته في وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، والمقاومات التي عاش فصولها لحظة بلحظة. لكن التجربة الأبلغ في مسار ساعف، هي عمله من داخل منظمة العمل، وما رافقها من عنفوان، قبل أن تأفل التجربة مع لحظة الانشقاق العصيبة، التي انهار فيها الحلم، لتبقى خلاصات تجربة سياسية وإنسانية بكل أبعادها، قوامها السياسة في الزمن الجميل. - لنعتبر أن سنة 1998، هي سنة حاسمة في مسارك الشخصي والعلمي والفكري والسياسي. فهي سنة وضعتك في المحك الحقيقي، لقد وجدت نفسك فجأة في منصب رسمي، عندما تم تعيينك وزيرا للتربية الوطنية في اختبار المثقف الذي تمنح له السلطة، كيف عشت هذه المرحلة الهامة من حياتك؟ وما مدى تأثيرها على قناعاتك الفكرية والسياسية؟ * بالفعل، لقد كانت سنة 1998، سنة حاسمة في مساري الشخصي، وأعتبر فصلا محوريا تجمعت فيه أشياء كثيرة منها عملي في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أعتبره مرصدا، له خصوصياته، وبالإضافة إلى عملي في المجال المدني والسياسي، وهي كلها لحظات مفصلية في تجربتي . وقبلها، كانت مرحلة الشباب، التي لم يحصل فيها، ذلك الاستقرار المنشود على المستوى الثقافي والسياسي، وأقصد بذلك سنة 1967، والتي كانت محددة لوعيي، ثم نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، مع الدخول لنظرة للعالم مبنية على الشرعية والمشروعية.وتزامن ذلك مع تأسيس منظمة العمل، والنقاشات الواسعة التي صاحبت ذلك، هل الشرعية أم السرية، هل العمل من داخل النظام أم العمل من خارج النظام، كلها أسئلة كانت وليدة ممارسة سياسية. هذه كلها مسارات ، تحولت من نقاش إلى دينامية واقعية، وقد ساهم هذا في تكويني الشخصي، مضافا إلى الجانب الأستاذي والتكويني، وأيضا إلى مساري كمناضل. - جئت، إذن، على وزارة التربية الوطنية محصنا بما يكفي من التجربة العلمية والفكرية والشخصية؟ * دخولي إلى وزارة التربية الوطنية، كان يجر خلفه كل هذا التاريخ، مضافا إليه أسئلة أخرى من قبيل. هل هناك إمكانية للتغيير والإصلاح، وهل الوزير وزير فعلا في المغرب، وهل يملك الصلاحيات لتطبيق رؤيته. نحن نعلم أن الساحة المغربية مليئة بأطروحات كثيرة ومتناقضة في هذا الموضوع، ومن بينها هل التناوب كان ناضجا بما يكفي، وحتى إذا لم نكن مثقفين على عدم نضوج التجربة، هل كان علينا أن ننتظر حتى يرضخ الفاعل الآخر لشروطنا،أم أننا مسؤولون في مكانه إذا لم يكن هو مسؤولا. بمعنى قبل ينهزم الفاعل وينهزم مجتمعنا وبلادنا علينا أن نكون مسؤولين في مكانه، في تساوق مع الرؤى التي دافعنا عنها طيلة فترة من نضالنا السياسي. ولأول مرة يتسرب هذا النوع من النقاش العلمي الملموس، وبرهانات محددة وباستحقاقات قادمة، فيها المحاسبة، وبكل المخاطر الممكنة، لقد كان واضحا لنا منذ البداية، أن الأمر يتعلق بمغامرة كبيرة، ولكن لم يكن هناك يقين في ما نحن مقدمون عليه. وقد كانت فلسفتي أن لا يقين في هذه التجربة، ولا ضمانات. ولذلك فهذه اللحظة، هي لحظة قوية. - هل غيرتك هذه التجربة في ما بعد؟ * أنا كباحث في علم السياسة، أعرف الكيفية التي يعمل بها عقل السلطة ، ودراساتي كلها كانت في مرتبطة بعلم السياسة، سواء في الجانب المؤسساتي الفكري ، أو في الجانب المتعلق بأدوار الفاعلين ومناوراتهم واستراتجياتهم. هذا هو مجال اهتمامي الصميم. ومن الزاوية البحثية اعتبرت معرفة ما يروج داخل الصندوق الأسود، الذي هو السلطة، لا ينفصل عن التجارب التي تعرفت عليها في شهادات ومذكرات من عاشوا التجربة قبلي. لقد كانت تجربة التناوب مبنية على فلسفة المشاركة، مع وعي بالمخاطرة، ولطالما اعتبرت في كتاباتي أن ليس هناك من ضمانات للنجاح، ولو كان العمل السياسي بهذا السهولة لهانت الأمور. كما أن لا توجد يقينيات، وكل ما هناك تجربة مفتوحة على جميع الاحتمالات. ولكن من جهة أخرى تستنفذ الحجة التي كانت عند الخصم، والتي يدعي فيها بأننا كقوى ديمقراطية نتمهن المقاطعة، وأننا نتخذها حرفة سهلة. وقد كانت لدي حساسية اتجاه هذه المسألة بالضبط، وهي ترتبط عندي بمسار تجربة شخصية، إذ أذكر أني لما ناقشت أطروحة الدكتوراه، وكنت أدرس في كلية العلوم الاقتصادية