كان أحمد ولد سويلم أوّل الراحلين. وقد غادر الكادر القيادي في "البوليساريو" في تموز 2009 مخيّمات اللاجئين الصحراويين في تندوف في الجزائر عائداً إلى المغرب ووضع نفسه في خدمة ملكه محمد السادس. بعد أقل من عام، رُقِّي إلى منصب سفير المغرب لدى إسبانيا. وهذا الصيف، سلك الشرطي مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، 42 عاماً، المسار نفسه. لكنّه اعتُقِل في 23 أيلول فيما كان يحاول العودة إلى تندوف للبحث عن عائلته. تتّهمهما جبهة "البوليساريو" بالخيانة . يقول أحمد ولد سويلم مبتسماً "أعرف مولود جيداً. إنّه مفوّض شرطة فاعل وعنيد جداً. موقفه شجاع". ويصبح صوته أكثر توتّراً عندما يضيف "مولود هو رأس جبل الجليد، بمثابة إنذار. إذا لم يتحرّك شيء، سوف تحدث انتفاضات". إنّها لغة أقرب إلى الصدور عن رجل ملتزم ومتمرِّس في القتال منها عن دبلوماسي . يكتب الرجلان الفصل الأحدث في نزاع الصحراء الغربية: حرب المنشقّين. فعبر الانضمام إلى حفنة القادة الذين تركوا الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الصغيرة منذ بداية القرن الحالي، يسدّد أحمد ولد سويلم، الوزير المستشار السابق المكلَّف شؤون البلدان العربية، ومصطفى سلمى ولد سيدي مولود، مفتّش الأمن العام، ضربة قاسية لجبهة "البوليساريو". فمنذ ضمّ المغرب عام 1975 الصحراء الغربية التي كانت لا تزال مستعمرة إسبانية، يدير التنظيم المدعوم من الجزائر الصحراء التي أعلنها جمهورية . يؤكّد أحمد ولد سويلم أنّ 900 شاب عبروا الحدود بعده إلى المغرب، حيث ظروف الحياة أقلّ قسوة منها في مخيّمات تندوف. يقول "هناك حركة عودة حقيقية وصامتة " . سافر هو من الجزائر إلى مدريد، ومن هناك اكتفى بإعلام السلطات المغربية عبر الهاتف ب"عودته" إلى الرباط. يشرح "لديّ ابنة عمرها 25 عاماً وابن عمره 15 عاماً، وقد أشركتهما في قراري. انطلقت من دون مفاوضات سابقة ولا اتّصالات سابقة. لهذا استقبلني جلالته، وأنا فخور بذلك". إنّه رمز ونعمة بالنسبة إلى ملك المغرب . أُحرِجت الحكومة الإسبانية، فاستغرقت ثلاثة أشهر للموافقة على السفير الجديد. وها هو أحمد ولد سويلم ينتظر منذ ثلاثة أشهر الحصول على أوراق اعتماده من محمد السادس كي يتمكّن وأخيراً من الذهاب إلى مدريد. لا يهم. ففي الانتظار، يستقبل زوّاره في فندق كبير في الرباط. فهذا الرجل الصغير القامة ذو النظرة الثاقبة خلف نظّارة دائرية، والدمث، يتحدّث بلغة فرنسية ممتازة، ويبدو مرتاحاً في موقعه الجديد. أدّى أحمد ولد سويلم لفترة طويلة دوراً طليعياً في حكومة الجمهورية الصحراوية. شارك في صباه في إنشاء "البوليساريو"، ونادى بالنضال المسلّح منمّياً في داخله قوميّة شديدة مناهضة للمغرب. أما اليوم فيدافع بقوّة عن الخطة التي اقترحها المغرب وتقضي بمنح الصحراء استقلالاً ذاتياً، وينادي بالتسوية والتخلّي عن القتال. يقول "لم يعد هذا المسار يحمل أملاً". انقضى ثلاثون عاماً بين المقلبَين الأوّل والثاني للشخصية نفسها . وُلد أحمد ولد سويلم في الداخلة، وهي بلدة في الصحراء خاضعة للسيطرة المغربية، وكان والده شيخاً محترماً في قبيلة ولد دليم البدوية. أنشأ باكراً جداً، في مطلع السبعينات، خليّة سرّية في جبهة "البوليساريو". ثم تسلّق هرمية التنظيم، حتى إنه أصبح سفيره في غينيا-بيساو وبنما – حيث ساهم في الحصول على الاعتراف بالجمهورية الصحراوية في أميركا اللاتينية – وأنغولا التي كانت تشهد حرباً أهلية . بيد أن علاقاته مع محمد عبد العزيز، أمين عام "البوليساريو" ورئيس الجمهورية الصحراوية، تدهورت وصولاً إلى القطيعة الكاملة عام 2007. يؤكّد الدبلوماسي "طوال عام ونصف العام، كنت أردّد أمام كل أعضاء البوليساريو منبِّهاً: إذا كان لأحدكم شيء علي، فليقله. ماذا تقترحون؟ هل تقترحون القدَرية عقيدة لنا ؟ " . لم تكفِ محاولات رأب الصدع التي قام بها زعيم "البوليساريو" – ومنها تعيينه وزيراً مستشاراً مكلَّفاً شؤون البلدان العربية. يجزم أحمد ولد سويلم "حاول عبد العزيز رشوتي أكثر منه الاحتفاظ بي". يقول إنّ شكوكه وانكفاءه بدأت مع حالات الانشقاق الأولى في صفوف الكوادر عام 1988. وقد بقي هو في الجبهة. يعلّق "في مجتمع مثل مجتمعنا يقوم على الهرميّة القبلية ومجرّد من الوسائل، نحن من تحمّلنا مسؤولية النزوح نحو الحمادة [صحراء الحجارة]. كان من الصعب عليّ ترك كل هؤلاء الأشخاص " . وقد تبدّل موقفه بالكامل هذه السنة. فهو يبرّر التحاقه بالمعسكر المغربي مستخدماً الحجج نفسها، "أجسّد نوعاً من الشرعية القبلية"، ومبدياً رغبة قويّة في "قلب الأمور". ويدافع بإيمان المهتدين عن خطة الاستقلال الذاتي: "تولّد هذه المبادرة التي تستعيد روحية التسويات في الأممالمتحدة، ديناميّة لجمع الشمل في المنطقة بأسرها: فهي تحرّر الصحراويين من عقدة الدونية، والمغاربة من عقدة الفوقية، والجزائريين من الشعور بالالتزام". ويضيف "إذا كنّا مقدامين وشجعاناً بالأمس لخوض الحرب، يجب أن نتحلّى بالشجاعة لإحلال السلام " . تبدأ كل جمله ب"نحن الصحراويين..." وصولاً إلى هذه المقارنة الجريئة "يقال: لا يمكن أن نكون ملكيين أكثر من الملك. حسناً، أنا أقول إنّه لا أحد يستطيع أن يكون أكثر صحراوية منا " . يصدر أحمد ولد سويلم، من دون أن يندم على ماضيه، حكماً قاسياً على رفاق الدرب القدامى. فهو يؤكّد أن "البوليساريو تصبح أقلّ أصالة، وملحَقةً بالجزائر أكثر فأكثر. الاحتفاظ بصحراويين أصليين في الجبهة هو فقط من أجل الصورة " . عندما نذكّر المنشقّ بمهامه الجديدة، يصبح أكثر حذراً. أحداث هذا الصيف مع إسبانيا حول الجيبَين الإسبانيين سبتة ومليلة؟ يكتفي بالقول بأنّها "عاصفة صغيرة" عابرة. والأحداث التي وقعت خلال تظاهرة في العيون، العاصمة الصحراوية الخاضعة للإدارة المغربية، مع ناشطين إسبان موالين لجبهة "البوليساريو"؟ يجيب بحذر "يُظهر هذا أن المغرب بلد منفتح، لكن هناك قواعد يجب احترامها". إنّها قواعد كان السفير يجهلها في حياة سابقة . مناصرون لجبهة "البوليساريو" يجتمعون في الجزائر لقد حرص أصدقاء الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الصغيرة – التي أُعلِن استقلالها عام 1976 إنما لم تعترف بها الأممالمتحدة – على الحديث بصورة شبه يومية، وبدقّة شديدة التأنّي، عن الأحداث التي وقعت هذا الصيف بين ناشطين صحراويين والشرطة المغربية. واشتكى ناشطون قادمون من الكناري من تعرّضهم أيضاً لسوء المعاملة، وظهرت تشنّجات بين الرباطومدريد، قبل أن تدفن الحكومة الإسبانية الخلاف . هذه الشهادات أُبرِزَت خلال المؤتمر الذي نظّمته اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي الذي اختُتِم في 26 أيلول في العاصمة الجزائر. تقول مشارِكة فرنسية "كان الهدف تسليط الضوء على ناشطي العيون [العاصمة الإدارية للصحراء الغربية] الذين جاؤوا للإدلاء بشهادتهم، حتى لو كنّا نعلم أنّهم سيتعرّضون للضرب المبرّح لدى عودتهم. باتت هذه طريقتهم الوحيدة لإثبات وجودهم اليوم " . أمام 300 مشارك يمثّلون، بحسب المنظِّمين، نحو ثلاثين جنسيّة، اتّهم رئيس وزراء الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، عبد القادر طالب عمر، المغرب باحتجاز 151 سجين حرب و41 سجيناً سياسياً آخر. وقد نُشِرت صور وشهادات في الصحافة الجزائرية واعتُبِرت بمثابة حلقة جديدة في "مسلسل القمع المغربي"، بعد الإضراب عن الطعام الذي نفّذته المناضلة الصحراوية أمينة حيدر في أواخر عام 2009 . يشار إلى أن الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة إسبانية في السابق، تشهد نزاعاً مستمراً منذ خمسة وثلاثين عاماً بين جبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر والمغرب الذي ضمّ الصحراء إليه عام 1975. وفي نهاية يونيو الماضي، أبدى مبعوث الأممالمتحدة، الأميركي كريستوفر روس، تشاؤمه حيال إمكان التوصّل إلى مخرج إيجابي بسبب غياب "المفاوضات الحقيقية" وطالب ب"الحصول على الدعم في شكل خاص" من البلدان التي تتابع هذا الملف، وفرنسا منها . * المصدر : صحيفة " لوموند " الفرنسية ترجمة : نسرين ناظر لصحيفة "النهار" اللبنانية