من فرط غيظي على زمن انعدمت فيه قيم عليا كالشجاعة و المروءة ، قيم كنت الى عهد قريب أظن ألا أحد يسبقنا _ نحن المسلمون _ فيها . بدأت أبحث عنها في كتب السالفين في هذه الأمة . و أنا أطالع كتابا يتحدث عن شجعان العرب و جبنائهم عبر التاريخ قرأت ما يلي : إن من أجبن العرب رجلا يدعى أبو حشية النميري ، اتخذ سيفاً من خشب ، فكان يجلس في آخر قبيلته عند القتال ، فإن انتصروا ضارب معهم وإن انهزموا فرّ و كان يسمي سيفه ملاعب المنية و يعرضه أمامه و يقول : يا سيف كم من نفس أهدرتها و كم من دم أسلته . قال عنه ابن قتيبة في عيون الأخبار وصاحب العقد الفريد : دخل كلب في ظلام الليل بيته فخرج هو و زوجته من المنزل و تناول سيفه الخشبي و قال : الله أكبر وعد الله حق . فاجتمع أهل القرية و قالوا : مالك ؟ قال: عدو محارب انتهك عرضي دخل عليّ بيتي و هو الآن في البيت، ثم قال: يا أيها الرجل إن تريد مبارزة فأنا أبو المبارزة و إن تريد قتلاً فأنا أم القتل كله و إن تريد المسالمة فأنا عندك في مسالمة قال : فبقي يضرب الباب بالسيف و ينادي فلما أحس الكلب بجلبة الناس خرج من بينهم فألقى السيف من الخوف و قال : الحمد لله الذي مسخك كلباً و كفانا حرباً . كدت أستلقي من الضحك ، و أنا أقرأ سيرة هذا الجبان ، الذي يتخيل نفسه محاربا مغوارا ، و بطلا لا يشق له غبار ، و لكن ومع انتهاء نوبة الضحك ، شعرت بحرقة تملأ جوفي من أدناه الى أقصاه فقلت مخاطبا بطلنا المغوار : عفوا وعذرا يا أبا حشية النميري... عفوا وعذرا !! فوالله مع جبنك وشدة خوفك لأنت بطل بالنسبة لحكام زماننا ، أذناب الامريكان... الذين لا يُظهرون قوتهم إلا على شعوبهم ، لقمع المظاهرات والاحتجاجات وكم الافواه وقطع الألسنة التي تكشف عوراتهم و تبين مدى استبدادهم و طغيانهم . عفوا يا أبا حشية ... !! فرغم جبنك حميت أسرتك من الكلب ، و لم تتركه ينهش أجسادهم الصغيرة ، و حكامنا بدل أن يحمونا ، أدخلوا علينا كلاب الغرب و الشرق لينهشوا أجساد بناتنا ، و جعلوا بلادنا قبلة لكل فاسق منحل ، يرتع فيها فسادا بالليل و النهار دون أن يستطيع أحد منا فتح فمه بكلمة . عفوا وعذرا يا أبا حشية ... فأنت مع جبنك كنت أكثر حماية لدينك وعرضك وغيرة لأمتك ونصرة لنبيك صلى الله عليه و سلم من حكام همهم الأول و الأخير على الالتصاق بكراسيهم ، و تكديس ثرواتهم ، و ابعاد شعوبهم عن دينهم ، بمهرجانات العري ، و تلفزيون الانحلال ، و المبادرات الوطنية للميوعة . و مما جاء في كتاب بدائع السلك لابن الأزرق : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل عمرا بن معد يكرب الزبيدي عن أجبن رجل لاقاه فقال: يا أمير المؤمنين كنت أشن الغارة فرأيت فارساً لابساً لأمة الحرب، وهو راكب على فرسه فقلت : يا بنىّ خذ حذرك فإني قاتلك لا محالة، فقال لي: و من تكون ؟ فقلت: عمرو بن معد يكرب فسكت ودنوت منه فوجدته قد مات، فهذا أجبن من لقيت. نسلي أنفسنا بتاريخ كان فيه أعداؤنا يموتون لسماع أسماء أبطالنا ، و نبلع حرقتنا على دويلات سخر منها أحفاد القردة و الخنازير ، و داست على كرامتها كل الأمم ، و إذا لم يتداركنا الله برحمته فلننتظر الحديث الصحيح: (ويل للعرب من شرٍ قد اقترب)،