والقانونية في الرباط، وكان عبد الواحد بلقزيز هو عميد الكلية، والذي شغل منصب وزير الإعلام ووزير الخارجية ، وقد كان أستاذي أيضا في الجامعة، وهو رجل قانون محترف ومن عيار ثقيل، زرته يوما في مكتبه وطلب مني أن أعمل معه في معهد الصحافة، فقلت له، أنت تعرف أني الآن أدرس تاريخ الفكر السياسي في الجامعة، وإذا كانت هناك مادة خاصة بتاريخ الفكر السياسي في برنامج طلبة المعهد، فأنا مستعد لتدريسها. فأوضح لي: أنا لا أريدك في هيئة التدريس، ولكني أريدك أن تتحمل مسؤوليتك، وأن تنظم إلينا، فأجبته، بأني لا أصلح لتلك المسؤوليات، فرد علي، ولماذا تصلح، هل تصلح للمعارضة فقط؟ وقد كان عندما يغضب يخرج عن طوره ويصبح عنيفا، فقال لي: إذا كنتم معارضين فعلا، فلماذا تقبضون مال الدولة، ألا ترون بأن الأوراق المالية تحمل صورة الملك. فقلت له وما علاقة هذا بذاك، فأجابني بطريقته، بأن الأمر سواء. في الحقل السياسي، هناك دائما هذه المعضلة: متى تتواجد، وإلى أي حد يجب أن تتوقف مشاركتك السياسية، وهل يمكن للتواجد أن يكون مقاومة.. هذه الإشكالات شغلتني مدة طويلة، وقد وجدتها ترد في نقاشات أخرى سترد في ما بعد. من بينها أن العديد من الإخوان أسسوا جمعيات مدنية لها حضور خاص، ولما كنا نتناقش حول المشاركة والمقاطعة، كانوا يعتبروه أنه لا يجب أن تكون هناك مشاركة في المؤسسات السياسية، ولكن العمل من خلال جمعيات مدنية لها شكل من أشكال الاستقلالية. وقد كنت أسجل تناقضا في طرح هؤلاء، وعدم انسجام، لأن القبول بالدخول للساحة هو درجة من المشاركة، فأين هو هذا المهندس العبقري، الذي سيحدد لنا معايير المشاركة التي تحافظ على الخط، والمشاركة التي تخرج من منظومة المعارضة المقاطعة الراديكالية إلى منظومة المشاركة الكاملة، والتاريخ أكد لنا من خلال تجارب مشاركين في الدرجة القصوى من المشاركة، ورغم ذلك حافظوا على المسافة الضرورية الممكنة. لقد كان هناك نوعا من سوء التفاهم، فلو أننا شاركنا، فإن ذلك لم يزل أبدا تحفظاتنا التي كانت لدينا في السابق. وفي تجربة حكومة التناوب الأولى، كان الإشكال الرئيسي ليس البرهنة على حسن النية، بل بدل كل الجهود من أجل أن تتطور الأمور إلى الأمام في البلاد، وإذا لم تنجح التجربة، فأنا في هذه الحالة أيضا مسؤول عن فشلها أو إخفاقها، ولا أسعى إلى رمي الحبل على الغارب، وتحميل المسؤولية للجهة الأخرى. لأن ذلك ينتج شيء أساسي، وهو فرز المسؤوليات التاريخية، والمسؤولية الكاملة، كل من موقعه، وبدفتر تحملاته. - محاضرة اليوسفي، حسمت الأمر، في مسألة التناوب؟ * بالفعل، أنا عندما أقرأ محاضرة اليوسفي، أرى أنه قال ما يجب أن يقال، وبأننا لم ننجح، وهذه هي الحدود التي توقفنا عندها والمشاكل التي اصطدمنا بها. وبالتالي، في تلك المرحلة تنتفي المساءلة والنقد، ولا تبقى قيمة لمقولات من شارك ومن لم يشارك، ومن أنصفه التاريخ، ومن لم ينصفه. فالأمر ليس بهذه البساطة أبدا. - كيف إذن تحكم أنت على التجربة؟ * تجربة التناوب تعرضت للكثير من الانتقاد، وأصبحت تدخل ضمن الإجماع، لدى فئة كبيرة من الطبقة السياسية، في المعارضات، ومن الجهة الأخرى.. وهناك من اشتغل مباشرة ضد التجربة، وبشكل علني ومبدئي وواضح، وهذا له مشروعيته. - لكن الأخطر، هم أولائك الذين عملوا على نسف التجربة من الداخل؟ * صحيح، هؤلاء هم الأخطر، وهذه الحقائق يجب أن تكتب. ومع ذلك، أعتبر أن من قال بفشل تجربة التناوب هو المجان للحقيقة،لأنه قال بذلك، وأثبت الواقع صدقية ما يقول، وأنه انتصر. على التاريخ أن يقوم بعمله، فلا يجب أن نثق بالتاريخ المباشر، ولا بأقوال الفاعلين المعنيين، الذين عاشوا في مواقع مختلفة ومصالح متضاربة. ولا أن نتخذ كلامهم سندا صحيحا، بل أن نتعامل بنوع من الحذر ومن الحيطة والتحفظات، فالذي يتكلم أحيانا، لا يملك معرفة دقيقة بالوقائع. ومهما كان، فإن التاريخ هو الذي سينصف هذه التجربة، وسيقول كيف كانت وما هي خصوصياتها. من جهتي أعتبرها أنها كانت مرآة لتوازن القوى على المستوى الوطني، وحققت أشياء إيجابية، وتميزت بنقط ضعف واضحة وتميزت بحصول إخفاقات كبيرة. وهي تعطي صورة على المغرب، واستعملت كذلك، في الصراعات التي جاءت ما بعد التجربة، على ضوء المرحلة الجديدة. - متى أصبح التناوب السياسي مشكلة؟ * أصبح التناوب السياسي مشكلة، ما بين 2001 و2002، أي في المرحلة الأخيرة من تجربة اليوسفي، أي سنتين بعد أن دخلنا في التجربة. ووقع اصطفاف وإعادة اصطفاف. وبالتالي يمكن أن أقول في صدد التجربة، أنها تجربة جد دالة، وأستبعد من ذلك التقييمات المألوفة والدراجة، والتي أصبحت مثل مسلمات لا تناقش، وكل من يتكلم يلتجأ إلى إطلاق تلك الأحكام السهلة التي لا تستند على معطيات. - هل كان الموقف من التناوب دعاية سياسية؟ * كان فيه هذا الجانب، وزيادة على ذلك، كانت هذه الأحكام، لا تتحلى بالمعطيات اللازمة وتعوزها الوقائع، وماذا وقع بالضبط، وما تم إنجازه، وهذا يعكس في جوهره مستوى وعينا السياسي كمجتمع. يبقى بالنسبة لي أن التناوب كشف عن المواقع الموجودة في الدولة، وعمق بعض الأشياء وجذرها، مثل السياسات العمومية وتقييمها، لكن لم يعط التناوب في نهاية المطاف النفس الجديد المطلوب والمأمول. - بمعنى، هل تم استعجال الحصاد قبل الأوان؟ * في الوقت الذي كان فيه وعد كبير بحصول قطيعة والمرور إلى مرحلة أخرى، فإن ما حدث، بين على أن الإرادة لم تكن حاسمة، وهذا واضح. وقبل أيام وأنا أقرأ مقالا لمحمد الأشعري، توقفت عند العبارة التالية" لقد أخفق الانتقال الديمقراطي"، وهو يتكلم عن حصيلة حزبه، وقد وجدت هذه المقولة صحيحة. بالإضافة إلى ذلك، أقول أنه كان يمكن للتجربة أن تكون منعرجا، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. وكأنه قدر علينا أن تكون المنعرجات التي نعيشها متقطعة، وتأتي على شكل موجات. كما أن البعض يربط ما حدث من تراجعات، بالعهد الجديد، وبالأحداث الكبرى التي طبعت هذه المرحلة، مما أضعف من قوة مشروع التناوب، لصالح قضايا أخرى، من قبيل، الذاكرة السياسية، والإنصاف والمصالحة، وقضية وضعية بعض الرموز، مثل "تحرير" عبد السلام ياسين، ودخول السرفاتي، وهي أحداث كان لوقعها السياسي كبيرة، وتجعل من المنعرج الذي كان يشكله التناوب، نسبيا.وبعد ذلك ستطرح هذه المبادرات نفسها بكونها مستقلة عن دينامية التناوب، كما أن التناوب نفسه، ساهم في خلق الأجواء التي مهدت لهذه الأشياء. وإجمالا، أقول بأن تجربة التناوب كانت ثقيلة من حيث وزنها، لكنها تجربة غير مكتملة، وبالتالي تحولت إلى تجربة نسبية، ولم يحدث ذلك التحول الذي يجعل المجتمعات تخرج من السلطوية النسبية إلى الديمقراطية الحقيقية، وما زالت سيرورة الانتقال طويلة وغير محدودة. وأذكر أن الأموي قال لي في بداية حكومة التناوب، انتظروا، سيهجمون عليكم من حدب وصوب، وسيتربصون بكم، فأنتم جاهزون لهم للتناول. كما أن الأموي سألني يوما بصدد وزارة التعليم: منذ كم لم تقرأ طه حسين، قلت له منذ مدة طويلة، قال لي: عد إلى كتابه حول التعليم. وفي ذلك الوقت، تذكرت أن مسألة التعليم ليست مسألة بسيطة، لأنها ليست عمومية تقنية كباقي السياسات، بل فيها عناصر أخرى، قوامها الالتزام، ضلعه الأساسي هم المثقفون والأساتذة والطلبة. وبالتالي فإن الإصلاح هنا ليس تقنيا، لأنه قائم على المصداقية. والعمل في مجال التعليم، هو عمل في مجال حيوي، لأنه يهم صناعة الإنسان. - في تلك المرحلة، كان هناك وعي كبير بأن التعليم والمدرسة في المغرب، في أسوأ حالاتهما، هل كان خطاب أزمة التعليم أحد عوائق إصلاحه؟ * من الملفت للنظر أن خطاب أزمة التعليم، هو الخطاب الذي بدأنا به منذ الاستقلال،وقد نشرت، أنا وآلان غوسيون في هذه الصدد كتابا، جمعنا فيه الكتابات التي تناولت أزمة التعليم منذ الاستقلال إلى الآن، واكتشفنا أن هذه مقولة الأزمة مقولة ثابتة في الخطاب حول التعليم. وقد استعمل خطاب أزمة المدرسة المغربية، حتى وإن كان له ما يؤسسه، لأغراض مختلفة. وحسب تقرير البنك الدولي الشهير، فإن هناك إشكالات في التعليم الأساسي وفي التعليم الثانوي وفي التعليم العالي، حسب التقرير، وهو يقدم بعض الحلول، وبعض التوجهات الكبرى. ولذلك لا يمكن التفكير في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بعيدا عن تقرير البنك الدولي في 1995، الذي وردت الإشارة إليه في الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان في تلك السنة، كما أن كل الصحف الحزبية نشرته كاملا. لقد كانت رجة قوية وصادمة، لكننا وسيرا على عادتنا، تعاملنا مع تقرير البنك الدولي وكأنه كتاب مقدس.، يجب الامتثال لبنوده بشكل حرفي. بعد تعيين حكومة التناوب، تم طرح هذا الموضوع، إبان الاتفاقات بين الملك الراحل والوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، وقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة تكون ممثلة فيها كل الحساسيات، وهي التي انبثق عنها الميثاق الوطني للتربية والتكوين،مع العلم أن المضمون الأساسي للميثاق كان موجودا، في التوصيات وفي خلاصات الأيام الدراسية والندوات. ولم يكن أبدا سهلا تجميع الملاحظات، وصياغتها وتبويب الأولويات، في إطار جديد يمنح نفسا للعملية التعليمية برمتها. وقد وجدت الكثير من مقتضيات الميثاق، ومن أفكاره في محاولات سابقة وفي الدراسات التربوية التي أنجزها المختصون بمجال التربية والديداكتيك في المغرب. وعليه أقول أن الميثاق لا سيشكل قطيعة، بل صياغة أجندة، لكنها في رأيي لم تكن واقعية، لأن القرارات من هذا القبيل، لا يمكن أن تأتي من فوق بل يجب أن تكون نابعة من حاجة. ثم الدخول في الصيغة التي يمكن أن تكون عليها الباكالوريا، فهذا ليس من اختصاص النقابات والأحزاب، بل هو عمل يخص الخبراء المشتغلون بالمجال التربوي. - ماهي نوع الصعوبات التي اصطدمت بها في تجربتك الوزارية، وبالأخص في السنوات الأولى لتطبيق الميثاق؟ * كنت أطرح السؤال على نفسي، أين يقف عمل اللجنة الوطنية للميثاق، وعمل مكاتب الدراسات. لقد كنت أستغرب من الدور الممنوح لمثل هذه المكاتب، والتي يقتصر دورها كما هو متعارف عليه، في التدبير التقني وتسهيل التنفيذ، أما رسم السياسات العمومية، والدخول في قضايا بيداغوجية دقيقة، من الصعب تسليمها لمكاتب الدراسات. وفي جميع الأحوال، أنتج نص سمي ب"الميثاق"، وتم تحديث هذا النص، لكونه حضي بالإجماع. ونحن في الوزارة سجلنا البعد الاستراتيجي للميثاق، وطالبنا بأن يدخل ضمن مخطط تنفيذي، لكن لا حظنا بأنه يتم التعامل مع الوزارة وكأنها موظفة عند الميثاق. وبالنسبة لي تعاملت منع الميثاق كعنصر إغناء، في حين تعامل معه الآخرون، كآلية لمراقبة الحكومة. آلية فوق مؤسساتية لمراقبة الحكومة، كما لا أستبعد استعمالات أخرى ذات طابع سياسي، والتي فيها نوع من "الاعتياش" السياسي، لبعض الكائنات التي لم تعد موجودة في الساحة السياسية. وكان أن تحول الميثاق إلى عبء على الإصلاح، وأصبحت هناك برلمانات موازية، وشراح يفسرون ما يحلو لهم، بينما كنا نحن مدفوعين بهاجس إنجاح تجربة التناوب، من منطلق المسؤولية الأخلاقية والسياسية، التي كانت تجعلنا نتعفف عن الدخول في صراعات جانبية. لقد كانت تجربة عنيفة، حتى من ناحية التوازن النفسي، وأذكر أنه في لحظة طرح علينا أن ندخل ضمن ما سمي ب"لجنة قيادة الإصلاح"،أي أن الوزارة ستصبح عنصرا ضمن لجنة، وهنا مكمن التناقض، أي نتحول من العمل المؤسساتي الحكومي ضمن البرنامج السياسي الذي جاءت من أجله حكومة التناوب، إلى مجرد دور تقني في لجنة تقنوقراطية. - لنعد على مرحلة البدايات، كيف عشت طفولتك، أين، من هم رفاق دراستك في تلك الفترة، وما هي الأحداث والكتب والأشخاص الذين أثروا في طفولتك؟ * عشت طفولتي ومراهقتي في مدينة الدارالبيضاء، أقمنا في البداية في سيتي بلاطو قرب درب غلف، وكنت أدرس في بالميي، وبالتالي كنت أمر درب غلف أربع مرات في اليوم، مع ما يعني ذلك من مخاطرة. عشت طفولة مثل أقراني، وفي سن المراهقة، انتقلنا إلى منزل قرب الاتحاد المغربي للشغل في شارع الجيش الملكي، وهناك عشت مرحلة الثانوي، وارتبطت بأماكن مثل شارع محمد الخامس وشارع علال بن عبدالله وشارع الجيش الملكي والميناء. وهنا أيضا كان ينظم سنويا احتفال فاتح ماي للنقابة شبه الوحيدة والأساسية، الاتحاد المغربي للشغل. احتفالات كان يطبعها جو خاص. درست في المرحلة الإعدادية في لوبتي ليسيه، الذي أصبح يسمى ابن تومرت، والذي كان يخضع للنظام التعليمي للبعثات، وفي المرحلة الثانوية، درست في ليسيه ليوطي، وهناك نلت الباكالوريا.لذلك فأنا ابن درب غلف وابن لا ميسيون وابن ليسيه ليوطي. بينما درس باقي إخواتي في الإمام مالك وفي محمد الخامس والخوارزمي. _ هل كان مخططا لك أن تكون خريج ليسيه ليوطي؟ * لم يكن ذلك مخططا، كان الأمر صدفة، ورغم ذلك كان والدي حريصا على أن أتمكن من اللغة العربية ومن أسسها، ومن حسن حظي أن الكاتب والقاص المغربي إدريس الخوري كان أستاذي في الدروس الخصوصية في اللغة العربية، حيث كنا نتلقى على يديه أنا وإخوتي دروس تقوية في البيت. _ هل عشت بعض أجواء الحركة التلاميذية وأنت ابن ليسيه ليوطي؟ * دعني أقول لك أنه في سنة 1967 كنت المغربي المسلم الوحيد في قسم الباكالوريا، والباقي إما يهود مغاربة أو فرنسيون، وقد كان قسما مختلطا، والأقسام المختلطة في ذلك الوقت كانت تمنح امتيازا خاصا. وفي تلك السنة، وقعت حرب67، فكان أن خلقت في نفسي رجة كبيرة، وصدمة قوية وعنيفة، واهتممت بها من بدايتها إلى نهايتها. وفي قسم يدرس فيه يهود مغاربة، من الأكيد أنهم كانوا يتابعون أخبار ما يجري، كنت أشعر أني معني بشكل مباشر، وكان لي صديق يهودي هو"سيمون" وكان جارا لنا في سيتي بلاطو، سألني مرة، عن رأيي في ما يحدث، قلت له أن عبد الناصر جاء لينهي المهزلة وسننتصر في الحرب. فرد علي: لا تكن أكثر حماسة، حتى لا يكون وقع الخيبة عليك أمض. كان يتوفر على معلومات أفضل مني، عن الحرب وعن موازين القوى، في حين كنت أبني توقعاتي على ما تنقله لنا إذاعة صوت العرب. وهذه الواقعة كان لها أثر كبير في تكويني السياسي. - عشت الصراع الذي كان يعرفه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب؟ * عشته كاملا، وبكل فصوله، ومن أصدقائي في تلك المرحلة، كان هناك عبد الواحد بلكبي، الوجه البارز في الحركة الطلابية. من المهم الإشارة إلى أني كنت أرغب في دراسة السينما، وقد تلقيت تكوينا سينمائيا في الأندية السينمائية، وكنت على معرفة دقيقة بسينما غودار وفيللني وغيرهما، وقد كان من المفروض أن أحصل على منحة للدراسة في معهد ميلانو للسينما، لكني غلبت الاختيار الأخير. وعندما جئت إلى الرباط، من أجل أن أحصل على المنحة، كانت المنحة التي حصلتها خاصة بشكلية الحقوق، بينما كنت أريد أن أدرس الفلسفة، فتسجلت في الشعبتين في الوقت نفسه. وفي كلية الحقوق كان أصدقائي من رموز باء، أي 23مارس، بينما الرموز الأقرب إلي كانوا في كلية الآداب، كان هناك، المنبهي وعبد العزيز الوديي، في ألف. وكنت في المؤتمر الخامس عشر في لائحة المؤتمرين في الجبهة. وفي تلك السنوات، من بداية سنوات الرصاص، وفي الخزانة العامة في الرباط، قرأت فرويد كاملا، وقرأت هايدغر، وأكملت نيتشه. كان اهتمامي بالسياسة قويا، غير أني كنت مركزا على دراستي، وبالنسبة لي كانت الأولوية للتكوين الأكاديمي أولا، وأنه لكي أكون مناضلا حقيقيا، يجب أن أدرس جيدا. - لكنك كنت أقل رفاقك تعرضا للمضايقات ولم تتعرض للاعتقال على غرار طلبة السبيعينيات؟ * من المهم الإشارة إلى أن الاعتقالات، ستبدأ مباشرة بعد سفري إلى باريس للدراسة سنة 1971، وأتلكم هنا عن الاعتقالات الطلابية، والتي بدأت في سنة 1972، ولا أتكلم هنا عن الآخرين، الأكبر منا سنا، والذين كانت لهم مشاريع لتغيير المجتمع خاصة، بل أتحدث عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. لكن حصلت لي بعض المضايقات، وبعض الملاحقات، غير أنها لم تستمر، وبعد أن أصبحت أستاذا مساعدا في الجامعة، تم استدعائي ل "الحديث" معي في 1977، والسبب هو أني لم أكن بارزا على المستوى التنظيمي، ولم يكن مشكوك في. ثم استدعائي ، وكنت خارجا من اجتماع للنقابة الوطنية للتعليم، والتي كان فيها بضع أساتذة، والذين سيشكلون أعمدة الحياة السياسية، ومنهم اسماعيل العلوي وعبد الواحد الراضي ومحمد المالكي وفتح الله ولعلو الذي كنت وإياه بمثابة الشبيبة. كنت خارجا من الاتحاد المغربي للشغل، تمت ملاحقاتي رفقة زميل، وطلبوا منا هويتينا، وسألانا عن طبيعة الاجتماع والنقاشات، كانوا يعتقدون أننا الحائط القصير. ومن أغرب الوقائع، أن الخلطي، عرض علي صورة لشخص يشبهني ويضع أيضا نظارات، وهو عضو في المكتب السياسي للتنظيم وهو الذي أعاد ربط الصلة بين الداخل والخارج في تنظيم 23مارس.طبعا نفيت معرفتي بالشخص. - وهل كانت لك معرفة بالشخص المقصود؟ * كانت لي علاقات بطبيعة الحال، ولم أكن أنا ذلك الشخص المقصود، لكني فهمت معنى التقارير البوليسية، والتي كانت في أغلب الأحيان، قائمة على خلق عدو وهمي، يؤسس ويشرعن البولسة. إن التقارير البوليسية، تخلق ملامح وصفات لأشخاص ليست هي، ويمكن أن أدعي بأن ذلك الشخص المقصود هو أنا، كما أني تعرفت على بعض الأشياء المشابهة، وقمت ببعض المهام التنظيمية، لكن ليس كما يرويها التقرير البوليسي. لذلك فإن المعطى الاستخباراتي فيه إشكال كبير، مع العلم أن إنتاج المعلومة له قانون ومنهج خاصين. ولم يسبق لي أن اعتقدت أنه حتى الإخوان الذين اعتقلوا، وأمضوا سنوات في السجن، يوجد من يترجم حياتهم في شكل سجل بوليسي مضبوط يعبر حقيقة عنهم. وبالتالي فإن الانتقال الديمقراطي سيكون صعبا، لأن المعلومة معلومة ولا تحتمل أي غموض، ويجب أن تكون دقيقة، مادام أن المعطى الاستخباراتي نفسه غير دقيق. - بالنسبة لتجربتك في منظمة العمل، كيف كان موقعك السياسي، وهل اكتفيت بدور مثقف الحزب. * تجربتي السياسية في منظمة العمل بدأت في منظمة 23مارس، وبعد ذلك لما خرجنا من السرية ودخلنا إلى العمل السياسي العلني، مع ما صاحب ذلك من نقاشات طويلة طويلة. وأول ع لاقة تنظيمية لي كانت مع محمد الخماس، الذي كان مسؤولا عن التنظيم في الداخل، وكان لهذا اللقاء طابع لا شكلي، بسبب ظروف القمع التي كانت سائدة في ذلك الوقت، كانت تلزمنا بأن لا نعرف أكثر من اللازم، وكانت هذه منهجية في السلوك السياسي، إذ كان يفضل في المناضل أن لا يكون يتوفر على أخبار كثيرة، وأن يعرف في حدود مضبوطة ما يجب أن يعرف، وعليه أن يتحلى بالكتمان الشديد، وأن لا يبوح بأسراره لأقرب المقربين. وهذا من أبجديات العمل السري، وبالتالي فإن ثقافة الكتمان تجدرت في داخلي منذ ذلك الوقت شأني شأن باقي رفاق المرحلة، وكنا نعرف في التنظيم أن لهذه الثقافة إيجابيات، لكن لها في الوقت نفسه عواقب قوية. فالمعلومة في ذلك الوقت كان يدفع من أجلها ثمن باهظ. وهذا منحني القدرة، أنه مهما كان وفي أي وضع كنت، لا يمكن أن أخترق من أي أحد. وقد سجل هادي مهدي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية، في لقاء لي معه، التحفظ الذي كنت أبديه والمعلومات الشحيحة التي جدت بها عليه، وسألني عن السبب في كل هذه الحيطة، فقلت له إنها من تبعات العمل السياسي السري. ولذلك لما أرى هذه "البلابلا" التي تأكل ألسنة الكثير من السياسيين، أقول أني لست خجولا من نفسي وأني فخور بتلك الثقافة التي تربينا عليها في منظمة العمل إبان مرحلة السرية. - هل بدأنا نعيش الآن، ثقافة الوشاية؟ * بالفعل، فما نعيشه الآن هو ثقافة الوشاية من أصغر دائرة إلى أكبر دائرة، ولنأخذ مثالا على ذلك، أن أقل حديث يمكن أن تحكيه لصديق تجده في اليوم التالي مفصلا على موائد الآخرين. ولا أدري هل هذا يتعلق باستسهال الأشياء أو بالعمالة. حتى تلك الحفلات التي كانت تنظمها السفارات، والتي حضرتها في البداية، غير أني قاطعتها لما رأيت أن ذلك هو المكان المفضل من قبل الدبلوماسيين لإنتاج المعلومات، وجدت أن هذا مكان لائق لتبادل المعلومات، حول النظام أو غيره. هذا وضع لا يليق بالمناضل، بل لا يليق بالمثقف، الذي يقدم تحليلا لفرنسي أو لإنجليزي أو لأميركي تحليلا عن وضعية بلاده، وهذا يمارس الآن بشكل كبير وأصبح "مهيكلا" ويمارس في الفضاء العمومي على نطاق واسع، وبالأخص أن السياسة أصبحت عندنا مجرد تبادل للكلام. ومنظمة العمل ، كانت درسا في"اجمع راك وكول راسك يجمع راسو"، وكانت العلاقات بين المناضلين تتسم بالحميمية والدينامية والبناء، وقد طبعتنا إلى حد الآن. ومن أهم اللحظات التنظيمية الراقية سياسيا في المغرب، هذا بالنسبة لي شخصيا. لقد كان حماسنا أننا بصدد تأسيس شيء غير مكتمل وطموح وغير موجود في التجارب السياسية السابقة. وأذكر أنني قدمت في الندوة الوطنية الأولى للحزب ورقة بعنوان "من أجل ملكية دستورية حقيقية"، وكان فيها نقاش طويل عريض، ورفضت الورقة لأنها اعتبرت متطرفة وراديكالية، وأذكر أن الأخ الحبيب الطالبي هو من تزعم حركة الرفض هذه. - متى بدأ التغير في منظمة العمل؟ * قبل ذلك ، أريد أن أنطلق من لحظة أساسية ، وهي الانتخابات البرلمانية لسنة 1984، طلب مني التنظيم أن أترشح في القنيطرة، وبدل مصطفى مسداد والراحل حسين كوار، جهدا كبيرا لإقناعي بالترشح، بدعوى أن المنظمة خرجت للتو من السرية، وهي محتاجة للتعريف بها في وسط الجماهير. هذه لحظة أساسية، لأنها كانت تبين إلى أي حد كان المناضل زاهدا، لكن مرحلة التحول الكبرى ستبدأ في التسعينات، حين بدأ الهجوم على القيادات الحزبية، وبدأ نوع من الصراع حول عضوية اللجنة المركزية، ثم بدأت الإرضاءات، ثم بدأ الصراع حول المكتب السياسي، وانتهى الأمر بتغير جذري في طبيعة العلاقات النضالي. وفي الوقت الذي بدأت فيه المنظمة تتسع على المستوى التنظيمي، بدأت المشاكل، وهو ما أدى إلى الانشقاق، وهو ارتبط بقدرة القيادة في تلك الفترة على تدبير الخلاف. - هل كان الانشقاق قدرا محتوما؟ * لم يكن الانشقاق قدرا محتوما، بل هناك مسؤوليات فردية. كانت هناك أزمة، لكن كان يمكن حلها، وهنا دور التدبير. وأذكر أنه في تلك الأزمة، جاء عندي صديقي الفقيه البصري وصديقي أبو بكر الحيحي، وطلبا مني التهدئة، حتى يعود عبد الرحمان اليوسفي من السفر، وكانت الرغبة هي المحافظة على المنظمة موحدة، كورقة سياسية، للتفاوض مع النظام. وفي تلك الأثناء بدأت الحملة العنيفة على "ندوة حسان" وخرجت العبارات الحربية إلى العلن. والغريب أن ذلك يحدث بين رفاق المنفى، عرفوا ظروف الحياة الصعبة والقمع، خصوا أن الحملات امتدت إلى الحياة الشخصية. كنت مصدوما من هذا العنف في جلد الذات. - وما موقع تدخل الداخلية في فرم جسد المنظمة؟ * نظرية المؤامرة، نظرية مهزوزة، لأن تدخل الداخلية في شق المنظمة، هذا أمر غير صحيح، وأستطيع أن أقول لك، أن الدولة فاجأها انشقاق المنظمة، ولما اتصل بي إدريس البصري، طلب مني أن نوقف الصراع وأن لا تذهب الأمور نحو الانشقاق، وقال لي في الهاتف، "ها هو معاي بنسعيد، وقفوا ذاك الشي، ما فيكم مايتقسم". لا أدري، من خلال اتصال البصري بي، هل أراد أن يعطي الانطباع لبنسعيد بأنه متحكم في العملية أم ماذا. وأنا أحمل بنسعيد مسؤولية ما وقع ، لأنه لم يستطع تدبير الخلاف، بعد أن كنا توصلنا إلى تدبير الخلاف. لقد كان الانشقاق خطئا فادحا، ونتائجه كانت وخيمة على الطرفين. .......................... مؤطرات لجنة الميثاق تتحكم في كل شيء ومهما تم تعنيف تجربة التناوب، فإن التاريخ سيجيب، ولذلك أقول لا تثقوا كثيرا بهؤلاء، لأنهم كانوا منافسين ومعرقلين، وكانوا، في العمق،خصوم التجربة. وتدريجيا، أصبح الميثاق عبئا، وبحكم ثقافتي أعرف ما معنى قيمة الزمن، وأن الواقع هو الذي يفرز الصحيح من الخطأ، وأؤكد أن ما أنتجناه في وزارة التربية الوطنية في تلك الفترة على المستوى القانوني والتشريعي وعلى مستوى البرامج. وقد ذهبنا في اتجاه الميثاق في مشروع إصلاح الباكالوريا، وحضرنا كل شيء، وقبل شهر من تاريخ إجراء امتحانات الباكالوريا، سألت الأمين العام للحكومة آنذاك عبد الصادق ربيع عن مصير القرار، فأجابني أنه سيعرض على لجنة الميثاق، وأخبرني أن أي شيء يأتي من الوزارة يعرض أولا على "لجنة الميثاق". وقتها اكتشفت هذا الاتفاق السري في آخر محطة من الميثاق. اكتشفته بشكل ملموس، ولم أكن أتوقع أن تكون الأمر بهذا الشكل. ثم طلبت من اليوسفي أن يضغط، على مسافة أيام من امتحانات الباكالوريا. وكخلاصة، فإن الميثاق تحول إلى عبء على الإصلاح، وأصبح وسيلة للضغط وامتحان القوى، ومسألة من يمتلك النفوذ، علاوة على الدسائس السائدة في أوساط السلطة. على الميثاق أن لا يصبح مثل الكتاب الأحمر، لا يناقش، بل أصبح كأنه نص مقدس، به يبدأ الكلام، وبه ينتهي، ولذلك لا بد من الخروج من إيديولوجية هذا الميثاق، لأنه خطاب براني ومسكوكات، أيضا الخروج من الخطاب الكارثي حول التعليم في المغرب. ....................... قارئ نيتشه وماركي وماوتسي تونغ - ماهي القراءات التي أثرت فيك في تلك الفترة، وصنعت رؤيتك للعالم؟ من بين القراءات الأساسية، التي مارست تأثيرا علي، هو قراءتي لأعمال نيتشه، وقد قوى رغبتي في دراسة الفلسفة في المرحلة الجامعية، وادرسها أيضا، لقد كان اختباري في الحياة واضحا، أن أصير أستاذا. تدريجيا سأقرأ كارل ماركس، وشاءت الصدفة في تلك السنة، أن أحصل على مجموعة النصوص الخاصة بماوتسي تونغ، وقد قرأت هذا الثالوث بنهم. الشيء الذي جعلني أنفلت من كل دوغمائية، وأن لا أبقى سجينا لرؤية واحدة، وبالتالي منحنى نوعا من الحرية. لا تنس أني عشت أحداث 1965 في المنطقة القريبة من سطاد فيليب، ومن هناك سمعنا صوت الرصاص حتى ساعات متأخرة من الليل، ثم عرفت ما حصل، وفي الجامعة، التقيت بالطلبة الذين عاشوا 65 في أزقة الدارالبيضاء ن قرب. هذا هو الديكور العام. وفي مرحلة الجامعة دخلت في منظومة الجبهة، ولمن ألتحق لا بألف ولا باء، ولكن علاقتي بدأت تتوطد أكثر بشباب 23مارس، وكان هذا هو الاتجاه الذي غلب في ما بعد. ........................... صديقي بيير شوفينمان - مرحلة باريس، كيف عشتها؟ في مرحلة باريس، عشت أربع سنوات كاملة زيادة على سنوات تحضير رسالة الدكتوراه، وقد استكلمت دراستي في الحقوق وعلم السياسة وفلسفة القانون في باريس الثانية، والفلسفة في السوربون، في فترة مجدها وأساتذتها الكبار. كنت أركز على الدراسة أولا، مع متابعة للحياة السياسية.كان هناك التزام وحضور. ومن بين تعرفت عنهم في تنظيم23 مارس كان ابن عزوز، وهو الذي كان حلقة الربط الأساسية بالنسبة لي، بالإضافة إلى عواد عبد اللطيف وعدد آخر من الطلبة المغاربة الذين كانوا يعيشون نفس وضعي، وهمهم متابعة الدراسة مع انفتاح على الحياة السياسية. وفي الكوليج دوفرانس لم أكن أفوت أي درس لجاك لاكان ولا لريمون آرون، وخاصة درسه في قراءة كلزوفسكي، وجاك بيرك، كما انضممت إلى مجموعة بحث يؤطرها ميشيل فوكو، بالإضافة إلى ولعي بالسينما. وباريس كانت تعني ، قليلا من السياسة وقليل من الدراسة وكثيرا من الثقافة. أقمت في زنقة في السان جاك قرب مخبزة، وفي جهة ما ، كانت هناك الكنيسة، وأثناء خروجي في يوم من الأيام، عندما كنت خارجا من المخبزة، قرأت لافتة للحزب الشيوعي الفرنسي، خلية الحي. توجه نحوي أحد الشباب، وقدم لي نفسه، وقال بأنه من الحزب الشيوعي الفرنسي، تعرفنا، وطلبوا منها أن نلتقي، ومن ذلك الوقت، بدأت علاقتي بالحزب الشيوعي الفرنسي. تعرفت على ماركوز، وسياسيا الصداقة الأقوى كانت مع بيير شوفينمون، وظلت صادقتنا مستمرة حتى الآن. .................... القدرة على تركيز الضربات فهمت أنه حتى في تنظيم سياسي جميل مثل المنظمة، توجد فيه، أيضا، التكتيكات والمناورات، واعتبرت أنني لست ساذجا بل بليدا، لأنني تركت نفسي أعزل، حتى أن رفاقي الذين ساندوا ورقتي في البداية عادوا وصوتي ضدي في لحظة الحسم. لقد تصرفت مثل أكاديمي مع ورقة سياسية. وما زال إلى اليوم، لم يقدم لي الرفاق الذين كانوا يساندونني تفسيرا لتغيير لسلوكهم السياسي. وتفسيري، أنهم أمام العنف النظري والسياسي للحبيب الطالبي وقع ذلك التراجع. كنت أظن أن المنظمة مكان استثنائي، لكن تبين أن هناك حسابات وتخندقات، وهذا راجع إلى أننا كنا في سن السن ونملك نفس المشروعية، كان هناك عناد أكبر مما هو سباق نحو المواقع القيادية. وهذا سيكون من الأسباب الرئيسية لما ستعرفه المنظمة، مع الإشارة أنه لست وحدي من تعرض لمثل هذا "المقلب"، وليست آخر مرة، وأنا مذكور في الأدبيات، أنني كنت الوحيد الذي صوت ضد المقترح الذي يضع كشرط أنه ما لم تتوفر شروط النزاهة فإن المنظمة لن تشارك في الانتخابات الجماعية. وقد صوت الجميع على التوجيه، ما عداي، وكان تفسيري أن الانتخابات تجربة مفتوحة، ولسنا مضرين لوضع شروط لمشاركتنا في الانتخابات، يمكن أن يكون قرارنا داخليا، حتى لا نضطر إلى التراجع عن الموقف في المستقبل. المنظمة أيضا، هي القدرة على تركيز الضربات بعنف وقسوة، ففي إحدى دورات اللجنة المركزية، تلقى الحبيب الطالبي لكمات طيلة الدورة، دون أن يذكر اسمه، لكن الكل كان يعرف أن الكلام يدور عليه. تجب الإشارة إلى تأسيس منظمة العمل جاء في مناخ سياسي داخلي معتم وحساس، وبالتالي كانت مغامرة في شق الحجب السياسية، وكرست ممارسة في غاية الأهمية، ووطدت علاقات لا يمكن أن تنسى. وحتى بعد الانشقاق، وما صاحبه من عنف لفضي، ما تزال الكثير من علاقات الصداقة بين من ذهب ومن بقي قوية.